فجّر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مفاجأة مدوّية يوم الأربعاء الماضي عندما طالب حكومة إقليم كردستان المحلية بسرعة تسليم طارق الهاشمي -نائب الرئيس العراقي- إلى السلطات؛ بسبب اتهامه بالتورّط في عمليات إرهابية، وذلك قبل يوم من وقوع سلسلة انفجارات في العاصمة بغداد خلّفت ما لا يقلّ عن 60 قتيلا. وكون المالكي هو بنفسه مَن يطلب سرعة تسليم الهاشمي إلى السلطات المختصة للمثول أمام القضاء يطرح علامات استفهام عدة؛ خاصة أن قائمة ائتلاف العراقية كانت تنافس حزب الدعوة الذي ينتمي إليه نوري المالكي قبل أن تتفوّق عليه في الانتخابات الأخيرة. والسؤل الذي يطرح نفسه في الوقت الحالي هو: ما مدى تورّط الهاشمي الذي قضى إخوته الثلاثة في عمليات إرهابية تورّطه في عمل إرهابي هو نفسه عانى منه في وقت سابق؟ وهل الاتهامات موجّهة له هو بالأساس أم لحرسه الخاص.. أم إن اعترافات حرسه الخاص لها علاقات بتوريطه هو في هذه القضية؟ الهاشمي نفسه أعلن في مؤتمر صحفي اليوم أن المسألة برمتها إنما هي عقاب له على عدم استجابته لعدد من المطالب التي تقدّم بها شخصيات سياسية رفيعة المستوى؛ من شأنها أن تأجّج من النزاع الطائفي في البلاد، وتحجم من تيار الوحدة الوطنية الذي يتبنّاه الهاشمي على طول الخط. ويُؤكّد الهاشمي أن المسألة كلها كانت عملية ابتزاز كبرى بهدف الضغط على الهاشمي لتخفيف لهجة الخطاب ضد إيران وسوريا (وضد الشيعة بصفة عامة)، والخروج من ائتلاف العراقية الموحّد، وإلا سيبثّون لوسائل الإعلام اعترافات الحرس الخاص به في مسألة تورّطه بعمليات إرهابية. ولمن لا يعرف؛ فطارق الهاشمي ظلّ بيته بالمنطقة الخضراء بالعراق محاصرا بالدبابات لمدة شهرين؛ بسبب تشككهم في تورّط حرسه الخاص في عمليات إرهابية. وكل هذه العلامات الاستفهام المتضاربة جعلت من إلقاء الضوء على شخصية الهاشمي ضرورة لا بد منها؛ حتى يمكننا أن نتلمس الحقيقة؛ سواء كانت المسألة جنائية بحتة وتتعلّق بالقضاء العراقي فقط والذي اتهمه الهاشمي بأنه مُسيّس، أم إن المسألة تتعلّق بإيران وضغوط خارجية لتنفيذ مشروع طائفي داخل العراق؛ بهدف التقسيم ومقاومة أي محاولة للوحدة. فطارق الهاشمي هو مِن مواليد عام 1942 بالعاصمة بغداد، والتحق بالكلية العسكرية، وتخرج فيها عام 1962 كي يكون ضابطا بسلاح المدرعات، قبل أن يترك الجيش عام 1975 ليعمل كمدير لشركة ملاحة كويتية، ولكنه يضطرّ إلى الرحيل عنها بعد غزو الكويت عام 1990، وحاصل على ماجيستير في العلوم الاقتصادية. ومنذ شبابه وقد انضمّ الهاشمي إلى حزب الإسلامي العراقي، وهو الذراع العراقية لجماعة الإخوان المسلمين، واشتهرت بوسطيتها بين كل الطوائف العراقية الأخرى، وتدرّج في المناصب بداخله حتى انتخب في أمانة الحزب عام 2004. ولكن الهاشمي قام فيما بعدُ بالاستقالة من الحزب، وانضمّ إلى قائمة ائتلاف العراقية برئاسة إياد العلاوي -رئيس الوزراء الأسبق- التي تبنّت عراقا موحّدا دون أي طائفية أو تقسيمات، ونجحت بالفعل هذه القائمة في الانتخابات البرلمانية لعام 2010. ويرى الهاشمي أن محاولة ملاحقته قضائيا وملاحقة كل الرموز التي تدعو لعراق موحد هي محاولة لتفتيت العراق وتقسيمه إلى أقاليم؛ خاصة مع تزامن ذلك مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وتولّيه زمام أموره بشكل كامل. ويعتقد كثيرون أن يد إيران في العراق قد أطلقت تماما، بعد أن كان الوجود الأمريكي يحجمها بشكل أو بآخر، وأن مذكرة الاعتقال التي صدرت في حقّ الهاشمي هي الأولى من ضمن سلسلة من عمليات الابتزاز المدبّرة التي من المنتظر أن تنفّذها المخابرات الإيرانية داخل العراق.