"قصة تبحث عن تعليق" باب جديد ينضم إلى الورشة.. سننشر فيه القصص بدون تعليق د. سيد البحراوي، وسننتظر منك أن تعلق برأيك على القصة. وفي نهاية الأسبوع سننشر تعليقك بجوار د. سيد البحراوي؛ حتى يستفيد كاتب القصة من آراء المتخصصين والمتذوقين للقصة القصيرة على حد سواء.. في انتظارك.
"بدون عنوان"
وقعت عيناه عليهما؛ فاقترب من القفص وامتدت سبابته مداعبة لينقرها العصفور بطريقة أقرب إلى دغدغة الرضيع. استشف من حسن صورتهما صفاءا، ومن تغريدهما محبة، واستلبا عقله وأصر على امتلاكهما. انتقى قفصا سلكيا بلون الفضة، وأعطاه بائع الطيور لفافة بها طعامهما من حبوب الفلارس والدنيبة، وقليل من لب عباد الشمس. نقد البائع المال، وانصرف ظافراً بالطائرين بديعي الخلقة. انقلب إلى داره مسرورا، وانتقى للقفص موضعا يعده الأفضل في بيته، فوق منضدة من خشب الماهوجني بجوار النافذة.. هذا الموضع الذي يمتليء بمقتنياته النفيسة التي تحصل عليها من مزادات أقيمت لسداد ديون الأثرياء الغابرين، وهو في هذا المجال من السباقين ويقاتل في سبيل بغيته حتي ينالها. جلس يتأمل الطائرين يمرحان في هناء أسبغ عليه طمأنينة وفرح. كان البائع قد أخبره أنهما من فصيلة طيور الحب، والحب اسم وصفة لما يكون في بهائهما. ذكر وأنثى لهما ريش أصفر بلون الزعفران، يمتد من القذال حتى تشوبه خضرة زمردية تلف وسط الظهر، وينتهي بذيل أزرق لازوردي كزرقة السماء أول الضحى، ويتوجان على رأسيهما بجمة برتقالية كلون الشمس قبيل غروبها. حين هبط الليل أزعجه صوت ارتطام معدني متكرر؛ فبحث عن مصدره ليجد العصفورين يتناوبان رفع باب سلكي صغير في باب القفص، هذا الباب المخصص ليضع لهما منه الطعام والشراب. يمتد المنقار الأصفر تحت الباب ويرفعه، ثم ينسحب الرأس تاركاً الباب ليهبط مصدراً رنيناً معدنياً صاخباً. غضب حين استمر الصوت في حضوره، وبدا له أن طائريه العزيزين يبغيان الهرب، ويالهما من أحمقين لا يدريان أي متعة ودَعَة تنتظرهما معه!. عجب لأمرهما، ثم جعل يداعبهما ويصفر بفمه ليحاكياه، وبدلا من أن يذعنا له أثارا الهواء بأجنحتهما الرقيقة؛ فامتلأ الجو ريشاً وزغباً آذى عينيه وزكم أنفه؛ فثار وزعق في العصفورين، ولدهشته سكتا وسكنا. قام بالعمل نفسه ثلاث مرات حين أيقظه الصوت من غفوته، وفي الصباح بدا متعباً، وبعد أن عاد من عمله قرر أن يغفو قليلاً ليعوض أرق البارحة. عاد صوت الارتطام وازداد حدة.. فخاطب نفسه حانقاً: تلك آخر أربع مرات!، وقام وبه رغبة بتحطيم القفص على رؤوس من فيه. ثائراً صاح في الطائرين أن اصمتا وانتهيا.. وجلس يفكر في حل لمعضلته، ثم عمد إلى أصيص يزرع فيه بعض الرياحين، وكان به حصى مختلف الألوان والأحجام، وانتقى منه حصاة ثقيلة كئيبة المنظر، وأحضر شريطاً -كان يربط غلاف هدية فيما مضى- وثبتها في الباب لتصير ثقلاً يحول دون رفعه، وبعد أن أتم مهمته عاود النوم راضياً. في المساء وجد المأساة.. حاول أن يفهم ما حدث، فتخيل الطائر وهو يدس منقاره أسفل الباب السلكي فيرفعه بصعوبة، ثم يخرج منقاره الأصفر ويتبعه برأسه الجميل، فيخرج الجزء الأمامي المحدب منه والباب يضغط على جبهته وهو ينظر بعينيه السوداوين إلى شسوع الفضاء من حوله.. لا بد أنه ازداد أملاً حين بلغ الباب ذؤابة رأسه.. لا بد أنه تردد قبل أن يتخذ قراره.. لا بد أنه تضايق من الضغط المتزايد فدفع جسده بقدميه لتخرج ناصيته من الباب وينسدل رأسه للخارج.. لا شك أنه اضطرب حين وجد الثقل يجثم على رقبته، تحت قذاله الأصفر بلون الزعفران.. لا شك أن الرأس ذو التاج الملكي البرتقالي دارت به أفكار بدائية متسارعة ممتقعة بالرعب.. لا شك أنه عانى كثيراً وهو ثابت لا يقدر أن يندفع للخارج ساعياً للحرية ولا أن ينسحب متقهقراً طالباً للأسر.. لاشك أن الاختيار استغرق فكره وشل حركته.. لا شك أنه ندم.. تأمل هول المأساة وندم، وبكى. ومضى ليزيل الجسد الساكن بعد نشاط، القبيح بعد الحسن. فخلص الباب السلكي من الحصاة –آداة الجريمة-، وتناول الطائر المختنق في رفق.. وتردد وهو يبحث عن شيء يكفنه فيه؛ فنظر حوله لتقع عينيه على تلك اللفافة التي تحتوي على حبوب الفلارس والدنيبة، والقليل من لب عباد الشمس.. اللفافة التي أعطاه البائع إياها ليطعم منها الطائرين.. اللفافة التي بقيت كما هي ونسي هو كل شيء عنها.. اللفافة التي كان ينبغي أن يضع لهما منها الحبوب من الباب السلكي.. ذلك الباب الذي...... صاح بلا صوت: رباه، لقد كنت أحمقاً.. رامي إبراهيم الورقي
التعليق: قصة جميلة وموضوعها جيد (حماقة الإنسان الذي لا ينشغل إلا بذاته)، ولغتها جيدة برغم بعض الأخطاء، وبعض التقعر أحياناً؛ وربما كان بها بعض الإطالة. والجملة الأخيرة لا ضرورة لها. أ. د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة ملحوظة: ينشر الموقع القصص كما وردت من أصحابها، أي دون تدخل بالمراجعة، وذلك لأن الجوانب الإملائية واللغوية والتنسيقية يُعتد بها في تقييم النص. لذا وجب التنبيه، وشكرًا.