أسماء مصطفى حين استشهد أحمد زكي في فيلم "أبناء الصمت" لم يكن بكاؤنا على نجمنا المحبوب، الذي أجاد دوره للدرجة التي جعلتنا نتوحد مع البطل "عبد العزيز" المجند الأسمر ذي الملامح المصرية الطيبة التي لا تخلو من القوة والبأس في مواجهة العدو، لكن كان بكاؤنا حقا على أحد أبطال حرب أكتوبر الذي رأيناه وزملاءه يغنون على الجبهة ويرقصون على أنغام السمسمية. استشهاد عبد العزيز لم يكن فقط الجدير بدموعنا لكن اللحن الشعبي للموسيقار حسن نشأت وكلمات الأبنودي النافذة للقلب رغم بساطتها "أبكي.. أنزف.. أموت.. وتعيشي يا ضحكة مصر" في فيلم "أغنية على الممر"، واتقان محمود ياسين وغيره من أبطال العمل -أو الجنود- جعلنا نحفظ الأغنية عن ظهر قلب ونغنيها ممتزجة بدموعنا ومصحوبة برعشة القلب الخفيفة وكأننا نعيش تلك اللحظات بأنفسنا. محمود ياسين في فيلمي "أغنية على الممر" و"الرصاصة لا تزال في جيبي" بصوته الرخيم ونظراته المضطربة أدخلنا في أجواء الحرب التي لم نرَها. بعده جاءت المجموعة المتميزة أبطال فيلم "الطريق إلى إيلات" لتصحبنا معها في مهمة دقيقة لا تخلو من الشعور بالخطر في معظم مشاهد الفيلم، ذلك الخوف من أن ينكشف أمر المجموعة، ويعلم الكمين أنهم ليسوا فرقة موسيقية كما ادعوا، ثم خوفنا على حياة القائد نبيل الحلفاوي وهو يؤدي مهمته في توسيع فتحة اللغم، وأخيرا، خوفنا على مرسي الشهيد الوحيد فى العملية، والشعور بالزهو ونشوة النصر الحقيقية جدا في نهاية الفيلم بعد وصولهم المطار سالمين غانمين. كانت تلك الأفلام ومعها فيلم "إعدام ميت" للنجم محمود عبد العزيز هي روتين سنوي محبب إلينا على مدار يومي الخامس والسادس من أكتوبر نشاهدهم بلا ملل وبنفس الشغف والقلق والمشاعر المتضاربة التي نشعر بها. كبرنا.. كبر أبناء جيل الثمانينيات وهو لم يعرف الجيش إلا من خلال الأفلام، لكن هذا الجيل الذي قيل أنه متمرد بطبعه قام بثورة لم تشهدها مصر من قبل، وانقلب الحال في لمح البصر، وأصبحت رؤية مدرعات الجيش تسير فى شوارع مصر بمنتهى الأريحية شيء طبيعى جدا لا يثير الرهبة في النفوس. تتضارب الآراء والمشاعر تجاه هذا الموقف -تواجد قوات الجيش في الشوارع- لكن تظل صورة جيل الأبطال من الجيش المصري، جيل أكتوبر، هي الأعظم على الإطلاق، التي لم يستطِع إعلام أو آراء شخصية مسها بسوء. الحقيقة.. التاريخ أوسع وأكبر من أن يلخص في عدة أفلام سينمائية، وما بين هزيمة 1967 وانتصار 1973 بطولات وانتصارات -وانكسارات أيضا- عظيمة، فمن يريد اكتشاف الكثير مما يغيب عنا وما لم تسَعه السينما المصرية عليه بالمزيد من القراءة عن هذه الفترة الحافلة، خصوصا مذكرات أبطالها ورموزها، لذلك ينصح بقوة قراءة مذكرات الفريق عبد الغني الجمصي والفريق سعد الدين الشاذلي وهما من الكتب المتاحة بسهولة في المكتبات حاليا وفي أثناء قراءتهم ستشعر برعشة، ودهشة وزهو، وحسرة تماما كمشاعرك وأنت تشاهد بطولات أحمد زكي ومحمود عبد العزيز ومحمود ياسين وغيرهم على الشاشة الفضية.