هذه العين محاولة لعرض تجارب ورؤى أشخاص عاشوا في الغرب، أو قاموا برحلات إلى هناك، وتسجيل انطباعهم عما رأوا، ورأيهم فيه سواء سلباً أو إيجاباً، أنت أيضا -قارئنا العزيز- لو أردت أن تكون عيناً على الغرب أرسل لنا مشاركاتك. الصدمة الأولى.. كنا خارج بيت الشباب الذي نسكنه في العاصمة الأمريكية "واشنطن" عندما فوجئت بالشباب يضجّون بالضحك، ويشيرون إلى أحد الزملاء المصريين الذي اندفع يجري وراء الأتوبيس للحاق به، في البداية لم أفهم لِمَ يثير موقف مثل هذا كل هذا الضحك الشديد، ولماذا لم يقف الأتوبيس له رغم أنه من الواضح أن السائق قد رآه؟
بعد ذلك اكتشفت أنه في جميع أنحاء أمريكا توجد محطات محددة موجودة على بُعد مسافات متساوية تماماً، ولا يمكن أن يقف الأتوبيس ويفتح أبوابه بين هذه المحطات إلا في حالات الطوارئ.
لذلك ركوب الأتوبيس يجب أن يكون من محطته، وفي موعده المحدد، والمدوّن بجدول شهري يمكنك الحصول عليه من الأتوبيس نفسه أو من المحطات الرئيسية، وبين الأتوبيس والآخر مدة محددة 15 دقيقة أو 25 دقيقة، ويمكنك أن تضبط ساعتك عليه، وتضبط خروجك ووصولك إلى عملك أو إلى مدرستك على موعده الذي لم يخطئ أبدا لمدة عام هو عمر تجربتي معه حتى في أيام الشتاء، وأثناء تساقط الجليد، لم يكن الأتوبيس يتأخر عادة عن موعده أكثر من 5 دقائق. الجهاز الذي يفحص اشتراكك يقف الأتوبيس في المحطة ويفتح السائق الباب، وستندهش عندما تعرف أن من متطلبات عمله أن يستقبلك بابتسامة وجملة ترحاب، فإما أن يقول لك "أهلا"، أو "كيف حالك؟"، أو "صباح الخير". ولن يتحرك بالأتوبيس قبل أن تدفع الأجرة وتجلس في مكانك.
الأجرة يجب أن تكون "فكة"؛ فالسائق لا يأخذ أجرة ولا يعطي باقياً، أنت من تضع الأجرة بيدك في صندوق يشبه الحصالة، أو إذا كنت من أصحاب الاشتراك الشهري مثلي، فسوف تمرّر اشتراكك على جهاز مثلما في الصورة ثم تجلس.
وقد كانت الأجرة داخل المدينة التي أسكنها وهي مدينة صغيرة (50 سنتاً)، ولكي أذهب لمدينة كبيرة تبعد حوالي ساعة كنت أدفع حوالي (دولارين ونصف)، وبهذا المبلغ يمنحك السائق ورقة تفيد أنك تركب لمسافة طويلة، وهي تعطيك الحق للعودة مجاناً خلال ست ساعات من توقيتها الحالي. وأتذكر يوما كنت مسافرة إلى المدينة الكبيرة، وفوجئت بعدم وجود "فكة" فقط ورقة من فئة 20 دولاراً، فصعدت للسائق أستوضحه ماذا يمكنني أن أفعل، وعندما لاحظ من إنجليزيتي أنني غريبة قال لي: "اركبي النهارده ببلاش"، ضحكت، وفوجئت من موقفه.
ولكني لاحظت بعد ذلك أنه يوجد مناطق تسمى "فري زون" أو مسافات مجانية، وتكون غالباً بوسط المدينة، وفيها يمكنك أن تركب الأتوبيس بدون أجرة، وتدفع عادة أثناء نزولك في نهاية الخط، المضحك أن السائقين عادة ما يتساهلون كثيرا مع من لا يملك "أجرة"، وخاصة إذا كان سائحاً، والذي لاحظته أيضا بعد ذلك أنه في بعض الأماكن يُمنح ذوو الاحتياجات الخاصة وكبار السن اشتراكات بناء على طلبهم تجعل ركوبهم للأتوبيس مجانياً، وفي مدن أخرى لا يتم تحصيل أجرة من كبار السن والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وهؤلاء خاصة يجدون تمييزاً رائعاً ومعاملة خاصة بالفعل في كل الأتوبيسات.
سلالم الأتوبيس تنزل للركاب غير القادرين
وهذه كانت صدمتي الثانية، وقف الأتوبيس في المحطة، وقام السائق من مقعد القيادة، ودخل ليطوى إحدى الكنبات المخصصة للجلوس، ويخرج بعض الأحزمة من جوانبها. عاد إلى مقعده وضغط زراً ثم بدأ صوت أزيز يصدر عن الأتوبيس، في البداية لم أفهم ماذا يفعل، وعندما مددت بصري وجدت سلالم الأتوبيس تنفرد وتتحرك إلى الأسفل لتصبح ممراً مساوياً للأرض، يتحرك إلى امرأة على كرسي متحرك، لتصعد السلالم بها إلى داخل الأتوبيس، ثم يقوم السائق مرة أخرى ويبدأ في ربط الكرسي بالأحزمة من عدة جهات، ويعود لمقعد القيادة ليتحرك الأتوبيس. قد يحدث هذا في عدة محطات ولا ينزعج السائق أو يشعر بالملل من الجهد الزائد، ولا يبدي أحد الركاب تأفّفه من التأخر، ولا يجرح أحد مشاعر الشخص صاحب الاحتياجات الخاصة أيا كان نوع إعاقته.
كنت أشعر بسعادة نهائية عندما أركب مع "سائقة"، وليس سائقاً، فكون المرأة تتمتع بسمعة سيئة في قيادة السيارات في بلدي، فكان يسعدني أن أرى نساء مسئولات عن قيادة أتوبيس به أكثر من 20 أو 30 راكباً، وتؤدي عملها بمنتهى الجمال والرقة، بالطبع فابتسامة المرأة أوسع، وتحيتها أرق، وحنوّها على ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والأطفال يكون رائعاً.
معاملة خاصة لكبار السن والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة في النزول يوجد بطول الأتوبيس سلك أو أزرار ليس عليك إلا أن تدوس عليها حتى تصدر صوتاً وتضئ لوحة تشير إلى أن هناك من يرغب في النزول بالمحطة القادمة، ويجب أن تكون جاداً في استخدام هذا الزر ومنتبهاً كذلك إلى محطتك، عند النزول يجب أن ينتظر الشخص الواقف على المحطة نزول جميع الراغبين في النزول قبل صعوده، وإلا أصبح مخطئا يتوجب عليه الرجوع والاعتذار للنازل، في نزولك يحييك السائق مرة أخرى قائلاً: "ليلة سعيدة" أو "أتمنى لك يوما جميلا"، والابتسامة لا تفارق شفتيه.
في الصباح كثيرا ما كنت أصادف رجلاً يرتدي زي شركة الأتوبيسات، وينظّف المحطة من كل شيء حتى أعواد الثقاب وبقايا السجائر، وفي يوم من الأيام وجدت شخصاً آخر بنفس الزي يصوّر الأرض، وعندما سألته اكتشفت أنه المشرف المعني بالمراقبة على النظافة والنظام بالمحطات، وهو يصوّر المخالفات ليوثّقها.
نتمنى لك رحلة مريحة وممتعة وآمنة قليلة هي المرات التي توقف فيها الأتوبيس بسبب مشكلة أو ظرف طارئ، في الأولى توقفت السائقة بسبب جلوس بعض الشباب في الخلف يتحدثون بصوت عالٍ جدا ويتفوهون ببعض البذاءات، وأخبرتهم أن يراقبوا ما يقولونه ويتوقفوا عن السباب أو ينزلوا من الأتوبيس وبالفعل سكتوا فتحركت.
في المرة الثانية كان سائقاً، وقد قام أكثر من مرة بالتنبيه في ميكروفون الأتوبيس أن هناك من يضع سماعات للأذن صوتها عالٍ جدا ومزعج، ولم يستجيب له أي شخص، فتوقف، وتحرك من مكانه، وذهب إلى الشاب مصدر الصوت، وطلب منه خفض الصوت من أجل راحة باقي الركاب.
قبل أن أنسى أريد أن أقول إن السائق يستخدم الميكروفون أيضا في الإعلان عن المحطة القادمة، كما أن هناك تنويهاً في جميع الأتوبيسات بأن "ابتسم"؛ لأن هناك كاميرات تقوم بتصويرك، كما يوجد تنبيها آخر بأنه ممنوع الأكل أو الشرب أو التدخين داخل الأتوبيس.
تفاصيل كثيرة تتعلق بالأتوبيس الأمريكاني، تجعل من رحلتك مريحة وممتعة وآمنة، وبابتسامة واسعة كابتسامة السائقين الأمريكان سأقول لك في نهاية رحلتك معنا "أتمنى لك يوماً جميلاً".