بعد أن شاهدنا البسالة المصرية في أروع صورها في معركة رأس العش، وهي المعركة التي أفاقت إسرائيل من الوهم الذي صنعته وصدقته بأنها أقوى جيوش المنطقة والعالم، وأنها يمكنها قهر المصريين في أي وقت، ونعيش الآن مع معركة أخرى تشير إلى البسالة المصرية، عندما التقت اللنشات المصرية الصغيرة محدودة التسليح مع المدمرة العملاقة "إيلات".. ها هي مجدداً تمارس هوايتها في استفزاز القوات المصرية (المستفَزّة أصلاً) وتلقى نفس العقاب الذي يؤكّد لهم يوماً بعد يوم أن "اللعب مع المصريين خطر للغاية" والنتيجة المحتّمة للدخول في صراع معهم ليس إلا المزيد من الانكسار والهزائم والتقزّم، فبعد أن تذوّقت مرارة الهزيمة على يد رجال الصاعقة في لسان بورتوفيق، تُعاود الأمر مجدداً ولكن على يد القوات البحرية هذه المرة. وقعت هذه المعركة في بورسعيد، وتحديداً شرق خط 12 ميلا شرقي الميناء، حيث استغلت إسرائيل فترة توقف النار للتجهيز لمعركة بحرية على مشارف ميناء بورسعيد، بل واتخذت الإجراءات التي تُجبر وحدات اللنشات المصرية على دخول المعارك في الوقت والمكان الذي يناسب القطع البحرية الإسرائيلية. تركّزت الخطة الإسرائيلية على قيام المدمّرة المعروفة إيلات بالمرور شمالاً باتجاه البحر في مدى رؤية رادارات قاعدة بورسعيد، وفي نفس الوقت الذي يتحرك فيه لنشا طوربيد من طراز "ميلان" الفرنسي الصنع، جنوبًا باتجاه الساحل، وفي حال اكتشاف أي وحدة بحرية مصرية يتم الاشتباك معها فورًا وتدميرها. مسلسل الاستفزاز كان مستمرا يومياً، ولكن دورية طوربيد مصرية تمكّنت من إنهائه، فالدورية المكوّنة من لنشين يضم الأول: قائد السرب نقيب بحري "عوني عازر"، ومساعده ملازم "رجائي حتاتة"، ويضم الثاني: نقيب "ممدوح شمس"، ومساعده ملازم أول "صلاح غيث"، كانت تنفّذ مرورًا روتينيًا لتأمين الميناء والاستطلاع للإبلاغ عن أي هدف يتم اكتشافه في المياه المصرية، وبالفعل تم اكتشاف المدمّرة إيلات على بعد 16 ميلا شمال شرق بورسعيد، فقامت الدورية أولاً بإبلاغ القيادة لاسلكياً، ثم انطلقت اللنشات المصرية مدفوعة بثورة الغضب ورغبة عارمة في الثأر واسترداد الكرامة المُهدرة منذ شهر وأكثر. وبينما كان النقيب "عوني" ينطلق بأقصى سرعة تسمح بها محركات اللنش الخاص به صوب المدمرة، ظهر فجأة لنشي الطوربيد الإسرائيليين، وبدأت تهاجم الدورية المصرية من الخلف، فأسرع "عوني" يبلغ القيادة بالموقف الجديد، وتلقي تعليمات مشددة بتجنّب الاشتباك ومحاولة التخلّص من المعركة بأي شكل. ولكن أوان التراجع لم يعد متاحًا، وبدأت معركة غير متكافئة بين لنشات الطوربيد المصرية والإسرائيلية، في ظل مساندة المدمرة "إيلات". وبالرغم من عدم التكافؤ الواضح، إلا أن الدورية المصرية بقيادة نقيب "عوني عازر" نجحت في الخروج من دائرة الضوء التي كانت ترسلها المدمرة مع وابل من النيران الكثيفة، ومع تعقّد الموقف واستحالة التراجع اتخذ "عوني" قرارًا بالقيام بهجوم انتحاري، وأمر مساعده بنزع فتيل الأمان من قذائف الأعماق، وانقضّ بزاوية عمودية على الجانب الأيمن من المدمّرة في محاولة لتدميرها وإنهاء المعركة. ومع وضوح نية اللنش المصري ازدادت كثافة النيران الصادرة من المدمرة، وانضم إليها لنشا الطوربيد، في محاولة لإيقاف لنش النقيب "عوني" قبل بلوغ المدمرة. وعلى مسافة 30 مترًا من المدمّرة انفجر اللنش المصري واستشهد النقيب "عوني عازر" ومساعده ملازم "رجائي حتاتة"، كما استشهد طاقم اللنش بالكامل، بينما أصيب ثمانية من طاقم المدمرة "إيلات" جراء تبادل النيران مع أطقم الدورية المصرية البحرية، إضافةٍ إلى تدمير موتور رادار المدمرة وإصابات مباشرة للجانب الأيمن للسفينة. وقد سُجّلت هذه المعركة التي اشتهرت بمعركة "رمانة"، ضمن الدوائر العسكرية الدولية كأشهر المعارك البحرية في العصر الحديث، بين لنشات الطوربيد والوحدات البحرية الكبيرة، وأشادت بالشجاعة النادرة لقادة اللنشات المصرية. تحدثنا اليوم عن بطولة القوات البحرية، وغدا نتحدث عن بطولة القوات الجوية المصرية التي نجحت في تدمير منصة صواريخ "هوك" الإسرائيلية والرادار والمنطقة الإدارية المحيطة بها، وهو ما أثار جنون القيادة الإسرائيلية.. فتابعونا. شكرٌ واجب لموقع المؤرخ الذي استقينا منه هذه المادة.