نحتفل بمرور 58 سنة على ذكرى الحركة المباركة المعروفة بثورة 23 يوليو، التي كانت تهدف إلى التخلّص من الظلم والفساد، مما جعل البعض يصفها بالفترة الفاصلة في تاريخنا المعاصر، إلا أن شباب هذا الجيل لم يستشعر مدى ما حققته الثورة من إنجازات؛ فالبعض يرى أنها أسوأ ما حدث للشعب المصري، والآخر لا يعرف عن يوم 23 يوليو سوى أنه يوم إجازة، أما الثالث فقد وقف حائراً بين هذا وذاك. ثورة استقلال أم عبودية يُؤكّد "طه العيسوي" صحفي أن ثورة 23 يوليو تمثّل قيمة كبرى للشباب بل وللشعب المصري بأكمله، فنحن نتاج لهذه الثورة برغم ما لها وما عليها، وإذا كنت أرى كما يرى كثيرون أن مصر أصبحت الآن أسوأ حالاً وأكثر فساداً واستبداداً، إلا أن هذا لا يعود إلى ثورة 23 يوليو؛ لأنها انتهت عند وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في 1970، وكان هناك ما هو أشبه بالثورة المضادة لها، والتي قضت على ثورة 23 يوليو. أؤمن بأن الثورات حل للأزمات لا للمشكلات؛ لذا فنحن بحاجة لثورة أخرى بنفس مبادئ ثورة 23 يوليو مع إضافة بعض البنود، وكما نادت الثورة بالقضاء على الاستعمار الخارجي، فنحن بحاجة للقضاء على الاستعمار الداخلي، وعلى سيطرة رأس المال خاصة بعد أن سيطر عدّة أفراد على ثروة البلد الطائلة ونهبوها، باختصار نحن بحاجة ملحة للعدل الاجتماعي الذي نادت به الثورة، حتى لا يصبح هناك سادة وعبيد. كما أتمنّى أن يُضاف إلى مبادئ الثورة الستة مطالب التغيير السبعة التي تنادي بها قوى المعارضة، فمن غير المعقول أن تكتمل الديمقراطية مع وجود تزوير للانتخابات، من خلال إلغاء الإشراف القضائي، ومنع التصويت ببطاقة الرقم القومي، ومنع المصريين في الخارج من التصويت، ومنع من يرغب في الترشّح للرئاسة حتى إن كان مستقلاً. "سأسافر.. نعم سأسافر، سأسافر لأبحث عن بلد أعيش فيه كإنسان، وأشم فيه نسيم الحرية والديمقراطية"، بهذه العبارة بدأ "إسلام عزت" (صحفي)، مؤكداً على أن ثورة يوليو ليس لها قيمة في عصرنا، وأن أبناء الجيل الحالي لم يتنفّسوا نسائم الثورة ولم يروا نتائجها، ففي ظل الإقطاع وسيطرة رأس المال أصبحنا نقول: "يا ريتها ما حصلت". ويُؤكّد "عزت" أن نتائج الثورة تجعلنا متعاطفين مع الملك، أهو كنا مع مرور الزمن هنعمل زي إنجلترا اللي كانت محتلانا، ويبقى فيه ملك وفيه رئيس وزراء حاكم، وبالتالي فإن الأمل في ثورة جديدة، وبعد نجاحها يكون الإسلام هو الحل، وتحرير الأقصى الهدف. العصر الملكي هو الأفضل ويرى "أحمد رمضان" (بكالوريوس إعلام) أن غياب دور التيار الناصري عن الشارع السياسي في مصر، وتوجه الأحزاب الممثلة له للعمل لمصالح بعض القائمين عليها، وعدم وجود علاقة قوية بين القائمين عليها وبين الشباب؛ هو سبب غياب قيمة ثورة 23 يوليو، هذا بالإضافة إلى الاختفاء التام لأشباه الإنجازات التي حقّقها عبد الناصر. ويتساءل "أحمد" نفس التساؤل الذي يطرحه كثيرون: كيف تمثل الثورة وجمال عبد الناصر قيمة للشباب؟ فعبد الناصر كان يعلم أنه لا سبيل للوصول للحكم إلا بالانضمام للجماعة، لذا فما كان منه إلا أن حلف القسم أمام الإمام الشهيد حسن البنا عام 1940، وعندما وصل للحكم تآمر للقضاء على الجماعة وقتل أعضاءها. بعض الشباب يرى الثورة وكأنها كانت مجرد وسيلة للقضاء على الحكم الملكي في مصر، والبعض يرى أنها السبب الرئيسي في وجود حكم العسكر في مصر بدلاً من الحكم المدني الذي نادى به الزعيم الراحل أنور السادات، لذا أرى أن مصر أصبحت بعد الثورة أكثر سوءاً، فقبلها كان أجدادنا يعانون من أعوان الملك فاروق، لذا كان من الأفضل استمرار فاروق مع استئصال أعوانه والتنسيق مع جماعة الإخوان، بدلاً من قيام عبد الناصر بالقضاء عليها وإعطاء فرصة لدول العالم للاستيلاء على مصر. نحن بحاجة إلى ثورة جديدة فالخطأ في التنفيذ لا يشير إلى خطأ النظرية، بشرط أن يكون القائمون عليها من الشباب والشرفاء، الذين لم يستطيعوا تقديم شيء لمصر بسبب الضغط والظلم، مع وضع مبادئ جديدة قابلة للتنفيذ، وحذف جميع مبادئ الثورة السابقة التي أدّت لخروج عز ونجيب ساويرس (تطبيقاً لمبدء القضاء على سيطرة رأس المال، إلا للحزب الوطني). ويرى "أحمد" أن زيادة الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات للضغط على النظام، خير دليل على قدرة مبدأ الثورات إلى حد ما على حل المشكلات، كما أن المظاهرات في مضمونها تعدّ شكلاً مصغّراً للثورة. فكرة شباب هذا الجيل حول ثورة 23 يوليو ما هي إلا فكرة منقوصة الإعلام والصورة المنقوصة وفي استطلاع رأي لعدد من الشباب اختلفت وجهات النظر؛ فقد عبّر كل من "آيات ناجي" و"أمنية أحمد" ليسانس علم نفس، و"ساري أبو زيد" إدارة أعمال، و"دعاء حسن" طالبة بالثانوية العامة، و"عبد العظيم ناجي" طالب بكلية الهندسة عن آرائهم... فوضّح بعضهم أنهم كشباب لا يعرفون المعنى الحقيقي للثورة إلا من خلال الإعلام، الذي قدّم لهم مساوئ الثورة وخصوصاً الضباط، فلم يدركوا ما قدّمه الثوريون من إنجازات، اللهم إلا قليل كأن أصبحت الملكية عامة للجميع، ومجانية التعليم، واستبدال الديكتاتورية بالديمقراطية. كما أكّدوا أنهم ليسوا في حاجة لثورة جديدة، بل إلى تنظيم من الحكومة والمسئولين وتطبيق الخطط المحكمة. كما أن لديهم في كثير من الأحيان عدم تعاطف مع الثورة ولا مع القائمين عليها، واقتصار نظرتهم ليوم 23 يوليو على أنه يوم إجازة فحسب. أما البعض الآخر فيرى أن ثورة يوليو تمثّل قيمة عالية لدى الشباب؛ فهي ثورة رائدة ترتب عليها تحرير العالم العربي بأسره تقريباً، كما ساهمت ثورة يوليو في إنشاء رابطة دول عدم الانحياز. وبالتالي فكل ما نحتاج له هو المزيد من الأهداف والبنود، مع تفعيل لغة الحوار واحترام الرأي الآخر، فلدينا ما يؤهلنا لكي نصبح قوى عظمى، فلولا ثورة سنة 52 ما حدثت ثورة الجزائر. ملابسة لا حقيقة من جانبه طرح الدكتور "عبد الحليم قنديل" ل"بص وطل" نظرة تحليلية حول وجهة نظر الشباب لثورة 23 يوليو، التي قامت من خلال مجموعة من الضباط المخلصين للقضاء على النظام الملكي الفاسد، إلا أنها تجربة مرّ عليها ستون عاماً أي أن شباب هذا الجيل لم يعايشها وهنا تقع الملابسة، فبعد حرب 73 حدث انقلاب على ثورة سنة 52، أي أننا نعيش منذ 37 سنة زمن الانقلاب، وما خلفه من انفتاح سياسي واقتصادي وسلام مع إسرائيل، أما مبادئ وأهداف ثورة 52 فهو ما نفتقده ونحتاج لاستعادته من جديد. قبل الثورة كانت مصر مستعمرة ضمن مستعمرات فرنسية بريطانية، وفي 73 كانت مصر رأساً برأس مع كوريا الجنوبية، وكل ما كان ينقصنا هو التحوّل للديمقراطية السياسية، أي أن هناك تجربة بحاجة لأن تكتمل، أما الآن فهي رأس برأس مع بوركينافاسو من جهة الفساد الدولي، لذا فبالتأكيد مصر تعيش الآن فترة من أسوا فترات حياتها، فلا اقتصاد ناهض، ولا حرية سياسية، وكذب من قال إن للنظام الحالي علاقة بتحقيق أهداف الثورة. وصرّح "قنديل" أن فكرة شباب هذا الجيل حول ثورة 23 يوليو ما هي إلا فكرة منقوصة، فهم يحصلون عليها من خلال الأفلام والبرامج، أو المناهج الدراسية التي تم تسييسها، فضلاً عن قراءة الكتب التي تحوي مبالَغة كبيرة؛ فكتّابها مترجمون أكثر من كونهم مؤلفين، على عكس فترة الستينيات التي لم تصادَر فيها المسرحيات، والأفلام كفيلم "شيء من الخوف"، والكتب ك"معالم على الطريق" لسيد قطب، صحيح أن هذا لا يعني الكمال، إلا أنه لا خلاف على أن عبد الناصر مات ولم يكن في رصيده سوى 600 جنيه، ولم يأخذ أي من وزرائه قطعة أرض واحدة. من حق الشباب أن يسخط على الانقلاب على الثورة، ويمكنهم التعرّف على الحقيقة من خلال كتب د. رءوف عباس، د. عاصم الدسوقي، مجموعة محمد حسنين هيكل حرب 30 سنة. لمعرفة شهادات ضحايا الثورة.. اضغط هنا و لمعرفة رأي د.نبيل فاروق في حركة الثورة.. اضغط هنا