"إن احتلال أي أرض عربية هو احتلال، وليس سوء فهم.. ولا فرق بين احتلال إسرائيل للجولان أو لجنوب لبنان أو للضفة الغربية أو غزة، واحتلال إيران للجزر الإماراتية؛ فالاحتلال هو الاحتلال". العبارة السابقة ليست لمناضل عربي ولا مدافع عن حقوق الإنسان العربي؛ ولكنه تصريح جاء على لسان وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان يوم الثلاثاء أمام المجلس الوطني الاتحادي لدولة الإمارات.. والقضية التي يتحدث عنها -لمن لا يعرف- هي قضية احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة: "طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى"، الواقعة قرب مضيق هرمز الاستراتيجي، والتي سيطرت عليها إيران عام 1971 بعد رحيل القوات البريطانية من الخليج.
قبل أن نسرد قضية هذه الجزر الثلاثة المحتلة منذ ما يقرب من 40 عاماً، دعنا نقول إن ما فجّر هذه القضية الآن هو هذا التصريح لوزير الخارجية الإماراتي، الذي اعتبر أن احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة هو احتلال مماثل للاحتلال الإسرائيلي لغزة والجولان، وهذا ما أغضب الحكومة الإيرانية؛ فصرّحت على لسان رامين مهمانباراست (المتحدث باسم الخارجية الإيرانية)، بأن التصريح الإماراتي خالٍ من الصحة والدقة؛ متعللاً بأن إيران لها كل الحق في السيطرة على الجزر الثلاث المتنازع عليها في الخليج، رافضاً في نفس الوقت مقارنة سيطرة إيران على تلك الجزر بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
إلى هنا وحتى الآن انتهى التراشق بين الخارجية الإماراتية من ناحية والحكومة الإيرانية من ناحية أخرى.. لكنه يجعل الباب مفتوحاً من جديد لمناقشة قضية الجزر الإماراتيةالمحتلة، والتي ربما نسي العرب قضيتها في ظل الاهتمام اليومي بالقضية الفلسطينية، والمشهد داخل العراق.
بين إيران ودولة الإمارات العربية منذ 40 عاماً في صباح يوم 30 نوفمبر عام 1971 احتلت إيران جزيرتي طنب الكبرى والصغرى عسكرياً، وقامت القوات الإيرانية بتهجير سكان جزيرة طنب الكبرى منها بالقوة، ولم تحترم إيران مذكرة التفاهم التي وقّعتها مع إمارة الشارقة عام 1971 بشأن جزيرة أبو موسى؛ فتمادت في الاعتداء على حقوق دولة الإمارات بالجزيرة من خلال إجراءات عدة.. وفي أغسطس 1992 احتلت القوات البحرية الإيرانية جزيرة أبو موسى، وطردت سكانها العرب.
فشكلت القضيةُ بدايةَ توتر في العلاقات الإيرانية الخليجية عموماً والإماراتية خصوصاً، بعد أن رفضت إيران عرضاً خليجياً بحلّ تلك القضية في محكمة العدل الدولية.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران والإطاحة بالنظام الملكي اتّسم الموقف الإماراتي -كغيره من مواقف دول الخليج العربية- بالقلق؛ وخاصة إزاء مسألة ما سُمِّي بتصدير الثورة.
ومن ناحية أخرى قوبل تغير النظام في طهران من أبو ظبي بشيء من التفاؤل ناحية حلّ قضية الجزر الإماراتية الثلاث؛ وخاصة أن النظام الجديد دعا إلى علاقات حسن جوار.
غير أن التفاؤل الإماراتي ما لبث أن تلاشى؛ فالقادة الإيرانيون الجدد حافظوا على نفس سياسة النظام الإيراني السابق إزاء مسألة الجزر الثلاث؛ على أنها إيرانية بالكامل بداية من الخميني وحتى نجاد.
وقضية الجزر الإيرانية ليست مجرد تعصّب لجزر في الأصل تنتمي تاريخياً للإمارات العربية؛ ولكن لأن لها أهمية كبيرة، وتكمن في أن الذي يسيطر عليها يمكنه التحكم في الخليج، وهو ممر مائي وملاحي مهم يقرّب المسافة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، كما أن في هذه الجزر ثروات نفطية ومعدنية وليست مجرد صحراء قاحلة.
الغزو العراقي للكويت كان سبباً في انفراج الأزمة دبلوماسياً واقتصادياً تحسّنت نسبياً العلاقات بين إيران ودول الخليج العربية إبان الغزو العراقي للكويت، وبدا أن هناك قناعة متبادلة بضرورة الاستمرار في تطبيع العلاقات الثنائية، وكان مجيء الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى الرئاسة في إيران عاملاً في تطبيع العلاقات.
والإمارات لم تكن استثناء في هذا المجال؛ وذلك رغم وجود الخلاف بشأن تبعية الجزر الثلاث، وتم تخفيف حالات الاحتقان بين الجانبين الإماراتيوالإيراني، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية.
ليس هذا فقط؛ بل على المستوى الاقتصادي أيضاً؛ فقد جاء في تصريح لمدير منظمة تنمية التجارة الإيرانية "مهدي فتح الله" بأن الإمارات هي الشريك التجاري الأول لإيران.
ووفق المصادر الإيرانية؛ فقد وصل حجم صادرات الإمارات إلى إيران -عام 2006- نحو 7.5 مليارات دولار؛ فيما بلغ حجم صادرات إيران إلى الإمارات 2.5 مليار دولار، بالإضافة لهذا تسعى إيران لجذب الاستثمارات الإماراتية باعتبارها مصدراً من مصادر التمويل وسوقاً مهمة للسلع الإيرانية.
هذا إلى جانب أن لإيران جالية كبيرة في الإمارات تقدّر بنحو نصف مليون نسمة، وهناك ما يقرب من ستة آلاف وخمسمائة شركة إيرانية تعمل في الإمارات.
درجة حراراة العلاقات بين البلدين الآن تجاوزت الأربعين درجة وكما ترى فقضية الجزر الإماراتية الثلاثة تثار من وقت لآخر في اجتماعات مجلس دول التعاون الخليجي أو حتى على مستوى وزراء الخارجية العرب؛ لكنها لم تحلّ ولم تظهر على السطح مثلما تظهر قضية فلسطين أو الاحتلال الأمريكي للعراق على المشهد العربي؛ ولكن هذا الأسبوع -وبالتحديد يوم الثلاثاء والأربعاء الماضيين- كان هناك حديث من جانب الإمارات تستنكر فيه الاحتلال وتعتبر أن إيران تقف موقف المتعنّت والرافض لكل مبادرات الإمارات لحل القضية بالتفاوض المباشر أو التحكيم الدولي؛ بل تتهم إيران بالوقوف ضد تقديم المساعدات ومواد البناء أو الخدمات الأخرى لمواطني جزيرة أبو موسى على وجه الخصوص.
أما على الجانب الإيراني؛ فبجانب ما سبق وذكرناه على لسان المتحدث باسم الحكومة؛ فإنها ترى أن قضية احتلالها للجزر الإماراتية هي "سوء تفاهم" مع الأصدقاء يمكن حله عبر المحادثات الثنائية"، داعية في الوقت نفسه قادة الإمارات العربية المتّحدة إلى "تجنّب الإدلاء بتصريحات تفيد الصهاينة"!!.
ومن الواضح أن إيران في كل مرة تواجه فيها رفضاً عربياً؛ سواء لتدخّلها في شئون داخلية عربية أو استهانتها بحقوق عربية مثل مسألة الجزر التي تعبّر عن أطماع إيرانية مرفوضة؛ يخرج المسئولون الإيرانيون ليطالبوا العرب بالتوقف نهائياً عن توجيه أي نقد بحجة أن هذا يتناقض مع ضرورات المواجهة مع العدو الإسرائيلي.
هذا الخطاب الإيراني أصبح مملاً؛ كأن الحديث عن العدو الصهيوني أصبح بالنسبة إلى إيران مجرد ذريعة وحجة لتبرير أي موقف أو سياسة إيرانية يرفضها العرب؛ وكأنه مطلوب من العرب أن ينسوا أي تعدّيات إيرانية على مصالح وحقوق عربية؛ لا لشيء؛ إلا لأن إيران تتحدث عن العدو الإسرائيلي المشترك!!