استمراراً لتناولنا للأبطال المصريين الذي صنعوا مجد أكتوبر، وتخليداً لذكراهم العظيمة في قلوبنا وعقولنا، وكان من بينهم الشهيد "أحمد حمدي" الذي تناولنا قصته الحلقة الماضية، وتعرّفنا على شجاعته في الإصرار على القتال، وسط جنوده من على خط النار... نلتقي اليوم مع شهيد جديد قدَّم روحه فداء وطنه، وهو الشهيد العقيد "محمد زرد" الرجل الذي فتح بتضحيته بنفسه حصناً استعصى على فرقة مصرية كاملة؛ لشدّة تحصّنه، واحتمل سيل النار عليه حتى تمزّقت أحشاؤه. فبعد عبور القوات المسلّحة المصرية لقناة السويس -أضخم مانع مائي عرفه التاريخ- وقف خط بارليف المحصن حاجزاً أمام عبور القوات المصرية إلى قلب سيناء، إلا أن الهجوم الكاسح أسقط كل هذه الحصون إلا نقطة واحدة بقيت مستعصية على السقوط في أيدي القوات المصرية.
وكانت هذه النقطة محصّنة بطريقة فريدة وقويّة، ويبدو أنها كانت مخصّصة لقيادات إسرائيلية معيّنة.. وفشلت المجموعة المصرية في اقتحام هذه النقطة المشيّدة من صبّات حديدية مدفونة في الأرض.. ولها باب صغير تعلوه فتحة ضيّقة للتهوية... وكان يقلق المجموعة المكلّفة بالتعامل مع هذا الحصن أن الأعلام المصرية أصبحت ترفرف فوق جميع حصون برليف بعد سقوطها، عدا هذا الموقع الصامد الذي فشلت معه كل الأساليب العسكرية للفرقة المواجهة له.
وإذا بالأرض تنشق عن العقيد "محمد زرد" الذي يجري مسرعاً تجاه جسم الموقع متحاشياً الرصاص الإسرائيلي المنهمر بغزارة من الموقع، ومن ثم اعتلاه، وألقى بقنبلة بداخله عبر فتحة التهوية، وبعد دقيقتين دلف بجسده إلى داخل الحصن من نفس الفتحة، وسط ذهول فرقته التي كان قائداً لها، وخلال انزلاقه بصعوبة من الفتحة الضيقة، وجّه له الجنود الإسرائيليون من داخل الموقع سيلاً من الطلقات النارية أخرجت أحشاءه مِن جسده، وفي هذه اللحظات تأكّدت فرقته مِن استشهاده.
وما هي إلا ثوانٍ معدودة، وإذا بباب الحصن يُفتح مِن الداخل، ويخرج منه العقيد "محمد زرد" ممسكاً أحشاءه الخارجة مِن بطنه بيده اليسرى، واليمنى على باب الحصن تضغط عليه بصعوبة لاستكمال فتحه... سبحان الله...
واندفع الجنود المصريون إلى داخل الحصن، وأكملوا تطهيره، ثم حمل الجنود قائدهم "زرد" إلى أعلى الحصن، وقبل أن يُفارق الحياة لمس عَلَم مصر، وهو يرتفع فوق آخر حصون خط برليف أقوى حصون العالم في التاريخ العسكري، ثم فارق الحياة.. فهو بطل نادر التكرار، وَهَبَ عُمْره لبلده، ولقي ربه شهيداً فرحاً بالشهادة والنصر معاً.
وفي حلقة الغد نلتقي مع الشهيد العميد "يسري عمارة" الذي واصل القتال مع فرقته رغم إصابته بشكل بالغ، واستطاع بمفرده أن ينقض على عسكري إسرائيلي مسلّح -بينما هو مصاب بشدّة- ونجح في إسقاطه أرضاً حتى سقط بجواره من شدّة التعب، ولم يكتفِ بذلك، بل استطاع أن يأسر أوّل أسير إسرائيلي، وهو القائد العقيد "عساف ياجوري" قائد اللواء 190 مدرع.
فتابعونا.. شكر واجب لموقع المؤرخ الذي استقينا منه هذه المادة.