مشكلة هذا العصر هي الضعف.. كلنا نشعر بالضعف، لسبب أو لآخر.. كلنا نشعر بالضعف.. وهذا أمر طبيعي.. ولكن ذلك يدفعنا إلى رغبة قوية في الشعور بالقوة.. من أي مكان.. وتحت أي لواء.. البعض بحث عن تلك القوة في منصب رفيع.. أو في مركز سياسي.. أو في قوة وسلطان.. أو في جبروت وطغيان.. والبعض بحث عنها في الدين.. والبحث عن القوة في الدين ليس بالأمر الخاطئ، بل هو خير صواب يقوم به البشر، ولكن حتى الدين يدعوك إلى القوة.. يدعوك إلى العِلم.. إلى الصواب.. إلى الحكمة.. ولكن من يشعر بالضعف، يتلهّف دوماً على نيل القوة، دون التفكير في التزاماتها، وتداعياتها.. يتلهف على نيل القوة.. وممارستها.. والشعور بها.. وأحياناً ما يكون في هذا هلاكه.. فلأنه يشعر بالضعف إزاء من يفوقونه، فهو يسعى للتجبّر على مَن هم أقلّ منه؛ أملاً في أن يمنحه هذا ذلك الشعور الذي يبحث عنه.. شعور القوة.. وهكذا، فهو يتلفّت حوله؛ بحثاً عمن هو أضعف منه؛ ليهاجمه، وينال بمهاجمته شعور القوة.. وعندما يكون دينه هو دين الأغلبية، فهو ينطلق، مدفوعاً بعقدة الضعف، لمهاجمة أديان الأقلية.. وبكل العنف.. والشراسة.. والتعصّب.. والغضب.. وغضبه عندئذ لا يشفّ عن غضب من أصحاب الديانات الأخرى، ولا حتى من اعتناقهم لها.. إنه في الواقع غضب من نفسه.. من ضعفه هو.. لذا فإننا نجد أن الغضب يزداد شراسة، عندما يُوجَّه إلى ديانات تعتنقها دول كبرى.. دول يشعر أمامها بالضعف.. والهزيمة.. والانكسار.. دول يغضب منها وتثور ثائرته بشدة، عندما يقرأ الأسطر السابقة، التي تشير إلى ما يشعر به تجاهها.. ومع ثورته، يسعى لإثبات أنه -وحتى أمام تلك الدول التي تفوقه عدة وعتاداً وقوة- لا يشعر بالضعف.. ولأنه يسعى لإثبات أمر، يُدرك هو نفسه خطأه، فهو يكون في محاولته هذه عنيفاً.. ثائراً.. شرساً.. وحشياً.. ثم إنه يبدأ في السعي لإثبات قوته.. ويختار في المعتاد هدفاً أضعف.. ويضرب.. وبكل رغبته في إثبات قوته.. ولأن المشكلة نفسية، فهو يسعى بكل جهده، ليجد في دينه ما يدعوه إلى فعل ما فعل؛ حتى لا يؤاخذه أحد على ما فعل، فيعاوده ذلك الشعور بالضعف، الذي يبغضه أشد البغض.. لهذا كان الجهاد الأعظم هو جهاد النفس.. لأن النفس أمّارة بالسوء.. وخدّاعة، من أجل السوء.. عندما تدفعك نفسك إلى إتيان عمل سيئ، فهي تجعلك تفعل المستحيل؛ لإقناع نفسك أنه عمل صالح.. وأنت بضعفك تعاونها على هذا.. وبدلاً مِن أن تبذل جهداً لإطاعة أوامر ربك "عزّ وجلّ" المباشرة، تبحث بجهد أكبر، عما يُثبت لك أنك على حق.. تبحث عن كل ما يجعلك تترك لنفسك العنان، تفعل ما تشاء، وقتما تشاء، وكيفما تشاء.. تسعى خلف ما ينفي جهاد النفس.. وتتنساق إلى هوى نفسك.. وتتحمّس له.. وتستسلم.. وتنتصر نفسك بهواها عليك.. وتخسر أنت.. ولكن المشكلة هي أنك تخسر، وفي أعماقك شعور زائف بالانتصار، وشعور أكثر زيفاً بالقوة.. ولأن الخطيئة ممتعة، ولهذا فهي لعبة الشيطان، فأنت تنتشي بهذا الشعور الزائف بالقوة، وتتشبث به، ويصبح بالنسبة لك نوعاً من الإدمان، ووسيلة لتأكيد ذاتك.. وهكذا فأنت تكرر خطيئة العنف.. وتكرر محاولة إثبات شرعيتها.. وتدور في تلك الدائرة المغلقة.. دائرة متعة القوة.. ومتعة العنف.. ومتعة خداع النفس.. وعندما يأتي شخص ما، ويحاول إقناعك بأن ما تفعله خاطئ، يُصبح بالنسبة إليك عدواً.. عدو يسعى لسلبك متعتك.. ولقهر شعورك الزائف بالقوة.. عدو يرفض ما تحبه.. وتعشقه.. وتُدمنه.. لذا فأنت تقاتله في عنف وشراسة، وتبحث عن كل الوسائل الممكنة؛ لإثبات أنه على خطأ.. وأنك على صواب.. وفي غمرة قتالك، من أجل نزعات نفسك الأمّارة بالسوء، ومن أجل متعة أدمنتها، تنسى أن تعود إلى دينك، وترى بما أمرك، وتميل إلى اتّباع كل مَن يخبرك أنك على حق، بغض النظر عن الواقع.. ولكن مهما قلت أو فعلت، ستأتي حتماً تلك اللحظة.. لحظة الحساب.. العادل.. الحقيقي.. ولنا ختام.. قادم،،، واقرأ أيضاً لماذا نقهر أصحاب الديانات الأخرى؟ (3) جميعنا نخشى يوم الحساب.. كل بطريقته (2) الدين الجديد: التفكير نتيجته التكفير (1)