ما الحكم الشرعي في مزاولة غير المختص لمهنة الصيدلة، وهذا من الناحية الفنية، أي: التخصص الصيدلي؛ من وصف الأدوية للمرضى أو تقديم النصح لهم؟ الجواب ممارسة غير المختصين لمهنة الصيدلة ووصفهم الأدوية للمرضى أو تقديم النصح لهم: فقد نهى الله عز وجل عن أن يتحدث الإنسان فيما لا يعلم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]. وقال الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (1/41، ط. الحلبي): [فالواجبُ على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم مَن لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه؛ لكان الإمساكُ أولى به، وأقربَ من السلامة له إن شاء الله] اه. وقال الإمام ابن حزم رحمه الله في "الأخلاق والسير" (ص: 23، ط. دار الآفاق الجديدة): [لَا آفَة على الْعُلُوم وَأَهْلهَا أضرّ من الدخلاء فِيهَا، وهم من غير أَهلهَا فَإِنَّهُم يجهلون ويظنون أَنهم يعلمُونَ ويفسدون ويقدرون أَنهم يصلحون] اه. وقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تطبب غير الطبيب وتصدره لعلاج الناس من غير أهلية لذلك، وأخبر أن فاعل ذلك متحمل لتبعات فعله وآثار تصرفه؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَطَبَّبَ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ، فَهُوَ ضَامِنٌ» أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح الإسناد، وفي لفظ: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ بِالطِّبِّ مَعْرُوفًا فَأَصَابَ نَفْسًا فَمَا دُونَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ». فالتكلم بغير علم في العلوم الطبية لا تقل خطورته عن التدخل بغير علم في العلوم الدينية، حيث إن التجرؤ في علوم الدين بغير علم يؤول إلى فساد في الاعتقاد والدين، والتجرؤ في العلوم الطبية وكل ما يتعلق بأمن الإنسان وحياته؛ من طب، وصيدلية، وهندسة، قد يؤول إلى فساد في الأنفس، وقد يعرض حياة الإنسان إلى الخطر، ومن المقاصد الشرعية العليا حفظ النفس، وهي ضرورية لحفظ الدين؛ لأنه إذا هلكت الأنفس لم يوجد من يقوم بالدين. وقد نص قانون مزاولة مهنة الصيدلة على المهام التي يختص بها عمل الصيدلي من تركيب وتجهيز الأدوية الطبية، ولم تتضمن تلك المهام وصف الدواء للمرضى أو تقديم النصح الطبي لهم. جاء في المادة رقم (1) لقانون رقم (127) لسنة 1955م: [ويعتبر مزاولة مهنة الصيدلة في حكم هذا القانون: تجهيز، أو تركيب، أو تجزئة: أي دواء، أو عقار، أو نبات طبي، أو مادة صيدلية تستعمل من الباطن أو الظاهر أو بطريق الحقن؛ لوقاية الإنسان أو الحيوان من الأمراض أو علاجه منها أو توصف بأن لها هذه المزايا] اه. فوصف الدواء للمرضى، وتشخيص حالتهم الصحية، وتقديم النصح لهم: كل ذلك من اختصاص الطبيب المعالج الذي هو منوط بالكشف والاستفسار عن حالة المريض؛ فلا يحق لغير الطبيب -صيدليًّا كان أو غيره- أن يتجاوز مهام عمله ويصف الدواء للمرضى؛ استنادًا على ما جرت عليه عادة الأطباء من وصف أدوية معنية لأعراض معينة؛ لأنه وإن تشابهت الأعراض، فإن ما يصلح لمريض قد لا يصلح لمريض آخر، ومعرفة هذا الأمر من شأن الطبيب المختص. وقد نص القانون رقم (127) لسنة 1955م في شأن مزاولة مهنة الصيدلة في مادته رقم (72) على أنه: [لا يجوز للصيدلي أن يجمع بين مزاولة مهنته ومزاولة مهنة الطب البشري، أو الطب البيطري أو طب الأسنان، حتى ولو كان حاصلًا على مؤهلاتها] اه. وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن وصف الدواء للمريض هو من اختصاص الطبيب المعالج، فلا يجوز لغير الطبيب التجرؤ على وصف دواء لمريض، كما أنه لا يجوز لغير الصيدلي المقيد رسميًّا في نقابة الصيادلة التجرؤ على مزاولة مهنة الصيدلة إلا بتصريح له بذلك من الجهة المختصة بذلك دون غيرها، وعليه الالتزام بما نُصَّ عليه في اختصاصه ولا يتعداه لغيره، ومخالفة ذلك هو أمر محرَّم شرعًا ومجرَّم قانونًا.