أنا بنت عندي 14 سنة. في طفولتي المبكرة دائما ما كنت أضرب ضربا ليس بسيطا وأهان وأشتم لأتفه الأسباب يوميا تقريبا، وكان نادرا جدا أن تقبّلني أمي أو تحتضنني، وأبي لم يكن يقترب مني. وأيضا حصل لي حادث تحرش من أحد الغرباء وأنا في التاسعة، وكانت نفسيتي بعد ذلك الموقف محطمة جدا، وأثر ذلك فيّ بشدة وعلموا بالأمر بالطبع، ولم أر منهم غير التهزيء من أمي والمعاتبة والضرب من أبي على وجهي لأني صدقت أكذوبة ذلك الرجل وذهبت معه. نشأت وأنا كارهة لأبي وأمي؛ حتى دخلت مرحلة المراهقه، وزاد كرهي لأمي لأنها لم تكف عن ضربي وتهزيئي، ولذلك وللأسف لأنني لم أجد الحب والحنان من أهلي رحت أبحث عنه منذ صغري إلى أن انتهى بي الأمر أن أدخل إلى الشات؛ كي أبحث عن الحب، وتحدثت إلى شباب كثيرين وجدت فيهم من أحب ومن يهتم بي ويعوضني الحنان والحب الذي لم يعطني إياه أمي وأبي. وأنا الآن -ولله الحمد- لم أعد أدخل الشات، ولا أتعرف على شباب بأي وسيلة أخرى، وقد تحسنت علاقتي بأمي وأبي وأصبحت أنفذ طلباتهم؛ ولكني كثيرا ما أتذكر طفولتي ومواقفها وأغضب، وأحيانا أبكي؛ وعند هذا أرفض مساعدة أمي وأعود وأكرهها، وهذا يتعبني كثيرا. أتمنى أن أنسى لحظات طفولتي القاسية؛ ولكني لا أستطيع... قولوا لي ماذا أفعل حتى تكون علاقتي بهما جيدة على الدوام ولا أتذكر ذلك الماضي. آسفة للإطالة وأتمنى أن تردوا علي بسرعة... وجزاكم الله عني خير الجزاء، وجعله في ميزان حسناتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. m s صديقتي العزيزة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عمرك صغير نسبياً بالنسبة لكل هذه الأحداث من المعاناة من الأسرة، ثم التحرش، مروراً بالشات، ثم التوقف عن هذا السلوك. ولم يبق سوى فترات تتذكرين تصرفات أهلك معك فتشعرين بالكراهية تجاههم وترفضينهم فترفضين أي مساعدة منهم، وهذه يا عزيزتي بعض من سمات المراهقة الطبيعية بغض النظر عن مشاعرك السلبية القديمة أو ذكرى التحرش الأليمة؛ فأنت تنجذبين للوراء بين الحين والحين؛ أقصد بذلك مرحلة الطفولة؛ فتتذكرين مشاعرك السلبية في هذه المرحلة وتشعرين وكأنك عدت طفلة ثانية بكل المشاعر؛ لكن في أوقات أخرى تنقلب الأمور برأسك وتنجذبين لمرحلة النضج؛ فربما تجدين لوالديك أعذاراً تجعلك تتناسين مشاعرك السلبية تجاههم فتتبدل مشاعرك تجاههم ويتبدل حالك مرة أخرى. وهكذا حتى يكتمل النضج الفكري، فتجدين الأمر مختلفاً بإذن الله. وكيف يكون النضج الفكري الذي يصل بك لمرحلة الثبات؟... يكون بالتخلي عن النمط الدفاعي في معاملة والديك. وما هو النمط الدفاعي؟... هو ذلك الذي يظهر في أوقات تحسن العلاقة معهم؛ لأنك لم تحسني هذه العلاقة بشكل فعلي؛ لكن أنت مشتاقة لأب وأم، ومشتاقة لهدنة وتصالح فتنفذين ما يريدون بالرغم من عدم قناعتك بهما أو بمطالبهما في عقلك الباطن الذي يختزن لهما حنقاً وغضباً وعدواناً؛ فيأتي عليك وقت تضعف فيه قوتك، ويخرج ما بداخل عقلك الباطن للسطح مرة أخرى فتعايشين الخبرات القديمة المؤلمة؛ وكأنها بالأمس القريب وتنقلبين عليهم؛ إذن ماذا تفعلين؟ عليك برؤية الأمور كما هي بعناية؛ يعني فعلاً معاملة والديك كان ينقصها الكثير وتولد ألماً لأي طفل وتخلق شخصية عدوانية ومضطربة وغير واثقة من نفسها... هذا هو الواقع الذي يؤلمك لكن لنر موقفهم: هما لم يتعلما أفضل من ذلك.... تربوا هكذا.... ليس لديهم خبرات تربوية كافية.... لديهم صعوبة في التحكم في انفعالاتهم... ربما هم أنفسهم حرموا من الحنان في طفولتهم، وفاقد الشيء لا يعطيه. إذن المشكلة تكمن في عدم المعرفة أو الحرمان العاطفي لديهم وليست موجهة لذاتك؛ أي أنهم ليسوا كارهين لك؛ بالعكس هم محبون لكن لا يعرفون كيف يحبون أولادهم... إذا أردنا النضج ومن قبله رضا الله فلنعذرهم إذن ونرضى بما قسمه الله لنا، والحمد لله أنه أعطانا أباً وأماً -ربما يقسون علينا؛ لكنهما على خلق ولم يلوّثوا صفحة حياتنا مثلاً بسلوكيات مخجلة من نصب أو سرقة -لا سمح الله- أي أن هناك دائماً جوانب حسنة وجيدة؛ لكن لا نحسن النظر إليها وننظر فقط لما يعكر صفو حياتنا؛ فنجلب همنا بأيدينا. لو فكرت هكذا ستهدأ حدة التقلبات لديك حتى تختفي تماماً بإذن الله وتصلين إلى قناعة أنهما أبوان صالحان كانا بحاجة للإرشاد التربوي؛ لكن الحمد لله الأمور تحسنت كثيراً ونقدر نقول إنها عدت خلاص، وهكذا يا عزيزتي تكونين قد تعلمت من طفولتك كيف نعذر الآخرين؛ فلا تنسيها لأن النسيان كبت يفرز العدوان؛ لكن تصالحي مع ذكرياتك المؤلمة. عزيزتي لم تخوضي كثيراً في حادثة التحرش، ولم تذكري منها سوى موقف والديك تجاهك؛ فيبدو أن هذه الأزمة قد تلاشت وانتهت بالنسبة لك؛ لذا لم أتحدث عنها كثيراً، أما إذا كنت ترين أن هناك ما تودين ذكره عن هذه الحادثة بذاتها أو أنها مازالت تترك أثراً بنفسك فتابعينا بهذا حتى نمحو ما تركت من آثار بإذن الله.