خلينا نحسبها لست أدري ماذا أصاب شعبنا وشبابنا في الآونة الأخيرة!! لماذا صار الغضب أساسا؟! لماذا أصبح الرفض منهجا؟! ولماذا صار الهجوم على المجلس العسكري مثال الوطنية؟! ولماذا صرنا نَسبّ جيشنا الذي يحمينا ويحمي حدودنا؟! هل سأل أحدكم نفسه ماذا لو حدث هجوم عسكري على مصر الآن؟! إلى مَن سنلجأ؟! ومَن سنناشد لصدّ الهجوم؟! مَن سنأمل أن يُدافع عنّا؟! إنه نفس الجيش الذي يحلو لنا ألا نمارس حريتنا إلا بالهجوم عليه ليل نهار؛ بسبب أو دون سبب.. بمنطق أو دون منطق.. لقد اندلعت الثورة في مصر، وكان يمكن أن تتواصل لشهور وشهور، كما حدث في ليبيا.. أو يسقط لها آلاف الضحايا، وتُراق فيها أنهارا من الدم، كما يحدث في سوريا، ولكن الجيش انضمّ إلى الشعب، كما حدث في تونس.. انضمّ إلى الشعب ليحسم ثورته في ثمانية عشر يوما.. والذي أصدر القرار بالانضمام إلى الثورة، لم يكن الجنود وَصَف الضبّاط.. أو حتى الضباط الصغار.. لم يكن الجندي "حسن"، أو الشاويش "مجاهد"، أو حتى الملازم "هيثم".. لقد كان نفس المجلس العسكري الذي صار من البراعة أن نتهمه بالخيانة في كل يوم وساعة ولحظة.. والمجلس العسكري عندما اتخذ قرار الانضمام للثورة كان يجازف بوجوده كله.. وعندما أصدر بيانه رقم (1) -في غياب الرئيس- كان يضع عنقه على يده راضيا من أجل الوطن.. فببساطة.. كان يمكن للرئيس وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة أن يُصدر قرارا بعزل قيادات المجلس العسكري وتعيين بدلاء لهم، لن يتورّعوا عن اعتقالهم، وتقديمهم لمحاكمات عسكرية بتهمة الخيانة العظمى.. وربما انضمّ هؤلاء البدلاء المحتملون -والذين سينتقيهم النظام بعناية- إلى السلطة الحاكمة.. ويتغيّر مسار الثورة كله.. وفي هذه الحالة، كان يمكن أن يتم إصدار قرار بإعدام المجلس العسكري، بتهمة الخيانة.. كل هذا كان في اعتبار المجلس العسكري، عندما قرّر الانضمام للثورة.. خاصة أنه ليس أمرا بلا سابقة.. ففي عام 1971 -وبالتحديد في ليلة 15 مايو- قام أنور السادات باللعبة نفسها.. تمرّدت عليه كل التيارات في آن واحد.. الجيش.. والشرطة.. والإعلام.. ومجلس الشعب.. والاتحاد الاشتراكي.. وحتى قيادات المخابرات في ذلك الحين.. وهنا ولأن السادات سياسي قديم محنّك؛ فقد تحرّك في سرعة، وأصدر قرارا بقبول استقالة الجميع، وجاء بغيرهم، ليحلف اليمين الدستورية بديلا عنهم في الليلة نفسها.. وظفر بهم جميعا.. السادات فعلها.. وكان يمكن أن يفعلها مبارك.. والمجلس العسكري كان يعرف ذلك.. ويعيه.. ويضعه في الحُسبان.. وعلى الرغم من هذا؛ فقد اتخذ قراره.. وانضمّ إلى الشعب، وليس إلى النظام.. وحمى الثورة.. وهكذا انتصرت الثورة في ثمانية عشر يوما.. انتصرت في وجود مجتمع خلا من الأمن.. فوضى في كل مكان.. بلطجة وسلب ونهب.. انفلات أمني.. وأخلاقي.. واجتماعي.. ووقف الجيش يمارس دورا لم يعتَده.. وقف داخل المدن يحمي الأفراد والمنشآت.. وقف يعيد النظام.. والأمن.. والاستقرار.. ولأن هذا يخالف إرادة كل مَن يسعى لإفشال الثورة، كان من الضروري ضرب تلك العلاقة، بين الشعب والجيش.. الشعب كان يُردّد "الجيش والشعب.. إيد واحدة".. والعدو -كل عدو- كان يرغب في قطع تلك اليد.. وبشدة.. ومن مصادر عديدة، بدأ هجوم مسعور على الجيش.. وعلى المجلس العسكري.. ولأن المجلس العسكري هو واجهة الجيش؛ فقد بدأ الشعب الحقيقي -الذي يسخرون منه بتسميته "حزب الكنبة"- يرفض هذا الهجوم.. ويصرّ على الثقة في قواته المسلحة.. وفي مجلسها الأعلى.. وهنا بدأت لعبة منطق اللامنطق.. البعض بدأ يقول إنه لا يهاجم القوات المسلحة.. فقط المجلس الأعلى للقوات المسلحة!! والبعض اقتنع بهذا.. وصدّقه.. ولكن لو أنك تهاجم فقط المجلس العسكري؛ فلماذا تهاجم رجال الجيش الذين يحمون المنشآت؟! إنهم ليسوا من المجلس العسكري.. لماذا أطلقت النار على المجنّدين الذين يحمون مبنى الإذاعة والتليفزيون؟! إنهم جيشك.. وليس المجلس العسكري!! ثم لماذا تهاجم المجلس العسكري من الأساس، على الرغم من أنه يسير على الخطى التي أرادتها الثورة؟! أهي روح القطيع؟! الكل يُهاجم، فلا بد وأن أهاجم!! أم إنه الخوف من تكرار تجربة 1952، واستيلاء الجيش على السلطة مرة أخرى وتالية؟! ماذا لو أن أحدا عاقبك بشدة، وطالب بوضعك في السجن؛ لأن شقيقك الأكبر قد ارتكب جريمة منذ عشرين عاما؟! أيبدو لك هذا منطقيا؟! لماذا تريد إذن معاقبة المجلس العسكري؛ لأن غيره ارتكب خطيئة منذ نصف قرن أو يزيد؟! فكّر.. واحسبها.. وتساءل.. أَمِن الطبيعي أن نهاجم جيشنا طوال الوقت؟! أم إن هذا في صالح كل عدو لنا؟! احسبها.. يا شعب..