عودة انقطاع الكهرباء في مناطق بالجيزة وخروج كابل محطة محولات جزيرة الذهب عن الخدمة    هآرتس: ترامب يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لضم أجزاء من غزة    200 مليون دولار، ليفربول يجهز عرضا خرافيا لحسم صفقة مهاجم نيوكاسل    رابطة الأندية: بدء عقوبة "سب الدين والعنصرية" فى الدوري بالموسم الجديد    السيسي يوجه بتوفير الرعاية الصحية اللازمة والاهتمام الطبي الفوري للكابتن حسن شحاتة    المعمل الجنائي يعاين حريق شقة في المريوطية    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    الكشف الطبي على 540 مواطنًا بقرية جلبانة ضمن القافلة الطبية لجامعة الإسماعيلية    بمناسبة اليوم العالمي.. التهاب الكبد خطر صامت يمكن تفاديه    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    سميرة صدقي: عبلة كامل أفضل فنانة قدمت دور المرأة الشعبية    بدء الدراسة بجامعة الأقصر الأهلية.. رئيس الجامعة والمحافظ يعلنان تفاصيل البرامج الدراسية بالكليات الأربع    «ما تراه ليس كما يبدو».. شيري عادل تستعد لتصوير حكاية "ديجافو"    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    علاج الحموضة بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    الداخلية: لا توجد تجمعات بالمحافظات والإخوان وراء هذه الشائعات    برومو تشويقى ل مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".. سبع حكايات ومفاجآت غير متوقعة    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    حزب الجيل: السيسي يعيد التأكيد على ثوابت مصر في دعم فلسطين    أمانة الشؤون القانونية المركزية ب"مستقبل وطن" تبحث مع أمنائها بالمحافظات الاستعدادات لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    كم سنويا؟.. طريقة حساب عائد مبلغ 200 ألف جنيه من شهادة ادخار البنك الأهلي    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    هندسة المنوفية الأولى عالميًا في المحاكاة بمسابقة Formula Student UK 2025    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    السفارة الأمريكية: كتائب حزب الله تقف وراء اقتحام مبنى حكومي ببغداد    قنا: القبض على شاب متهم بالاعتداء على طفل داخل منزل أسرته في قرية الدرب بنجع حمادي    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    12 راحلا عن الأهلي في الانتقالات الصيفية    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    تصعيد خطير ضد الوجود المسيحي بفلسطين.. مستوطنون يعتدون على دير للروم الأرثوذكس    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    منال عوض تتابع ملفات وزارة البيئة وتبحث تطوير منظومة إدارة المخلفات    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    إطلاق حملة لتعقيم وتطعيم الكلاب الضالة بمدينة العاشر من رمضان (صور)    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يعقوب الشاروني يقتحم عالم الأطفال المدهش
نشر في صوت البلد يوم 14 - 05 - 2018

قد لا تتخيل أيها القارئ عالمك الموازي مرسومًا كما يرسمه لك الرائد يعقوب الشاروني أستاذ ومربي الأجيال على الحكمة من خلال قصة ترويها لأبنائك لتأخذهم من عالم الخيال إلى عالم الواقع هكذا.
القصة تتناول مجموعة من القيم الإيجابية التي ترفع للطفل سقف النظر إلى مجرد المنتقص فيتخطاه إلى الكمال بما يحمل في جوهره من نفعٍ وإفادة. فيعقوب الشاروني لا يجسد للطفل فقط من خلال القصة عالم الطفل كإنسان، بل يلجُ إلى عالم الحيوان متسللًا بخفةٍ واتزان نحو قضية تمس الأطفال وتنمي لديهم في الذائقة ثقافة النقصان والاكتمال الخارجي والداخلي معًا.
فالقصة تدور من خلال مشاهدة لطفلة صغيرة تلتقطُ عيناها أول ما تقع على طير البجع عيبًا فيه، فيأخذها الفضول لتتعرف من خلال ما توجهه من سؤالٍ إلى الأب أن هذا الطائر قد مر بموقفٍ جعله يفقد جزءًا مهمًا للغاية في حياته، يعتمد عليه اعتمادًا أساسيًّا إذ لا يمكنه أن يقضي حاجته الأساسية في الحصول على طعامه إلا من خلاله، ومن ثَمَّ فإنه من العجيب أن نراه يعيش دونه.
يأخذ الأب الطفلة من يدها ليشير إلى مكانٍ حدده جغرافيًّا، وبالطبع كان للمكان هذا موقعه بجوار النيل حيثُ يحب أن يلفت الكاتب الطفل إلى قضية مهمة للغاية ألا وهي الانتماء.
حارس المكان أو المشرف على تغذية الطير يقص القصة على الطفلة ليزيل فضولها شيئًا فشيئًا، وبالطبع المقصود أن يلتفت الطفل إلى هذه القصة لأن فضوله الذي نقلته حالة الطفلة البطلة قد انتقل بالتبعية إليه؛ فصارت القصة داخل القصة هي ما يزيل ذلك الإبهام عنه.
قصة فرعية
ويحكي القاص داخل القصة الأساسية القصة الفرعية التي تبدأ بطرح قضية أخرى وهي: لماذا ينتف أو يتخلص البعض من الريش لدى الطير؟ إن هذا مخافة أن يجنح بعيدًا عن المكان فيتعرض للخطر.
وفي هذه القصة توعية أخرى للطفل إذ أنه لا ينبغي أن يغادر مكانه ومجتمعه حيث تحفه المخاطر في غياب من يعتنون به، وهو أيضًا تنبيهٌ غير مباشر سواء من الأب أو الأم القارئ كل منهما للقصة على مسامع طفليهما أو للطفل ذاته من الجد الحكيم المربي/ الشاروني.
وقصة الصراع بين البجعة كطائر وحيوان التمساح قد احتلت أربع صفحات لتعرض الخطورة التي تعرضت إليها البجعة من خلال مغامرتها بالابتعاد عن مجتمعها الذي انجرفت بعيدًا عنه. ثم تعود القصة إلى مسيرتها الطبيعية بعد اللقطات التي كانت للطفل بمثابة استرجاع لذكرى ماضية، وهو بالمناسبة أمرٌ مهم لتنمية ذكاء الطفل ومهارته في استدعاء الواقع بالخيال.
وتتدخل شخصية رابعة لتسرد على الطفلة شيئًا يزيل جزءًا أكبر من الغموض الذي دفعها منذ البداية عن السؤال عن استمرار البجعة على قيد الحياة على الرغم من فقدانها شيئًا مهمًا يساعدها على الحصول على الغذاء وتضمن لها البقاء.
وبتدخل هذه الشخصية يتعرف الطفل على سر عنوان القصة إذ أن القصة احتوت في عنوانها شيئًا مما يثري فضول القارئ الطفل أو حتى القارئ الأب أو الأم لطفليهما؛ فالبجعة لها أيضًا (بابا)، وهنا هذا ال (بابا) هو من الكائنات البشرية ليأخذنا الشاروني إلى علاقة في منتهى الأهمية بين البشر والحيوان تتولد منها الرحمة.
إن اعتبار الرجل الذي يغذي البجعة ويحرص على أن يضع لها الطعام في منقارها هو من الاهتمام الذي لا بد أن يراعياه الأبوان وكذا يتعلمه الطفل في العناية بالكائنات الضعيفة والرفق بها. وهنا تلتقطُ الطفلة بفخرٍ صورتها بجانب البجعة وأبيها الرمزي.
درس واستنتاج
أما عن القضايا التي طرحتها القصة فإنها من الثراء ما يجعلها تصل بغير مباشرة إلى الطفل وتلقنه الدروس دون مصادرة على رأيه ودونما يرهقه من استنتاجات، إلا أنه يصل بنتائجه المنطقية إلى ذهن الطفل في غير تكلف وبمنتهى الوضوح.
والدكتورة ماريا ألبانو الإيطالية قد ألقت الضوء في تناولها لكتابات الشاروني على امتياز كتاباته بما يعالج لدى الطفل قضايا الإعاقة ويهتم بذوي الاحتياجات الخاصة. والقصة من بدايتها عن طائرٍ يحتاجُ إلى عونٍ ورعايةٍ خاصين مما استدعى وجود هذا ال (بابا).
قضية اصطحاب الطفلة التي تلاحظ وتسأل وتصر على المعرفة من القضايا المهمة التي تنمي لدى الطفل التفكير العلمي السليم، بالملاحظة والسؤال والبحث وانتظار أن تتكشف النتائج في النهاية. كذلك إثارة قضية الأب واصطحاب ابنته والاهتمام والإنصات إليها ينبغي أن يوضع في الاعتبار خاصةً في ظل مجتمع قد يضطهد الإناث وهو الشائع بكثرة لدى طفل القرية عن المدينة، ومازالت حالات كثيرة لا تغادر ذاكرة القرية بنسبة كبيرة تقل في المدن عن إساءة معاملة الابنة والأنثى بوجه عام.
قضية الشر الكائن بين الحيوانات والذي قد تلقي بظلالها على الواقع المعيش يطرحها الشاروني من خلال شخصية التمساح وغدره بالبجعة. وتستعيد الطفلة في القصة الثقة في الكائنات حين ظهور من ساعد البجعة.
أما قضية الشخصية التي روت المعروف عن ذلك الرجل القاص للقصة الفرعية، فكان ينبغي لها أن تتدخل لترى الطفلة أثرًا جديدًا في العرفان بالجميل. إن صاحب المعروف ينكر ذاته، لكن يبقى معروفه حاضرًا في أذهان الجميع. ولذلك تضرب الطفلة المثل لأقرانها بالتقاط الصورة واحتفاظها بالذكرى السعيدة مع الكائنين بصورةٍ قد تكون محل إثراء الحديث عنها لباقي الرفاق في مثل عمرها.
تقنيات القصة التي استخدمها الشاروني لم تكن بالجديدة، إلا أنها ثرية بعدم المباشرة في الحوار البسيط اليسير على ألسنة الشخصيات المرسومة بتلقائية تضافرت مع السرد.
الطفل في العمر الذي يقرأ مثل هذه النوعية من القصص لا بد له أن يُستدرج بالحوار أكثر من السرد، لذلك استدعت الشخصيات الحوارات المبسطة التي اعتمدت على طرح الفكرة والنظرية بالدليل والنتائج مما ينمي لدى الطفل المنطق الاستدلالي.
عنصر الزمن
أما عنصر الزمن لدى الشاروني في القصة فهو عنصر مهم تدخَّلَ من خلاله ليروي للطفل القصة بمراحل مختلفة استحضرت شخصيات تداخلت في العمل بلا إقحام أو تكدير لسريان القصة بأحداثها. السؤال المتكرر للطفلة يؤكد أهمية العنصر الزماني، وبالنظر لما طرحته القصة من جغرافيا المكان وحضور الشخصيات العنصرية من الكائنات الحية في الطبيعة من حولنا فإنه يزيد من أبعاد عميقة في أذهان الطفل تطرح عليه أسلوب التفكر والتأمل في المخلوقات، علاوة على النظر بعين الدقة في السطح وتأثيراته في جغرافيا المكان.
الرسومات من أهم ما يتعلق به الطفل في العمل، وقد نجحت الفنانة سيندي في التعبير بتلقائية الطفولة عن كل لقطة من لقطات القصة منذ أن اختارت لوحة الغلاف الخارجية وحتى انتهائها باللقطة الأخيرة للصورة المجمعة.
ملابس الطفلة بأبعادها وبساطتها ترسم لونًا جماليًّا يلبي حاجة الطفل في التذوق وانجذابه إلى عمر الطفلة بطلة القصة. تعبيرات الوجه التي حملت الدهشة والفضول والفرحة في الطفلة والأب و(بابا البجعة) وتعبيرات الخوف والترويع والألم والاطمئنان والعطف والحب والدفء في ملامح الحيوانين والشخصية التي تحدثت عن معروف (بابا البجعة) كلها تعبيرات مرسومة بمنتهى الدقة، والألوان لها تأثيرها المهم كذلك في نفس الطفل القارئ والأبوين المختارين للقصة.
نحن أمام عملٍ توافرت لها أسباب الإبداع الخلاق الذي أنجحه بمقومات إيجابية. ويبقى الشاروني رائدًا مربيًا لأجيال وأجيال.
قد لا تتخيل أيها القارئ عالمك الموازي مرسومًا كما يرسمه لك الرائد يعقوب الشاروني أستاذ ومربي الأجيال على الحكمة من خلال قصة ترويها لأبنائك لتأخذهم من عالم الخيال إلى عالم الواقع هكذا.
القصة تتناول مجموعة من القيم الإيجابية التي ترفع للطفل سقف النظر إلى مجرد المنتقص فيتخطاه إلى الكمال بما يحمل في جوهره من نفعٍ وإفادة. فيعقوب الشاروني لا يجسد للطفل فقط من خلال القصة عالم الطفل كإنسان، بل يلجُ إلى عالم الحيوان متسللًا بخفةٍ واتزان نحو قضية تمس الأطفال وتنمي لديهم في الذائقة ثقافة النقصان والاكتمال الخارجي والداخلي معًا.
فالقصة تدور من خلال مشاهدة لطفلة صغيرة تلتقطُ عيناها أول ما تقع على طير البجع عيبًا فيه، فيأخذها الفضول لتتعرف من خلال ما توجهه من سؤالٍ إلى الأب أن هذا الطائر قد مر بموقفٍ جعله يفقد جزءًا مهمًا للغاية في حياته، يعتمد عليه اعتمادًا أساسيًّا إذ لا يمكنه أن يقضي حاجته الأساسية في الحصول على طعامه إلا من خلاله، ومن ثَمَّ فإنه من العجيب أن نراه يعيش دونه.
يأخذ الأب الطفلة من يدها ليشير إلى مكانٍ حدده جغرافيًّا، وبالطبع كان للمكان هذا موقعه بجوار النيل حيثُ يحب أن يلفت الكاتب الطفل إلى قضية مهمة للغاية ألا وهي الانتماء.
حارس المكان أو المشرف على تغذية الطير يقص القصة على الطفلة ليزيل فضولها شيئًا فشيئًا، وبالطبع المقصود أن يلتفت الطفل إلى هذه القصة لأن فضوله الذي نقلته حالة الطفلة البطلة قد انتقل بالتبعية إليه؛ فصارت القصة داخل القصة هي ما يزيل ذلك الإبهام عنه.
قصة فرعية
ويحكي القاص داخل القصة الأساسية القصة الفرعية التي تبدأ بطرح قضية أخرى وهي: لماذا ينتف أو يتخلص البعض من الريش لدى الطير؟ إن هذا مخافة أن يجنح بعيدًا عن المكان فيتعرض للخطر.
وفي هذه القصة توعية أخرى للطفل إذ أنه لا ينبغي أن يغادر مكانه ومجتمعه حيث تحفه المخاطر في غياب من يعتنون به، وهو أيضًا تنبيهٌ غير مباشر سواء من الأب أو الأم القارئ كل منهما للقصة على مسامع طفليهما أو للطفل ذاته من الجد الحكيم المربي/ الشاروني.
وقصة الصراع بين البجعة كطائر وحيوان التمساح قد احتلت أربع صفحات لتعرض الخطورة التي تعرضت إليها البجعة من خلال مغامرتها بالابتعاد عن مجتمعها الذي انجرفت بعيدًا عنه. ثم تعود القصة إلى مسيرتها الطبيعية بعد اللقطات التي كانت للطفل بمثابة استرجاع لذكرى ماضية، وهو بالمناسبة أمرٌ مهم لتنمية ذكاء الطفل ومهارته في استدعاء الواقع بالخيال.
وتتدخل شخصية رابعة لتسرد على الطفلة شيئًا يزيل جزءًا أكبر من الغموض الذي دفعها منذ البداية عن السؤال عن استمرار البجعة على قيد الحياة على الرغم من فقدانها شيئًا مهمًا يساعدها على الحصول على الغذاء وتضمن لها البقاء.
وبتدخل هذه الشخصية يتعرف الطفل على سر عنوان القصة إذ أن القصة احتوت في عنوانها شيئًا مما يثري فضول القارئ الطفل أو حتى القارئ الأب أو الأم لطفليهما؛ فالبجعة لها أيضًا (بابا)، وهنا هذا ال (بابا) هو من الكائنات البشرية ليأخذنا الشاروني إلى علاقة في منتهى الأهمية بين البشر والحيوان تتولد منها الرحمة.
إن اعتبار الرجل الذي يغذي البجعة ويحرص على أن يضع لها الطعام في منقارها هو من الاهتمام الذي لا بد أن يراعياه الأبوان وكذا يتعلمه الطفل في العناية بالكائنات الضعيفة والرفق بها. وهنا تلتقطُ الطفلة بفخرٍ صورتها بجانب البجعة وأبيها الرمزي.
درس واستنتاج
أما عن القضايا التي طرحتها القصة فإنها من الثراء ما يجعلها تصل بغير مباشرة إلى الطفل وتلقنه الدروس دون مصادرة على رأيه ودونما يرهقه من استنتاجات، إلا أنه يصل بنتائجه المنطقية إلى ذهن الطفل في غير تكلف وبمنتهى الوضوح.
والدكتورة ماريا ألبانو الإيطالية قد ألقت الضوء في تناولها لكتابات الشاروني على امتياز كتاباته بما يعالج لدى الطفل قضايا الإعاقة ويهتم بذوي الاحتياجات الخاصة. والقصة من بدايتها عن طائرٍ يحتاجُ إلى عونٍ ورعايةٍ خاصين مما استدعى وجود هذا ال (بابا).
قضية اصطحاب الطفلة التي تلاحظ وتسأل وتصر على المعرفة من القضايا المهمة التي تنمي لدى الطفل التفكير العلمي السليم، بالملاحظة والسؤال والبحث وانتظار أن تتكشف النتائج في النهاية. كذلك إثارة قضية الأب واصطحاب ابنته والاهتمام والإنصات إليها ينبغي أن يوضع في الاعتبار خاصةً في ظل مجتمع قد يضطهد الإناث وهو الشائع بكثرة لدى طفل القرية عن المدينة، ومازالت حالات كثيرة لا تغادر ذاكرة القرية بنسبة كبيرة تقل في المدن عن إساءة معاملة الابنة والأنثى بوجه عام.
قضية الشر الكائن بين الحيوانات والذي قد تلقي بظلالها على الواقع المعيش يطرحها الشاروني من خلال شخصية التمساح وغدره بالبجعة. وتستعيد الطفلة في القصة الثقة في الكائنات حين ظهور من ساعد البجعة.
أما قضية الشخصية التي روت المعروف عن ذلك الرجل القاص للقصة الفرعية، فكان ينبغي لها أن تتدخل لترى الطفلة أثرًا جديدًا في العرفان بالجميل. إن صاحب المعروف ينكر ذاته، لكن يبقى معروفه حاضرًا في أذهان الجميع. ولذلك تضرب الطفلة المثل لأقرانها بالتقاط الصورة واحتفاظها بالذكرى السعيدة مع الكائنين بصورةٍ قد تكون محل إثراء الحديث عنها لباقي الرفاق في مثل عمرها.
تقنيات القصة التي استخدمها الشاروني لم تكن بالجديدة، إلا أنها ثرية بعدم المباشرة في الحوار البسيط اليسير على ألسنة الشخصيات المرسومة بتلقائية تضافرت مع السرد.
الطفل في العمر الذي يقرأ مثل هذه النوعية من القصص لا بد له أن يُستدرج بالحوار أكثر من السرد، لذلك استدعت الشخصيات الحوارات المبسطة التي اعتمدت على طرح الفكرة والنظرية بالدليل والنتائج مما ينمي لدى الطفل المنطق الاستدلالي.
عنصر الزمن
أما عنصر الزمن لدى الشاروني في القصة فهو عنصر مهم تدخَّلَ من خلاله ليروي للطفل القصة بمراحل مختلفة استحضرت شخصيات تداخلت في العمل بلا إقحام أو تكدير لسريان القصة بأحداثها. السؤال المتكرر للطفلة يؤكد أهمية العنصر الزماني، وبالنظر لما طرحته القصة من جغرافيا المكان وحضور الشخصيات العنصرية من الكائنات الحية في الطبيعة من حولنا فإنه يزيد من أبعاد عميقة في أذهان الطفل تطرح عليه أسلوب التفكر والتأمل في المخلوقات، علاوة على النظر بعين الدقة في السطح وتأثيراته في جغرافيا المكان.
الرسومات من أهم ما يتعلق به الطفل في العمل، وقد نجحت الفنانة سيندي في التعبير بتلقائية الطفولة عن كل لقطة من لقطات القصة منذ أن اختارت لوحة الغلاف الخارجية وحتى انتهائها باللقطة الأخيرة للصورة المجمعة.
ملابس الطفلة بأبعادها وبساطتها ترسم لونًا جماليًّا يلبي حاجة الطفل في التذوق وانجذابه إلى عمر الطفلة بطلة القصة. تعبيرات الوجه التي حملت الدهشة والفضول والفرحة في الطفلة والأب و(بابا البجعة) وتعبيرات الخوف والترويع والألم والاطمئنان والعطف والحب والدفء في ملامح الحيوانين والشخصية التي تحدثت عن معروف (بابا البجعة) كلها تعبيرات مرسومة بمنتهى الدقة، والألوان لها تأثيرها المهم كذلك في نفس الطفل القارئ والأبوين المختارين للقصة.
نحن أمام عملٍ توافرت لها أسباب الإبداع الخلاق الذي أنجحه بمقومات إيجابية. ويبقى الشاروني رائدًا مربيًا لأجيال وأجيال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.