مبدئيا لا أستطيع بلع مسألة أن تقوم دولة ما بتمويل منظمات داخل دولة أخرى؛ "قال إيه" علشان تعلمهم "أ ب ديمقراطية"!! ولنفرض أن هذه الدولة التي تدفع "طلع لها جناحات"، وقررت أن تكون رسول السلام والديمقراطية في العالم العربي فقط! وتكون راعي المواطنة وحقوق الإنسان "لله في لله كده".. طيب بماذا تفسر وجود المعهد الوطني الديمقراطي؟
السؤال مش واضح.. نوضّحه أكتر: المعهد الديمقراطي الوطني -لمن لا يعلمه- أحد المنظمات الأمريكية التي يموّلها الكونجرس الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية، وعلى صلة وثيقة بالحزب الديمقراطي الأمريكي، قامت السلطات المصرية بإغلاقه مؤخرا وتشميعه بالشمع الأحمر لمخالفات إدارية ومالية؛ بحسب التصريحات الرسمية.
قد لا تُقلقك المعلومات السابقة بخصوص تمويل المعهد؛ ولكني متأكدة أن المعلومات اللاحقة ستثير قلقك، أو على الأقل سيلعب العم سام في عقلك!!
الديمقراطية على طريقة "إيباك" رئيس المعهد الديمقراطي الوطني هو "كينيث هونشو وولاك"، قد لا تعرف هذا الاسم؛ ولكنك إذا قمت بالبحث عنه ستعلم المفاجأة.. "وولاك" هذا الذي أقام الدنيا ولم يُقعدها، وهاجم المجلس العسكري لمداهمته مقر المعهد، واعتبر أن هذا الموقف معاداة للمنظمات الداعمة للديقراطية في مصر؛ "كينيث وولاك" هذا هو المدير السابق للجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية "إيباك"، التي تُوصف بأنها أهم وأقوى لوبي صهيوني في الولاياتالمتحدة، والذي يهدف إلى تحضير جيل جديد من القيادات الداعمة لإسرائيل، وإمداد الكونجرس الأمريكي بالمعلومات التي تدعم إسرائيل بحسب الموقع الرسمي لإيباك.
ومعروف أن "إيباك" هي أقوى جماعة ضغط تتحكم في السياسة الخارجية الأمريكية لصالح إسرائيل، وأفردت جلسة خاصة من مؤتمرها السنوي الذي عقدته في مايو الماضي بواشنطن عن التحول الديمقراطي في مصر، وتأثير ثورة 25 يناير على المستقبل السياسي للبلاد ومصير اتفاقية كامب ديفيد بعد الثورة.
ويبدو أن الرعب الإسرائيلي من الثورة المصرية دفع "إيباك" لإرسال أحد -بل أهم- جنودها في صورة "ملاك بجناحين" كرئيس للمعهد الوطني الديمقراطي؛ لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان عندنا! ولتدريب الشباب والأحزاب السياسية على المشاركة السياسية!
بالله عليكم.. هل يُعقل أن يكون "وولاك" بهذا المنصب صدفة؟! أو مِن قبيل حظنا الأسود وحظ الديمقراطية العَثِر في مصر التي أبى حكامها أن يسمحوا للمعهد الديمقراطي بتعليمنا وتفهيمنا وتنويرنا بالديمقراطية على أيديهم؛ حتى ولو كانت بنكهة لوبية صهيونية.
شاهد من أهلها وهذه المعلومات تم الكشف عنها من قِبَل صحيفة أمريكية معادية للإمبريالية الدولية؛ حيث انتقدت صحيفة "أنتي وور" -في تحليل مطوّل لها مؤخرا- السياسات الأمريكية للتدخل في الشئون المصرية، وأضاف "جاسيتن رايموندو" -صاحب التحليل ومدير تحرير "أنتي وور" والزميل البارز بمعهد راندولف بورن- أن "سكب الأموال الأمريكية في خزائن الجماعات السياسية هدفه الرئيسي هو إثارة احتجاجات الشوارع، التي غالبا ما تنتهي بأعمال عنف؛ فضلا عن تمويل بعض الأحزاب السياسية التي تمثل منصّات لتحقيق أهداف سياسات مَن يموّلها".
إذن أعطني مالا أمريكيا + لوبيا صهيونيا + مجموعة من الطامعين + مجموعة من الجهلاء = لتحصل على دولة ديمقراطية بمقاسات ومواصفات أمريكية وصهيونية؛ لخدمة مصالح واشنطن وتل أبيب.. وسلّم لي وقتها على سيادة الدولة وقدرتنا على رسم مستقبلنا؛ لنصبح مرة أخرى عبيدا للعم سام، يُمدنا بالقمح والسلاح والديمقراطية الأمريكاني.
الحقيقة التي لا شك فيها أنه منذ اندلاع ثورة 25 يناير؛ فإن الولاياتالمتحدة لا تتوانى عن استخدام كل الوسائل؛ للحفاظ على هيمنتها على مصر، والتي ضَمِنها المخلوع طوال عهده عبر موالاة أفقدتنا سيادتنا وكرامتنا وريادتنا التي ردها إلينا شباب 25 يناير مرة أخرى بدمائه وبثورته، التي أيقظت المارد المصري وردّت له اعتباره ليس في بلده فقط؛ ولكن أمام العالم بأسره.
فهل يُعقل أن يضحك علينا العم سام باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان ليعبث في مستقبلنا ويُجهض ثورتنا؟!