سادت حالة من التوتر بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل من جهة وسوريا من جهة أخرى خلال الأيام الماضية؛ بسبب اتهام سوريا بتهريب صواريخ "سكود" إلى "حزب الله"، وهو ما رأته واشنطن وتل أبيب تطوراً من شأنه أن يزيد من القدرات القتالية ل"حزب الله" وهو ما ترفضه الدولتان بالطبع. وعلى الرغم من النفي السوري فإن التوترات ظلت قائمة، وهو ما يثير التساؤل عن حقيقة ما حدث، وما إذا كانت سوريا هربت تلك الصورايخ أم لا. فتلك الصورايخ تتناقض مع طبيعة "حزب الله"، الذي يصفه المحللون الغربيون بأنه مثل "محمد علي كلاي"، يرقص كالفراشة ويلدغ كالنحلة، وهو لا يحتاج إلى صواريخ كبيرة يصل حجمها إلى 12 متراً للصاروخ الواحد، فضلاً عن أنها تحتاج زمناً للإطلاق يبلغ 45 دقيقة كاملة. ولدى إسرائيل عقدة شديدة من صواريخ سكود التي استخدمها صدام حسين في قصف تل أبيب أثناء الحرب الغربية على بلاده بعد غزو الكويت عام 1990 (عاصفة الصحراء)، حيث تسبب القصف العراقي في حالة من الذعر غير المسبوق في تل أبيب؛ نتيجة لأنها كانت المرة الأولى التي يتعرض فيها العمق الإسرائيلي لضربات؛ إذ كانت الحروب الإسرائيلية كلها في السابق توسعية. ولا شك في أن طبيعة صاروخ "سكود" تجعل من السهل رصده قبل إطلاقه من خلال الطائرات الإسرائيلية التي تحلّق ليل نهار فوق الأجواء اللبنانية، وهو ما يدفع للتساؤل عما إذا كان هذا الصاروخ سلاحاً عملياً لمنظمة مثل "حزب الله"، خاصة وأن الأخير لديه صواريخ أقل حجماً بما يجعلها أكثر قدرة على الإفلات من الصورايخ المضادة للصواريخ، وبالتالي أكثر قدرة على إصابة هدفها، كما أن تهريبها عبر الحدود السورية اللبنانية -كما أشارت التقارير الغربية- سيكون محملاً بالمخاطر. وعلى الرغم من أن هذه المؤشرات تدفع للاعتقاد بأن "حزب الله" قد لا يهتم بالحصول على مثل تلك الصواريخ فإن هناك مؤشرات أخرى قد تشير للعكس. فالحزب قد يحصل على الصواريخ وربما ينشرها أيضاً، لكي يمنح الإسرائيليين فرصة لضرب أهداف يرونها واضحة كنوع من التضليل؛ لكي يقوم بإطلاق صواريخه الأكثر فعالية من أماكن أخرى، أي أن يستخدم الحزب تلك الصورايخ ومنصات إطلاقها كوسيلة للتمويه، ولإبعاد إسرائيل عن أهدافها الحقيقية. كما قد يستخدم الحزب فكرة كثافة النيران الكبيرة للصورايخ، بمعنى أن يُطلق الحزب مئات الصورايخ؛ لكي يضمن وصول العشرات منها إلى أهدافها، بما يحقق له النتائج المرغوبة، ولكن بوسائل مختلفة عما اعتاد عليه. وتؤكد مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الاتهامات الحالية لسوريا تأتي كجزء من اللعبة الأمريكية المعهودة لإخراج سوريا من التحالف الإيراني من خلال الضغط عليها بالتهديدات أو بإغرائها بإخراجها من عزلتها القائمة حالياً. وبغضّ النظر عن حقيقة صواريخ "سكود" نفسها وطبيعتها وإمكانية استخدامها من قبل حزب الله من عدمها، فإن المؤكد أن سوريا ومن خلفها إيران تعمل على تسليح الحزب بوصفه الأداة القوية لهما في موجهتهما لإسرائيل. ولا شك أيضاً في أن الحرب بين إسرائيل وحزب الله حتمية، وأنها ستحدث خلال السنوات القليلة المقبلة؛ حيث إن الحرب التي وقعت في 2006 لم تحقق أياً من الأهداف الإسرائيلية، بل تسببت في تراجع الصورة الإسرائيلية كالقوة الأبرز في المنطقة؛ إذ نجح بضع آلاف من مقاتلي "حزب الله" في إيقافها. لذا فإن تل أبيب و"حزب الله" يستعدّان لجولة ثانية لم يتحدد ميعادها بعد، وهو ما يؤكده تسارع وتيرة تسليح حزب الله والمناورات المستمرة التي يجريها الجيش الإسرائيلي استعداداً للحرب، وهو ما كشفت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت" مؤخراً؛ إذ أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي قام بمناورات في الأماكن التي تتشابه جغرافيتها مع جنوب لبنان. وتشير مجلة إيكونوميست البريطانية إلى أن هناك مخاوف في أمريكا من أن يكون قرار واشنطن بتحسين العلاقات مع دمشق تم استقباله بصورة خاطئة، بمعنى أن سوريا رأت بأن واشنطن بحاجة إليها، وأنه يمكنها أن تفرض شروطها على الأرض، وهو ما ترفضه واشنطن بالطبع. فأمريكا أعادت سفيرها إلى دمشق كما بدأت في الحديث عن إدماج سوريا في السلام في الشرق الأوسط، غير أن دمشق لم تغيّر موقفها، وظلت مصرة على التحالف مع إيران و"حزب الله"، وهو ما أبرزته تصريحات الرئيس السوري الذي أكد أن اتجاه بلاده للسلام لا يعني أنها ستبتعد عن إيران. إذن فأمريكا وإسرائيل في حيرة حول كيفية التصرف مع سوريا؛ ففي الوقت الذي يرغبان فيه وبشدة بأن تبتعد دمشق عن إيران؛ لكي يسهل ضرب الأخيرة، كما يسهل هذا من مهمة إسرائيل في توجيه ضربة ل"حزب الله"، ولكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تدفع ثمن التقارب مع سوريا (إعادة الجولان) ليبقى الوضع مع سوريا دائماً اتهامات دائمة وإعلان عن الرغبة في التقارب في الوقت نفسه. أما "حزب الله" فهو يستغل أي فرصة لكي يزيد من قدراته في مواجهة هجوم إسرائيلي يعلم أنه سيحدث إن آجلاً أو عاجلاً، وأن عليه أن يستعد للأسوأ في مواجهة إسرائيل التي ما زال "جرح كرامة" جيشها ينزف من 2006، خاصة أن الفشل لم يكن دعائياً فقط ولكن سياسياً أيضاً، ولذا يستعد الحزب بالصواريخ وبزيادة مستوى تدريب جنوده، في مواجهة المناورات التي تجريها إسرائيل التي وصلت لحد التدرب على التعامل مع استخدام سلاح كيميائي أو بيولوجي، بما يؤكد أن الجميع يستعد للأسوأ، وأنه قادم إن عاجلاً أو آجلاً.