هل أنت من المغرمين بالسكك الحديدية، إذا كنت محباً حقيقياً للقطارات، وترغب في الاستمتاع برحلة طويلة.. طويلة تستغرق 25 ساعة و39 دقيقة؛ عليك أن تقفز داخل القطار السريع الذي يعمل بين مدينتي برلين وكييف.. هيا بنا قبل أن يتحرك القطار. ينطلق القطار "كشتان 441" من خط للسكك الحديدية مخصص للقطارات بطيئة الحركة، تنقل الركاب إلى الضواحي من محطة قطارات حديقة برلين للحيوان. هناك سترى عربات القطار ذات النمط السوفيتي بعضها مطليّ بطلاء أزرق كالح بفعل الزمن، تجرّها قاطرات بالية تعمل محركها بالكهرباء والديزل، وحقائب كبيرة الحجم وأشخاصاً يتحدث معظمهم بالروسية، يتجمعون حول أبواب العربات. هل دفعت 85 يورو ثمن تذكرة الذهاب، فلتصعد الآن ثلاث درجات مصنوعة من الصلب لتدخل عربة القطار، قبل أن تخطو قدماك فوق بساط رث على متن القطار التابع لشركة السكك الحديدية الوطنية الأوكرانية، وذلك دون تعريض جسدك لأشعة إكس أو التفتيش والتدقيق الذي يتنهك خصوصيتك، وقد يصل إلى حد العنصرية، أو الاستماع إلى تعليمات سلامة الركاب التي ترددها المضيفات عادة قبل إقلاع الطائرات. الكثير من الركاب يحملون جنسيات مزدوجة، ويسافرون بين أوكرانيا وألمانيا ولا يريدون تعريض أنفسهم لمتاعب السفر بالطائرة. عادة ما ينطلق قطار "كشتان" بانتظام من محطة حديقة الحيوان في موعده تماما، ولأنه يصدر أصوات قرقعة وخشخشة، ويتخبط بينما يندفع فوق القضبان؛ لذا فمن الحكمة أن تأخذ معك ملابس خفيفة وشباشب وسدادة للأذن أثناء الرحلة الطويلة. يُمثل المضيف أفضل مصدر للمعلومات أثناء السفر وتوجد بالقطار درجة موحدة هي الثانية، وتتضمن عربة نوم بثلاثة أسرة كل منها بطابقين، وعلى الراكب الحكيم أن يختار الطابق العلوي حتى يستطيع أن يجلس باعتدال دون أن يحني رأسه. أما ديكور العربات الداخلية فهو خليط من التجهيزات من الخشب البلاستيكي والصلب والألومنيوم، والمقاعد مكسوة بالجلد الإصطناعي، وغالباً ما تكون ألوانها رمادية وأحياناً تكون مزدانة بالزهور المطبوعة، وتتاخم النافذة بكل مقصورة طاولة صغيرة ذات حافة معدنية يستخدمها بعض الركاب المخضرمين كفتاحة للزجاجات. ودائماً ما تكون النوافذ مغلقة تمشياً مع المخاوف الأوكرانية من البرد والرياح، ولو تفقدت النوافذ في ممرات القطار والتي تسمح بدخول الهواء المنعش إلى العربات ستكتشف أن ثلاث نوافذ فقط من بين اثنتي عشرة يمكن فتحها وللمنتصف فقط. الحقيقة أن اصطحاب الأطفال خاصة الصغار يمثل عملية مسلية عند ركوب "كاشتان"، وفي رحلة بالقطار مؤخراً إلى كييف كان يمكنك مشاهدة مجموعة من الصغار في مرحلة ما قبل المدرسة وهم يتجولون في ممر القطار نهاراً، وربما يتطلع إليك بعضهم بفضول.
ومفتاح الاستمتاع على ظهر هذا القطار الذي يسير بسرعة ثمانين كيلومترا في الساعة هو "المضيف" وهو موظف لدى سكك حديد أوكرانيا ومسئول عن فحص التذاكر ويساعد على تحمل رحلة القطار الطويلة والتي غالبا ما تكون مزدحمة بالمسافرين. في النهاية يصل القطار إلى كييف في الوقت المحدد دون تأخير وتشير لائحة واجبات المضيف المعلّقة على حائط العربات إلى أنه يقدّم المشروبات الساخنة للركاب على الأقل ثلاث مرات في اليوم إلى جانب تزويدهم بالماء الساخن من غلاية بالعربة عند الطلب. وتتاح بالقطار أيضا مياه معدنية وحلوى وبأسعار معقولة، فيمكن شراء كوبين من عصير البرتقال مقابل يورو واحد مع السكر والليمون. كما يعد المضيف مصدراً للمعلومات حول السفر؛ فهو يعلم ما إذا كانت ثمة مشكلة عند عبور الحدود البولندية الأوكرانية (ولن يفتعل مشكلة معك إلا إذا كنت تقوم بتهريب السجائر). أما الزمن الذي تستغرقه عملية تغيير عجلات القطار التي تسير على قضبان ضيّقة وفقاً للنظام الأوروبي إلى عجلات تسير على قضبان واسعة وفقا للنظام الروسي هو تسعين دقيقة ويتم رفع العربات لتنفيذ هذه المهمة، عندها ستصادفك أفضل محطة للتوقف عندها لشراء الفاكهة الطازجة. وبعد ذلك تقابلك على أرصفة محطة "كوفيل" -فوق الحدود في أوكرانيا- النسوة اللائي يحملن سلال "الزلابية" الطازجة والمحشوّة بالبطاطس أو الفاكهة كما يعرضن الدجاج المشوي والجبن بأنواعه إلى جانب الطماطم وغيرها من الخضروات، وكذلك الخبز الأبيض والأسمر أثناء توقف قطار برلين - كييف السريع. العاملون في القطار نادراً ما يتحدثون بلغة غير الأوكرانية والروسية وبعض الكلمات الأساسية في اللغتين الإنجليزية والألمانية، ولكنهم على أية حال هم الأكثر دراية بأمور السكك الحديدية الأوكرانية. الرحلة على متن القطار "كشتان" تكون ممتعة للغاية إذا توافر جو من الصداقة مع الشخصين الآخرين في غرفة القطار، وإذا كان بوسع أحد منهما التعامل بسهولة مع عامل القطار وإذا كان الشخص يحمل قدرا كافيا من الطعام والملابس المناسبة لطول الرحلة. أما الوقت فلا ينبغي عليك التفكير فيه. وفي النهاية يصل القطار إلى كييف في الوقت المحدد دون تأخير. وبمجرد أن تنزل من القطار تعود مرة أخرى إلى المدينة الكبيرة. شتيفان كورشاك عن وكالة الأنباء الألمانية