أنا آسفة لأني هاطوّل عليكم.. أنا عندي مشكلة كبيرة جداً، مشكلتي هي أمي.. والله أنا باحس إن هي مش أمي لأن تصرفاتها غبية جداً معايا، عمرها ما فرحت لفرحي؛ بالعكس دايماً مش بتديني ثقة في نفسي على الرغم من إني -الحمد لله- حلوة وكمان متفوقة في دراستي.. حتى أبسط حاجة يوم ما النتيجة بتظهر وأروّح أقول لها تردّ عليّ بلامبالاة وكأن ما فيش حاجة وتقول أنا المهم عندي الأدب أفضل من العلم؛ مع إني والله الناس كلها بتشكر فيّ وفي أخلاقي وغيره كتير. المهم إني كنت بازعل منها وأرجع أتكلم معاها عادي؛ لكن للأسف كل حاجة باحكي لها عليها بتتاخد ضدي؛ ده غير إنها لما تلاقيني مهتمة بنفسي تقعد تزعّق وتقول لي إنت مش شايفة غير نفسك وبس، وعايزاني طول ما أنا قاعدة في البيت أشتغل.. وعندي أخت أصغر مني بسنة دايماً تدعي لها وما بتخليهاش تعمل حاجة زيي. وأخيراً، ولأني للأسف كنت صريحة معاها، قلت لها إني ارتبطت بواحد زميلي في الكلية.. سمعت مني الموضوع للآخر وبقى أي مشكلة تحصل تغلط فيّ؛ مع إني -والله العظيم- باراعي ربنا في تصرفاتي، وعن قريب إن شاء الله هو متفق معايا بعد ظهور النتيجة يتقدم ويخطبني. وطبعاً هي مش بتبطّل دعاء عليّ وباحس إنه من قلبها بجد؛ تقول لي ربنا يرزقك بواحد يضحك عليك ويبهدلك. والله أنا كرهتها ومش عايزة أتكلم معاها خلاص بأي شكل، جايبة لي إحباط ومصغّراني قدام نفسي.. أنا قلت لها إني مش عايزة أعرفك، واعتبري إن بنتك ماتت. أنا حاسة إن كل الدنيا سوداء قدامي وفكرت إني أسيب الشخص اللي مرتبط بي لأني حاسة إن ارتباطي به مش هيدوم، كل حاجة وحشة في حياتي. أنا كان نفسي يكون عندي أم زي ما باشوف أصحاب أمهات بيكونوا بيحبوهم وخايفين عليهم قد إيه وحاجات كتيرة جداً أنا مفتقداها. وعلى فكرة، المعاملة الخاصة دي ليّ، هي إنسانة كويسة جداً مع الناس سواء من الأهل أو الجيران، وخدومة جداً لدرجة إنها بتبدّي الناس علينا. أنا مشكلتي الحقيقة إني مش عايزة لساني يخاطب لسانها ولا حتى أبصّ لها، وخايفة إنه لا يُتقبل لي صلاة، وإن دعاءها يُستجاب. يا ريت حد يردّ عليّ أعمل إيه لأني خلاص مش عايزة أعيش ولا ثانية.. المشكلة كمان إن الجواز مش حلّ، أي واحدة بتحب تفتخر بأمها أنا أعمل إيه وأنا وصلت لدرجة إني مش عايزة أشوفها؟ م أوجعتني رسالتك وأتفق معك في أن مشكلتك كبيرة جداً، وأؤكد لك أنها تتعلق بشقائك أو سعادتك في الدنيا والآخرة معاً، وليس في أحدهما فقط، وأبشّرك بأن بإمكانك بمشيئة الرحمن الفوز بهما سوياً. وأصارحك بأنني كنت أودّ أن ترسلي مشكلتك فور بدايتها لأن التأخر في معالجة المشاكل يجعلها تكبر بعيداً عن سيطرتنا؛ مما يسهل مهمة عدونا الرئيسي (إبليس اللعين) الذي يزيّن لنا الاستمرار في الخصام بدعوى الحفاظ على الكرامة، ويجعلنا نبالغ في تفسير أي تصرف ممن يضايقوننا لنغلق أية أبواب للفوز بحياة سعيدة نستحقها جميعاً. وأؤكد لك أنني أكره لجوء بعض الأمهات للدعاء على أولادهن -أياً كانت الأسباب- وفي الوقت نفسه من خلال خبرات واقعية أقسم لك أن غالبية هؤلاء الأمهات يفعلن ذلك لشدة إحساسهن بالضغوط من مضايقات الأولاد، ولشعورهن بأنهم يحرمون أنفسهم من النجاح الديني والدنيوي، وكما يقول المثل الرائع والصادق فعلاً "أدعي على ابني وأكره اللي يقول آمين". وصدقيني.. والدتك لا تدعو عليك من قلبها؛ ولكن إبليس اللعين هو الذي يريد أن تشعري بذلك حتى يوغر صدرك تجاهها، ولا شك أن كراهيتك لوالدتك ستبدو عليك رغماً عنك؛ فإذا لم تصرّحي بها بالكلام؛ فمن نظرات عينيك وملامح وجهك الغاضبة وربما استخدامك للإشاحة بالأيدي؛ كل ذلك يوصل رسائل الكراهية لوالدتك؛ فكيف تتوقعين منها التعامل معك. وأكاد أسمعك تعترضين؛ ولكنها هي التي بدأت المشاكل معي و.. .. و... وأردّ عليك بكل الحب والاحترام: ولكنها والدتك وليست صديقتك أو شقيقتك التي -من حقك- التعامل معها بندّيّة. ولأنك فتاة ذكية تخافين ألا يقبل الخالق صلاتك، أي أنك تقبلين الاحتكام إلى شرع الخالق عز وجل وتثقين أنه سبحانه وتعالى لا يظلم العباد أبداً وأنه أرحم الراحمين.. فتعالَيْ نتذكر سوياً كيف أوصى الخالق الأبناء ببر الوالدين، وقيل -عن حق- إنه عز وجل لم يترك أي مبرر للإساءة للوالدين من قِبَل الأبناء؛ فحتى الكفر -والعياذ بالله- لم يجعله سبباً يبيح للأبناء عدم الإحسان للوالدين من العقوق؛ فما بالنا بقولك لوالدتك "إنك لا تريدين أن تعرفيها وأن عليها أن تعتبر أنك متّ" لا قدر الله بالطبع.. أتفهم أنك قلت ذلك أثناء لحظة غضب ونتيجة تراكمات سيئة قمت بعدها بشحن نفسك ضد والدتك، ولكن لا بد من تذكّر أن الرجوع للحق فضيلة، وأنك ذكية بما يكفي لتحمي نفسك من الخسائر الفادحة في الدين والدنيا التي ستنال منك -حماك ربي منها- إذا واصلت التعامل مع والدتك بهذا الأسلوب من الندّيّة والتحدي. وأكرر كراهيتي لدعاء الأمهات على الأبناء؛ ولكن لنتذكر جميعنا أن الخالق جعل للأهل الحق في التربية على الأبناء وليس العكس. وأذكّرك بأنني مثل الطبيب الذي يتألم عند رؤية من يعاني من مشكلة صحية ويتراخى في إهمالها، وأنني لا أقوم مطلقاً بدور القاضي الذي يُصدر الأحكام؛ فجميعنا -من كل الأعمار- نخطئ ونصيب دينياً ودنيوياً، ونحاول تصحيح أخطائنا أولاً بأول، حتى لا نؤذي أنفسنا، وكي لا نهدر ثانية من أعمارنا الغالية في التألّم من مشاكل نحن في غنى عنها. لذا أتمنى أن تسارعي بالاغتسال بنيّة التوبة وصلاة ركعتي التوبة وكراهية الإساءة إلى والدتك بأي صورة من الصور، وثقي بأنك ستهدئين نفسياً بصورة رائعة؛ لأنك إنسانة نقية وتكرهين بداخلك ما وصلت إليه علاقتك بوالدتك من تدهور مخيف، أخشى عليك منه بصورة أتمنى أن تصل إلى قلبك وعقلك لتسارعي بإنقاذ نفسك، كما أدعو لك من كل قلبي. وبدلاً من القول بأن "تصرفات والدتك غبية جداً" -كما ذكرت- قولي بأن هناك سوء تفاهم مُزمِن بينكما، وقد ساهمت أنت في جزء منه بالتأكيد، وأن هناك رسائل سلبية وصلت إلى والدتك منك بأنك لا تحترمينها، ولذا فإنها تردّ بالدعاء عليك.. وإذا تعاملت معها كما تتعاملين مع باقي الناس بالودّ وبالابتسامة وبالاحترام أثق أنها ستغير معاملتها لك ولو بعد فترة من الوقت، وأثق في ذكائك الذي سيدفعك إلى تحسين معاملتك معها. أنت لا تكرهين والدتك؛ فهذا ضد الفطرة السوية التي تتمتعين بها بالتأكيد؛ ولكنك بالغت في الاستسلام لوساوس إبليس اللعين الذي قام بتحريضك عليها، وقد جاء الوقت لتنتصري عليه؛ أليس كذلك؟ رُوِي أن شاباً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تألّم كثيراً عندما حضرته الوفاة، وذهبوا إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه ليخبروه؛ فسألهم هل له أم؟ فأخبروه بالإيجاب؛ فسألهم هل هي غاضبة عليه؟ وبالفعل كانت غاضبة عليه لتحيّزه لزوجته ضدها؛ لذا عانى بشدة عند الوفاة، فاستدعاها الرسول وطلب منها مسامحته، ففعلت، فمات في سلام وذهبت عنه المعاناة القاسية. أما في الدنيا فلن يتمكن أحد من النجاح في أي جانب من جوانب الحياة بدون السلام النفسي والتصالح مع والديه، فلماذا تحرمين نفسك من كل هذه المكاسب؟ أما عن الأعمال المنزلية فهي لا تستغرق أوقاتاً طويلة؛ ولكن ما يضايقك هو سوء العلاقة مع والدتك.. وصدقيني عندما تغيّرين من نظرتك إليها ستتحسن علاقتكما بصورة رائعة. ولا تخبري -بالطبع- من ارتبطت به بسوء علاقتك بوالدتك حتى لا يعايرك بها بعد الزواج، كما حدث في حالات عايشتها بنفسي، وإذا كنت قد أخبرته؛ فلا بد من إخباره بأن العلاقات تحسّنت وأن أمك رائعة وأن المسألة مجرد سوء تفاهم لم يُحلّ في وقته. واطردي التشاؤم لأنه الطريق المؤكد لخسران الدين والدنيا وتفاءلي واستمتعي بكل المباهج المشروعة في حياتك، وابدئي صفحات جديدة مع والدتك لتردّ عليك الحياة بما هو أجمل، وأتمنى قراءة الردّ كثيراً كلما حاول إبليس خداعك، لتنتصري عليه دائماً.. وفقك ربي.