لا يُفكّر أحد في أن فوضى أسعار اللاعبين قد أصابت الكثيرين بالغضب، وهو ما جعل الشاب الذي يدرس الطب والهندسة والحقوق يندب حظه أنه لم يفشل في التعليم، ويصبح لاعب كرة، والأدلة كثيرة في ذلك كانتشار مدارس الكرة، وسعي الآباء إلى دفع الغالي والنفيس لتعليم أبنائهم فنون الكرة؛ لعل وعسى يكون فاتحة خير على الأسرة كلها, ويعوض أباه شقاء السنين. وعلى الرغم مِن أن اللاعبين يبذلون أقصى مجهود لديهم لإخفاء المبالغ التي يحصلون عليها؛ ربما خوفاً من الحسد, بينما يضعها رجال الأعمال الذين يتحملونها ضمن إقراراتهم الضريبية؛ فهل مِن الممكن -بعد الأحداث التي نعيشها الآن- أن يكون لرجال الأعمال دور آخر مع الشباب بدلاً من الصرف بهذا الكم الهائل على اللاعبين؟!! الموقف الذي نعيشه الآن يجب أن يجعل كل رجل أعمال يدفع الملايين في صفقات اللاعبين، عليه أن يعيد التفكير، ويدخل في صناعة فُرَص عمل لشباب مصر لحلّ مشكلة البطالة؛ فلا مانع من تقدير الموهبة؛ ولكن ليس بهذا الشكل المبالَغ فيه بين اللاعبين والشباب العادي. كما يجب على رجال الأعمال العاشقين للرياضة، استثمار طاقاتهم المالية في صناعة تفيد الشباب؛ بدلاً مِن استعراض العضلات في المزايدة على صفقات اللاعبين، حتى يكونوا قريبين من الشباب. دون شك ثورة الشباب الأخيرة حكمت على مسئولي الأندية واتحاد الكرة أن تراعي أحداث 25 يناير الماضي، التي كان أحد أسبابها هذه الملايين التي تُدفع في كرة القدم، وحتى الألعاب الأخرى؛ بينما هناك شباب يعاني البطالة. لا بد أن يكون هناك سياسة ضبط وربط لأسعار اللاعبين بِيَد الجهات المسئولة عن الرياضة في مصر؛ خاصة أن الملايين التي يحصل عليها اللاعبون تُعَدّ أزمة كبيرة للشباب العاطل. فضائح الفضائيات لا شك أن لغة الحوار هي محور مهم سيدور حوله الكثير من التغيير في مصر بعد أحداث 25 يناير الماضي.. "التهليل والسباب والتطاول والإهانة والاتهامات" دون أي دليل، وتدنّي مستوى التفاهم؛ كان مِن أهم سمات المرحلة الماضية، ولا شك أنه كانت هناك انعكاسات كبيرة على الانفعال الذي تعامل به المجتمع في مواقف كثيرة، وخلّف وراءه حدّة في التحاور بين الكثير من فئات المجتمع، وخاصة الشباب الذين يتفاعلون مع الرياضة بصورة يومية. التعامل الإعلامي مع المجتمع في السنوات الماضية؛ خاصة من القنوات الفضائية الرياضية التي شكّلت الكثير مِن ثقافة الرأي العام نتيجة المساحات الكبيرة التي أفردتها لكل القضايا، والتي أصبحت متاحة لكل ذي اختصاص، أو غير مختصّ بالإدلاء برأيه فيها، وإن كان شباب 25 يناير قد غيّروا الكثير من مفاهيم المجتمع؛ فإن لغة الخطاب الإعلامي هي أيضاً لا بد أن تتغير.. الوضع السابق كان له العديد من المشاهد التي -لا شك- كان لها تأثير على الكثير من ثوابت المجتمع؛ فحينما تُستباح أعراض الناس، ويكون هناك تصدير لأفكار مُقدّم البرامج فقط، ومن يختلف معه يكون مصيره التشهير. وصل الوضع في الفضائيات إلى حد أصبحت فيه الرياضة والعامة تُشيع الإحباط حتى في زمن الإنجازات، وكان ضرب القدوة وتسفيه المميزين في المجتمع من العوامل، التي غيّرت الكثير من قِيَم المجتمع. لقد فتح الشباب من جيل 25 يناير عيونهم على برامج صدرتها قناة الجزيرة من عيّنة الاتجاه المعاكس، الذي بدأ في منتصف التسعينيات والحوار بين ضيفي البرامج يتبادلون السباب وربما الضرب على الهواء مباشرة, وفيصل القاسم -مقدم البرنامج- يعمل جاهداً على تأجيج نار الخلاف بين الضيفين، وكل منهما يحاول أن يبدو أنه الأقوى، وأنه مؤهل لأن يكون ضيفاً في حلقات مقبلة. ومع تقديم معالجات موجهة للعديد من القضايا، ومن خلال ضيوف ومحللين يخدمون اتجاهات القناة القطرية، أصبح منهجاً لدى العديد من القنوات التي خرجت بعد ذلك بما فيها القنوات الرياضية المتخصصة؛ سواء التي لا تزال مستمرة أو تلك التي توقّفت. وكذلك البرامج الرياضية على القنوات العامة، وحتى في تحليل المباريات خرج الكثير عن السياق الأخلاقي، وأصبح الاختلاف في الرأي يحمل الكثير من العنف، مع حرمان بعض الاتجاهات من إبداء رأيها؛ وهو ما جعل هناك ضغوط لدى المجتمع الشبابي. "تضخيم فكرة الاضطهاد لدى بعض مشجّعي نادي لصالح نادٍ آخر، والإحساس بأن هناك قوة قاهرة تحرمهم إبداء آرائهم؛ مما يولد لديهم إحساس بالاضطهاد، ينقلب إلى عنف وجدناه ظاهراً في الملاعب، ثم انتقل إلى الشوارع".