"سكينة محمد أشتياني" سيدة إيرانية وأمّ لثلاثة أولاد بلغت الثالثة والأربعين من عمرها، تنتمي للأقلية الأذربيجانية الموجودة في إيران، بسببها وُضع النظام الإيراني في حرج بالغ وموقف لا يُحسد عليه، الزنا كان تهمتها، والرجم حتى الموت عقوبتها، والانتقادات الدولية أنقذتها، وإن بقت حبيسة السجن الإيراني بعقوبة معلّقة يمكن أن تنفّذ في أي وقت. بداية الأزمة تعود بداية الأزمة إلى العام 2006 عندما وُجّهت إليها تهمة إقامة علاقة جنسية مع رجلين عقب وفاة زوجها، بل واتهامها بالسكوت عن مخطط قتل زوجها من قِبَل الرجلين نفسيهما، وقررت المحكمة وقتها معاقبتها بالجلد 90 جلدة تفاديا للضغوط الدولية التي تُمارَس على إيران منذ فترة؛ من أجل وقف استخدام عقوبة الرجم حتى الموت. ومن الواضح أن العقوبة الأولى التي أصدرتها السلطات الإيرانية في حق هذه السيدة كانت عقوبة مُسيّسة لأبعد الحدود؛ لأنه وفقا للنظام الإيراني -الذي يستند إلى الشريعة الإسلامية في تنفيذ أحكامه- فإن عقوبة الزانية المُحصَنة (وهي المرأة المتزوّجة أو التي سبق لها الزواج) هي الرجم حتى الموت، ولكن السلطات القضائية اكتفت بالجلد 90 جلدة، رغم أن عقوبة الجلد هذه تطبّق على الزاني غير المحصَن فقط، وتكون 100 جلدة وليس 90 جلدة. الغريب أن المحكمة العليا أعادت محاكمة "سكينة" بعد عام واحد فحسب من تنفيذ عقوبة الجلد (عام 2007)، ووقّعت عليها عقوبة الرجم؛ للسبب ذاته ألا وهو اعترافها بإقامة علاقة جنسية مع رجلين عقب وفاة زوجها، وتم حبسها تمهيدا لتنفيذ هذه العقوبة. ضغوط دولية العاصفة الدولية والحقوقية والعربية التي اجتاحت إيران من جراء محاكمة "سكينة أشتياني" كانت على ما يبدو أكبر من قدرة النظام الإيراني على التحمّل، فكانت الضغوط على أعلى الأصعدة، وعلى المستويات كافة.. فعلى سبيل المثال دعت الحكومة الفرنسية إيران إلى وقف تنفيذ حكم الإعدام في حق "سكينة"، وأشار "برنارد كوشنير" -وزير الخارجية الفرنسي- إلى وجود ارتباط بين رفع العزلة الدولية المفروضة عن إيران، وبين اتخاذها خطوات أفضل في مجال حقوق الإنسان وتحديداً قضية "سكينة". الاتحاد الأوروبي هو الآخر شارك في حملة الغضب تلك على النظام الإيراني، عندما قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي إن الوقت اقترب ليُعرب الاتحاد الأوروبي عن رفضه للممارسات الإيرانية التي "تنتمي إلى عصر آخر". الحليف القوي لإيران الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا هو الآخر كان معارضاً لهذا الحكم، ولكنه في الوقت نفسه يريد إنقاذ إيران من هذا الوضع المتوتر، فعرض على النظام الإيراني أن يتم استضافة هذه السيدة في بلاده، ولا تبقى في إيران، ولكن الحكومة الإيرانية استمرت في إجراءات محاكمة "أشتياني". الجماعات الحقوقية الأوروبية والإيرانية هي الأخرى مارست ضغوطاً رهيبة على النظام الإيراني في هذا الشأن، وعلى ما يبدو فقد حققوا انتصارا جزئيا في هذا الجانب؛ حيث قررت في البداية محكمة إيرانية وقْف تنفيذ الحكم خلال شهر رمضان، ثم أكد مصدر مطّلع داخل الحكومة الإيرانية أن النظام يراجع هذا الحكم، ولكنه –وحسب تصريح وزارة الخارجية الإيرانية- "فالحكم قيد الدرس". لماذا الرجم حتى الموت قد يتساءل البعض عن سبب تمسّك النظام الإيراني بهذه العقوبة على "سكينة أشتياني" بهذا الشكل، رغم الحرج الدولي الذي وضعته فيه هذه العقوبة، وإجابة هذا السؤال موزّعة على أكثر من جزئية.. • الجزئية الأولى وتتعلق بنظام الحكم في إيران بصفة عامة، والذي يقوم على تطبيق الشريعة الإسلامية كما هي دون تبديل أو تحويل، وعقوبة الزاني والزانية هي الرجم حتى الموت، وحتى إذا أراد النظام الإيراني الحاكم التغاضي عن هذا الحكم؛ لأسباب سياسية –كالضغوط الدولية التي يتعرض لها- فإنه سوف يصطدم في هذه الحالة بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وخامنئي إيران الذي يُعتبر المرجعية الإسلامية الشيعية الأولى في البلاد، ويدين له أي رئيس بالولاء. • الجزئية الثانية وهي أن اضطرار إيران لإلغاء هذا الحكم سوف يجعلها بالتبعية تضطر إلى إلغاء كل أحكام الرجم التي صدرت في حق نساء أو رجال متهمين في قضايا زنا، وبالتالي تكون قد دخلت في إشكالية قضائية؛ لأن أحكام الرجم وقتها سوف يتم الطعن عليها؛ لأن فيه استثناءات. • الجزئية الثالثة وتتعلق بالتحدي الإيراني للضغوط الأوروبية، والتي تعود أسبابها في جزء كبير منها إلى موقف الأخيرة منها على خلفية الملف النووي الإيراني، وبالتالي لا تريد أن تبدو في صورة المنهزم أمام ضغوط الخارج في شأن الداخل. ولكن عددا من الحقوقيين الإيرانيين أكدوا أن عقوبة الرجم حتى الموت مجمّدة منذ فترة طويلة في إيران؛ بحيث تصدر أحكام بهذا المعنى ولكن لا يتم تنفيذها؛ تجنباً للضغوط الدولية من الدول الأوروبية التي ترفض أصلا فكرة الإعدام، فما بالك بفكرة الرجم نفسها، وعليه تُفضّل الحكومة الإيرانية احتجاز السيدات المحكوم عليهن بالرجم داخل السجون دون تنفيذ العقوبة. البعض الآخر يرى أن سبب الالتفات الأوروبي إلى هذه الأحكام داخل إيران هو عدد من أحكام الرجم حتى الموت، والتي نفّذها النظام بشكل وصفوه ب"الوحشي" وكان على رأسها واقعتان هما الأشهر: إحداهما تتعلق برجم أمريكية اتُّهمت بالزنا في إيران، والأخرى تتعلق بسيدة خارت قواها قبيل تنفيذ الحكم وأغمي عليها، فتم ربطها واقتيادها وتنفيذ الحكم وهي فاقدة الوعي. ما هو الرجم حتى الموت إن الإسلام عندما وضع حد الرجم كعقوبة واقعة على الزاني أو الزانية من المحصنين والمحصنات وضعها بالأساس كعقوبة ردعية ليس الهدف منها تنفيذها بقدر ما كان الهدف منها هو ترويع العامة من هذه الفعلة ومن عقوبتها، والدليل على أنها كانت عقوبة ردعية هو أن الله -عز وجل- وضع شروطاً تبدو تعجيزية من أجل إثبات واقعة الزنا على الزاني والزانية، وهي أن يشهد زناهما 4 من الرجال، وبالطبع هو أمر نادر الحدوث، إلا إذا اعترف الزاني أو الزانية بالواقعة. السلطات الإيرانية تقول إن "سكينة" اعترفت بواقعة الزنا، ولكن "سكينة" تؤكد أنها أُجبرت على الاعتراف بهذه الفعلة، في حين يرتاح الحقوقيون الإيرانيون لفرضية أن النظام هو من أجبر "أشتياني" على هذا الاعتراف؛ خاصة -والكلام لهم- أن النظام له سوابق في انتزاع اعترافات غير حقيقية من متهمين في قضايا زنا. وتتلخص عقوبة الرجم –كما يتم تطبيقها في إيران- في تقييد المتهم ودفنه في الرمال في حضور شهود عدة بحيث لا يظهر من جسده سوى رقبته فحسب، ويتم رجمه بالحجارة من قِبل المسئولين عن تنفيذ العقوبة فقط، على أن تكون الحجارة متوسطة الحجم فلا هي صغيرة جدا فلا تسبب الضرر الجسدي ولا هي كبيرة جدا فتسبب الموت اللحظي، بل متوسطة الحجم تحقّق الموت البطيء. وإلى هذه اللحظة لا يزال موقف "سكينة" غامضاً تماماً غير معروف فيه ما إذا كان النظام الإيراني سوف يمضي قُدماً في تطبيق العقوبة، أم إنه سوف يستجيب للضغوط الدولية، ويكتفي بحبسها أو محاكمتها بتهمة القتل فحسب، وأيا كانت النتائج التي سيؤول إليها الوضع، فالأكيد في هذا الأمر أن النظام الإيراني خرج خاسراً من هذه المعركة، وتحديداً سُمْعته الدولية "المتدهورة أصلا".