شهدت الأسواق الأوروبية أسبوعاً مليئاً بالأحداث كانت البنوك المركزية هي الموجه الرئيسي للأسواق وسط صراع الأحزاب اليونانية التي لم تصل طوال الأسبوع إلا لإتفاق مبدأي حول خطة التقشف التي تُخول الدولة الحصول على 130 مليار يورو و تُجنبها الافلاس، و هذا ما سلب أنظار المستثمرين طوال الأسبوع و أبقاهم في قائمة الانتظار لحلول تُطمئنهم. لم ينتج عن المباحثات اليونانية إلا حالة عدم يقين سيطرت على الأسواق إلى جانب أنها صعّدت من المخاوف المتواجدة في الأسواق، فبعد أن أعطى وزراء المالية موعد نهائي لليونان بأن توافق على الاجراءات التقشفية التي ستقيها من خطر الافلاس قريباً، قامت الدولة بتأجيل الموعد يوماً بعد يوم و ها نحن لا زلنا بانتظار موافقة البرلمان اليوناني على هذه الخطة التقشفية. و بعد أن أشار ماريو دراغي محافظ البنك المركزي الأوروبي في المؤتمر الصحفي الذي عقده بأن الأحزاب اليونانية الرئيسية قد توصلت لحل بخصوص الخطة التقشفية، الأمر الذي نشر موجة تفاؤل في الأسواق، أعلن جورج كارتزافيريس رئيس حزب لاوس اليميني اليوناني و عضو حكومة الائتلاف اليونانية بأنه سيعارض و يرفض الاجراءات التقشفية التي ستقدمها الحكومة للبرلمان يوم الأحد في سبيل حصول على موافقة المجلس، و التي ستُخول الدولة الحصول على قرض الانقاذ الثاني و تجنب إفلاس محتمل قريباً، و أكدّ جورج أن ليس في نيته الخروج من الطاقم الحكومي. و لكن بشكل عام، لا يجعل هذ التصريح الأمر مستحيلاً، حيث أنه في حال موافقة الأحزاب الثانية، حزب المحافظين و الاشتراكيين، سيتم تمرير هذه الخطة التي تهدف فيها الدولة و الحكومة لكسب موافقة المقرضين الدوليين في اجراءات تخفيض العجز اليوناني في سبيل الحصول على قرض الانقاذ الثاني، كما أن هذه الخطة تواجهة معارضة الشارع اليوناني بشكل كبير، حيث تلقى الشوارع اليونانية و الدوائر الرسمية اليونانية اضرابات من شتى النواحي. و من جهة أخرى، شهدنا خلال الأسبوع قرارات الفائدة من البنك المركزي الأوروبي و البنك المركزي البريطاني، و نبدأ بالمركزي الأوروبي الذي أبقى على سياسته النقدية ثابتة خلال الشهر الجاري مثبتً سعر الفائدة عند 1.00% على الرغم من احتمالية انكماش اقتصاد المنطقة خلال الربع الحالي أو حتى ركوده وسط تفاقم أزمة الديون السيادية و شدة السياسات التقشفية التي تحد من النمو الاقتصادي. و لكن اهتمام المستثمرين لم ينصب على قرار الفائدة مثل ما شهدناه على مؤتمر دراغي الصحفي، و الذي أكد فيه أن معدلات التضخم في منطقة اليورو سوف تبقى فوق 2% خلال الأشهر القادمة، و التوقعات المستقبلية للنمو تحيطها مخاطر سلبية، إلا أن الأوضاع الاقتصادية الراهنة في منطقة اليورو تؤكد الاشارات المؤقتة للاستقرار المالي في منطقة اليورو، و هذا ما دفع البنك المركزي تثبيت سعر الفائدة. و أشار دراغي إلى أن البنك سوف يراجع قضية ضمانات القروض خلال الستة أشهر القادمة و أنه سيوسع مظلة الضمانات هذه على الرغم من أن المخاطرة على هذه الضمانات قد ارتفع بشكل ملحوظ، في حين أن البنك سيقوم بعملية منح القروض الثانية للبنوك الأوروبية في أمل أن تكون مشابهة للعملية الأولى عندما قدمت ما يقارب نصف تريليون للبنوك منعاً من أزمات سيولة بينها. و لا بُد من الاشارة هُنا إلى أن البنك المركزي البريطاني كان أجرأ من نظيره الأوروبي، حيث أنه قرر إبقاء سعر الفائدة عند 0.50% الأدنى منذ تأسيس البنك، إلا أنه قام برفع برنامج شراء الأصول بقيمة 50 مليار جنيه على مر الثلاثة أشهر القادمة ليصبح البرنامج عند 325 مليار جنيه دعماً للاقتصاد الذي وقع في ركود اقتصادي طفيف. في حين جاء القرار توسيع برنامج شراء السندات بعد أكدت المؤسسة الوطنية للابحاث الاقتصادية و الاجتماعية أن الاقتصاد الملكي قد وقع في ركود طفيف خلال الربع الأخير من العام الماضي، و مع توقعات بانكماش بنسبة 0.1% خلال العام الجاري وسط تفاقم أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو ، و تراجع الصادرات ، و انخفاض الثقة في قطاع الأعمال. و بالحديث عن الانكماش الاقتصادي، أعلن البنك المركزي الفرنسي عن توقعاته بأن الاقتصاد الفرنسي قد لا ينمو خلال الربع الأول من العام الجاري نظراً لتباطؤ الأنشطة الاقتصادية في الدولة نفسها و في منطقة اليورو ككل، وسط شدة الاجراءات التقشفية التي تفرضها الدولة و غيرها من الدول، و تفاقم أزمة الديون السيادية في المنطقة. كانت هذه هي المحاور الرئيسية الثلاثة التي ركّز عليها الأسواق و سلبت اهتمام المستثمرين، بل و كانت هي الأمور التي قادت الأسواق إلى ما هي عليه الآن، و لكن شهدنا موقف كل من البنك المركزي البريطاني و الأوروبي وسط أزمة الديون هذه التي أجبرت البنك البريطاني للإعلان عن المزيد من سياسة التيسير الكمي، في حين اكتفى المركزي الأوروبي بعملية منح القروض للبنوك الأوروبية في الوقت الراهن. و لكن بقيت مشكلة اليونان شائكة، فقد قام وزراء مالية منطقة اليورو كما ذكرنا بتأجيل الموافقة على خطة الإنقاذ الثانية حتى تُثبت اليونان بأنها تستحق الحصول على المساعدات و طالب الوزراء المزيد من الاجرءات التقشفية، و أعطى وزراء مالية منطقة اليورو اليونان مهلة اقل من اسبوع لتلبية مطالبها باتخاذ المزيد من التدابير التقشفية الصارمة و توفير 325 مليون يورو اضافية و من المقرر ان يعقد وزراء مالية منطقة اليورو اجتماع يوم الاربعاء المُقبل للموافقة على قرض الانقاذ الثاني.