النفس البشرية بتحب اللي دايما بعيد عنها، الكلام ده بيؤكد إنه لا يوجد حب بين المتزوجين؛ لأنهم بمجرد ارتباطهم هيضيع الحب بالملل. سؤال: هو أصلا فيه حب في الدنيا دي بين الراجل والست، ولا دي شهوة امتلاك، وتخلص بمجرد الامتلاك؟ ولا فيه حاجة أقوى من الحب؟ sh.k
السلام عليك ورحمة الله وبركاته.. صديقة "بص وطل" العزيزة.. الحب -كما يقول الشاعر نزار قباني- بعضٌ من تخيّلنا، لو لم نجده عليها لاخترعناه؛ بمعنى آخر: الحب على الأرض وجدناه عند مَن كان قبلنا، وهو معنا الآن، وسيظلّ أبد الآبدين موجودًا؛ فهو تعلّق الطفل بثدي أمه، وسكوته عندما يشمّ رائحتها ويشعر بملمس يديها على ظهره. والحب هو أن نرفع وجوهنا لأعلى نسأل رب السماوات والأرض أن يعطينا ويرزقنا من كل ما نسأل، والحب أن نبرّ آباءنا وأمهاتنا كما ربيانا صغارًا، والحب أن تحبي لأختك وأخيك ما تحبين لنفسك، والحب أن تتمني الخير لكل مَن حولك كما تتمنيه لنفسك، والحب أن تشفقي على مريض ولو لم يكن من الأقارب والأحباب؛ فنقوم بزيارته ونسأل له الله أن يشفيه.. وهو كذلك المشاعر الطيبة التي تجذب الذكر والأنثى لبناء عشّ يبدأ بالحب، ولا ينتهي به. هذا هو الحب بالمعنى الذي جاء في الأديان السماوية جميعها، حب لله وللرسل، وحب للأهل، وحب للإخوة، وحب للأقارب، وحب للأصدقاء، وحب للارتباط بأمر الله؛ لبناء بيت يبدأ بحب بين شخصين، ثمّ يتطور ويزيد عندما يصبحون ثلاثة، ويتوطد بما يسمى "العشرة الطيبة على الحلوة والمرة"، ويزيد مع الأيام.. هذا هو الحب صديقتي. أما ما ترينه على شاشات التلفاز والسينما وفي الجامعة، وفي غيرها من أماكن اجتماع الناس واختلاطهم؛ فهو ليس حبًّا بالمعنى الذي ذكرناه؛ لأن أصحابه أنفسهم يقولون عنه إنه حب ينتهي بالزواج؛ يعني: "يا الحب يا الزواج". وسبب ذلك أن كلا الطرفين يتعامل مع الآخر على طريقة بطلات وأبطال السينما؛ بمعنى لا يرى منه الطرف الآخر إلا أحسن ما فيه، ولا يسمع منه إلا ما يُرضيه، والتنازلات فيه كثيرة -مع الأسف- معظمها من الفتاة، وهو ما يولّد عدم الثقة والشك، وعلى أضعف الإيمان قلة الإحساس بأن الفتاة رمز للأمومة، والمسئولية.. إلخ. وهذا النوع من المشاعر دائمًا له غرض ليس الزواج؛ والدليل أننا نجد من تحبّ زميلًا لها لا يملك ثمن المواصلات التي يأتي بها للجامعة ويأخذها من أبيه؛ يعني لا يزال أهله يعولونه يعني "عيل"!! فهل هناك عاقلة تنتظر الزواج من رجل لم يملك بعد أن يعول نفسه ليعولها ويكفيها ويكفي بيته؟! كذلك نرى مَن تحب متزوجًا له أسرة وأولاد، وترضى أن تعيش في الظلام مع ما يتبقى من رجل له حياته أمام الناس وفي النور، وحب شهواني فقط مع من ارتضت بذلك.. فهل هذا حب؟ وهناك الملتزمة التي تبني علاقة مع شاب؛ على أن تكون أول خطوة بعد التفاهم هي التقدم لأهلها ليطلبها للزواج، ثمّ يحدث بالفعل ويتقدم لها، وتبدأ فترة خطوبة طويلة يستنفد فيها كل منهما وسائل إقناع الآخر بضرورة إكمال المسيرة والذهاب إلى العشّ الذهبي، مع مراعاة أن كل منهما لا يرى من الآخر إلا ما يحبه. فإذا ما دخلا العش وبدأت مسئوليات الزواج، وحصل الرجل على كنزه الثمين -سواء بعد طول فترة الخطبة أو قصرها- تتراخى أعصابه، ويرى أنه لا ضرورة لكلام الحب، ويقول لسان حاله: "هو لو أنا مش بحبها أمال كنت اتجوزتها ليه؟!"؛ يعني كفاية عليها إنها دخلت قلبه، ومن قلبه دخلت بيته، وحملت اسمه، وستحمل أولاده إن شاء الله، ويبقى الحب هو العشرة الطيبة بالمودة والرحمة؛ يعني أصبح حبًّا من نوع مختلف عن حب الكلام والروايات الذي كان قبل الزواج. والمشكلة دائمًا تكون مع البنات؛ فهن اللاتي ينتظرن دائمًا الحب من الرجل كما كان قبل الزواج، وهذا مستحيل، والأسباب كثيرة؛ منها: أن حب قبل الزواج كان له هدف، وتحقق الهدف تم بالزواج؛ فلماذا يستمرّ هذا النوع من الحب؟ المفروض أن نبدأ نوعًا جديدًا من الحب. سأقصّ عليك صديقتي حكاية لطيفة لصديقة مثلك تزوّجت شابًا كان يقرأ لها الشعر، ويحضر لها الورود والهدايا في كل مناسبة، ويحتفل كل شهر بيوم الخطبة على أنه يوم عيد، وكان يعرف أين تتجه عيناها فيحضر لها ما اشتهته قبل أن تطلبه، ثمّ تزوجا.. وفي ليلة الزفاف تعامل معها على أنه وحش كاسر، ولما عاتبته قال لها: اعذريني فأنا صابر من زمن طويل، وهذه ليلة اجتماعنا في هذا العش برضا الله ورضا الأهل.. أقنعها الرد؛ ولكن ظل أثر الوحشية متجسدًا في مخيلتها، ثمّ بدأت تراه على طبيعته في البيت، أسنانه لها رائحة، بنطلون البيجاما مفتوح بشكل مقزز، شعره منكوش، يشرب الشاي بصوت مرعب.. فلم تتمالك نفسها وذهبت للتقيؤ، وطلبت أمها لتطلب الطلاق.. أتعرفين ماذا قالت لها أمها؟؟ قالت لها: "هو في بيته حر يفعل ما يشاء؛ يعني لو ما أخدش راحته في بيته ياخد راحته فين؟ يرجع عند أمه تاني؟!!". وفهمت الفتاة أن ما كان قد كان، ويجب أن تحتفظ به في الذاكرة، وأن عليها أن تتعايش مع الواقع الذي لم تستعدّ له لا نفسيًّا ولا عقليًّا، والمرأة العاقلة تقول لنفسها: كل وقت وله أذان، وحب ما بعد الزواج هو الأساس؛ حيث هو الحب الحقيقي؛ لأنه مبنيّ على الحقيقة والواقع، وليس خيالات الأحلام الوردية أيام الخطبة.