إزيكم.. يا ريت تردوا عليّ يا خبراء "بص وطل" وتعرضوا مشكلتي. أنا بحب بنت وهي بتحبني أوي.. أنا مخلّص كلية وشغّال الحمد لله، وهي بنت كويسة وطيبة وحنينة؛ بس فيه شوية فروق بينّا: فيه فرق اقتصادي بين العيلتين، هي أعلى شوية، وهم ساكنين في منطقة كويسة، وأنا في منطقة شعبية، ومن كلامها عن مامتها إنها بتاعة مظاهر وكده وعايزة واحد غني يريّح بنتها، وفيه فرق سنّ كبير شوية بينّا، وفيه فرق في المستوي العلمي لصالحي. البنت قالت لي إنها مش مهم عندها الغنى المهم تكون معايا؛ بس باقول لو عاشت في مستوى أقلّ شوية من اللي هي كانت عايشاه هيسبب مشكلة. ساعات أحسبها بالعقل وأقول إني لو اتجوزتها وهي في الكلية، مصاريف دراستها هتاخد من المرتب جزء كبير؛ بس قلبي يقول لي ربنا هيفتحها عليك ويرزقك.. وأقول لو ربنا رزقنا بعيّل هيبقى دراستها وبيتها وابنها كتير عليها؛ بس أقول ممكن تكون قدها وأنا أساعدها. المهم بحسبها بالعقل بالاقي فيه فروق هتخلي بينّا مشاكل، وممكن أهلها يرفضوا؛ فأقرر أسيبها وأحاول أنساها وهي تنساني.. أما قلبي فبيقول لي ما تسيبهاش ومش ممكن ألاقي حب تاني، وأتجوز جواز تقليدي. إيه رأيكم يا "بص وطل"؟ ولو حد من القراء مرّ بظروف مشابهة يقول لي على خبرته وكده. kimo صديق "بص وطل" العزيز.. أحييك على إعمالك للعقل إلى جانب العاطفة، ولا عجب؛ فأنت شاب على درجة من النضج العُمري والحياتي، قد خُضتَ مجال العمل، وهذا في حدّ ذاته ينقل المرء دفعة واحدة إلى مرحلة من النضج ربما تساوي كل ما مرّ به قبلها، وتؤهّله تدريجيًا للتعامل مع كل ما سيلاقيه في الحياة الفعلية بعد ذلك. من هنا أقول لك: إن فتاتك (طفلتك) لا تزال صغيرة جدًا عقليًا ونفسيًا على أن تقطع لك الوعود بحياة رغدة سعيدة، لا يعنيها فيها شيء سوى وجودكما معًا. هي تحبك، نعم؛ لكن مشاعر مرحلة المراهقة التي تعيشها فتاتك الآن ليست مشاعر مستقرة ولا نهائية، والمراهق لا يكون على وعي بذلك. وكم منا مَن كانت له آراؤه وتصوراته عن نفسه وعن الحياة في مرحلة المراهقة، ثم عندما خاض الحياة الواقعية (وهذا لا يتأتّى قبل انتهاء مرحلة الجامعة ودخول الحياة العملية) تغيّرت آراؤه هذه، وربما تبدّل بعضها إلى العكس تمامًا.. والمرء منا يعجب حينئذٍ كيف كان يتصور الأمور بهذه الطريقة؟! وربما ضحك من نفسه لسطحية وسذاجة تفكيره وقتها؛ مع العلم أنه كان آنذاك على يقين بأنه فيلسوف زمانه، وأنه يفكر في الأمور بعقلانية وشمولية؛ على عكس ما هو حاصل بالتأكيد؛ فهو -بطبيعة المرحلة- لم يؤتَ من النضج العقلي ولا النفسي ما يمكّنه من التفكير السليم وحساب العواقب.. وليس عليه لومٌ لأنها طبيعة السِنّ وليس له سلطان على هذا. ما أريد أن أقوله لك: إن فتاتك الآن تفكّر في أمر ارتباطكما وهي غارقة في تيار الرومانسية الجارف، الذي يمكن أن نسميه (تيمة) المرحلة العمرية التي تعيشها. وهذا طبيعي ليس لأحد أن يلومها عليه، ولا تملك هي عليه سلطانًا؛ بل إنها لا تعيه أصلاً، ولو اجتمع الخبراء النفسيون المختصون بمرحلة المراهقة وشرحوا لها هذا الأمر وأقسموا لها عليه؛ فستظلّ هي مصممة على أنها تفكّر بطريقة تحكم العقل، وأنها ليست منساقة لعاطفتها. وإن بدا لها أنها تفكّر في تَبِعات الارتباط أو جوانبه الأخرى، من اقتصادية، واجتماعية، وأسرية، ودراسية.. إلخ؛ فهي أيضًا تفكّر فيها، وهي أسيرة حالة الرومانسية الجميلة التي تصوّر لها الدنيا ورودًا، وتجعل كل العقبات أمامها بساطًا أخضر! عزيزي.. في ضوء ما حكيته، أضع أمامك المعادلة التالية: حبك لفتاتك + حبها لك + تفوّقك علميًا وعمليًا في مقابل صِغَر سنّ فتاتك + تفكير والدتها + الفارق الاقتصادي لصالحها + الفارق المعيشي لصالحها أنا لست أوجّهك وجهة بعينها؛ وإنما أرسم الصورة واضحة أمام عينيك حتى تتخذ قرارك على بصيرة وإلمام بميزات الأمر وعيوبه. والآن وفق هذه المعطيات في المعادلة السابقة، فأمامنا عدة نتائج: - زواجكما سيواجه الكثير من الهجوم -إن لم أقل الحرب- من قِبَل أهلها، أو على الأقل والدتها؛ هذا إن لم يكن أهلك سيبدون معارضتهم، أو على الأقل تحفّظهم تجاه هذا الارتباط الصارخ بمظاهر انعدام المنطقية. - بعد زواجكما ستبدو لكما الحياة على واقعها؛ فالحب لا يقيم أوْد الحياة وحده، وليس وحده كذلك البلسم السحري الذي ستحلون به أية مشكلة تواجهكما؛ سواء كانت مادية، أو مِن قبل عائلة أحدكما، أو حتى تتعلق بتعامل فتاتك مع العبء الذي سيكون على كاهلها الصغير بعد الزواج، من محاولة التكيّف في مستوى إنفاق أقل مما عهدته في بيتها، إلى مسئولية البيت، وواجباتها تجاهك، وواجباتها الدراسية، وزيادة العبء عليكما معًا في حالة استقبالكما للمولود الأول في أثناء هذا كله. - بعد زواجكما ستشهد بنفسك وستشهد فتاتك مع مرور الوقت تغير ردّ فعلها إزاء المشكلات الاقتصادية؛ تحديدًا التي ستواجهكما؛ فهي وإن حاولت التحلّي بالجَلَد والصمود في البداية؛ إلا أنها لن تستطيع ذلك طويلاً. وهي لا تعي الآن أنها لن تستطيع الاستغناء عن بعض تفاصيل احتياجاتها التي تعوّدتها في بيت والديها، والتي كان لها حصة غير قليلة من إنفاقها، ووقت الجد ستجد أنها غير مستريحة ولا سعيدة بهذه الحياة، وستبدأ المشكلات بينكما، وربما يتدخل والداها اقتصاديًا في صورة مصروف إضافي لابنتهما، أو ابتياع بعض الأغراض لها أو للبيت؛ مما سيؤزم الأمور عندك أنت، بصفتك رجلاً مسئولاً تحب أن تكون صاحب اليد الطولى في بيتك.. إلى آخر ذلك من اعتبارات.. وحينئذ لن يكون الحب هو الحل السحري لكل ذلك! عزيزي.. إن آنست في نفسك -بغض النظر عن فتاتك- مقدرة على معالجة كل هذه العواقب والتعامل معها؛ فأكمل ارتباطك على بركة الله.. ولم أجمع فتاتك معك؛ لأنها لا ريب ستقطع لك الوعود بأنها ستحتمل وستتكيف، ولن يهمها مال ولا جاه، وأنها لا تريد من الدنيا سواك؛ لذا فالأمر كله متوقف عليك الآن، وعلى مقدرتك على قيادة حياتك مع زوجتك، وسط كل هذه المحاذير، إلى بر الأمان؛ حتى تكبر زوجتك وتنضج نفسياً وعاطفياً فتشاركك هذا الحمل. والآن.. هل تستطيع هذا؟ القرار لك وحدك