بمناسبة ذكرى 37 عاماً قام الأرشيف الوطني الإسرائيلي بالكشف لأول مرة عن وثائق خاصة بمضمون الاجتماع الذي عقدته رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير مع وزير الدفاع موشى دايان في السابع من أكتوبر 1973م –أي بعد أقل من يوم واحد من نشوب الحرب- والذي ظهر فيه "دايان" –وفقاً لما نشرته صحيفة هاآرتس- شخصاً مذعوراً ومكتئباً، وخلال حديثه أخطأ في وضع التقديرات القادمة للحرب، وأخذ يتنصّل من المسئولية. والآن سنعرض لكم ما حدث خلال ذلك اللقاء، وفقاً لما نشرته صحيفتا هاآرتس ويديعوت أحرونوت الإسرائيليتين نقلاً عن مستندات الأرشيف الوطني الإسرائيلي، التي كانت مصنّفة على أنها "سرية للغاية": في السابع من أكتوبر 1973م الساعة 14:50 اجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر لشئون الحرب برئاسة رئيسة الوزراء جولدا مائير ونائبها "يجال آلون" ووزير الدفاع موشى دايان ورئيس الأركان دافيد إليعازر. وكان موشى دايان بالطبع هو المتحدّث الرئيسي في هذا الاجتماع لكونه وزير الدفاع، وظهر طوال الاجتماع غير متّزن. ويشير التقرير إلى أن نجاح القوات المصرية في عبور القناة أحدث فجوة كبيرة بين مؤسسات الدولة في إسرائيل، سواء المؤسسة السياسية أو المؤسسة العسكرية أو المؤسسة الاستخباراتية. وتشير الوثائق المنشورة إلى أن "دايان" قال لجولدا مائير إن إسرائيل فقدت سيطرتها تماماً على خطّ القناة، واقترح سحب القوات الإسرائيلية حتى خطوط الممرّات الجبلية التي تبعد حوالي 30 كيلومترا عن القناة، وترك المصابين الإسرائيليين يتولّون شئونهم بأنفسهم، فمن تمكّن منهم من الفرار فليفرّ ومن لم يستطع فليستسلم للمصريين إذا أراد. وتوقّع "دايان" خلال اللقاء أن العالم سيسخر من إسرائيل وسيصفها بأنها "نمر على الورق فقط"؛ لأنها لم تصمد أمام الهجوم المصري، على الرغم من الإمكانيات التي كانت بحوزتها، وحينها قاطعته جولدا مائير قائلة: "أنا لا أفهم شيئا، ظننت أنكم بدأتم في ضربهم لحظة عبورهم القناة، ماذا حدث؟"، فردّ موشى دايان: "كان هناك غطاء مدفعي مصري مكثّف، أدى إلى منع الدبابات والطائرات الإسرائيلية من الاقتراب، فالمصريّون غطّوا عبورهم بألف مدفع حتى لا نتمكّن من صدّهم، بالإضافة إلى ذلك هناك الأسلوب والتخطيط الروسي، وثلاث سنوات من الإعداد والتجهيز". واعترف وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه أخطأ في تقديراته بشأن نوايا مصر وقدراتها، وقال: "رغم أن هذا ليس وقت محاسبة النفس، فإنني لم أُقدّر بشكل كافٍ قوة العدوّ ووزنه القتالي، وبالغت في تقدير قوّتنا وقدرتنا، فالعرب أصبحوا أكثر قدرة على القتال من أي وقت مضى، وأصبح بحوزتهم أسلحة كثيرة، حيث أصابوا دباباتنا بالأسلحة الشخصية، ولم تتمكّن القوات الجوية الإسرائيلية من اقتحام دفاعاتهم الجوية، ولست متأكّداً مما إذا كانت أيّ ضربة وقائية من قبل القوات الإسرائيلية ستغيّر الصورة بشكل أساسي أم لا"؟ ويؤكّد "دايان" أن خسائر الجيش الإسرائيلي في القتال كانت فادحة ولا حصر لها، وأضاف خلال الاجتماع نفسه أن العرب يريدون الانقضاض على إسرائيل بالكامل والقضاء على اليهود، وتوقّع أن تشهد إسرائيل في الأيام التالية للسادس من أكتوبر ما يشبه "يوم القيامة" فردّت "جولدا": "هذه هي ثاني حرب يشنّها العرب ضد إسرائيل منذ 1948"، فقال "دايان": "العرب لن يوقفوا الحرب، وحتى إذا وافقوا على وقف القتال فمن شأنهم أن يستأنفوه من جديد". وأدّى التشاؤم الذي ساد نفسية "دايان" إلى تكهّنه وتوقّعه أن تنضمّ الأردن إلى الحرب، وطالب بالاستعداد لهذا الاحتمال وإعداد قوات للدفاع عن الضفة الغربية والقدس من أي محاولة أردنية أو عراقية للتوغّل إلى العمق الإسرائيلي من ناحية الشرق، وطالب بالتوجّه إلى الولاياتالمتحدة وشراء 300 دبابة جديدة، حيث أخبر رئيسة الوزراء الإسرائيلية أنه يوجد على الجبهة المصرية 800 دبابة إسرائيلية في مواجهة 2000 دبابة مصرية و 250 طائرة إسرائيلية مقابل 600 طائرة مصرية، أما على الجبهة السورية فهناك 500 دبابة إسرائيلية في مواجهة 1500 دبابة و250 طائرة سورية، علاوة على امتلاك الجيشين المصري والسوري صواريخ أرض جوّ متطوّرة. وأنهى "دايان" كلامه بشكل يوحي بضرورة استخدام وسائل أخرى غير عسكرية؛ لوقف الزحف المصري والسوري وإبعاد الخطر عن إسرائيل.