جامعة سيناء تعلن فتح باب القبول لطلاب الثانوية العامة وما يعادلها بفرعي القنطرة والعريش    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    الرقابة النووية: لا مؤشرات على أي تغير أو زيادة في الخلفية الإشعاعية داخل مصر    توريد 225 ألف طن قمح للشون والصوامع بكفر الشيخ    1.2 مليار دولار حصيلة بيع وشراء الدولار «الإنتربنك» بين البنوك المصرية خلال 3 أيام    إزالة حالة بناء مخالفة في المهد بشارع الشيخ مبارك شمال مدينة الأقصر    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    نتنياهو يعقد اجتماعا سريا للكابينيت في ملجأ تحت الأرض    إعلام عبرى: توقعات إسرائيلية بهجوم إيرانى على تل أبيب خلال ساعات    الهلال السعودي يواصل محاولاته لضم أوسيمين وسط منافسة أوروبية معقدة    بريطانيا تنفي تقديم الدعم لإسرائيل في الهجوم على إيران    بوجبا يقترب من الانضمام إلى الدوري الفرنسي    تأجيل محاكمة 3 متهمين في حادث وفاة لاعب الكاراتيه بالإسكندرية ل28 يونيو للنطق بالحكم    من اليوتيوب إلى التلفزيون.. صناع المحتوى "الأهلاوية" يخطفون الأنظار قبل مونديال الأندية    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    الزمالك يفكر في استعادة مهاجمه السابق    لتفقد المنشآت الرياضية.. وزير الشباب يزور جامعة الإسكندرية- صور    إخماد حريق التهم أشجار داخل منطقة بيانكي العجمي في الإسكندرية    رعاية استثنائية وتنظيم مشرف.. رسائل شكر لحجاج بعثة العلاقات الإنسانية    الليلة.. عرض الحلقة الأولى من مسلسل فات الميعاد على قناة dmc    إيرادات الجمعة.. "المشروع X" يحافظ على الصدارة و"سيكو سيكو" الأخير    ب"فستان جريء".. أحدث ظهور ل ميرنا جميل والجمهور يغازلها (صور)    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    طيبة ووحيدة.. 4 أبراج طيبة جدا لكن ليس لديهم أصدقاء    «الصحة» تُصدر تحذيرات وقائية تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    جامعة جنوب الوادي تشارك في الملتقى العلمي الثاني لوحدة البرامج المهنية بأسيوط    والد طفلة البحيرة: استجابة رئيس الوزراء لعلاج ابنتى أعادت لنا الحياة    إزالة 60 حالة تعد على مساحة 37 ألف م2 وتنظيم حملة لإزالة الإشغالات بأسوان    إعلام عبرى: نقل طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى أثينا مع بدء هجوم إيران    بعد توصية ميدو.. أزمة في الزمالك بسبب طارق حامد (خاص)    فايز فرحات: مفاوضات إيران وإسرائيل تواجه أزمة والمواجهة أنهت "حروب الوكالة"    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    فضل صيام أول أيام العام الهجري الجديد    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    ثقافة الإسماعيلية تنفذ أنشطة متنوعة لتعزيز الوعي البيئي وتنمية مهارات النشء    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    مصرع شاب سقط من الطابق الرابع بكرداسة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    " وزير الطاقة الأميركي " يراقب أي تطورات محتملة للتوترات علي إمدادات النفط العالمية    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    إحالة عامل بتهمة هتك عرض 3 أطفال بمدينة نصر للجنايات    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"شاي بالنعناع" إثارة الأسئلة والمسكوت عنه
نشر في صوت البلد يوم 30 - 06 - 2018

"شاي بالنعناع" قصص قصيرة جدا لوليد بن أحمد ، صادرة عن دار مومنت للنشر 2017، إشراف حكمت الحاج. وهي قصص قصيرة جدا (50 قصة) وردت في 60 صفحة. جاءت تصديرات الكتاب على شكل قصص قصيرة جدا الأولى لبليز باسكال "كنت لأكتب رسالة اقصر، لكنه لم يكن هناك متسع من الوقت" والثانية لارنست همنغوي "للبيع حذاء طفل، لم يلبس قط".
جاء العنوان باللون الاحمر على غلاف بني في أرض مشققة تبدو متكلسة تنبت بين شقوقها نبتة يتيمة خضراء، فالعنوان يشير الى لون المحظور، عنوان المغامرة في أرض غير خصبة ولكن في إحدى شقوقها ثمة بقايا تربة خصبة تحتاج إلى جهد وحفر.
إنه لون الاستقرار والثبات يمتزج فيه الظاهر بالباطن، وهو لون النظام والاستقرار والانتماء. ولكنه يغطي طبقة أخرى قادرة على إعادة رسم المشهد بغطاء أخضر.
الخطاب السردي في هذه القصص يقوم على التتابع وانتهاء النص بخاتمة مفارقة، عبر جمل فعلية لا تعكس قلقا بقدر ما تصور الأشياء في الواقع بحثا عن واقع مغاير يكتسي دلالات عميقة، تنطوي على ثقل مرجع اجتماعي ثقافي.
ويبدو أن الهدف من كتابة هذه الأقاصيص إثارة الأسئلة والمسكوت عنه. فمن عناوين قصص المجموعة نجد "ضد الزمن"، "حبوب منع الحلم"، "زهرة المزابل"، "عراة في الظلام"، "تقص"، "تلبس"، "صدمة"، وتبدأ المجموعة بقصة "ما وراء الكثبان" وتنتهي بقصة "شاي بالنعناع" عنوان الكتاب.
صدمة
"وطئ أرض تونس الجميلة ممنيا نفسه برحلة رائقة.
على لافتة كبيرة قبالة المطار، قرأ جملة مبهمة "شرجي بدينار"، تعوذ، بصق، وعاد أدراجه، يبحث عن طائرة العودة.
هاتفني بعد يومين من القاهرة وألح علي بالهجرة، من تونس الفاسقة".
الألفاظ حسب معانيها المتداولة وقع عليها تغيير وصارت تحمل معنى آخر وتحيل إلى مدلول مختلف، وكأنها تنزع الغطاء عن عدم التلفظ بها وإدراجها في سياق آخر، لفظ غطاه معنى جديدا أو طريقة نطق جديدة لا تحيل إلى المعنى المحدد في اللغة.
الألفاظ هي محل ازدراء اجتماعي وديني "بصق وتعوذ"، بل تقترن بالفسوق وهو إظهار الدعارة والفساد.
اختلاف في فهم الألفاظ وتأويلها، بعض الألفاظ يتغير معناها بين الشعوب، وانحياز كل طرف إلى التفسير المعجمي للفظ.
فهي مرتبطة بعقيدة دينية أو معجم اجتماعي مرذول، فالألفاظ لها تاريخ وأثر وخبرات وتجارب، وليست مجرد رموز وإنما ترتبط بإرث المقدس والمدنس، داخل السياق اللغوي والثقافي والاجتماعي.
إن الإنسان هو المنتمي إلى منظومة المجتمع، إلا أن هذه المنظومة بدورها تخضع إلى فوارق وتقسيمات وطبقية ونخبوية والشعور بأفضلية لغة أو عرق أو دين أو حضارة أو جنس أو لون أو قوة اقتصادية وسياسية أو طبقة اجتماعية.
تقص
"يا أيها الخطاؤون
والخارجون من النور الى الظلمات
الا أيها التائبون بلا نزيف
أليس للحقيقة ثمن ومهور
فاصدحوا بها عارية صلدة سماء
قدمت عمري قربانا
لتنكسر على عتباتها قناع وهمي
ألا عجلوا
فقد بلغ حرفي أسباب السماء"
زهرة المزابل
"منذ صدحت أمي بالحقيقة صرت أتردد كثيرا على الجادة الطويلة المظلمة، سوى من فوانيس فاترة يتيمة مثلي، كل مساء تجوب السيارات الشارع العطن، ويزدحم الرصيف ثم يبدأ العرض، كل نوافذ العربات الأمامية مفتوحة على آخرها وأصحابها يتخفون خلف نظرات داكنة وينهشون تفاصيل بالية من أجساد بلا روح، لا تعقد صفقات كثيرة، لكن بعضا من تلك الأجساد تبتلعها السيارات إلى حيث يختلي الذئب بالوليمة، لا أظنني ابن أحد الذئاب، أحبت أمي أبي حتما فقد وثقت به، لا تثق المومسات عادة في أي كان".
الحديث عن أجساد بلا روح مغلف بألفاظ وصفات تصب في معجم المدنس "جادة طويلة مظلمة، فوانيس فاترة يتيمة، الشارع العطن، ينهشون تفاصيل بالية، يختلي الذئب بالوليمة".
المومس لا تمارس الجنس بموجب اللذة والسعادة مع الغرباء والزبائن، لأنها تجردت من العاطفة، بل يتماثل المدنس مع الحرام وغياب العاطفة والمقدس مع الحلال ومع الحب، فحين يقدم الجسد كوليمة للذئب يفقد وجوده الروحي ويصبح مجرد شيء بدون إحساس وعرضة للنهش والاغتصاب، عن طريق الحب يسترجع رغبته وإرادته وأحاسيسه، فالمدنس يقترن بالدعارة من أجل الحصول على المال.
قوانين زارداشت تعاقب المرأة عقابا شديدا إذا اخطات.
يقول سقراط "إن المرأة أكبر منشيء للأزمة والانهيار في العالم".
في الجاهلية دفن البنات من المكرمات.
تلبس
"ضبطني جارنا في مكان موبوء، حدجني بنظرة نارية مهددا: سأخبر أباك أيها القذر. رددت بعيون تملؤها براءة الخمس عشرة ربيعا: سأخبر زوجتك سيدي".
لم يسم المكان الموبوء بالماخور أو بيت الدعارة، فهو مكان شيطاني غريزي، أمكنة تثير الخشوع والرهبة والشرف والاحترام وأخرى يقع وصفها دون تسميتها مكان لغياب الشرف والاحتقار والعنف على الجسد.
إن العلاقة بين المقدس والمدنس يفرضها الوجود الاجتماعي الثقافي، ويستدعي المدركات العقلية التي تنتج أنساقها لتنظيم حياة الناس وملء الذوات بوعاء روحي له منظومته وأنساقه وقيمه، من ذلك أنها تحمي الجسد من الأماكن المتعفنة الخطيرة مثل الشارع والمواخير والملاهي والأمكنة المظلمة والممارسات المتعفنة، وتقسم اللغة إلى لغة طاهرة وأخرى فاحشة.
وهي بهذا إملاء ديني وأخلاقي ملزم، فهناك طرق تجنبك الدنس وما يتولد عنه من عنف واستغلال، وهناك طرق هامشية هي أروقة للتعذيب الجسدي ووصم علامات العقاب.
أما أن تصل إلى درجة الإنسان الفاضل الذي لا يقوى أحد على أن يحدث له الأذى أو الإنسان المنحرف الذي تتقلص مشاعر الفظاعة تجاهه وتشرع كل أنواع العنف، فيتحدد وجود الإنسان بالاقتراب والحميمية والهيبة أو الانفلات والانحراف والإذلال والاحتقار، لأنه جرد من مرتبة الإنسان واحتل مرتبة الحيوان، طالما أنه يكتسب وعيه وإدراكه من منظومة قيم اجتماعية ودينية جاهزة.
إن الإنسان هو المنتمي إلى منظومة المجتمع، إلا أن هذه المنظومة بدورها تخضع إلى فوارق وتقسيمات وطبقية ونخبوية والشعور بأفضلية لغة أو عرق أو دين أو حضارة أو جنس أو لون أو قوة اقتصادية وسياسية أو طبقة اجتماعية. وبذلك يتحول المقدس إلى مصدر القوة المادية تحتكر الجانب الروحي، تبرره لنفسها وتقصيه من غيرها، فالعلاقات الجنسية والتعري أشياء محرمة في الأوساط الفقيرة لأنها تعرض صاحبة الجسد للعنف والاستغلال واكتساب صفات العهر، وهي مشاعة في الأوساط الثرية وفي أوساط النخب الثقافية والعلمية والنسوية، فهي حرية واستقلالية طالما أن هناك قوة تحميها.
وحقوق الإنسان المنتهكة في البلدان الضعيفة تفرض العقاب بينما تنتهك الدول الكبرى تلك الحقوق بأسلحتها المبيدة للإنسانية، وبذلك يمارس منظومة إقصاء وتمييز.
وبذلك مثل اللاوعي اللامفكر فيه، لا يوجد كائن ثقافي مختلف.
المقدس يعادل القوة، من فكر ديني متعال مشكوك في كائناته يؤيد استمرارية النظام الاجتماعي، إلى مقدس دنيوي، وتجريد المقدس من البعد الديني يعني استحواذه على أدوات السلطة المادية، المقدس مرتبط باللجوء إلى إيجاد ملجأ للقوة والتموقع الاجتماعي والسياسي.
"شاي بالنعناع" قصص قصيرة جدا لوليد بن أحمد ، صادرة عن دار مومنت للنشر 2017، إشراف حكمت الحاج. وهي قصص قصيرة جدا (50 قصة) وردت في 60 صفحة. جاءت تصديرات الكتاب على شكل قصص قصيرة جدا الأولى لبليز باسكال "كنت لأكتب رسالة اقصر، لكنه لم يكن هناك متسع من الوقت" والثانية لارنست همنغوي "للبيع حذاء طفل، لم يلبس قط".
جاء العنوان باللون الاحمر على غلاف بني في أرض مشققة تبدو متكلسة تنبت بين شقوقها نبتة يتيمة خضراء، فالعنوان يشير الى لون المحظور، عنوان المغامرة في أرض غير خصبة ولكن في إحدى شقوقها ثمة بقايا تربة خصبة تحتاج إلى جهد وحفر.
إنه لون الاستقرار والثبات يمتزج فيه الظاهر بالباطن، وهو لون النظام والاستقرار والانتماء. ولكنه يغطي طبقة أخرى قادرة على إعادة رسم المشهد بغطاء أخضر.
الخطاب السردي في هذه القصص يقوم على التتابع وانتهاء النص بخاتمة مفارقة، عبر جمل فعلية لا تعكس قلقا بقدر ما تصور الأشياء في الواقع بحثا عن واقع مغاير يكتسي دلالات عميقة، تنطوي على ثقل مرجع اجتماعي ثقافي.
ويبدو أن الهدف من كتابة هذه الأقاصيص إثارة الأسئلة والمسكوت عنه. فمن عناوين قصص المجموعة نجد "ضد الزمن"، "حبوب منع الحلم"، "زهرة المزابل"، "عراة في الظلام"، "تقص"، "تلبس"، "صدمة"، وتبدأ المجموعة بقصة "ما وراء الكثبان" وتنتهي بقصة "شاي بالنعناع" عنوان الكتاب.
صدمة
"وطئ أرض تونس الجميلة ممنيا نفسه برحلة رائقة.
على لافتة كبيرة قبالة المطار، قرأ جملة مبهمة "شرجي بدينار"، تعوذ، بصق، وعاد أدراجه، يبحث عن طائرة العودة.
هاتفني بعد يومين من القاهرة وألح علي بالهجرة، من تونس الفاسقة".
الألفاظ حسب معانيها المتداولة وقع عليها تغيير وصارت تحمل معنى آخر وتحيل إلى مدلول مختلف، وكأنها تنزع الغطاء عن عدم التلفظ بها وإدراجها في سياق آخر، لفظ غطاه معنى جديدا أو طريقة نطق جديدة لا تحيل إلى المعنى المحدد في اللغة.
الألفاظ هي محل ازدراء اجتماعي وديني "بصق وتعوذ"، بل تقترن بالفسوق وهو إظهار الدعارة والفساد.
اختلاف في فهم الألفاظ وتأويلها، بعض الألفاظ يتغير معناها بين الشعوب، وانحياز كل طرف إلى التفسير المعجمي للفظ.
فهي مرتبطة بعقيدة دينية أو معجم اجتماعي مرذول، فالألفاظ لها تاريخ وأثر وخبرات وتجارب، وليست مجرد رموز وإنما ترتبط بإرث المقدس والمدنس، داخل السياق اللغوي والثقافي والاجتماعي.
إن الإنسان هو المنتمي إلى منظومة المجتمع، إلا أن هذه المنظومة بدورها تخضع إلى فوارق وتقسيمات وطبقية ونخبوية والشعور بأفضلية لغة أو عرق أو دين أو حضارة أو جنس أو لون أو قوة اقتصادية وسياسية أو طبقة اجتماعية.
تقص
"يا أيها الخطاؤون
والخارجون من النور الى الظلمات
الا أيها التائبون بلا نزيف
أليس للحقيقة ثمن ومهور
فاصدحوا بها عارية صلدة سماء
قدمت عمري قربانا
لتنكسر على عتباتها قناع وهمي
ألا عجلوا
فقد بلغ حرفي أسباب السماء"
زهرة المزابل
"منذ صدحت أمي بالحقيقة صرت أتردد كثيرا على الجادة الطويلة المظلمة، سوى من فوانيس فاترة يتيمة مثلي، كل مساء تجوب السيارات الشارع العطن، ويزدحم الرصيف ثم يبدأ العرض، كل نوافذ العربات الأمامية مفتوحة على آخرها وأصحابها يتخفون خلف نظرات داكنة وينهشون تفاصيل بالية من أجساد بلا روح، لا تعقد صفقات كثيرة، لكن بعضا من تلك الأجساد تبتلعها السيارات إلى حيث يختلي الذئب بالوليمة، لا أظنني ابن أحد الذئاب، أحبت أمي أبي حتما فقد وثقت به، لا تثق المومسات عادة في أي كان".
الحديث عن أجساد بلا روح مغلف بألفاظ وصفات تصب في معجم المدنس "جادة طويلة مظلمة، فوانيس فاترة يتيمة، الشارع العطن، ينهشون تفاصيل بالية، يختلي الذئب بالوليمة".
المومس لا تمارس الجنس بموجب اللذة والسعادة مع الغرباء والزبائن، لأنها تجردت من العاطفة، بل يتماثل المدنس مع الحرام وغياب العاطفة والمقدس مع الحلال ومع الحب، فحين يقدم الجسد كوليمة للذئب يفقد وجوده الروحي ويصبح مجرد شيء بدون إحساس وعرضة للنهش والاغتصاب، عن طريق الحب يسترجع رغبته وإرادته وأحاسيسه، فالمدنس يقترن بالدعارة من أجل الحصول على المال.
قوانين زارداشت تعاقب المرأة عقابا شديدا إذا اخطات.
يقول سقراط "إن المرأة أكبر منشيء للأزمة والانهيار في العالم".
في الجاهلية دفن البنات من المكرمات.
تلبس
"ضبطني جارنا في مكان موبوء، حدجني بنظرة نارية مهددا: سأخبر أباك أيها القذر. رددت بعيون تملؤها براءة الخمس عشرة ربيعا: سأخبر زوجتك سيدي".
لم يسم المكان الموبوء بالماخور أو بيت الدعارة، فهو مكان شيطاني غريزي، أمكنة تثير الخشوع والرهبة والشرف والاحترام وأخرى يقع وصفها دون تسميتها مكان لغياب الشرف والاحتقار والعنف على الجسد.
إن العلاقة بين المقدس والمدنس يفرضها الوجود الاجتماعي الثقافي، ويستدعي المدركات العقلية التي تنتج أنساقها لتنظيم حياة الناس وملء الذوات بوعاء روحي له منظومته وأنساقه وقيمه، من ذلك أنها تحمي الجسد من الأماكن المتعفنة الخطيرة مثل الشارع والمواخير والملاهي والأمكنة المظلمة والممارسات المتعفنة، وتقسم اللغة إلى لغة طاهرة وأخرى فاحشة.
وهي بهذا إملاء ديني وأخلاقي ملزم، فهناك طرق تجنبك الدنس وما يتولد عنه من عنف واستغلال، وهناك طرق هامشية هي أروقة للتعذيب الجسدي ووصم علامات العقاب.
أما أن تصل إلى درجة الإنسان الفاضل الذي لا يقوى أحد على أن يحدث له الأذى أو الإنسان المنحرف الذي تتقلص مشاعر الفظاعة تجاهه وتشرع كل أنواع العنف، فيتحدد وجود الإنسان بالاقتراب والحميمية والهيبة أو الانفلات والانحراف والإذلال والاحتقار، لأنه جرد من مرتبة الإنسان واحتل مرتبة الحيوان، طالما أنه يكتسب وعيه وإدراكه من منظومة قيم اجتماعية ودينية جاهزة.
إن الإنسان هو المنتمي إلى منظومة المجتمع، إلا أن هذه المنظومة بدورها تخضع إلى فوارق وتقسيمات وطبقية ونخبوية والشعور بأفضلية لغة أو عرق أو دين أو حضارة أو جنس أو لون أو قوة اقتصادية وسياسية أو طبقة اجتماعية. وبذلك يتحول المقدس إلى مصدر القوة المادية تحتكر الجانب الروحي، تبرره لنفسها وتقصيه من غيرها، فالعلاقات الجنسية والتعري أشياء محرمة في الأوساط الفقيرة لأنها تعرض صاحبة الجسد للعنف والاستغلال واكتساب صفات العهر، وهي مشاعة في الأوساط الثرية وفي أوساط النخب الثقافية والعلمية والنسوية، فهي حرية واستقلالية طالما أن هناك قوة تحميها.
وحقوق الإنسان المنتهكة في البلدان الضعيفة تفرض العقاب بينما تنتهك الدول الكبرى تلك الحقوق بأسلحتها المبيدة للإنسانية، وبذلك يمارس منظومة إقصاء وتمييز.
وبذلك مثل اللاوعي اللامفكر فيه، لا يوجد كائن ثقافي مختلف.
المقدس يعادل القوة، من فكر ديني متعال مشكوك في كائناته يؤيد استمرارية النظام الاجتماعي، إلى مقدس دنيوي، وتجريد المقدس من البعد الديني يعني استحواذه على أدوات السلطة المادية، المقدس مرتبط باللجوء إلى إيجاد ملجأ للقوة والتموقع الاجتماعي والسياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.