الحلم المزعج الذي يطاردني ويطارد معظم الثوار في اليقظة قبل النوم؛ أن أستيقظ يوما ما لأجد المتحولين من بقايا ورموز الحزب الوطني الديمقراطي قد عادوا مظفرين إلى مجلس الشعب المصري؛ لذا طالب كثيرون بمنع أعضاء هذا الحزب -خاصة أعضاء الأمانة العامة ولجنة السياسات سابقا وأعضاء مجلسي الشعب والشورى السابقين- من ممارسة العمل السياسي في مصر لمدة لا تقل عن خمس سنوات؛ لاقترانهم بقضايا فساد سياسي ومالي في ظل النظام السابق؛ فمجلس الشعب المقبل سيكون المجلس الأهم منذ عام 1923؛ لأنه قد ينقلنا إلى الأمام أو يعيدنا إلى حال أسوأ. ولكن أن يخرج علينا الشيخ عمر أحمد سطوحي -الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر- بحرمة انتخاب أو التصويت لكل مَن كان عضوا بالحزب الوطني في الانتخابات القادمة لمجلسي الشعب والشورى؛ فهو أمر غير مقبول. وبرغم توضيح سطوحي في فتواه أنه لا يجوز لأي مصري غيور على دينه ووطنه ويحب مصر أن يصوّت لأمثال هؤلاء؛ لأنهم لن ينسوا ما حدث لهم، ويكمن في نفوسهم حب الانتقام والانتصار للنفس لما بدر من الشعب ضدهم، وتأكيده على ضرورة أن ينتبه كل فرد لهذا الخداع والغش، وأن يلتزم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين"؛ فبرغم كل ذلك لا يعد هذا مبررا مقنعا. ومن جانبه أيّد الدكتور حسن الشافعي -رئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر- ضرورة إقصاء مَن تورط في إفساد الحياة السياسية بمصر عن العمل السياسي؛ مشيرا إلى أنه يجب استبعادهم؛ لأننا نريد حياة بريئة، خالصة من الفساد والإفساد؛ مبررا ذلك بقوله: "هذا ليس منعا باتا لكنه منع مؤقت؛ لضمان عدم اعتداء الفلول على انتصارات الشعب والعودة بنا إلى الرجعية الماضية". وعلى الرغم من أن كل الثورات في العالم تحمي نفسها بقرارات وإجراءات تضمن لها إقامة المجتمع الجديد والسلطة الجديدة، وبرغم أن الأحزاب السياسية الآن بمصر تخطت المائة؛ فإن إصدار مثل هذه الفتوى من جهة بحجم الأزهر الشريف يُعدّ أمرا مبتكرا وخطيرا جدا وغير مألوف، ويدخل تحت مظلة المهاترات السياسية، في تسونامي جديد يسمى "إصدار الفتاوى".. أليس هناك من كان عضوا في هذا الحزب "اللاوطني" ولم يكن فاسدا؟ لذا أناشد الإمام الأكبر فضيلة شيخ الأزهر أن تكون الفتوى لها لجنة ورئيس، وأن تتكون من أعضاء مشهود لهم بالكفاءة والإخلاص؛ على أن تصدر برقم وبموافقة جميع أعضاء اللجنة، ثم تُعرض على شيخ الأزهر قبل الإعلان عنها، مع منع أي شيخ ينتمي للأزهر أن يتحدث للناس لكونه محسوبا على تلك المؤسسة العريقة؛ حتى لا يبثّ الفرقة والخلاف بين أفراد الشعب، كما أناشد الشيوخ الأفاضل أن يتقوا الله في القول والفعل والعمل؛ فدين الله أمانة لا ينبغي تطويعها للهوى؛ حتى لا يصدُق علينا القول بأننا "أمة ضحكت من جهلها الأمم".