"هو وهي".. خرج أحدهما من ضلع الآخر، فهم في الأصل شريكان في طريق مالهوش آخر، ولكنهما رغم كل ما سلف لا يكفان عن التناحر.. ناقر ونقير.. ثنائي بحق مفزع وخطير. "هو وهي".. طرفا المعادلة الثنائية، معادلة لا حل لها، وإجابتها دائما غير منطقية، وشعارهما دائما: "نعم للخناق ولا للاتفاق"!!
عشان كده قررنا نطرح حلول لمشاكلهم المستعصية، حتى تصبح الحياة مية مية، كل أسبوع مشكلة وحلها بكل وضوح، من غير ما "هي" كرامتها تتهان، ولا "هو" يحس إنه مجروح. *****************************
يحاول عبد الله جاهدا أن يتغلب على صوت مذياع المسجد المجاور بمنطقة باب اللوق بجوار محافظة القاهرة حيث يسكن؛ وذلك أثناء صلاة العصر، بينما هو يتحدث إلى خطيبته ولاء في غضب واضح؛ ولكن يحاول السيطرة قدر الإمكان قبل أن يبارح البلكونة التي كان يقف فيها إلى داخل غرفته، ويعم الهدوء المكان ويتلاشى صوت المذياع شيئا فشيئا؛ حتى بدا وكأنه يأتي من مكان بعيد.
عبد الله: يعني إيه ماروحش؟! مافيش حاجة اسمها كده، الناس بايته في الميدان، وإنتي تقولي لي ماتروحش! دي أقل حاجة ممكن أعملها.
ولاء: يا عبد الله حرام عليك، أنت يعني بتعشق إني أفضل قاعدة على أعصابي، ميدان إيه وزفت إيه؟ الراجل قال مش هيترشح تاني عايزين إيه تاني؟
عبد الله: الراجل قال مش هيترشح تاني، وتاني يوم طلع علينا بالحمير والبغال والبلطجية والصيع، وجرح اللي جرحه وموّت اللي موّته، صاحبي مات قدام عيني وإنتي بتقولي لي نام في بيتك واستريح.
ولاء: الله يرحمه يا عبد الله، وأنت بقى عايز تموت زي صاحبك..! بعد اللي حصل ده وبرضه عايز تروح؟
عبد الله: أنا لو ماروحتش وقررت أقعد في البيت أبقى خنت اللي ماتوا، لو قعدت في البيت يبقى اللي ماتوا دول راحوا بلاش، أنا لو كنت موت كنت هتسيبي حقي؟!! وأنا وكل اللي في الميدان بنحاول نجيب حق اللي راحوا.
ولاء: أنت ماشي.. إنما اللي في الميدان دول استحلوا قاعدة الشوارع، استحلوا الصياعة والبيات بره البيت؛ بحجة النضال والثورة، وهم بيناضلوا فعلا بس في سيجارة الحشيش والمسخرة اللي بتحصل تحت الخيم، وجوا المحلات اللي اس.. يقاطعها عبد الله بصوت حاسم ومتهدج عبد الله: كلمة تانية قسما بالله ما هتشوفي خلقتي ولا هتسمعي صوتي تاني.. اللي بتغلطي فيهم دول أشرف ناس، ولو قلتي عليهم حاجة يبقى بتقوليها عليّ أنا شخصيا.
تمر طائرة هيليكوبتر حربية من فوق منزل عبد الله، وقد اعتادت أن تمر يوميا مرات ومرات ذهابا وإيابا من ميدان التحرير؛ كشكل من أشكال السيطرة العسكرية على الأمور التي انقلبت منذ 25 يناير الذي مرّ منذ أيام فقط؛ فاليوم هو يوم الخميس 3 فبراير، وقد وقع قبلها بيوم واحد "موقعة الجمل" التي راح فيها من راح.
وعلى الطرف الثاني من الهاتف.. تمسك ولاء الهاتف بيد وتمسح بباطن كفها الآخر على شعرها قبل أن تفقد السيطرة على عبرة سقطت سهوا من مقلتيها؛ لتأخذ يدها من على شعرها وتضعها على فمها، وتبدأ في وصلة بكاء ونشيج مكتوم ومهزوز، فيشعر عبد الله بأناتها المكتومة التي لامست أعماقه وتأثر بشكل بالغ، فتغيرت نبرة صوته تماما، وبدا وكأنه شخص آخر.
عبد الله: يا ولاء.. علشان خاطري، أنا مش عايز كده، ومش باقول لك كده علشان تعيطي، بس يعني أنا مش عيل صغير، ويصعب عليّ إنك تقولي لي أقعد في البيت بدل ما تشجعيني، أنا أحب خطيبتي اللي هتبقى مراتي في المستقبل إنها تبقى سبّاقة لخدمة البلد أكتر مني أنا كمان، مش هيبقى إنتي وهمّ عليّ في البيت، كفاية الموشّح اللي باسمعه يوميا وأنا نازل.
ترد ولاء بصوت مهزوز غير واضح التفاصيل وقد بدا أثر البكاء فيه بوضوح: أنا خايفة عليك، الناس بتموت هناك زي النمل، وأنا مش هاستحمل أودعك في مشرحة زينهم، مش هاستحمل أفضل عايشة العمر كله بحبك في خيالي ومايتبقاش لي منك غير صورة بشريطة سوداء، وتروح بلاش على إيد بلطجي ولا شمام مايسواش بريزة.
عبد الله: المسألة مش انتحار، أنا باروح وبابقى عارف أحمي نفسي إزاي، ما هو أنا كمان خايف على حياتي، بس في نفس الوقت لو كل حد خاف وماراحش؛ يبقى نجحوا يفرقونا ووصلوا للي هم عايزينه، أرجوكي بلاش عياط أنا مارضتش أخبي عليكي؛ لأني ماباعملش حاجة غلط.
هنا يسود السكون للحظة بين الطرفين، وتلمع فكرة في رأس ولاء وتبدو مصرّة على تنفيذها دون هوادة: خلاص يبقى تعدي عليّ في البيت، وتقول لبابا أي حاجة ونروح سوا، رجلي على رجلك.
عبد الله (بتردد): أخدك معايا؟!! لأ الوضع مش أمان، ماقدرش أخدك هناك، وبعدين الدنيا زحمة وأنا مش هاقبل إنك تيجي وتتبهدلي.
ترد ولاء بصوت حاسم وقد اختفى منه أثر البكاء: يعني هم البنات اللي هناك دول مالهمش أهل بيخافوا عليهم، واللي هترضاه ليهم ترضاه ليّ، ولا إيه يا بشمهندس يا متعلم.
عبد الله محرجا: بلاش تاخدي الأمور كده، هما بيعرفوا يحافظوا على نفسهم إنما إنتي...
تقاطعه ولاء: وهو أنا رايحة معايا شكارة أسمنت ولا راجل مالي هدومه.
يغضب عبد الله لبرهة قبل أن يدخل في نوبة ضحك هيستيرية، لتصلها هي الأخرى عدوى الضحك، وانتهى ما كان بينهما من خلاف.
دائما ما يكون الخلاف بين الخطيب وخطيبته، والزوج وزوجته، أن المرأة تحب زوجها أو خطيبها ولا تسانده أبدا في قرار النزول للتظاهرات والمليونيات؛ خوفا على سلامته، بينما ينظر الرجل لهذا التصرف بأنانية مفرطة، ويعتبره اهتماما وتفضيلا للشأن الخاص على الشأن العام.. فكيف تنظر/ تنظرين للأمر، هل باعتباره أنانية أم خوف على شريكك عش الزوجية؟ وهل تعرضت/ تعرضتي لموقف مشابه؟ وكيف كان رد فعل الطرف الآخر؟