عندما تسمع عن المناصب السياسية التي تَقَلّدها هذا الرجل، حتماً سوف يُدهشك عدم جلوسه على كرسي الرئاسة، عندما تعرف مدى فخامة الألقاب التي حصل عليها.. بالتأكيد ستسأل نفسك: لماذا لم يُضَف إليها لقب فخامة رئيس الجمهورية؟ إنه واحد من الأعمدة التي قامت عليها السياسة في مصر في فترة ما بعد "الثورة"؛ فبعد أن تمّ هدم المعبد السياسي بأكمله بعد إلغاء جميع الأحزاب التي كانت فاعلة قبل "الثورة"، وبعد حظر جماعة الإخوان المسلمين، جاء هو ومن معه كي يؤسسوا مشهداً سياسياً جديداً تماماً، وفقاً لمبادئ "الثورة" وما ارتأت فيه صالح الجميع.. هو واحد من أكثر المقرّبين للرئيس عبد الناصر وأكثر المكروهين من الرئيس السادات وأكثر المعزولين في عهد الرئيس مبارك (عُزلة اختيارية بإرادته). من هو علي صبري إنه السيد علي صبري، النائب السابق للرئيس جمال عبد الناصر، والرئيس السابق للاتحاد الاشتراكي (المنبر السياسي الوحيد الذي كان موجوداً في مصر إبان حكم الرئيس عبد الناصر)؛ فضلاً عن تَقَلّده منصب مساعد رئيس الجمهورية لشئون الدفاع الجوي، والمسئول عن الاتصالات بين القوات المسلحة المصرية والاتحاد السوفيتي في كل ما يتعلق بالتسليح والتدريب والخبراء. الألقاب سالفة الذكر هي بعض من ألقاب عدة حصل عليها الرجل؛ ولكننا أردنا أن نأتي على ذكر أهمها وأكثرها تأثيراً في الحياة السياسية آنذاك. الغريب في حياة علي صبري أنه كان من خلفية اجتماعية مادّية محترمة، وابن أخت علي باشا الشمسي -أحد أغنى باشوات مصر- إلا أنه كان مؤمناً بمبادئ الاشتراكية وأهدافها النبيلة. علاقة "صبري" ب"عبد الناصر" كانت تتعدّى الرسمية لتصل لدرجة الأخوية عبد الناصر.. حبيب الملايين وخصوصاً علي صبري إن علاقة علي صبري بالرئيس جمال عبد الناصر كانت علاقة تتعدّى حدود الرسمية لتصل لدرجة الأخوية؛ لا سيما وأنه شهد حلم "الثورة" منذ بدايتها جنباً إلى جنب مع البكباشي جمال عبد الناصر، وآمن بمبادئ "الثورة" وأهدافها السامية، وبكاريزمة عبد الناصر الطاغية؛ فكان مخلصاً أميناً مطيعاً له في كل ما يطلب ويقول، وكانت الثقة متبادلة فاستأمنه الرئيس عبد الناصر على عدد من الوظائف الأكثر حساسية في الدولة على الإطلاق، ومنها جهاز المخابرات الذي كان قد أسسه زكريا محيي الدين قبل "الثورة"، وتولّى "صبري" رئاسته في الفترة من 1956 حتى 1957. إلا أنه كان هناك ما يعكّر صفو هذه العلاقة ويتسبب في كدرها؛ ألا وهو الكاتب والمفكّر ورئيس تحرير جريدة الأهرام سابقاً، والذي كان يُعرف وقتها بالصحفي الملاكي للرئيس عبد الناصر "محمد حسنين هيكل". على الرغم من أننا لا يمكننا الجزم بهذه الفرضية؛ فإن هذا الكره المبرر من قِبَل علي صبري ل"هيكل" لا مردّ له سوى التنافس بين الطرفين من أجل الحصول على مكانة أفضل بجوار الرئيس عبد الناصر، وقد كان الفوز في هذه المنافسة على أية حال دائماً في صف محمد حسنين هيكل الذي كثيراً ما اختصّه الرئيس عبد الناصر بملفّات وتقارير في غاية السرية، مثل مباحثاته مع سوريا من أجل تأسيس الوحدة بين البلدين؛ حتى أن عبد الناصر عندما سأل ذات يوم عن سبب اختصاصه لهيكل بهذه المكانة الصحفية (التي كانت في الواقع إنسانية أكثر من أي شيء) أجاب قائلاً: هيكل بيوقظني صباح كل يوم لكي يقرأ لي آخر أخبار العالم، مع الكثير من الشرح والتعليقات، مع الكثير الأكثر، من رسائل "الأهرام" الصحافية والخاصة التي يرسلها رجال الجريدة في مختلف أنحاء العالم إلى هيكل. علي صبري.. لماذا روسيا؟ علاقة علي صبري بالاتحاد السوفيتي كانت قوية إلى درجة لا يمكن تصوّرها؛ فقد شغل الرجل لفترة طويلة منصب مساعد رئيس الجمهورية لشئون الدفاع الجوي والمسئول عن الاتصالات بين القوات المسلحة المصرية والاتحاد السوفيتي في كل ما يتعلّق بالتسليح والتدريب والخبراء؛ وذلك لفترة طويلة، كانت كافية لأن تُنشئ بين الطرفين جبالاً من الثقة، أبداً لم تُضايق عبد الناصر طالما كانت تؤدي الغرض، وطالما كان الرئيس عبد الناصر نفسه صديقاً للاتحاد السوفيتي، وكذلك كانت استراتيجية الدولة ككل. إلا أنه بعد وفاة الرئيس عبد الناصر تغيّرت استراتيجية الدولة ككل، وبدأت تتحوّل نحو القطب الآخر (الولاياتالمتحدة)، وبالتالي باتت فكرة التواصل مع الاتحاد السوفيتي -بصفة عامة- غير مقبولة، وبدأ الرئيس السادات في طرد الخبراء الروس، وبدأت الأمور تتبدّل، وهو ما يقودنا إلى ما يُسمّى ب"ثورة التصحيح". قرر "صبري" أن يخرج عن صمته مُصدراً كتاب "علي صبري يتذكّر بصراحة عن السادات" ثورة التصحيح إن الحالة السيئة التي وصلت إليها العلاقة بين الرئيس السادات وبين علي صبري لم يكن مسئولاً عنها طرف دون الآخر أو حتى الطرفان فقط؛ بمعنى أن علي صبري كان مسئولاً عن هذا الأمر بحُكم عدم اقتناعه بإمكانات الرئيس التي في وجهة نظره لا تؤهّله إلى تولي رئاسة البلاد في مرحلة حرجة من تاريخها؛ حتى أنه قال في أحد التسجيلات الصوتية له مع سامي شرف -مدير مكتب رئيس الجمهورية- إنه لن يسمح لنفسه أن يكون مرءوساً لرئيس "يبيع البلد للأمريكان". أما الرئيس السادات فلم تكن مشكلته مع علي صبري مشكلة شخصية بقدر ما كانت مشكلة جماعية؛ فقد كان علي صبري جزءاً من مجموع يسيطر على زمام الأمور في البلاد؛ ولكن صبري كان أخطرهم من وجهة نظر الرئيس الراحل؛ بل وأكثرهم تأثيراً، وبالتالي كان لا بد من قصّ أجنحته أولاً؛ فألغى الاتحاد الاشتراكي وقرر إقامة نظام التعددية الحزبية، كما أقال علي صبري من منصبه كمسئول عن الاتصالات بين القوات المسلحة وروسيا فيما يخص التسليح والتدريب؛ حتى يُفقده مكانته الدولية. وعليه كان صبري من أكثر رجال عبد الناصر الذين نال منهم السادات في 15 مايو 1977 أو ما يُعرف ب"ثورة التصحيح". السجن ثم العزلة 10 أعوام كاملة قضاها علي صبري في السجن قبل أن يتم الإفراج عنه ليعيش حياة من العزلة والانقطاع عن العالم كله، إلى أن قرر أخيراً أن يخرج عن صمته مُصدراً كتاباً يدوّن فيه ملاحظاته عن "ثورة يوليو" و"ثورة التصحيح" يطلق عليه "علي صبري يتذكّر بصراحة عن السادات".