مستوى قياسي.. سعر الذهب اليوم الأحد 9-11-2025 بعد ارتفاع الأعيرة محليًا وعالميًا    أسعار اللحوم في أسوان اليوم الأحد 9 نوفمبر 2025    نيبال تعلن عن إستئناف الرحلات الجوية فى مطار تريبوفان الدولى    واشنطن تهمش دور إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار في غزة    السوبر المصري.. بيراميدز يتحدى سيراميكا في مباراة تحديد المركز الثالث    متى تبدأ امتحانات نصف العام و ما موعد اختبارات شهر نوفمبر 2025؟    وزير التعليم العالي: فوز مصر بعضوية "اليونسكو" تتويج لرؤية الرئيس السيسي في تعزيز الحضور الدولي    حظك اليوم الأحد 9 نوفمبر.. وتوقعات الأبراج    البحر الأحمر تنهي استعدادتها لاستقبال 336 ألف ناخباً للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس النواب    مطار مرسى علم يشهد نشاطًا سياحيًا مكثفًا مع وصول رحلات أوروبية    بسبب تركيبة حليب أطفال، تسمم رضع في 10 ولايات أمريكية والسلطات تفتح تحقيقًا    حاكم الشارقة يخصص 4.5 مليون درهم لتزويد المكتبات بأحدث كتب المعرض الدولي للكتاب    طقس اليوم: مائل للحرارة نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 28    محمد صلاح: الزمالك قادر على حسم السوبر.. وعبد الرؤوف يسير على الطريق الصحيح    أسفر عن مصرع وإصابة 14.. معاينة موقع حادث انقلاب سيارة بطريق الكريمات    سوريا تنفذ عمليات استباقية ضد خلايا لتنظيم داعش    وزير المالية: مبادلة جزء من الديون بمشروعات استثمارية    أبرز مباريات اليوم الأحد 9 نوفمبر 2025 في جميع المسابقات والقنوات الناقلة    صفاء أبو السعود: حفل «جراند بول» يدعم مرضى السرطان.. ويقام للمرة الأولى في مصر    إخلاء سبيل شخص وصديقه بواقعة التحرش اللفظي بسيدة فى بولاق أبو العلا    «إنت بتغير كلامي ليه! أنا عارف بقول إيه».. نقاش ساخن بين أحمد فتحي وخالد الغندور بسبب نجم الزمالك    عمرو أديب: على الدولة أن تتعامل بعنف مع القطاع الخاص لتطبيق الحد الأدنى للأجور    عيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع.. سعر الذهب والسبائك اليوم الأحد 9-11-2025 في مصر    حبس وغرامة.. نقيب الأطباء يكشف عقوبة التجاوز والتعدي على الطبيب في القانون الجديد (فيديو)    قناة DMC تقدم تغطية حصرية لفعاليات مهرجان القاهرة السينمائى    عمرو أديب يجيب على سؤال اعتزاله: «تاريخي ورايا مش قدامي»    خطوات استخراج الكارت الموحد بديل بطاقات التموين في مصر    وزير النفط الكويتي يبحث قضايا بيئية مع مسؤولين في كوب 30    متحدث «الإنتاج الحربي»: نشارك بمنتجات عسكرية جديدة في «آيدكس 2025»    «معي في قائمة المنتخب».. حلمي طولان يفاجئ لاعب الأهلي قبل ساعات من السوبر    عمرو الحديدي: الأهلي يفتقد لتواجد إمام عاشور.. ومباراة القمة تكتب دائمًا شهادة ميلاد العديد من النجوم    المخرج مازن المتجول في حوار ل«المصري اليوم»: احترم جميع الآراء حول حفل افتتاح المتحف الكبير.. والانتقادات 3% من ردود الأفعال    من الأرز إلى النيل.. الموارنة يجددون رسالتهم في مصر عبر أربعة قرون من العطاء    «انقطع به واير التحميل».. وفاة شاب إثر سقوطه من أعلى ونش لتحميل الأثاث ببورسعيد    خوفاً من فضيحة العزوف الشعبي.. هيئةالانتخابات تُخفي صور اللجان بالخارج!!    «ليس زيزو أو بن شرقي».. أحمد جعفر يكشف أخطر لاعبي الأهلي على دفاع الزمالك    كورنيليا ريختر أول أسقفة في تاريخ الكنيسة الإنجيلية بالنمسا    إسرائيل حذرت أمريكا وجيش لبنان من عودة حزب الله بقوة    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدتي الخضر وعابود ومدينة البيرة    مسئول أممي: المشهد الإنساني في مناطق بالسودان يثير القلق جراء العنف المتواصل    غير صورتك الآن.. رابط موقع تحويل الصور مجانًا ب الذكاء الاصطناعي بعد ترند الزي الفرعوني    ارتفاع عدد المصابين إلى 10 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    للتخلص من العفن والبكتيريا.. خطوات تنظيف الغسالة بفعالية    نجاح فريق طبى بمستشفيات جامعة بنى سويف فى إنقاذ مريض تلقى طعنتين بالصدر والبطن    أرتيتا بعد التعادل مع سندرلاند: لا أريد الشكوى من أي شيء    تعليم الجيزة تحسم الجدل بشأن تأجيل الدراسة أثناء انتخابات مجلس النواب    تزوجت 5 مرات وتعاني من مرض مناعي نادر.. 17 معلومة عن الإعلامية منى عراقي    زوجة محمد محمود عبدالعزيز تعاني من نزيف داخلي.. 6 أسباب تعرض الحوامل لخطر «الولادة المتعسرة»    المحكمة تُسدل الستار على قضية «أطفال دلجا» وتقضي بإعدام زوجة الأب    مقعد آل كينيدي!    تعريفات ترامب الجمركية أدوات لتحقيق أهداف سياسية    وقفة ضرورية مع التنافس العربي- العربي    كيف نحوِّل المتحف الكبير إلى عملة أجنبية تُخفِّض تكلفة الدَّين الخارجي؟    «عدد كتب الغيب 3».. خالد الجندي: الله قد يغير في اللوح المحفوظ    أمين الفتوى: صلاة المرأة بملابس البيت صحيحة بشرط    دار الإفتاء توضح ما حكم المشاركة في تجهيز ودفن الميت الذي لا مال له؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 8-11-2025 في محافظة الأقصر    رئيس جامعة الأزهر : من لم يعرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم فقد انتفى عنه العلم كله وصار في زمرة الجهلاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"شاي بالنعناع" إثارة الأسئلة والمسكوت عنه
نشر في صوت البلد يوم 30 - 06 - 2018

"شاي بالنعناع" قصص قصيرة جدا لوليد بن أحمد ، صادرة عن دار مومنت للنشر 2017، إشراف حكمت الحاج. وهي قصص قصيرة جدا (50 قصة) وردت في 60 صفحة. جاءت تصديرات الكتاب على شكل قصص قصيرة جدا الأولى لبليز باسكال "كنت لأكتب رسالة اقصر، لكنه لم يكن هناك متسع من الوقت" والثانية لارنست همنغوي "للبيع حذاء طفل، لم يلبس قط".
جاء العنوان باللون الاحمر على غلاف بني في أرض مشققة تبدو متكلسة تنبت بين شقوقها نبتة يتيمة خضراء، فالعنوان يشير الى لون المحظور، عنوان المغامرة في أرض غير خصبة ولكن في إحدى شقوقها ثمة بقايا تربة خصبة تحتاج إلى جهد وحفر.
إنه لون الاستقرار والثبات يمتزج فيه الظاهر بالباطن، وهو لون النظام والاستقرار والانتماء. ولكنه يغطي طبقة أخرى قادرة على إعادة رسم المشهد بغطاء أخضر.
الخطاب السردي في هذه القصص يقوم على التتابع وانتهاء النص بخاتمة مفارقة، عبر جمل فعلية لا تعكس قلقا بقدر ما تصور الأشياء في الواقع بحثا عن واقع مغاير يكتسي دلالات عميقة، تنطوي على ثقل مرجع اجتماعي ثقافي.
ويبدو أن الهدف من كتابة هذه الأقاصيص إثارة الأسئلة والمسكوت عنه. فمن عناوين قصص المجموعة نجد "ضد الزمن"، "حبوب منع الحلم"، "زهرة المزابل"، "عراة في الظلام"، "تقص"، "تلبس"، "صدمة"، وتبدأ المجموعة بقصة "ما وراء الكثبان" وتنتهي بقصة "شاي بالنعناع" عنوان الكتاب.
صدمة
"وطئ أرض تونس الجميلة ممنيا نفسه برحلة رائقة.
على لافتة كبيرة قبالة المطار، قرأ جملة مبهمة "شرجي بدينار"، تعوذ، بصق، وعاد أدراجه، يبحث عن طائرة العودة.
هاتفني بعد يومين من القاهرة وألح علي بالهجرة، من تونس الفاسقة".
الألفاظ حسب معانيها المتداولة وقع عليها تغيير وصارت تحمل معنى آخر وتحيل إلى مدلول مختلف، وكأنها تنزع الغطاء عن عدم التلفظ بها وإدراجها في سياق آخر، لفظ غطاه معنى جديدا أو طريقة نطق جديدة لا تحيل إلى المعنى المحدد في اللغة.
الألفاظ هي محل ازدراء اجتماعي وديني "بصق وتعوذ"، بل تقترن بالفسوق وهو إظهار الدعارة والفساد.
اختلاف في فهم الألفاظ وتأويلها، بعض الألفاظ يتغير معناها بين الشعوب، وانحياز كل طرف إلى التفسير المعجمي للفظ.
فهي مرتبطة بعقيدة دينية أو معجم اجتماعي مرذول، فالألفاظ لها تاريخ وأثر وخبرات وتجارب، وليست مجرد رموز وإنما ترتبط بإرث المقدس والمدنس، داخل السياق اللغوي والثقافي والاجتماعي.
إن الإنسان هو المنتمي إلى منظومة المجتمع، إلا أن هذه المنظومة بدورها تخضع إلى فوارق وتقسيمات وطبقية ونخبوية والشعور بأفضلية لغة أو عرق أو دين أو حضارة أو جنس أو لون أو قوة اقتصادية وسياسية أو طبقة اجتماعية.
تقص
"يا أيها الخطاؤون
والخارجون من النور الى الظلمات
الا أيها التائبون بلا نزيف
أليس للحقيقة ثمن ومهور
فاصدحوا بها عارية صلدة سماء
قدمت عمري قربانا
لتنكسر على عتباتها قناع وهمي
ألا عجلوا
فقد بلغ حرفي أسباب السماء"
زهرة المزابل
"منذ صدحت أمي بالحقيقة صرت أتردد كثيرا على الجادة الطويلة المظلمة، سوى من فوانيس فاترة يتيمة مثلي، كل مساء تجوب السيارات الشارع العطن، ويزدحم الرصيف ثم يبدأ العرض، كل نوافذ العربات الأمامية مفتوحة على آخرها وأصحابها يتخفون خلف نظرات داكنة وينهشون تفاصيل بالية من أجساد بلا روح، لا تعقد صفقات كثيرة، لكن بعضا من تلك الأجساد تبتلعها السيارات إلى حيث يختلي الذئب بالوليمة، لا أظنني ابن أحد الذئاب، أحبت أمي أبي حتما فقد وثقت به، لا تثق المومسات عادة في أي كان".
الحديث عن أجساد بلا روح مغلف بألفاظ وصفات تصب في معجم المدنس "جادة طويلة مظلمة، فوانيس فاترة يتيمة، الشارع العطن، ينهشون تفاصيل بالية، يختلي الذئب بالوليمة".
المومس لا تمارس الجنس بموجب اللذة والسعادة مع الغرباء والزبائن، لأنها تجردت من العاطفة، بل يتماثل المدنس مع الحرام وغياب العاطفة والمقدس مع الحلال ومع الحب، فحين يقدم الجسد كوليمة للذئب يفقد وجوده الروحي ويصبح مجرد شيء بدون إحساس وعرضة للنهش والاغتصاب، عن طريق الحب يسترجع رغبته وإرادته وأحاسيسه، فالمدنس يقترن بالدعارة من أجل الحصول على المال.
قوانين زارداشت تعاقب المرأة عقابا شديدا إذا اخطات.
يقول سقراط "إن المرأة أكبر منشيء للأزمة والانهيار في العالم".
في الجاهلية دفن البنات من المكرمات.
تلبس
"ضبطني جارنا في مكان موبوء، حدجني بنظرة نارية مهددا: سأخبر أباك أيها القذر. رددت بعيون تملؤها براءة الخمس عشرة ربيعا: سأخبر زوجتك سيدي".
لم يسم المكان الموبوء بالماخور أو بيت الدعارة، فهو مكان شيطاني غريزي، أمكنة تثير الخشوع والرهبة والشرف والاحترام وأخرى يقع وصفها دون تسميتها مكان لغياب الشرف والاحتقار والعنف على الجسد.
إن العلاقة بين المقدس والمدنس يفرضها الوجود الاجتماعي الثقافي، ويستدعي المدركات العقلية التي تنتج أنساقها لتنظيم حياة الناس وملء الذوات بوعاء روحي له منظومته وأنساقه وقيمه، من ذلك أنها تحمي الجسد من الأماكن المتعفنة الخطيرة مثل الشارع والمواخير والملاهي والأمكنة المظلمة والممارسات المتعفنة، وتقسم اللغة إلى لغة طاهرة وأخرى فاحشة.
وهي بهذا إملاء ديني وأخلاقي ملزم، فهناك طرق تجنبك الدنس وما يتولد عنه من عنف واستغلال، وهناك طرق هامشية هي أروقة للتعذيب الجسدي ووصم علامات العقاب.
أما أن تصل إلى درجة الإنسان الفاضل الذي لا يقوى أحد على أن يحدث له الأذى أو الإنسان المنحرف الذي تتقلص مشاعر الفظاعة تجاهه وتشرع كل أنواع العنف، فيتحدد وجود الإنسان بالاقتراب والحميمية والهيبة أو الانفلات والانحراف والإذلال والاحتقار، لأنه جرد من مرتبة الإنسان واحتل مرتبة الحيوان، طالما أنه يكتسب وعيه وإدراكه من منظومة قيم اجتماعية ودينية جاهزة.
إن الإنسان هو المنتمي إلى منظومة المجتمع، إلا أن هذه المنظومة بدورها تخضع إلى فوارق وتقسيمات وطبقية ونخبوية والشعور بأفضلية لغة أو عرق أو دين أو حضارة أو جنس أو لون أو قوة اقتصادية وسياسية أو طبقة اجتماعية. وبذلك يتحول المقدس إلى مصدر القوة المادية تحتكر الجانب الروحي، تبرره لنفسها وتقصيه من غيرها، فالعلاقات الجنسية والتعري أشياء محرمة في الأوساط الفقيرة لأنها تعرض صاحبة الجسد للعنف والاستغلال واكتساب صفات العهر، وهي مشاعة في الأوساط الثرية وفي أوساط النخب الثقافية والعلمية والنسوية، فهي حرية واستقلالية طالما أن هناك قوة تحميها.
وحقوق الإنسان المنتهكة في البلدان الضعيفة تفرض العقاب بينما تنتهك الدول الكبرى تلك الحقوق بأسلحتها المبيدة للإنسانية، وبذلك يمارس منظومة إقصاء وتمييز.
وبذلك مثل اللاوعي اللامفكر فيه، لا يوجد كائن ثقافي مختلف.
المقدس يعادل القوة، من فكر ديني متعال مشكوك في كائناته يؤيد استمرارية النظام الاجتماعي، إلى مقدس دنيوي، وتجريد المقدس من البعد الديني يعني استحواذه على أدوات السلطة المادية، المقدس مرتبط باللجوء إلى إيجاد ملجأ للقوة والتموقع الاجتماعي والسياسي.
"شاي بالنعناع" قصص قصيرة جدا لوليد بن أحمد ، صادرة عن دار مومنت للنشر 2017، إشراف حكمت الحاج. وهي قصص قصيرة جدا (50 قصة) وردت في 60 صفحة. جاءت تصديرات الكتاب على شكل قصص قصيرة جدا الأولى لبليز باسكال "كنت لأكتب رسالة اقصر، لكنه لم يكن هناك متسع من الوقت" والثانية لارنست همنغوي "للبيع حذاء طفل، لم يلبس قط".
جاء العنوان باللون الاحمر على غلاف بني في أرض مشققة تبدو متكلسة تنبت بين شقوقها نبتة يتيمة خضراء، فالعنوان يشير الى لون المحظور، عنوان المغامرة في أرض غير خصبة ولكن في إحدى شقوقها ثمة بقايا تربة خصبة تحتاج إلى جهد وحفر.
إنه لون الاستقرار والثبات يمتزج فيه الظاهر بالباطن، وهو لون النظام والاستقرار والانتماء. ولكنه يغطي طبقة أخرى قادرة على إعادة رسم المشهد بغطاء أخضر.
الخطاب السردي في هذه القصص يقوم على التتابع وانتهاء النص بخاتمة مفارقة، عبر جمل فعلية لا تعكس قلقا بقدر ما تصور الأشياء في الواقع بحثا عن واقع مغاير يكتسي دلالات عميقة، تنطوي على ثقل مرجع اجتماعي ثقافي.
ويبدو أن الهدف من كتابة هذه الأقاصيص إثارة الأسئلة والمسكوت عنه. فمن عناوين قصص المجموعة نجد "ضد الزمن"، "حبوب منع الحلم"، "زهرة المزابل"، "عراة في الظلام"، "تقص"، "تلبس"، "صدمة"، وتبدأ المجموعة بقصة "ما وراء الكثبان" وتنتهي بقصة "شاي بالنعناع" عنوان الكتاب.
صدمة
"وطئ أرض تونس الجميلة ممنيا نفسه برحلة رائقة.
على لافتة كبيرة قبالة المطار، قرأ جملة مبهمة "شرجي بدينار"، تعوذ، بصق، وعاد أدراجه، يبحث عن طائرة العودة.
هاتفني بعد يومين من القاهرة وألح علي بالهجرة، من تونس الفاسقة".
الألفاظ حسب معانيها المتداولة وقع عليها تغيير وصارت تحمل معنى آخر وتحيل إلى مدلول مختلف، وكأنها تنزع الغطاء عن عدم التلفظ بها وإدراجها في سياق آخر، لفظ غطاه معنى جديدا أو طريقة نطق جديدة لا تحيل إلى المعنى المحدد في اللغة.
الألفاظ هي محل ازدراء اجتماعي وديني "بصق وتعوذ"، بل تقترن بالفسوق وهو إظهار الدعارة والفساد.
اختلاف في فهم الألفاظ وتأويلها، بعض الألفاظ يتغير معناها بين الشعوب، وانحياز كل طرف إلى التفسير المعجمي للفظ.
فهي مرتبطة بعقيدة دينية أو معجم اجتماعي مرذول، فالألفاظ لها تاريخ وأثر وخبرات وتجارب، وليست مجرد رموز وإنما ترتبط بإرث المقدس والمدنس، داخل السياق اللغوي والثقافي والاجتماعي.
إن الإنسان هو المنتمي إلى منظومة المجتمع، إلا أن هذه المنظومة بدورها تخضع إلى فوارق وتقسيمات وطبقية ونخبوية والشعور بأفضلية لغة أو عرق أو دين أو حضارة أو جنس أو لون أو قوة اقتصادية وسياسية أو طبقة اجتماعية.
تقص
"يا أيها الخطاؤون
والخارجون من النور الى الظلمات
الا أيها التائبون بلا نزيف
أليس للحقيقة ثمن ومهور
فاصدحوا بها عارية صلدة سماء
قدمت عمري قربانا
لتنكسر على عتباتها قناع وهمي
ألا عجلوا
فقد بلغ حرفي أسباب السماء"
زهرة المزابل
"منذ صدحت أمي بالحقيقة صرت أتردد كثيرا على الجادة الطويلة المظلمة، سوى من فوانيس فاترة يتيمة مثلي، كل مساء تجوب السيارات الشارع العطن، ويزدحم الرصيف ثم يبدأ العرض، كل نوافذ العربات الأمامية مفتوحة على آخرها وأصحابها يتخفون خلف نظرات داكنة وينهشون تفاصيل بالية من أجساد بلا روح، لا تعقد صفقات كثيرة، لكن بعضا من تلك الأجساد تبتلعها السيارات إلى حيث يختلي الذئب بالوليمة، لا أظنني ابن أحد الذئاب، أحبت أمي أبي حتما فقد وثقت به، لا تثق المومسات عادة في أي كان".
الحديث عن أجساد بلا روح مغلف بألفاظ وصفات تصب في معجم المدنس "جادة طويلة مظلمة، فوانيس فاترة يتيمة، الشارع العطن، ينهشون تفاصيل بالية، يختلي الذئب بالوليمة".
المومس لا تمارس الجنس بموجب اللذة والسعادة مع الغرباء والزبائن، لأنها تجردت من العاطفة، بل يتماثل المدنس مع الحرام وغياب العاطفة والمقدس مع الحلال ومع الحب، فحين يقدم الجسد كوليمة للذئب يفقد وجوده الروحي ويصبح مجرد شيء بدون إحساس وعرضة للنهش والاغتصاب، عن طريق الحب يسترجع رغبته وإرادته وأحاسيسه، فالمدنس يقترن بالدعارة من أجل الحصول على المال.
قوانين زارداشت تعاقب المرأة عقابا شديدا إذا اخطات.
يقول سقراط "إن المرأة أكبر منشيء للأزمة والانهيار في العالم".
في الجاهلية دفن البنات من المكرمات.
تلبس
"ضبطني جارنا في مكان موبوء، حدجني بنظرة نارية مهددا: سأخبر أباك أيها القذر. رددت بعيون تملؤها براءة الخمس عشرة ربيعا: سأخبر زوجتك سيدي".
لم يسم المكان الموبوء بالماخور أو بيت الدعارة، فهو مكان شيطاني غريزي، أمكنة تثير الخشوع والرهبة والشرف والاحترام وأخرى يقع وصفها دون تسميتها مكان لغياب الشرف والاحتقار والعنف على الجسد.
إن العلاقة بين المقدس والمدنس يفرضها الوجود الاجتماعي الثقافي، ويستدعي المدركات العقلية التي تنتج أنساقها لتنظيم حياة الناس وملء الذوات بوعاء روحي له منظومته وأنساقه وقيمه، من ذلك أنها تحمي الجسد من الأماكن المتعفنة الخطيرة مثل الشارع والمواخير والملاهي والأمكنة المظلمة والممارسات المتعفنة، وتقسم اللغة إلى لغة طاهرة وأخرى فاحشة.
وهي بهذا إملاء ديني وأخلاقي ملزم، فهناك طرق تجنبك الدنس وما يتولد عنه من عنف واستغلال، وهناك طرق هامشية هي أروقة للتعذيب الجسدي ووصم علامات العقاب.
أما أن تصل إلى درجة الإنسان الفاضل الذي لا يقوى أحد على أن يحدث له الأذى أو الإنسان المنحرف الذي تتقلص مشاعر الفظاعة تجاهه وتشرع كل أنواع العنف، فيتحدد وجود الإنسان بالاقتراب والحميمية والهيبة أو الانفلات والانحراف والإذلال والاحتقار، لأنه جرد من مرتبة الإنسان واحتل مرتبة الحيوان، طالما أنه يكتسب وعيه وإدراكه من منظومة قيم اجتماعية ودينية جاهزة.
إن الإنسان هو المنتمي إلى منظومة المجتمع، إلا أن هذه المنظومة بدورها تخضع إلى فوارق وتقسيمات وطبقية ونخبوية والشعور بأفضلية لغة أو عرق أو دين أو حضارة أو جنس أو لون أو قوة اقتصادية وسياسية أو طبقة اجتماعية. وبذلك يتحول المقدس إلى مصدر القوة المادية تحتكر الجانب الروحي، تبرره لنفسها وتقصيه من غيرها، فالعلاقات الجنسية والتعري أشياء محرمة في الأوساط الفقيرة لأنها تعرض صاحبة الجسد للعنف والاستغلال واكتساب صفات العهر، وهي مشاعة في الأوساط الثرية وفي أوساط النخب الثقافية والعلمية والنسوية، فهي حرية واستقلالية طالما أن هناك قوة تحميها.
وحقوق الإنسان المنتهكة في البلدان الضعيفة تفرض العقاب بينما تنتهك الدول الكبرى تلك الحقوق بأسلحتها المبيدة للإنسانية، وبذلك يمارس منظومة إقصاء وتمييز.
وبذلك مثل اللاوعي اللامفكر فيه، لا يوجد كائن ثقافي مختلف.
المقدس يعادل القوة، من فكر ديني متعال مشكوك في كائناته يؤيد استمرارية النظام الاجتماعي، إلى مقدس دنيوي، وتجريد المقدس من البعد الديني يعني استحواذه على أدوات السلطة المادية، المقدس مرتبط باللجوء إلى إيجاد ملجأ للقوة والتموقع الاجتماعي والسياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.