معسكر جوانتانامو الموجود في كوبا سيئ السمعة والذي كان أحد وصمات العار في جبين إدارة بوش السابقة بالإضافة إلى سجن أبو غريب وغيره، يبدو أنه سيستمر لفترة من الزمن باقياً كدليل قاطع على الديمقراطية الأمريكية الزائفة والتي تُطبق المعايير المزدوجة ضد العالمين العربي والإسلامي فقط. السبب في هذا الكلام هو ما تردد هذه الأيام عن عدم وفاء الرئيس أوباما بوعوده الانتخابية بإغلاق هذا المعسكر خلال عام -أي في يناير القادم- المشكلة ليس في تراجع أوباما عن فكرة الإغلاق من عدمه، لكن المشكلة في كيفية التعامل مع السجناء الحاليين الموجودين به والذي يُقارب عددهم ال225 سجيناً مِن جنسيات عربية وإسلامية مختلفة وليست هناك تهم محددة بحقهم الله إلا الاشتباه في علاقاتهم بالقاعدة مما جعلهم يمكثون في هذا السجن لمدة ثماني سنوات. هؤلاء السجناء بعضهم بريء، لكن تم انتزاع اعترافات منهم باستخدام أقسى وسائل الضغط والتعذيب بما يُخالف القوانين الأمريكية وحقوق الإنسان، ومعنى هذا أن تقديم هؤلاء للمحاكمة على اعترافاتهم أمر يخالف قواعد العدالة، والمشكلة كما تقول إدارة أوباما هي أن الملفات الموجودة عن هؤلاء المساجين منذ عهد الرئيس بوش ليست كافية، وهو ما تطلّب مزيداً من الوقت من أجل جمع مزيد من المعلومات عنهم. وهناك مشكلة ثانية مرتبطة بهؤلاء المتهمين الذين ثبتت إدانتهم؛ وهي: هل ستتم محاكمتهم أمام المحاكم المدنية أم أمام المحاكم العسكرية؟ وهناك مشكلة ثالثة تكمن في هؤلاء الذين سيتم إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة، حيث إن الولاياتالمتحدة ترغب في إيداعهم السجون مرة أخرى في دول أخرى -يعني ببساطة حبس مرة تانية لكن مش في جوانتانامو. بل يتردد الآن أن الإدارة الأمريكية تبحث إقامة سجن بديل لجوانتانامو داخل الولاياتالمتحدة ذاتها، بعدما رفضت الدول الحليفة لأمريكا استضافة هؤلاء، كما أن واشنطن تخشى من تسليمهم لدولهم الأصلية حتى لا يتعرّضوا للتعذيب! يعني مفيش حد حيشوف النور تاني.. وده اللي حيخلي القاعدة مستمرة في توجيه تهديداتها لأمريكا ولكل الدول المتعاملة معها بشن هجمات جديدة مادام أعضاء القاعدة موجودين بالسجن.. وده جعل البعض يشكك في أهداف أمريكا من بقاء هذا المعسكر وعدم إغلاقه، والإبقاء على تنظيم القاعدة من أجل استغلال هذا التنظيم كفزاعة من أجل ابتزاز العالم الإسلامي وإذلاله كما يحدث في العراق وأفغانستان والمسجد الأقصى المبارك. جوانتانامو خمس نجوم مما يُؤكد وجهة النظر السابقة هو الاهتمام الكبير من قِبل الإدارة الأمريكية بهذا السجن، لدرجة أنها رصدت له 450 ألف دولار من أجل إقامة ملاعب كرة قدم، وحدائق، ومصحات داخله لراحة السجناء.. وده بشهادة بعض الصحفيين الذين سمحت لهم السلطات بدخول المعسكر، كما تم إنشاء فصولاً دراسية للرسم والفنون.. وهناك مكتبة تحوي ما يزيد على 15 ألف كتاب ومجلة، وألعاب إلكترونية وصحف وألعاب تسلية وألغاز متاحة للمعتقلين. وتمتد البرامج الترفيهية المسموح بها للسجناء "الملتزمين" إلى حوالي 20 ساعة يومياً، أما السجناء "غير الملتزمين" فيُحبسون في زنازين انفرادية أوسع بكثير مما كانت عليه الزنازين الانفرادية في عهد بوش.. يعني من الآخر جوانتانامو تغيّر كثيراً وصار أشبه بسجن خمس نجوم مقارنة بعهد بوش.. صحيح قد تكون كل هذه الإجراءات من باب تحسين سمعة هذا السجن سيئ السمعة بدليل السماح للصحفيين بالدخول إليه والكتابة عنه بعدما كان هذا الأمر محظورا من قبل. لكن المشكلة هو أن يتم اتخاذ هذه الإجراءات ذريعة لبقاء هؤلاء بدعوى الإجراءات القانونية وإتمام الملفات الخاصة بهم.. مواجهة أوباما مع المخابرات ولكي لا نكون مبالغين في التحامل على أوباما، ينبغي القول إن موضوع إغلاق جوانتانامو ليس سهلا لعدة أسباب منها أنه قد يجعله يدخل في صدام مع الإدارة الأمريكية السابقة؛ لأنه قد يكشف مساوئها، كما أنه يدخل مع جهاز المخابرات الذي يتكون من 17 وحدة أعلاها المخابرات المركزية: "C.I.A"خاصة وأن أوباما قام للمرة الأولى في تاريخ المخابرات الأمريكية بتعيين شخصية سياسية قانونية هي ليون بانيتا، بعدما كان التعيين حكراً على العسكريين، وهناك مخاوف من أن يقوم الرئيس الجديد للمخابرات بفتح ملفات التحقيق في تورط عناصر من المخابرات -بتحريض من إدارة بوش- في انتهاكات حقوق الإنسان داخل هذا المعسكر؛ لانتزاع اعترافات من المعتقلين. لذا يتزّعم ديك تشيني -نائب بوش- الهجوم الحالي على أوباما، حيث دافع عن انتهاكات "السي أي إيه" في معسكر جوانتانامو بزعم حماية الأمن القومي الأمريكي. كما وجه سبعة من المدراء السابقين لل"سي أي إيه" خطاباً إلى أوباما يطالبونه بوقف التحقيق في انتهاكات الوكالة وذلك بدعوى تقويضه لأنشطة الوكالة وتأثيره السلبي على صورة الولاياتالمتحدة في مواجهة الإرهابيين. ومعنى هذا أن إغلاق جوانتانامو ليس أمراً سهلاً، لكن في المقابل من غير المقبول احتجاز أشخاص مشتبه فيهم طيلة 8 سنوات "منذ أحداث سبتمبر"، وعندما تصدر قرارات بالإفراج عنهم يدور السؤال.. أين سنحبسهم مرة أخرى؟؟ هل في بلادهم أم في الولاياتالمتحدة أم في دولة أخرى؟!! هل هذه هي العدالة الأمريكية؟!!