في يد القارئ حروفٌ دافئة تتحرك على بياض الورق، وتتسلق أصابعه لتعانق قلبه. هذه الأحرف لم أكتبها لفئةٍ خاصةٍ من الناس روّضوا خيالهم على تذوق الشعر، وهيّأتْهم ثقافاتهم لهذا.. لا.. إنني أكتب لأي (إنسان) مثلي، يشترك معي في الإنسانية، وتوجد بين خلايا عقله خلية تهتز للعاطفة الصافية. هكذا كان يقول نزار وهو يكتب نثره فيعطيه من اهتمامه مثلما يعطي لقصيدة يعرف مسبقاً أنها ستُحدث زوبعة على صفحات الجرائد بين أقلام نقّاده، وكذلك في عقول قرائه الذين جعلوه ملكاً على عرش الكلمة العذبة شعراً ونثراً على مدار خمسين عاماً هي عمر نزار الشاعر. وفي السطور التالية بعض من الجمل التي وردت في كتابات نزار النثرية، والتي تعبّر عن آراء نزار في الشعر والشعراء.. فأقرأ واستمتع.
* "لماذا لا يكون الشعر شجرة يأكل منها الجميع... ثوباً يلبسونه... ولغة مشتركة يتكلمونها... *العالم العربي، أيها الأصدقاء، بحاجة إلى جرعة شعر بعد أن جف فمه.. وتخشّب قلبه.. إن الشعراء أيها الأصدقاء، مدعوون لغرس السنابل الخضراء في كل زاوية من زوايا الوطن العربي". * "كنت أحلم بديمقراطية شعرية لا فرق فيها بين من يملكون، ومن لا يملكون، وبين من يحكمون ولا يحكمون..". * "قد تكون الرحلة متعبة، وقد تحرمكم النوم والطمأنينة؛ ولكن من قال إن وظيفة الشعر هي أن يحمل لأجفانكم النوم، ولقلوبكم الطمأنينة... إن وظيفة الشعر هي أن يغتال الطمأنينة..". * "مهمة الشاعر أن يكون جهاز الرصد الذي يلتقط كل الذبذبات، والاهتزازات والانفجارات التي تحدث في داخل الأرض، وفي داخل الإنسان إن جهازه العصبي يجب أن يظلّ 24 ساعة في ال 24 ساعة في حالة استنفار ورقابة؛ بحيث يستوعب كل حركة تحدث تحت أرض التاريخ كما تتحسس الخيول بقرب سقوط المطر قبل سقوطه. وهوائيات الشاعر هذه، تسمح له بأن يسمع أسرع من غيره، وأقوى من غيره، وبهذا المعنى يأخذ الشعر مدلول النبوءة. * إن الشاعر ليس منجّماً ولا ساحراً، وليس عنده مفتاح الغيوب؛ ولكن أهميته في أن يسبق الآخرين بثانية، أو بجزء من أجزاء الثانية في اكتشاف الحقيقة، ويقدمها لهم على طبق من الدهشة". * "إن التجديد يحدث يومياً دون أن نراه، ويجري في أعماقنا دون أن نلاحظه.. ودون أن نستعجله، كما يأخذ الشتاء وقته لتحضير الأرض، ويأخذ الصيف وقته لإنضاج الثمر.. ويأخذ الربيع وقته لإنجاز الديكورات الجميلة التي وعد بها الأرض إن الفصول لا تزاحم بعضها ولا تتقاتل". * "إنني لا أشعر أنني على قيد الحياة إلا حين تتساقط الحجارة على زجاج نافذتي.. في هذه اللحظة أشعر أن جرعة الشعر التي أعطيتها للناس بدأت تتفاعل في دورتهم الدموية.. وأن الزلزال الذي كنت أحتفظ به في داخلي قد انتقل إليهم. * "عندما أنشر قصيدة ولا يرجمونني بسببها.. أشعر أنني مريض وتبدأ حرارتي بالارتفاع". * "الكتابة هي فتح واختراق ومغامرة، والشاعر الذي يخاطب الأمة العربية في هذه المرحلة الحارقة من تاريخنا بالفوازير والكلمات المتقاطعة وبلغة مسمارية لا يمكن تفكيكيها هو شاعر هارب من الجندية ويستحق الحبس".