ثارت الشكوك منذ فترة غير قليلة عن بدء الصراع بين أبناء آل سعود على السلطة، وبدأ ذلك بالتحديد بعد تدهور الحالة الصحية للملك فهد -الملك السابق للسعودية- وتوجّه الأنظار إلى الأمير سلطان بن عبد العزيز لخلافة أخيه الشقيق فهد على مُلك السعودية؛ متخطيا الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي كان وليا للعهد ساعتها.. وكانت هذه التوقّعات تستند إلى عدد من المعطيات تتمثل في: - سلطان هو الأخ الشقيق الأكبر بعد فهد؛ بينما عبد الله هو الأخ الأكبر بعد فهد؛ لكنه ليس شقيقا له. - كان سلطان يشغل وقتها منصبين من أهم المناصب في الدولة، وهما منصب وزير الدفاع، بالإضافة إلى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، بينما كان الملك فهد يرأس مجلس الوزراء بنفسه. - يعتبر الإخوة الأشقاء لفهد وسلطان هم الأكثر والأهم في مراكز الدولة؛ فهم سبعة أشقاء شغلوا مناصب: الداخلية فكان نايف وزيرا لها، وهو المنصب الذي شغله أخوه الملك فهد سابقا، والدفاع فكان سلطان وزيرا للدفاع، وأخوه عبد الرحمن نائبا له، ثم أخوه تركي من بعده، وإمارة العاصمة الرياض التي شغلها سلمان (الذي أصبح وزيرا للدفاع حاليا). - بالإضافة إلى أن والدة كل من فهد وسلطان ونايف وسلمان وعبد الرحمن وتركي هي من قبيلة السديري، هي وثلاثة من ضرائرها، ولذلك فإن فهد وسلطان يشتركان مع غيرهما من الإخوة غير الأشقاء في نفس قبيلة الأم. - الاتصال الخارجي بين أشقاء فهد وأمريكا؛ حيث تمتّع سلطان بعلاقات طيبة معهم، ونال عبد الرحمن تعليمه حتى درجة البكالوريوس هناك. لكن كل هذه التوقعات لم تُصب هدفها بعد أن أُعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز ملكا للسعودية، وهو وحيد دون أشقاء، ولا يشترك مع أي من إخوته في قبيلة أمه. غير أن هيئة البيعة التي أنشأها عبد الله قد أعادت هذه الشكوك؛ خاصة أنه لم يعد في إنشائها إلى مجلس الوزراء أو الشورى أو إخوته "السديريين" (وهم إخوة فهد الأشقاء)؛ فأصبحت كالأمر الواقع الذي فرضه عليهم، وفي حالة اعتراضهم على الهيئة يكون قد وضعهم في مواجهة أمام بقية أبناء عبد العزيز الذين يشغل كل واحد منهم كرسيا في الهيئة.. وخوّل عبد الله لهذه الهيئة اختيار ولي العهد وعزله؛ فقلّص صلاحيات ولي العهد الحالي وصلاحيات مجلس الوزراء، وجعل مجلس الشورى مجلسا صوريا لا يمكنه إلا الموافقة على ما تُقدّمه هيئة البيعة. حيث جاء في نص الأمر الملكي الذي شكّلت به الهيئة أنه: "عند وفاة الملك تقوم الهيئة بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكا على البلاد وفقا لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم".. وفي نصه كذلك: "للملك في أي وقت أن يطلب من الهيئة ترشيح من تراه لولاية العهد". ولعل هذا ما أثار الشكوك لدى الدكتور رفعت سيد أحمد حين قال: "إن الحقائق تؤكد أن السبب الرئيسي فيما سبق هو هذا الصراع المكتوم بين أجنحة الأسرة السعودية، وبالتحديد بين الملك عبد الله ومن يمثّلهم، وولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز المعروف بميوله الأمريكية المتطرفة ومن يمثلهم؛ وفي مقدّمتهم ابنه بندر بن سلطان.. لقد أراد عبد الله بهذه الخطوة نزع صلاحيات سلطان المستقبلية في تعيين ولي للعهد يكون قريبا منه أو من مجموعة السديريين". وبدأت الشكوك تزيد حول خلافات العائلة المالكة، بعد وفاة سلطان بن عبد العزيز -ولي العهد ووزير الدفاع ورئيس مجلس الوزراء- وتنصيب أخيه نايف خلفا له، ثم استقالة طلال بن عبد العزيز من هيئة البيعة بعد ذلك. فقد ذَكَرت جريدة الوفد أن استقالة طلال جاءت اعتراضا على تعيين نايف وليا للعهد الذي كان قد اعترض سابقا على تعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء بعد وفاة أخيه عبد الرحمن، ويبدو أن هذا الاعتراض لا يرجع إلى خلاف شخصي بينهما؛ وإنما إلى وجود وجهات نظر متعارضة تجاه الإصلاح السياسي في المملكة. وقد وُصف الأمير طلال بأنه ذو توجهات ليبرالية؛ فكان أول من قدّم طلبا بإنشاء حزب سياسي؛ برغم أن إنشاء الأحزاب محظور في السعودية.. وهو أول من دعا لإجراء انتخابات حقيقية لمجلس الشورى ومجلس الوزراء.. في المقابل فإن توجه أخيه نايف هو توجه محافظ، وهو من الذين يحرصون على الإمساك بكل أمور السياسة بأيدي الأسرة الحاكمة. ومن ناحية أخرى فإن حرص السديريين (فهد وسلطان ونايف وإخوتهم) على مناصب الدفاع والداخلية ورئاسة الوزراء، وتمسك عبد الله برئاسة الحرس الوطني (الحرس الجمهوري في بعض الدول)، وحرصه بعد أن أصبح ملكا على تسليم المنصب لابنه الأمير متعب؛ كل هذا يشير إلى وجود طرفين يحسب كل منهما ألف حساب للآخر. جدير بالذكر أن صراعات العائلة السعودية المالكة لم تكن وليدة السنوات الأخيرة؛ فقد دب خلاف قديم سنة 1964 بين الملك سعود والملك فيصل الذي كان وليا للعهد وقتها، كان آخر ما فيه اجتماع لعلماء المملكة وأمراء العائلة المالكة انتهى إلى خلع سعود من الحكم ونفيه حتى وفاته، بعد أن حاصر قصر أخيه فيصل بالدبابات والمدفعية، وانتهى الحصار بخضوع قوات الجيش كلها لفيصل ونزولها على أمره؛ بما فيهم القوات التي تحاصر قصره. وفي النهاية.. هل نتوقّع في فترة يكون أقصى حد لها موت الملك عبد الله نفسه، أن تكون شرارة التغيير في المملكة العربية السعودية هي نزاع بين أطراف العائلة المالكة يستخدمها الشعب كثورة على النظام الملكي؟ أم يبدأ الصراع وينتهي بين جدران القصور الملكية كما انتهت سابقا بين الملك سعود والملك فيصل؟ أم إن العائلة المالكة ستكون أقدر على احتواء صراعاتها، وتغليب المصالح العليا لملكية الأسرة على المصالح الشخصية؛ فتمرّ الأمور بسلام -نوعا ما- كما مرّت بعد موت فهد بن عبد العزيز؟