في ظل ظروف سيئة وغاية في الصعوبة، وبعد أن أصابه العمى في المرحلة الإعدادية، استطاع أن يتغلب على كل هذا ويصبح في مرحلة الدكتوراه بكلية الإعلام جامعة القاهرة، واجتاز مرحلة الماجستير بتقدير امتياز مع التوصية بطبع الرسالة على تكلفة الجامعة؛ ناهيك عن حصوله قبلها على ليسانس دار العلوم وليسانس الآداب بقسم الإعلام.. إنه الدكتور صابر حمد. الثالث على الجمهورية ولد الدكتور صابر حمد بإحدى قرى محافظة المنيا لأسرة متوسطة الحال، وظهرت عليه بوادر حبه للعلم منذ صغره؛ حيث كان متطلعاً للمعرفة؛ فتفوق في المرحلة الابتدائية، ولكن نظراً لقلة الخدمات الطبّية بالقرية؛ فقد أصابه العمى بسبب مياه زرقاء قضت على العصب البصري؛ فأصبح كفيفاً لا يرى. ولكنه واصل مشواره التعليمي متخطياً المرحلة الإعدادية بتفوّق ليلتحق بمدرسة طه حسين الثانوية للمكفوفين بالقاهرة، وأتقن طريقة برايل في ثلاثة أشهر كي تسهّل عليه دراسته، وجاء ترتيبه الثالث على الجمهورية بين المكفوفين بالقسم الأدبي بمجبوع 84%، والتحق بعدها بكلية الآداب-قسم الإعلام-جامعة المنيا. كان طموحه أن يصبح صحفياً، يتحدث بلسان الفقراء من عامة الشعب، كي ينقل معاناتهم إلى المسئولين، وحصل على ليسانس الآداب عام 1999، ثم حصل على ليسانس دار العلوم من جامعة القاهرة عام 2005؛ وذلك لحرصه على تحسين مهارات اللغة العربية لديه وحسن توظيفها في المجال الإعلامي، ثم تقدّم للحصول على الماجستير من جامعة القاهرة واجتازه عام 2007 بتقدير امتياز مع التوصية بطبع الرسالة على تكلفة الجامعة. الكمبيوتر والإنجليزية لم يكونا عقبة في طريقه حصل الدكتور صابر على عدة دورات متقدمة في اللغة الإنجليزية من مركز اللغات والترجمة التخصصية بجامعة القاهرة، واجتاز امتحان التويفل من الجامعة الأمريكية. وبالنسبة لعلوم الكمبيوتر، فقد حصل على دورات عديدة في مهارات قيادة الحاسب الآلي من مراكز متعددة تُعنى بتدريب المكفوفين من خلال بعض البرامج الصوتية، كما تمكّن من الحصول على شهادة "ICDL" من مركز نظم ومعلومات القوات المسلحة، وهكذا لم يكن تحصيل العلم أبداً صعباً عليه. العقبات الحقيقية ولكن العقبات الحقيقية التي واجهته بدأت مع أول اصطدام بالحياة العملية، الدكتور صابر كان يأمل في التعيين بإحدى الجامعات الحكومية كعضو هيئة تدريس لبعض مقررات الإعلام، وقد تقدّم لمعظم الجامعات الحكومية والخاصة بعد حصوله على الماجستير، آملاً في التعيين إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل بسبب تعنّت المسئولين واعتراضهم على ظروفه الصحية. مقابلات بالترحاب والتشجيع ووعود زائفة بالتعيين واجهت الدكتور صابر حينما طرق أبواب بعض المسئولين والوزراء؛ حيث وعده الدكتور هاني هلال -وزير التعليم العالي- بتوفير درجة علمية له في إحدى الجامعات؛ ولكن النسيان طوى هذا الوعد، كما تقدّم الدكتور صابر لرئيس جامعة المنيا بعد حصوله على الماجستير؛ إلا أنه لم يفعل شيئاً، كما ذهب الدكتور صابر إلى بعض أعضاء مجلس الشعب والتمس معاونة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية؛ ولكنه أيقن في النهاية أن هذه الاستغاثات لا تصل إلى المسئولين ذوي الجدّية في اتخاذ القرار. ووجد الدكتور صابر في الفترة من 2002 حتى 2008 عملاً كمراسل لجريدة الجزيرة السعودية، وتردد على الأماكن ذات الأنشطة الثقافية والسياسية والاقتصادية بمساعدة المارة في الشوارع وبعض زملائه، وكان يتقاضى ما يزيد على 700 جنيها شهرياً؛ إلا أن الأزمة العالمية تسببت في إنهاء تعامله مع الجزيرة بسبب خسائرها. لو بطلنا نحلم نموت الآن يعمل الدكتور صابر خطيباً بمسجد قريته بالمنيا، ويتقاضى على خطبة الجمعة 14 جنيهاً، كما يعمل أخصائياً اجتماعياً وثقافياً بمركز شباب إمبابة بعقد عمل مؤقت بمرتب 120 جنيها، كما يعمل أيضاً محاضراً لطلاب التعليم المفتوح بقسم الإعلام بجامعة المنيا، ويتقاضى 200 جنيه؛ لتبلغ حصيلة ما يتقاضاه من كل هذه الأعمال المؤقتة 324 جنيهاً لا تكفيه للمواصلات لمتابعة رسالة الدكتوراه. ومع ذلك فلديه بريد إلكتروني يستطيع من خلاله التواصل مع أصدقائه من المصريين والعرب من الأردن وسوريا والسعودية والمغرب، ومن الأجانب من الولاياتالمتحدةالأمريكية والنمسا وألمانيا، ويتبادل معهم النقاش بمساعدة زملائه حول حقوق الإنسان والمكفوفين وكل ما هو جديد في عالم ذوي الاحتياجات الخاصة. ورغم كل هذه الظروف الصعبة يعيش الدكتور صابر في غرفة بالإيجار بمنطقة بولاق الدكرور بالقرب من جامعة القاهرة؛ حتى يكون من السهل عليه متابعة رسالته، ثم يذهب إلى المنيا أسبوعياً من أجل خطبة الجمعة، ثم يتردد على مركز شباب إمبابة لمتابعة عمله هناك، ويقضي كل حياته وتنقّلاته بمساعدة المارة في الشوارع، ومازال الدكتور صابر مُصِراً على تحقيق حلم حياته بالتعيين بإحدى الجامعات قائلاً "سأحقق هدفي رغم أنف الحاقدين".