أولا أشكركم جدا على الموقع الممتاز ده.. أنا فتاة أبلغ من العمر 22 سنة، بكالوريوس تربية، كنت مخطوبة من سنتين، وكنت بحب خطيبي بجنون أكثر من أي شيء في هذه الدنيا، وكنت أعرفه وسني 14 سنة، وتمت الخطبة بعد مرار طويل، وأنا عندي 18 سنة اتحديت أهلي بشدة من أجله؛ لأنهم كانوا رافضين لتقارب السن بيننا. لا أستطيع أن أصف لكم كم عانيت خلال سنتين الخطوبة، وأنا أعدّ الأيام والليالي حتى يأتي يوم زواجي من حبيبي، وكم تلهفت شوقا، فكان يجري في دمي وعقلي وقلبي.. كنت أحبه بكل معاني الحب.
لا أحب أن أطيل عليكم؛ ولكني أرجوكم أن تنشروا رسالتي حتى أرى رأي أصدقائي بنصيحتهم لي كيف أواجه المستقبل الذي رسمناه سويا؛ فلقد مات هذا الحبيب الذي انتظرته سبع سنوات من عمري، الحمد لله قدّر الله وما شاء فعل؛ ولكني أشعر كأنني غريبة في هذه الدنيا دونه لا أستطيع التأقلم مع أي أحد.
الحائرة
البقاء لله وإنا لله وإنا إليه راجعون، لن أطلب منك ألا تحزني؛ لأنك وببساطة بشر ولن تستطيعي تنفيذ هذا، لكن أطلب منك وبشدة أن تثقي في رحمة الله عز وجل، وحسن اختياره تعالى لك، وأن تصري على اجتياز هذه المحنة، وأن تقويك أكثر وتجعلك تقتربين منه تعالى أكثر.
فالله عز وجل يبتلي فقط من يحبهم؛ وخاصة بالموت الذي وصفه تعالى في كتابه الكريم بالمصيبة، وقد ابتلى بها أنبياء وصحابة وصالحين، وقد ابتلى بها سيد الخلق سيدنا محمد بوفاة زوجته وحبيبته السيدة خديجة، وعمه، وأبنائه الذكور، والكثير من أحبائه، وأصحابه في الغزوات المختلفة، وقد يكون في هذا بعض العزاء لك على فقدك لحبيبك وخطيبك قبل أن تهنآ معا، وتتما فرحتكما بزواجكما وتكوين أسرة سعيدة.
قدّر الله وما شاء فعل، وليس علينا نحن البشر الضعفاء غير الاستجابة والرضا والدعاء له تعالى، لا لكي يردّ القضاء ولكن ليلطف فيه، وخذي من أم المؤمنين أم سلمة نموذجا وعبرة؛ فقد كانت أم سلمة من المهاجرات الأوائل في الإسلام مع زوجها عبد الله بن عبد الأسد (أبو سلمة)، وقد عاشت أم سلمة مع زوجها في سعادة غامرة، وقد كلل هذا الزواج المبارك بالإيمان بالله؛ فامتلأ قلب الزوجين بالسعادة والحب؛ حتى جاءت لحظة الفراق وأبو سلمة على فراش الموت دار بينه وبين زوجته هذا الحوار الروحاني.. "فعن زياد بن أبي مريم قال: قالت أم سلمة لأبي سلمة: بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة، ثمّ لم يتزوج، إلا جمع الله بينهما في الجنة. فتعال أعاهدك ألا تتزوج بعدي، ولا أتزوج بعدك، قال: أتطيعينني؟ قالت: نعم، قال: إذا متّ تزوجي.. اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا مني، لا يحزنها ولا يؤذيها، فلما مات قالت: مَن خير من أبي سلمة؟".
وتأتي المنحة الربانية والمكافأة من الله سبحانه وتعالى؛ فتصبح أم سلمة إحدى أمهات المؤمنين ويا لها من مكافأة عظيمة، وعندما قال لها الصحابة عندما وجدوا شدّة حزنها على زوجها أن تقول مثلما علّمهم رسول الله: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها"، فلما احتضر أبو سلمة، قالت ذلك، وأرادت أن تقول: "وأبدلني خيرا منه"؛ فقالت: "ومن خير من أبي سلمة؟"، فأصروا على أن تكمل الدعاء حتى أخلف الله عليها بأفضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا مجرد مثال بسيط، وقصة هي عبرة لمن يبتليه الله تعالى، فيلجأ له تعالى ليهون مصيبته ويخفف حزنه.
فألجئي له عز وجل وتأكدي أن لديه فقط الخلاص من أحزانك، وبه فقط ستستعيدين إن شاء الله حبّك للحياة والتأقلم مع مصيبتك، فالحياة لا تتوقف لموت أحد ولا فقد بشر، ومن خلقه، وخلقك بقدر أن يعوّضك خيرا إن شاء الله، فلا تيأسي من رحمته تعالى، وفّري إليه بقوة، وارضي بقضائه، وحاولي أن تشغلي وقتك بعمل ولو تطوعي، ولا تتركي نفسك للأحزان.. والله المستعان.