في مدينة شتوتجارت الألمانية، وفي الأيام القليلة الماضية، قامت مصادمات بين متظاهرين من سكان المدينة وبين الشرطة، واندلع الغضب في صدور عشرات الآلاف من سكان المدينة، وطالبوا بإقالة رئيس الولاية، كل هذا بسبب قيام الحكومة بقطع 25 شجرة ضمن أعمال مشروعات تطوير المدينة، وإقامة مجموعة من الأنفاق تحت الأرض. ما زاد الطين بلة أن هذه الأشجار كان يسكن بها نوع نادر من الخنافس، التي تضع يرقاتها على هذه الأشجار، قطع الأشجار وتشريد الخنافس أدّى إلى كل هذا الغضب، وتقوم الحكومة الآن بمراجعة خطط التطوير التي كانت قد أقرّتها مسبقا. تعالوا نعبر البحر المتوسط الآن إلى الجانب الآخر، فقد قام أحد المحالّ التجارية بالقرب من بيتنا بقطع أفرع شجرة كانت توجد بالقرب من المحلّ، وحوّلها إلى عصا خشبية بلا أوراق، حتى تظهر لافتة المحل أكثر، والأدهى أنه دهن ما تبقّى من جذع الشجرة بالبوية، حتى لا تتنفس، أو تورق مرة أخرى. كان صاحب المحلّ قد تشجّع على القيام بهذه الخطوة بعد أن رأى أصحاب المطعم الشهير المجاور، وهم يجتثّون شجرتين كانتا على الرصيف أمام المحلّ، دون أن يتعرّض لهم أحد. في كل مكان في مصر يوجد محلّ تجاري فإن أصحاب المحلّ لا بد أن يقطعوا أقرب شجرة توجد في المكان، ويأتي عمّال البلدية دائما لإزالة جثث الأشجار مقابل إكرامية ما. كنت أعتقد أن سكان المكان سيثورون على ما حدث، إلا أنهم لدهشتي كانوا سعداء؛ لأن هناك من تكفّل بالأمر نيابة عنهم. في توقيت مقارب كانت هناك مذبحة أشجار حقيقية في شارع "محمود تيمور"، بالرغم من أن الأشجار تقع أمام سور مدرسة، ولا توجد محالّ تريد للافتاتها أن تظهر، إلا أن الجريمة تمّت بمباركة سكان الشارع؛ لأسباب "غبية" أخرى، كمنع التلاميذ من الوقوف والتسكّع في الظل تحت الأشجار، أو التخلّص من العصافير التي تسكن بها؛ لأنها "بتعمل دوشة"، أو لأنها تتبرّز على السيارات التي تصطفّ بالمكان، أو لأي سبب "أحمق" آخر.. لكن ماذا كان سيفعل السكان بالأشجار إذا عرفوا أن الخنافس تضع يرقاتها فيها كالأشجار الألمانية؟ لعلهم كانوا سيحرقونها بالجاز على أقل تقدير! الإنسان المتحضّر الذي يسكن في أوروبا شعر بالألم لقطع الأشجار، بينما الإنسان البدائي الذي يعيش في مصر يشعر بالسعادة لقطعها.. الإنسان المتحضّر الذي يعيش في أوروبا يسعى للحفاظ على الأشجار والبيئة والكائنات، بينما الإنسان البدائي الذي يعيش في مصر يسعى إلى قطع الأشجار ويعتبر هذا العمل نوعا من النظافة.. الإنسان المتحضر الذي يسكن في أوروبا ثار وهدّد بإقالة الحاكم؛ لأنه لم يحافظ على الأشجار، بينما الإنسان البدائي الذي يعيش في مصر يدفع الرشاوى للتخلص منها.. الإنسان المتحضر الذي يسكن في أوروبا يتمتع ببلاد جميلة ونظيفة وهو يسعى للحفاظ عليها بكل قوته، بينما الإنسان البدائي الذي يعيش في مصر لا يهتمّ سوى بمصلحته الشخصية ويقوم بتخريب بلاده بنفسه، آتيا على الأخضر واليابس. قديما قال عباس العقاد إن الناس في بلاده يعجبون بالبَرَص الأبيض في الوجه الأسمر، دلالة على فساد الذوق، ورغم مرور عشرات السنين على ملحوظة عباس العقاد، لم يتغير الناس ولا يبدو أنهم سيفعلون.