أضواء لامعة.. موسيقى صاخبة.. شوارع مزدحمة. وحركة بيع وشراء رائجة لسلع أبدعوا في عرضها لتبهر العيون. ووجوه ضاحكة -أو تحاول أن تكون- ومزيد من التهاني والمجاملات والمشاكسات أحياناً. هذه هي ليلة العيد. وأنا أتجول في الشوارع بين الزحام يمر شريط الأعياد أمام عيني من عشر سنوات ويزيد. أتذكر أبي يصطحبني معه إلي قريته.. الثوب الجديد.. وكيس الحلوى.. الحقيبة الصغيرة التي طالما أصررت علي اقتنائها كل عيد.. أبناء وبنات أعمامي وقرنائي من أهل القرية.. اللهو واللعب وإفساد الثوب.. التجول مع أبي في الحقول حيث يسمح لي بجمع بعض الثمار أحياناً. وأخيراً الذهاب للعيد. نعم فقد كان العيد لدي أطفال القرية مكان يذهبون إليه.. وكثيرا ما رددت معهم هذه العبارة "الذهاب إلي العيد".
مازلت أتذكر ملامح هذا المكان -العيد- الذي لم يتغير من عام لآخر. ساحة كبيرة بمجرد دخولها تبحث عيناي عن الأرجوحة الخشبية المتهالكة والوحيدة كذلك. وهناك أرى لوحة النيشان.. بائعي الحلوى. الكثير من الألعاب البلاستيكية الرائعة الألوان والرديئة الصنع. والعربة الخشبية التي تحمل بهجتي. أراها هناك تحمل كنزي الكبير. وهناك أقف لأعلن عن أهم طقوس العيد اقتناء السلسلة والأساور والخاتم الذي اعتدت أن أختاره محلى بفص من البلاستيك. وها هنا أشعر أني امتلكت العالم بأسره وعلي كتف أبي أتهدل كورقة متساقطة من شجرتها بمزيج من الإرهاق وفرحة العيد ويدي تتحسس مجوهراتي التي هي من الصفيح.
أفقت من ذكرياتي هذه علي سيارة علي وشك أن تدهسني يقودها بعض الشباب المستهتر لأري أمامي محلاً أنيقاً تتلألأ فيه خواطري.. ولم لا؟! فلأستعيد فرحة العيد، انتقيت عقداً طويلاً وزوجاً من الأساور وخاتم تتوسطه وردة زرقاء وجميعهم من ماركات عالمية. وخرجت وكأن شيئاً لم يكن. ارتديت هذه الأشياء لكنها لم تضف لي الكثير. ومازلت في تجوالي أبحث عن شيء لا أعرفه.. هل شاخ القلب فلم يعد يستشعر الفرحة؟ أم أن الفرحة أبت أن تسكن القلوب الجامدة؟. لست أدري؛ لكن ما أعلمه جيداً أن للصفيح بريق خاص.. وأبي في التراب.
شيماء زايد
التعليق: الكاتبة تمتلك القدرة على الكتابة الرهيفة الدقيقة لكن لولا الجملة الأخيرة "وأبي في التراب" لفقدت القصة قصصيتها. وأنا أفضل أن يضاف إليها: "كان". ينبغي أن أشيد أيضاً بالصحة اللغوية، ففيها خطآن فقط "فلأستعد" و" خاتماً".. قصة جميلة وصادقة.
د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة