أعرف أنكم ستستغربون جدا أن أكتب مقالا عن مها صبري في مثل هذه الأيام، لكني سئمت النكد وهمّ السياسة، وأحب أن أنشر مقالا خفيفا. مها صبرى.. هذه الزهرة المصرية الرقيقة التي لم تنَل التقدير الذي تستحقه؛ لأنها ازدهرت في عصر العمالقة؛ مثل نجاح سلام، ومحمد قنديل، ومحمد رشدي.. وعشرات أبدعوا لنا فنا لا نستطيع أن نكافئهم عليه، فنا رقيقا راقيا، أرستقراطيا أحيانا وشعبيا أحيانا أخرى، لكنه فن جميل يخاطب أرقى مشاعر الإنسان ولا يثير الغرائز البدائية.. فن لا يُؤنّبك عليه ضميرك بعد أن تسمعه، وإنما يُرطّب جوفك ويُشبع عطشك ويشيع فيك الجمال. أَحبّ أغانيها إلى قلبي: "ما تزوّقيني يا ماما قوام يا ماما.. ده عريسي حياخدني بالسلامة يا ماما"، ولهذه الأغنية قصة طريفة: كان بليغ حمدي واقعا في غرام المطربة وردة القادمة من جبال الجزائر الحرة الأبية.. تعرفون روعة البدايات، حينما يطرق الحب قلبك، وتصبح صديقا للقمر.. تعرفون كل شيء فلن أُطيل عليكم. في هذا الوقت كان بليغ ملحّنا صغيرا مُفلسا، لا يملك سوى موهبته وأحلامه، ذهب إلى صديقه عبد الرحمن الخميسي ليقترض منه من أجل شراء هدية لعيد ميلاد وردة، لكن صديقه أكثر منه إفلاسا.. وقتها لم تكن هناك الأجور المليونية التي يدور الرأس من مجرد سماعها، جلس الخميسي مغتما لحزن صديقه وراح يُفكّر، وفجأة وقع عليه الإلهام.. الحيلة التي لجأ إليها أيام الجوع وما أكثرها: وهي تأليف أغنية بسرعة. بالفعل كَتَب الأغنية، قرأها بليغ وسرعان ما أمسك العود وراح يدندن، وبسرعة اتصل الخميسي بالفرقة الماسية ليحضّروا لتسجيل اللحن، ثم اتصل بمها صبري، وأخبرها بنبأ الأغنية القنبلة، بعد ساعات كان اللحن قد تمّ تسجيله، بل تسلّم النقود من الخزانة، وطار بليغ ليشتري الهدية لوردة. تصوّروا أجمل أغاني الأفراح التي طالما أسعدت العرائس وُلدت من أجل عاشق يسابق الوقت لشراء هدية. أرجوكم دعونا في بهجة البدايات، ولا تتذكّروا النهايات.. دعونا ننسَ أن هذا الحب الذي تُوج بالزواج انتهى بالطلاق، لماذا يخون المحبون الحب؟ لماذا يتغيّر العشّاق بعد أن أعطوا العهود المُغلظة؟ ولله درّ شكسبير حين قال روميو لجولييت: "أحبّك وأقسم على ذلك بالقمر"، فقالت: "لا تقسم بالقمر؛ فإنه يتغيّر". فتحيّر روميو وقال: "بِمَ أُقسم إذن؟"، قالت: "أُقسم بنفسك أيها النبيل!". **************** سماع الأغنية لا يُغني عن مشاهدتها، خصوصا وهي مُسجّلة أيام البراءة، أيام الأبيض والأسود.. تقف مها صبري بشعرها الأشقر ووجهها السعيد، ترقص في حركات تعبيرية رقيقة، تغنّي في براءة ناصعة وعفوية نادرة: "ما تزوّقيني يا ماما قوام يا ماما.. ده عريسي حياخدني بالسلامة يا ماما". كلمات بسيطة ساذجة، روعتها في سذاجتها، والحقيقة أن كتابة مثل هذه الأغاني أمر صعب جدا، أن تتقمّص مشاعر فتاة غريرة وتكتب بلسانها، فهذا هو السهل الممتنع.. أسهل مائة مرة أن تكتب أغاني تنتهي ب"غرام - خصام - حرام)، أو (حنين - أنين - ضنين). "الكحل أكتر أكتر عشان عيوني تبقى جميلة، برموش كحيلة وشعري عاوزاه يكون ضفاير، حلوة طويلة، بشريط مزوّق ولونه يبرق". لاحظ سذاجة الكلمات.. هذه السذاجة التي هي الغفلة المحببة في النساء تخرج بها روعة أنوثتها، مثلما يكمن العطر في قلب القرنفلة. **************** "سامعة.. سامعة يا ماما الناس بترقص علشاني! شايفة.. شايفة يا ماما.. طويل أوي فستاني". البنت وأمها في هذه المناسبة الحميمة تصبح الصلة بينهما كأقوى ما يكون، وكأن الحبل السُّري لم يُقطع! هل كانت مها صبري تغنّي هذه الأغنية لنفسها؟ الإجابة: نعم، أؤكّد لكم أن هذا الاحتمال صحيح. نُشِر في جريدة المصري اليوم بتاريخ 24/10/2011