أنا فتاة عندي 16 عاماً.. تربّيت في أحد الأحياء الراقية.. أعشق القراءة، وملتزمة.. مشكلتي الكبرى للأسف هي أبي! نعم أبي؛ فقد توفّيت أمي منذ عامين، بعد أن ربّتنا على الاعتدال والتديّن وحب المعرفة والاطلاع.. كانت -رحمها الله- أُماً مثالية لي ولإخوتي.. لم أكن أرى أبي كثيراً في طفولتي؛ نظراً لظروف عمله؛ ولكن بعد وفاة أمي بدأت في اكتشاف ذلك الرجل الذي يدعونه "أبي". كانت صدمتي كبيرة؛ فلقد منعني أبي أنا وأختي الصغرى (14 عاماً) من الخروج خارج المنزل دون مرافقته؛ فأنا حالياً لا أستطيع الخروج لشراء قلم من المكتبة الملاصقة لبيتنا بمفردي دون وجود ذلك السجان معي؛ فهو يحتقر المرأة لأبعد حدود، لا يرى لها وظيفة سوى خدمة الرجل؛ فإن كان الرجل في المرتبة الأولى؛ فالمرأة في المرتبة العاشرة بالنسبة له.. ولا أرى مسوّغاً لما يفعله؛ فأنا بشهادة الجميع فتاة متديّنة ومثقفة. كما أنه يفضّل أخي الأصغر (11 عاماً) عليّ أنا وأختي في كل شيء؛ يعطيه أضعاف ما يعطيه لي ولأختي فقط؛ لأنه ولد ونحن بنات؛ أي نحن كائنات لا نستحق أدنى اهتمام منه, ينبغي أن نرجوه ونتوسل إليه؛ حتى يشتري لنا حاجياتنا الأساسية. منذ أسابيع قامت مدرستنا برحلة، ورجونا أبي أن يسمح لنا بالذهاب، وبعد نقاش طويل قال لنا أبي "عشان تبقوا عارفين ما فيش خروج من غيري لحد ما تتجوزوا، وحتى بعد ما تتجوزوا مش هاخلّي أجوازكم يخرّجوكم لوحدكم" أي أننا سنعيش في ذلك السجن إلى أجل غير مسمى.. لا أدري أي نوع من الآباء هو!! من المفترض أن يكون مُعيناً لنا بعد وفاة أمي. إن ذلك التسلّط يجري في عائلة أبي منذ زمن بعيد فهكذا كانت جدّتي، ومن بعدها عمتي، ثم أنا وأختي الآن لم نكن نعلم ذلك؛ فقد كانت علاقتنا غير وطيدة بعائلة أبي. أنظر من شرفة غرفتي -أقصد سجني- فأرى الفتيات في مثل عمري بل وأصغر مني بأعوام يخرجون ويذهبون ويجيئون؛ أما أنا فمحكوم عليّ لأعوام لا أعرف عددها أن أبقى تحت رحمة أبي. أرجو أن تعذروني للغتي الحادة فأنا حالياً لا أستطيع أن أقول غير ذلك وأرجوكم أن تساعدوني؛ فأنا الآن في أمسّ الحاجة للإرشاد ماذا أفعل الآن؟؟ شكراً لوقتكم dodo صديقتي العزيزة... لفَتَ انتباهي بشدّة خلال قراءتي لمشكلتك أمران قد يبدو أنهما من صغار التفاصيل؛ إلا أنهما سيكونان المحرّك الأساسي لي في إجابتي على مشكلتك؛ الأمر الأول هو قلّة الأخطاء الإملائية الموجودة في رسالتك، والثاني هو طريقة تعبيرك وصياغتك للمشكلة؛ وهما أمران إن دلا على شيء؛ فإنما يدلّان على أنك ينطبق عليك الأوصاف التي ذكرتِها عن نفسك وهي أنك ملتزمة مثقفة تعشقين القراءة. ومن تتمتع بهذه الصفات يا عزيزتي تكون المسئولية الملقاة عليها مساوية لقدرها وتميّزها الثقافي والتربوي والديني؛ فما سأطالبك به في ردّي على مشكلتك لن أطلبه من أخريات أكبر منك سناً وأقل منك ثقافة وديناً ووعياً. قرأت مشكلتك عدة مرات، وكل مرة أحاول أن أتصور حالك البائس -كما تقولين- أنت وأختك في ظلّ أب لا يعرف الرحمة، والتسلّط يجري في عروقه كما تصفينه؛ إلا أن هذا الأب هو من يسيطر على تفكيري في كل مرة أحاول أن أتصور ذلك الوحش الذي فاجأه ربه بوفاة شريكة حياته التي صانت شرفه، وحافظت على الأمانة التي استودعها عندها رب العالمين وهي ابنتان وولد، ثم بدأت المفاجآت تتوالى عليه؛ فالابنتان في سن حرجة جداً "16 و14" عام، في بلد تعاني من عدة ظواهر كلها مسيئة للإناث تحديداً، ولا معين له إلا الله عز وجل. لا تتصوري أني أُدافع عن والدك؛ فأنا لا أعرفه؛ ولكن ما أعرفه وأستطيع أن أتصوّره هو ما يعيشه هذا الأب من مأساة حقيقية لا يعرف قسوتها إلا الله عز وجل؛ فإن كان أبوك يفضل أخاك عليكما؛ فهي رغبة منه في أن يجد مُعيناً وساعداً أيمن يساعده في حمله الثقيل، كما أنها من الممكن أن تكون رغبة منه في أن يزرع فيه فكرة "راجل البيت"؛ حتى إن حدث أن اختاره الله إلى جواره كما اختار والدتك من قبل؛ يكون هناك ذلك الأخ الذي يُطلب منه أن يكبر قبل أوانه ليرعاكم ولو نفسياً. عزيزتي... إن كنت تحبّين أمك وتحترمينها وترين أنها استطاعت أن تُخرج زهرتين مثلك أنت وأختك؛ فعليك أن تثقي في اختياراتها؛ فوالدك هو اختيارها، وعليك أن تثقي أنها لم تخطئ الاختيار. والدك رجل عادي له مميزاته وعيوبه، شأنه شأن أي أب؛ ولكنه مشوّش ومتخبّط.. ومسئوليتك تجاهه هي أن تساعديه في أن يخرج من هذا التشويش.. تذكّري أنك فتاة متديّنة ومثقفة وقارئة، وقبل كل هذا بارّة بوالدتك ومن ثم بوالدك. كلما قَسَى هو، قدّمي أنت مزيداً من الحنّية والطاعة حتى يلين، وإن كنت لا تثقين أن هذه الطريقة ستُجدي معه نفعاً؛ فثقي بالله الذي قال في كتابة العزيز {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. تصوّري معي سيناريو مغايراً لما أنت فيه: توفّت والدتك وظهر الأب الغائب عن الصورة منذ فترة؛ فإذا به أب "سبور" لا يراقب ولا يحاسب، ولديه من الأولاد هذه الأعمار "16، 14، 11"؛ فكيف سينتهي بكم الحال؟؟ وإذا كنت أنت واعية ويمكنك اختيار الطريق الصحيح؛ فهل تستطيعين تقويم طريق إخوتك؟؟! عزيزتي... تعاملي مع ما أنت فيه على أنه اختبار لتديّنك وصبرك وتحمّلك، تعاملي مع الأمر على أنه اختبار لمجهود والدتك معك طوال سنوات، حاولَتْ فيه جاهدة أن تربّيك على ما يرضي الله، وكلما شعرت بحنق تجاه أبيك تذكّري أن ردّ فعلك تجاهه هو في واقع الأمر سيذهب لوالدتك وسيحدد نجاحها أو فشلها في تربيتك. صديقتي.. والدك ليس دراكولا وليس السجان أو عشماوي الذي تتصورينه، هو مجرد أب يخاف على أولاده، ويحاول العبور بهم إلى برّ أمان في بلد وزمن عزّ فيها وجود هذا الأمان؛ فما بالك وهو وحيد لا معين له؟؟