كتب: ابتهال فؤاد ودينا حسن بعد غياب دام قرابة ال23 يوما، عاد الإعلامي الكبير يسري فودة لتقديم برنامج "آخر كلام" في حوار خاص مع الروائي والكاتب الدكتور علاء الأسواني والكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، ليتحدّث معهما عن أحوال مصر مع اقتراب فترة الانتخابات البرلمانية، وتعليق كل منهما على إدارة المجلس العسكري للبلاد خلال الفترة الانتقالية الحالية، ودار الحوار بينهم كما هو بالسطور التالية... في بداية الحوار توقّع الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى أن الانتخابات البرلمانية القادمة ستكون بها العديد من حوادث الاعتداء والبلطجة، موضّحا أن مصر أصبحت بلد الانفلات الأمني، وأنها تتعرّض لمؤامرة منذ انسحاب الشرطة في ليلة 28 يناير. وأوضح عيسى أن الوضع الأمني يزداد سوءا؛ خاصة بعد تصدّي الجيش لجميع العمليات الأمنية وتأمين المرافق، قائلا: "المجلس العسكري فشل في إدارة البلاد سياسيا، أما عن الحالة العامة؛ فهو غير مُدرَّب على المهام الأمنية؛ فجميع الأحداث التي تدخّل فيها الجيش للحماية -سواء في حادث ماسبيرو أو اعتصام أهالي دمياط- انتهت بعنف وقتل مدنيين". وأضاف: "لذلك لا أثق في قدرة الجيش على تأمين الانتخابات؛ لأنه ليس من المعقول أن يدخل الدوائر الانتخابية بالدبابات والمدرعات". أما عن مجريات العمل الانتخابي، تكهن عيسى بأن البرلمان سيفقد شرعيته وثقة الجماهير المصرية فيه، وأتبع محللا: "نحن نقع في فضائح معروفة؛ أهمها وجود صراعات بين القوى السياسية، وتمزيق بعضهم البعض، فهناك كتلة إسلامية تُكفّر الناس ويُسبّبون حالة من الذعر، وكتلة ليبرالية غير قادرة على التواصل معهم، والشعب بحاجة إلى القوى السياسية الراشدة". واستطرد أن جميع الأحزاب والقوى السياسية تفتقد الرؤية الناضجة، قائلا: "الدليل على ذلك اختيارهم لحكومة عصام شرف، لمجرد نزولها ميدان التحرير، دون أي خلفيات سياسية أو انحيازية قامت بها الوزارة". ومن جانبه، رأى د. علاء الأسواني أن التأخّر في اتخاذ القرارات السياسية المهمة من جانب المجلس العسكري هو المسبب الأساسي في سوء الأوضاع الأمنية وتدهور الحال المصري، قائلا: "المجلس العسكري ما زال محتفظا بأدوات التخريب الأمني؛ كالتأخّر في عدم التخلّص من رجال حبيب العادلي، والسماح للفلول بالمشاركة الانتخابية؛ فكان عليه الإسراع بعزلهم سياسيا، وعدم محاسبة قيادات أمن الدولة لارتكابهم جرائم ضد المصريين". وأضاف، مفسّرا: "كأن المجلس العسكري يستبقي نظام مبارك وفساده بعد خلعه من الرئاسة، ولو كان تمّ تطهير الشرطة منذ بداية الثورة على يد المجلس العسكري لما وصلنا لما نحن فيه الآن، مع وجود اهتمام بضباطنا الشرفاء وهم كُثر، ولكني لا أثق في المجلس العسكري والنظام الذي أسقط شهداءنا وأولادنا". وأضاف: "أنا أسعى للفهم، ولست مع العنف الذي يتبعه بعض المتظاهرين على الإطلاق". فقاطعه إبراهيم عيسى: "عدم التحدّث عن المسببات والاستسلام للجماعات المجهولة والمخرّبة يعدّ موافقة على أعمال العنف مع زيادة عدم الثقة بين الأمن والشعب". فردّ عليه الأسواني: "افتراض أن هؤلاء الجموع كُثر شيء سيئ، بالإضافة إلى عدم وجود إرادة أو نيّة لكشفها، وبالتالي لا يمكن حلّها دون وجود أجهزة الأمن". وتحدّث الدكتور علاء عن إضراب عمّال النقل لمدة ست ساعات قائلا: "لم ينتهِ الإضراب؛ لأن الشرطة قامت بإنهائه، ولكن لأن الشعب تضرّر فطلب من العمّال إنهاء الإضراب، في حين أن الشرطة أخذت دور المتفرّج على الحدث". أما عن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح؛ أكّد الدكتور علاء الأسواني معرفته الوطيدة بعلاء وأسرته قائلا: "علاء معروف، وقد دافع عن كرامة مصر، ونزل الميدان، وهذه الثورة قامت من أجل كرامة المصريين، وأنا أختلف مع صاحب القرار الذي يحيل المصريين لغير قاضيهم الطبيعي". وأضاف، مستنكرا: "أتعجّب من توجيه تهمة سرقة سلاح لعلاء عبد الفتاح؛ لأنه لا يمكن أن يفعل هذا، وإن فعل هذا فإنه لا يعرف كيفية استخدامه!! مع تأكيدي على نزاهة القضاء المصري". وأتبع: "أتساءل عن الإمساك بعلاء، في حين أن القتلة -كحسني مبارك والعادلي- متنعّمون بمزايا وحصانة المتهم، ونحن الشعب لا نملك هذا الحق". وهنا تلقّى البرنامج مداخلة هاتفية من خالد علي -محامي الدفاع عن علاء عبد الفتاح- والذي أوضح أن علاء تمسّك بصمته طوال الجلسة؛ قائلا: "حاول القاضي مع علاء لأن يتحدّث، ولكن علاء التزم الصمت؛ لرفضه مبدأ أن يحاكم مدني محاكمة عسكرية، وكذلك مايكل نبيل". وأشار خالد إلى أن ما فعله القاضي أمر غير مقبول؛ بسبب حق المتهم في التزام الصمت دون إكراهه للإدلاء بأقواله، مشيرا إلى أن علاء عبد الفتاح لا يقبل فكرة المحاكمات العسكرية، ولا يمانع محاكمته أمام القاضي الطبيعي. وأضاف المحامي: "الدستور لا ينصّ على انتقال السلطة إلى المجلس العسكري، وهذا يعدّ فراغا تشريعيا حقيقيا؛ لأن الشرطة العسكرية على سبيل المثال تقوم بعمل الشرطة المدنية، وكذلك أصابع الاتهام تشير إلى تواطؤ عناصر من الشرطة العسكرية بحادث ماسبيرو؛ لأن التقارير أكّدت وصول عمليات الدهس إلى العمد". وفي نهاية المداخلة، أكّد محامي علاء عبد الفتاح أن المقاومة ضد المحاكمات العسكرية مستمرّة؛ قائلا: "سنظلّ هكذا حتى يتم إحالة المتهمين إلى القضاء الطبيعي". وفي ذات السياق تحدّث الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى عن حادث ماسبيرو قائلا: "ما حدث بماسبيرو بكل تداعياته يُؤكّد لنا أن الشرطة لن تستطيع تأمين الانتخابات القادمة، وهذا سيُؤدّي إلى عمليات عنف أكثر وأكثر ضد الجيش، وهذا سيحدث داخل مصر طولا وعرضا، وهو ما سيُؤدّي إلى تآكل العلاقة بين الشعب والجيش". وأضاف: "دهس الدبابات هو الحدث الأكثر أهمية هنا؛ لأن لجنة تقصّي الحقائق قدّمت تقريرا يجعلنا ندرك أن الموضوع مهم". وهنا قام البرنامج بعرض فقرة مسجّلة من حوار اللواء محمد العصار -عضو المجلس الأعلى بالقوات المسلحة- أثناء حواره الخاص مع برنامج "العاشرة مساء"، والذي وافق ال20 من أكتوبر الماضي، متحدّثا عن حادث ماسبيرو، واصفا إياه بأنه: "حادث استهدف أشخاص الشر للوطن والوقيعة بين الجيش والشعب والفتنة الطائفية مع عدم وجود أسلحة أو ذخيرة مع القوة التي كانت تُؤمّن المنطقة وقت الحادث". فعلّق الروائي علاء الأسواني على تلك الفقرة قائلا: "اللواء العصار شخصية محترمة، ولكننا تخطينا النقطة الشخصية؛ فهناك ما يُسمّى باستشعار القاضي للحرج؛ أي تنحيه لاستشعار الحرج". وأضاف، مفسّرا: "المجلس هنا في واقع الأمر يقوم بالتحقيق في جرائم اعتداء أدّت إلى شهادة 24 شخصا؛ منهم 12 ماتوا نتاج دهسهم بالمدرعات، والمسئولية هنا قد تصل للمجلس نفسه؛ لأن الأمر بالتأكيد لم يتم دون أوامر بذلك؛ فكيف يكون المجلس حَكما وخصما في ذات الوقت". وأتبع: "لذلك أتمنّى من المجلس العسكري أن يقضي بهذه المسألة، وينقلها لهيئة التحقيق المستقلّة، ويعتبر شهداء ماسبيرو في مصاف شهداء الوطن". فردّ عليه الكاتب إبراهيم عيسى: "ما يجب أن نتوقّف عنده الآن هو استمرار الأمر على تلك الوتيرة، وارتباك المجلس بهذا الشكل، وعلاقة الجيش بالشعب الذي فرح بنزوله الميدان هل يهتز!!". وأضاف، متسائلا: "لماذا يصرّ المجلس دائما على أن يكون بمواجهة الشعب، وفي الانتخابات القادمة لو حاكم البلطجية والعائلات التي ستتنافس وتُشهر أسلحتها في مصر بأكملها؛ سيحصل نصف الشعب المصري على محاكمات عسكرية". وانتقل عيسى ليردّ على تساؤل الإعلامي المخضرم يسري فودة حول لقائه بأعضاء المجلس العسكري؛ حيث أوضح أن المجلس قد اعترف بأوجه التقصير قائلا: "لم ينكر الأعضاء أن هناك انفلاتا أمنيا وعدم وجود جدول زمني يسير عليه المجلس، بالإضافة إلى اعترافهم بعدم قدرتهم على إدارة الأمور سياسيا، وهذا ما أخشاه، وهو وجودنا في مفترق الطرق بعد فترة فساد سياسي كبيرة من الأساس". أما عن وثيقة الدكتور علي السلمي، والتي تتحدّث المادة التاسعة فيها عن: "يختصّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة -دون غيره- بالنظر في كل ما يتعلّق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة، ومناقشة بنود ميزانيتها، على أن يتم إدراجها رقما واحدا في موازنة الدولة"، وتمّ حذف بعض الكلمات، وإضافة فقرة أخرى، وهي: "يجب عرض أي تشريع يتعلّق بالقوات المسلحة، قبل إصداره على المجلس الأعلى للقوات المسلحة". من جانبه أكد الدكتور علاء الأسواني أن هذه الوثيقة تقع مسئوليتها على المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ قائلا: "هذه الوثيقة تضمن للمجلس العسكري السلطة على لجنة تشكيل الدستور، وفي حالة عدم قبول الأمر يتم إحالته للمحكمة الدستورية، وبالتالي لا يمكن محاسبة القوات المسلحة، ولا يمكن التحدّث عن الديمقراطية في ظل وجود هذه المادة". وأتبعه الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى: "هذه الوثيقة كانت من أجل ألا ينفرد أحد بكتابة الدستور". وأضاف الدكتور علاء، في ختام الحوار: "لا يوجد ديمقراطية دون إخضاع مؤسسات الدولة لرقابة الشعب".