الأنبا رافائيل يدشن مذبح «أبي سيفين» بكنيسة «العذراء» بالفجالة    خاطر يهنئ المحافظ بانضمام المنصورة للشبكة العالمية لمدن التعلّم باليونسكو    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة قبيا غرب رام الله بالضفة الغربية    وزير الأوقاف ينعي شقيق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم    محافظة الجيزة: غلق كلي بشارع 26 يوليو لمدة 3 أيام    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    عصام عطية يكتب: الأ سطورة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الصحة: الإسعاف كانت حاضرة في موقع الحادث الذي شهد وفاة يوسف بطل السباحة    صحة الغربية: افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    "الأوقاف" تكشف تفاصيل إعادة النظر في عدالة القيم الإيجارية للممتلكات التابعة لها    الجيش الأمريكي يعلن "ضربة دقيقة" ضد سفينة مخدرات    عاجل- أكسيوس: ترامب يعتزم إعلان الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق غزة قبل أعياد الميلاد    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    وست هام يفرض التعادل على مانشستر يونايتد في البريميرليج    لم ينجح أحد، نتائج الحصر العددي بالدائرة الرابعة في إبشواي بالفيوم    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    نجوم العالم يتألقون في افتتاح مهرجان البحر الأحمر.. ومايكل كين يخطف القلوب على السجادة الحمراء    دنيا سمير غانم تتصدر تريند جوجل بعد نفيها القاطع لشائعة انفصالها... وتعليق منة شلبي يشعل الجدل    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    مصادرة كميات من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بحي الطالبية    نتائج االلجنة الفرعية رقم 1 في إمبابة بانتخابات مجلس النواب 2025    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    محطة شرق قنا تدخل الخدمة بجهد 500 ك.ف    وزير الكهرباء: رفع كفاءة الطاقة مفتاح تسريع مسار الاستدامة ودعم الاقتصاد الوطني    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي بالمسيرات على العاصمة كييف    إعلان القاهرة الوزاري 2025.. خريطة طريق متوسطية لحماية البيئة وتعزيز الاقتصاد الأزرق    صاحبة فيديو «البشعة» تكشف تفاصيل لجوئها للنار لإثبات براءتها: "كنت مظلومة ومش قادرة أمشي في الشارع"    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!    قفزة عشرينية ل الحضري، منتخب مصر يخوض مرانه الأساسي استعدادا لمواجهة الإمارات في كأس العرب (صور)    كأس العرب - يوسف أيمن: كان يمكننا لوم أنفسنا في مباراة فلسطين    غرفة التطوير العقاري: الملكية الجزئية استثمار جديد يخدم محدودي ومتوسطي الدخل    تفوق للمستقلين، إعلان نتائج الحصر العددي للأصوات في الدائرة الثانية بالفيوم    البابا تواضروس الثاني يشهد تخريج دفعة جديدة من معهد المشورة بالمعادي    ضبط شخص هدد مرشحين زاعما وعده بمبالغ مالية وعدم الوفاء بها    "لا أمان لخائن" .. احتفاءفلسطيني بمقتل عميل الصهاينة "أبو شباب"    ترامب يعلن التوصل لاتفاقيات جديدة بين الكونغو ورواندا للتعاون الاقتصادي وإنهاء الصراع    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    بعد إحالته للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية التيك توكر شاكر محظور دلوقتي    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    العزبي: حقول النفط السورية وراء إصرار إسرائيل على إقامة منطقة عازلة    انقطاع المياه عن مركز ومدينة فوه اليوم لمدة 12 ساعة    اختتام البرنامج التدريبي الوطني لإعداد الدليل الرقابي لتقرير تحليل الأمان بالمنشآت الإشعاعية    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    محمد موسى يكشف أخطر تداعيات أزمة فسخ عقد صلاح مصدق داخل الزمالك    مراسل اكسترا نيوز بالفيوم: هناك اهتمام كبيرة بالمشاركة في هذه الجولة من الانتخابات    مراسل "اكسترا": الأجهزة الأمنية تعاملت بحسم وسرعة مع بعض الخروقات الانتخابية    محمد إبراهيم: مشوفتش لاعيبة بتشرب شيشة فى الزمالك.. والمحترفون دون المستوى    مصدر بمجلس الزمالك: لا نية للاستقالة ومن يستطيع تحمل المسئولية يتفضل    كرة سلة - سيدات الأهلي في المجموعة الأولى بقرعة بطولة إفريقيا للاندية    دار الإفتاء تحذر من البشعة: ممارسة محرمة شرعا وتعرض الإنسان للأذى    فرز الأصوات في سيلا وسط تشديدات أمنية مكثفة بالفيوم.. صور    أخبار × 24 ساعة.. وزارة العمل تعلن عن 360 فرصة عمل جديدة فى الجيزة    رئيس مصلحة الجمارك: ننفذ أكبر عملية تطوير شاملة للجمارك المصرية    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    سلطات للتخسيس غنية بالبروتين، وصفات مشبعة لخسارة الوزن    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرصيف لإحسان عبد القدوس
نشر في بص وطل يوم 26 - 10 - 2009

منذ الآن صفحة شوية هوا ليست فقط إبداعات من اختيارنا بل من اختياركم أنتم أيضا.. تستطيعون من خلالها أن تجعلوا الصفحة ليست قصيدة أو قصة قصيرة فحسب، بل أي جزء من إبداع الكُتاب المعروفين وغير المعروفين.. أبيات تعجبكم.. كلمات دونتموها في مذكراتكم.. حوار صغير دار بين أبطال رواية تحبونها.. في انتظاركم
الرصيف
إحسان عبد القدوس
أنا رسام..
وعندما أرسم وجها من الوجوه التي أختارها، لا أرسم ما أراه بعيني، ولكني أرسم صورة صاحب هذا الوجه كما أتخيله.. أرسم رأيي فيه.. أرسم حكمي عليه.. وصحيح أني أتقيد بملامح الوجه، ولكن النظرة التي تطلّ من العينين، والتعبير المرتسم فوق الشفتين، ومجموعة الألوان التي تملأ اللوحة و... و... كل ذلك ينبعث من داخلي، ويكوّن رأيي في الوجه الذي أرسمه.. وقد لا تعرف أن كل لون من الألوان التي أستعملها هو عبارة عن رأي يختلف عن الآخر.. الأزرق له معنى غير الأحمر، وغير الأصفر، وغير الأخضر.. وهكذا..!
وقد تعودت أن أنظر إلى وجوه الناس الذين ألتقي بهم، وأرى فيها أكثر مما يراه الرجل العادي.. أنظر إليها بعيني فنان، وأرى فيها موضوعا، لا مجرد شكل.. فإذا أثارني وجه من هذه الوجوه وكوّنت فيه رأيا، دعوت صاحبه ليجلس أمامي، وأرسمه.. وغالبا ما يرحّب الجميع بدعوتي.. لم يحدث أبدا أن رفض أحد الجلوس أمامي.. وغالبا أيضا لا يعجب بالوجه الذي أرسمه له.. إنه يرى وجهه في اللوحة، ولكنه يرى بجانب وجهه رأيي فيه فيغضب!

إلى أن التقيت بسوسن..
التقيت بها على شاطئ البحر في رأس البر..
رأيتها من بعيد..
وتعلقَت بها عيناي كأني أشهق..

لم أرَ من قبل مثل هذا الجمال.. جمال بريء.. هادئ.. مريح.. كالدموع.. كالنغم الحزين.. كالتنهد.. وشعرها في لون البندق.. تشده إلى الوراء، كأنها تخشى أن يسرقه منها الهواء.. وعيناها ملوّنتان، واسعتان، فيهما دهشة دائمة.. دهشة ساذجة، كأنها دهشة طفل يفتح عينيه على الحياة لأول مرة.. ولم تكن ترتدي مايوها كبقية البنات.. كانت ترتدي ثوبا أزرق، مقفولا حتى رقبتها، وأكمامه تصل إلى منتصف ذراعيها.. وكانت تعبث بأصابعها في الرمال..
وقفت أبحلق فيها من بعيد، وخيالي يرسم لها صورة.. واحترت في عنوان الصورة.. هل أسميها "القديسة" أو "الطاهرة" أو "براءة" أو "ملاك".. أو.. أو..
ولم تلتفت إليّ سوسن.. إنها أشد براءة من أن يمسّها غبار آدمي مثلي.. أشد طهرا من أن ترفع عينيها إلى مخلوق من طين..
وقضيت يومي أحلم بالصورة التي أرسمها لها..
ثم مضت الأيام ولم أعد أحلم بالصورة، بل أصبحت أحلم بها.. بها هي.. بشخصها.. كأني أحببتها.. ربما أحببتها فعلا..
وكان يجب أن أعرفها..
وأن أرسمها..
وأصبحت أتبعها وأنا أبحث عن الطريق إليها.. وعرفت كل أقاربها، وكل صديقاتها، وصديقات صديقاتها.. إلى أن وجدت فتاة أعرفها، ويمكن أن تقدمني لها.. و..

وعرفتها..
وفي أول لقاء، لم أستطع أن أنتظر أكثر مما انتظرت، فدعوتها لأن تجلس أمامي لأرسمها..
وقبلت..
قبلت فورا..
لا شك أنها تؤمن بالفن.. ولذلك قبلت بهذه السهولة، وبهذه السرعة.
وواعدتها على أن تأتي إلى "العشة" التي أقيم فيها مع عائلتي.. إن معي أخواتي البنات.. وليس هناك غبار على هذه الدعوة..
وقبلت..

وقضيت الصباح كله أعد نفسي لاستقبالها.. اخترت المكان الذي تجلس فيه بحيث يبدو البحر من ورائها، ليضفي على اللوحة مسحة شاعرية.. واشتريت زهورا بيضاء في لون الطهر، ووضعتها بجانب المقعد الذي تجلس عليه.. واخترت الألوان التي سأرسمها بها.. كلها ألوان هادئة بريئة.. الأزرق، الأخضر، والأصفر.. و...
وجاءت..
وأجلستها في المكان الذي اخترته لها، وأنا أرتجف من النشوة.. كأني مقبل على أهم عمل في حياتي.. كأني على وشك أن أدق بفرشاتي باب كنز.. كنز الخلود.. كنز المجد..

وبدأت أرسم وجهها..
ولم تمضِ دقائق حتى بدأت سوسن تتكلم:
- قل لي يا أستاذ وحيد.. إنت هتنشر الصورة دي في أي مجلة؟
وكذّبت أذني.. لا يمكن أن تكون سوسن حريصة على أن تنشر صورتها في المجلات.. إنها أكثر براءة من ذلك.. لعلها تريد أن تطمئن.. وأجبتها:
- مش هانشرها أبدا..
وسمعتها تقول في حسرة:
- يا خسارة!
وعدت لأكذّب أذني.. ولكنها استطردت:
- يعني ماحدش هيشوفها أبدا؟؟
وقلت وأنا أغالب نفسي:
- إزاي.. ناس كتير هيشوفوها.
قالت:
- أنا عايزاك ترسمني حلوة أوي.. علشان أغيظ صاحبتي ميرفت..
وكنت في هذه الأثناء أرسم شعرها.. كنت أرسم بلون بندقي هادئ.. فإذا بي دون أن أدري، أضيف إليه كثيرا من اللون الأصفر، فيبدو في الصورة، كأنه شعر مصبوغ.. رخيص!

وبدأت سوسن تتململ في جلستها.. وعادت تتكلم:
- قل لي يا أستاذ وحيد.. إنت تعرف ترقص التشاتشا..
وارتعشت الفرشاة في يدي.. وقلت:
- لا يا أفندم..
قالت:
- يا خسارة.. لازم تتعلّمها.. ولو حبيت أعلّمها لك أنا..
لماذا تتكلم هذه الفتاة؟!
لماذا لا تسكت، حتى تصون لي خيالي الذي أرسمها به.. حتى تصون لي رأيي فيها.
وكنت في هذه اللحظة أرسم عينيها.. كنت أرسمها بلون يغلب عليه الأزرق الفاتح.. كلون البحر الذي يطل من ورائها.. كان في عينيها رحيق الطهر.. ودون أن أدري اختلطت الألوان في فرشاتي.. وإذا بالألوان الفاتحة تغمق، وإذا بي أرسم عينيها، وليس فيها دهشة الطفل، ولكن فيهما جوع.. جوع القطة النهمة!

وازداد تململ سوسن في جلستها.. إنها لا تستطيع أن تستقر.. لا تستطيع أن تهدأ.. ولمحتها ترفع ثوبها عن ساقيها، كأنها تغريني بهما.. كأنها تحاول أن تغريني.. وكنت في هذه اللحظة أرسم شفتيها.. الشفتان اللتان تخيلتهما هادئتين نظيفتين.. كشفتي الجيوكندا.. وإذا بي أرسمها شفافة غامقة في لون الدم.. مثيرة متسخة!!
وتعبت..

وطلبت من سوسن أن تأتي في اليوم التالي بالثوب الذي تريدني أن أرسمها به.. وكنت قد أعددت في خيالي ثوبا مقفولا لونه أخضر فاتح.. ولكنها جاءت إليّ بثوب أسود مفتوح.. ثوب يكشف عن لحم صدرها، عن كل ظهرها.. ووقفت تتمايل أمامي، وتقول لي:
- حلو الفستان يا أستاذ وحيد؟ مش حلو والنبي؟ ده أنا واخدة الموديل بتاعه من كريستيان ديور.
ورسمت الفستان في لون أحمر فاقع.. يكشف عن ساقيها وصدرها، ولم أرسم خلفها مياه البحر الزرقاء.. بل رسمت فانوس نور!!

ولم أرَ سوسن بعد ذلك..
لا أريد أن أراها..
وقد عرضت صورتها في معرضي، وأسميتها: الرصيف!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.