آخر تطورات حادث طائرة الرئيس الإيراني.. جهود عالمية للوصول لموقع إبراهيم رئيسي.. انقطاع الاتصالات والظروف الجوية تعيق عمليات البحث    تسنيم: انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو في منطقة سقوط المروحية    تركيا: مسيرة «أكينجي» رصدت مصدر حرارة يعتقد أنه حطام مروحية رئيسي    بكاء زوجة ونجل شيكابالا بعد منعهم من النزول للملعب للاحتفال بالكونفدرالية (فيديو)    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    تراجع جديد في سعر كيلو اللحم البقري قائم اليوم 2024    سوريا تعرب عن تضامنها مع إيران في حادث اختفاء طائرة «رئيسي»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: الضغط الأمريكي لا تأثير له على إسرائيل    غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف مخيم البريج وسط قطاع غزة    بالاسم والرقم القومي.. رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2024 الترم الثاني (استعلم الآن)    أول تعليق من أحمد زيزو بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية.. ماذا قال؟    دونجا يوجه رسالة للاعب نهضة بركان بعد لقطته الرائعة في نهائي الكونفدرالية    مصدر أمنى ينفى الشائعة الإخوانية بوجود سرقات بالمطارات.. ويؤكد: كذبة مختلقة    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    عمر الشناوي: «والدي لا يتابع أعمالي ولا يشعر بنجاحي»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    دعاء الحر الشديد كما ورد عن النبي.. اللهم أجرنا من النار    طريقة عمل الشكشوكة بالبيض، أسرع وأوفر عشاء    عبدالملك: المثلوثي وزيزو من نجوم الكونفدرالية.. وهدف الجزيري في الذهاب وراء التتويج    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    حسين لبيب: اليوم سنحتفل بالكونفدرالية وغدا نستعد لاستكمال الدوري    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق داخل مدرسة في البدرشين    جريمة بشعة تهز المنيا.. العثور على جثة فتاة محروقة في مقابر الشيخ عطا ببني مزار    نشرة منتصف الليل| تحذير من الأرصاد بشأن الموجة الحارة.. وتحرك برلماني جديد بسبب قانون الإيجار القديم    الهلال الأحمر الإيراني: حددنا موقعا آخر للبحث وفرق الإنقاذ بشأن مروحية رئيسي    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير.. سعر الذهب بالمصنعية اليوم الإثنين 20 مايو بالصاغة    اليوم.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة بقيمة 9 مليار    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    د.حماد عبدالله يكتب: العودة إلى الماضى والنظر إلى المستقبل    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    الصحة: طبيب الأسرة ركيزة أساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    بعد الموافقة عليه.. ما أهداف قانون المنشآت الصحية الذي أقره مجلس النواب؟    تقرير رسمى يرصد 8 إيجابيات لتحرير سعر الصرف    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    خبيرة ل قصواء الخلالى: نأمل فى أن يكون الاقتصاد المصرى منتجا يقوم على نفسه    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 20-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    منسق الجالية المصرية في قيرغيزستان يكشف حقيقة هجوم أكثر من 700 شخص على المصريين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    مسؤول بمبادرة ابدأ: تهيئة مناخ الاستثمار من أهم الأدوار وتسهيل الحصول على التراخيص    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    اليوم.. محاكمة طبيب وآخرين متهمين بإجراء عمليات إجهاض للسيدات في الجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهما بقتل شقيقين بمنطقة بولاق الدكرور    عواد بعد التتويج بالكونفدرالية: سأرحل بطلًا إذا لم أجدد مع الزمالك    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهرجان روتردام ال47 يفتتح فعالياته بفيلم سويدي عن اللاجئين
نشر في صوت البلد يوم 29 - 01 - 2018

لم يكن فيلم افتتاح الدورة ال47 من مهرجان روتردام السينمائي يختلف كثيرا في مستواه، عن غيره من أفلام الافتتاح خلال السنوات القليلة الماضية، فالفيلم السويدي “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت، الذي يبدأ بداية واعدة سرعان ما ينتهي إلى أقل كثيرا من الطموح الذي بشرتنا به تلك البداية.
النزعة إلى الرمز
لا يروي فيلم “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت قصة بقدر ما يصور حالة تخيّلية افتراضية. هذه الحالة صحيح أنها تبدو مصورة في سياق واقعي بل تتخذ طابعا سينمائيا قريبا من أسلوب الفيلم التسجيلي (الكاميرا المهتزة المحمولة التي تتابع البطل الصغير في حركة دائمة وتستغرق زمنا طويلا على الشاشة، اللقطات القريبة غير الواضحة أحيانا، التي تنتهي قبل أن تتبين المقصود منها بما يوحي بأنك في قلب واقع مهتز ومضطرب) لكن هذ الأسلوب لا يحول دون الإحساس المباشر طيلة الوقت، بأننا أمام عمل خيالي يريد مخرجه أن يرمز من خلاله إلى مأساة اللاجئين والمشردين في أوروبا لكنه قد ضلّ الطريق.
النزعة إلى الرمز ولو من خلال التجريد، توقع الفيلم في الكثير من المشاكل رغم ما تتركه من تأثير على المشاهدين، خاصة في تجسيد العلاقة بين الأب والابن الذي يضلّ ويفترق عن أبيه في ظل حالة من الذعر التي انتابت البلاد (يفترض أننا في السويد والدول الأسكندنافية عموما) ودفعت السكان إلى الفرار واللجوء إلى بلدان أخرى (المانيا مثلا) وكيف يلقون سوء المعاملة، ويضطرون للعيش على الهامش أو يهيمون على وجوههم.
أولى هذه المشاكل أن الفيلم يفرغ تماما مأساة اللاجئين من محتواها الحقيقي عندما يستبدل اللاجئين من بلدان الشرق الأوسط، بالأوروبيين أو بالسويديين، دون أن نعرف سببا لهذا الفزع والرعب أو التهديد المباشر لهم في بلادهم.
وثانيا تبدو الرغبة في “التغريب” بقصد “التقريب” زائفة تماما، بل وتؤدي إلى عكس المقصود منها، أي إلى تغريب المشاهدين أنفسهم، ووضع حاجز ذهني بينهم وبين ما يشاهدونه على الشاشة.
هناك جهد واضح في التصوير لا شك فيه، وجهد آخر مماثل في التمثيل، وفي استخدام المجاميع من الممثلين الثانويين، وإعادة تصميم مواقع التصوير لتحقيق الإقناع بل والصدمة أحيانا، لكن الفيلم يضلّ طريقه رغم ذلك!
أغنية العقارب
المخرج الهندي المقيم في بريطانيا أنوب سنغ يأتي إلى المهرجان بفيلمه الثالث (وهو من تمويل فرنسي) “أغنية العقارب” لكنه يقف لما يقرب من 15 دقيقة على المسرح لكي يقدم الفيلم إلى الجمهور، وهو في رأيي ما أفسد متعة مشاهدة الفيلم على الجميع، فالمخرج الذكي هو من يكتفي عادة بعبارتين أو ثلاث لتقديم فيلمه، ثم يترك الحديث المستفيض حوله للمناقشة التي تعقب العرض، خاصة وأن فيلم “أغنية العقارب” من الأفلام التي تعتمد على توصيل إحساس ما إلى المتفرج، لا على رسالة سياسية أو أخلاقية مباشرة.
صحيح أن الفيلم يريد أن يقول إنه يتعين على الإنسان أن يواجه نفسه بالحقيقة وأن يتعلم الصدق، وألا يكف قط عن البحث عن الحقيقة ولو بين رمال الصحراء، لكن مخرج الفيلم أساسا، يغلف هذه الأفكار ويضمرها في ثنايا الأسطورة.
هذه الأسطورة يجب أن يكتشف أبعادها المتفرج نفسه لكن أنوب سنغ يصرّ على أن يقدم لنا “مذكرة تفسيرية” حيث يشعر أن المشاهد يحتاجها، وهذا ناتج عن ضعف التجربة نفسها وعن خلل في السيناريو، الذي كتبه سنغ نفسه أيضا.
تقول الأسطورة إنه في إحدى قرى مقاطعة راجستان الصحراوية الهندية، هناك عقارب عندما يلدغ الواحد منها إنسانا يجب الاستعانة على الفور بمغنية متخصصة في علاج اللدغات قبل أن يتوفى الشخص خلال 24 ساعة متأثرا بسم العقرب.
هذه المغنية تحمل بالطبع سرا ما، فهي تستطيع عن طريق قياس نبض المصاب أن تتوصل إلى لحن وكلمات الأغنية التي ترددها على جسده فيشفى وينهض معافى سليما بعد أن تعود إليه الحياة. وفي الفيلم شخصية امرأة تدعى أما جدة بطلة الفيلم نوران (التي تقوم بدورها ببراعتها المعهودة الممثلة الإيرانية غولشيفته فرحاني).
المرأة العجوز تتدرب على الغناء وسط كثبان الرمال لكي تحافظ على التقليد الموروث، ونوران تجيد هذا النوع من الغناء بعد أن ورثته عن جدتها، لكن شخصيتها متمردة عنيدة. يقابلها من الجهة الأخرى بطل الفيلم آدم (عرفان خان) وهو تاجر جمال، يحلم باستعادة لقاء قديم مع نوران يريد أن يجعلها تحبه وتقبل أن تتزوجه.
وعندما يلتقيان يناجيها وينشد لها أشعار غزل، لكنها تقوم بتعذيبه في مشهد إيروتيكي لا مجال له في السياق، خاصة وأنها لا تستجيب له بل تتركه ينال العقاب من جانب بضعة رجال يعتبرونه قد تجرّأ وحاول الاعتداء عليها. لكن نوران تتعرض بالفعل للاعتداء الجنسي ولكن من جانب صديقه، ثم تفقد صوتها وقدرتها على الغناء وتعود إلى قريتها ذليلة محطمة.
رمزية تحقيق الشفاء بالغناء الذي يبدو كما لو كان تضرعا، مثيرة للمشاعر دون شك، ولكن المشكلة أن سياق السرد في الفيلم يسير كيفما اتفق، فلا هو يروي قصة محكمة واضحة القسمات، ولا هو يترك للتداعيات المتفرقة أن تأخذ مجالها، فيفشل الفيلم في أن يصبح مفهوما رغم أن المشاهدين في الغرب لا شك سيتأثرون كثيرا بجمال مناظره وصوره في تلك البقعة “الغريبة” المثيرة، خاصة مع أداء جولشفيته فرحاني (وهي تؤدي بل وتغني أيضا هنا باللغة الهندوسية، عن طريق الدوبلاج) وقد سبق أن تألقت في أفلام مثل “عن إيلي”، و”حجر الصمت”، و”دجاج بالخوخ” وغيرها بعد أن هجرت إيران، واستقرت في باريس وأصبحت تعمل كثيرا في السينما العالمية.
جون أفريقيا
شهدت المسابقة الرئيسية للمهرجان (مسابقة جوائز النمر) العرض العالمي الأول للفيلم البرتغالي “جون أفريقيا” وهو من إخراج الثنائي فيليبا ريس وخواو ميللر غيرا. لا شك أن الفيلم عملٌ طموح يسير على هدي أفلام الطريق، مع تنويعات ترتبط ب”ثيمة” البحث عن الهوية من خلال الرغبة في العثور على الجذور.
بطل الفيلم شاب أفريقي يدعى ميغيل موريرا، ولد ونشأ في البرتغال، لكنه يبدو مقطوع الصلة بماضي أسرته تماما. جدته هي التي تولت تربيته. وهو الآن بلا عمل، يهيم على وجهه، يتخذ لنفسه أو يطلق عليه الآخرون “جون أفريقيا”، يقين علاقات نسائية، رغم أن لديه صديقة تحبه.
لكنه طيب القلب بل وأقرب ما يكون إلى طفل كبير. ذات يوم تستوقفه امرأة في الطريق تقول له إنه نسخة طبق الأصل من والده (الذي كان يدعى ميغيل أيضا) والذي كان مثله صعلوكا مغامرا.
من هنا يبدأ الشاب في التساؤل عن والده الذي لم يره منذ أن كان طفلا صغيرا. تحدثه عنه جدته وتقول له إنه سجن ثم تم ترحيله من البرتغال إلى جزيرة “كيب فيردي” التي جاء منها أصلا. تكبر الفكرة في رأس الشاب فيسافر إلى الجزيرة الصغيرة الواقعة قبالة الساحل الغربي الأفريقي بحثا عن والده. هناك ينتقل من قرية إلى أخرى، ويقابل شخصيات عديدة، ويتعرض للكثير من المواقف الصعبة، لكنه ينتهي بصحبة سيدة عجوز تغير كثيرا من نظرته إلى الحياة.
جمال هذا الفيلم يكمن في طابعه الساحر الذي يجعلك تشعر بأنك أمام شخصيات حقيقية من لحم ودم، خاصة وأن مخرجي الفيلم يستعينان بالفعل مع بعض الشخصيات الحقيقية من سكان الجزيرة.
كما أن السيناريو يركز على مختلف جوانب الشخصية: الرغبة في اكتشاف الذات، من أين جاء، وإلى أي موطن ينتمي، وما الذي يمكن أن يجعله يتحمل المسؤولية ويكف عن العبث، مغامراته النسائية، هل يمكن أن تتغير شخصيته ويستفيق ويصبح رجلا يتحمل المسؤولية بالفعل بعد توحده مع الطبيعة في محيطه الأصلي، وبعد أن أصبح مسؤولا عن إدارة مكان مهمّ وإن كان صغيرا، مع سيدة عجوز تمنحه الحب والاهتمام والرعاية؟ في جعبة مهرجان روتردام الكثير من المفاجآت. وما علينا سوى أن ننتظر أيضا عرض الأفلام العربية الجديدة.
ناقد سينمائي مصري
لم يكن فيلم افتتاح الدورة ال47 من مهرجان روتردام السينمائي يختلف كثيرا في مستواه، عن غيره من أفلام الافتتاح خلال السنوات القليلة الماضية، فالفيلم السويدي “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت، الذي يبدأ بداية واعدة سرعان ما ينتهي إلى أقل كثيرا من الطموح الذي بشرتنا به تلك البداية.
النزعة إلى الرمز
لا يروي فيلم “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت قصة بقدر ما يصور حالة تخيّلية افتراضية. هذه الحالة صحيح أنها تبدو مصورة في سياق واقعي بل تتخذ طابعا سينمائيا قريبا من أسلوب الفيلم التسجيلي (الكاميرا المهتزة المحمولة التي تتابع البطل الصغير في حركة دائمة وتستغرق زمنا طويلا على الشاشة، اللقطات القريبة غير الواضحة أحيانا، التي تنتهي قبل أن تتبين المقصود منها بما يوحي بأنك في قلب واقع مهتز ومضطرب) لكن هذ الأسلوب لا يحول دون الإحساس المباشر طيلة الوقت، بأننا أمام عمل خيالي يريد مخرجه أن يرمز من خلاله إلى مأساة اللاجئين والمشردين في أوروبا لكنه قد ضلّ الطريق.
النزعة إلى الرمز ولو من خلال التجريد، توقع الفيلم في الكثير من المشاكل رغم ما تتركه من تأثير على المشاهدين، خاصة في تجسيد العلاقة بين الأب والابن الذي يضلّ ويفترق عن أبيه في ظل حالة من الذعر التي انتابت البلاد (يفترض أننا في السويد والدول الأسكندنافية عموما) ودفعت السكان إلى الفرار واللجوء إلى بلدان أخرى (المانيا مثلا) وكيف يلقون سوء المعاملة، ويضطرون للعيش على الهامش أو يهيمون على وجوههم.
أولى هذه المشاكل أن الفيلم يفرغ تماما مأساة اللاجئين من محتواها الحقيقي عندما يستبدل اللاجئين من بلدان الشرق الأوسط، بالأوروبيين أو بالسويديين، دون أن نعرف سببا لهذا الفزع والرعب أو التهديد المباشر لهم في بلادهم.
وثانيا تبدو الرغبة في “التغريب” بقصد “التقريب” زائفة تماما، بل وتؤدي إلى عكس المقصود منها، أي إلى تغريب المشاهدين أنفسهم، ووضع حاجز ذهني بينهم وبين ما يشاهدونه على الشاشة.
هناك جهد واضح في التصوير لا شك فيه، وجهد آخر مماثل في التمثيل، وفي استخدام المجاميع من الممثلين الثانويين، وإعادة تصميم مواقع التصوير لتحقيق الإقناع بل والصدمة أحيانا، لكن الفيلم يضلّ طريقه رغم ذلك!
أغنية العقارب
المخرج الهندي المقيم في بريطانيا أنوب سنغ يأتي إلى المهرجان بفيلمه الثالث (وهو من تمويل فرنسي) “أغنية العقارب” لكنه يقف لما يقرب من 15 دقيقة على المسرح لكي يقدم الفيلم إلى الجمهور، وهو في رأيي ما أفسد متعة مشاهدة الفيلم على الجميع، فالمخرج الذكي هو من يكتفي عادة بعبارتين أو ثلاث لتقديم فيلمه، ثم يترك الحديث المستفيض حوله للمناقشة التي تعقب العرض، خاصة وأن فيلم “أغنية العقارب” من الأفلام التي تعتمد على توصيل إحساس ما إلى المتفرج، لا على رسالة سياسية أو أخلاقية مباشرة.
صحيح أن الفيلم يريد أن يقول إنه يتعين على الإنسان أن يواجه نفسه بالحقيقة وأن يتعلم الصدق، وألا يكف قط عن البحث عن الحقيقة ولو بين رمال الصحراء، لكن مخرج الفيلم أساسا، يغلف هذه الأفكار ويضمرها في ثنايا الأسطورة.
هذه الأسطورة يجب أن يكتشف أبعادها المتفرج نفسه لكن أنوب سنغ يصرّ على أن يقدم لنا “مذكرة تفسيرية” حيث يشعر أن المشاهد يحتاجها، وهذا ناتج عن ضعف التجربة نفسها وعن خلل في السيناريو، الذي كتبه سنغ نفسه أيضا.
تقول الأسطورة إنه في إحدى قرى مقاطعة راجستان الصحراوية الهندية، هناك عقارب عندما يلدغ الواحد منها إنسانا يجب الاستعانة على الفور بمغنية متخصصة في علاج اللدغات قبل أن يتوفى الشخص خلال 24 ساعة متأثرا بسم العقرب.
هذه المغنية تحمل بالطبع سرا ما، فهي تستطيع عن طريق قياس نبض المصاب أن تتوصل إلى لحن وكلمات الأغنية التي ترددها على جسده فيشفى وينهض معافى سليما بعد أن تعود إليه الحياة. وفي الفيلم شخصية امرأة تدعى أما جدة بطلة الفيلم نوران (التي تقوم بدورها ببراعتها المعهودة الممثلة الإيرانية غولشيفته فرحاني).
المرأة العجوز تتدرب على الغناء وسط كثبان الرمال لكي تحافظ على التقليد الموروث، ونوران تجيد هذا النوع من الغناء بعد أن ورثته عن جدتها، لكن شخصيتها متمردة عنيدة. يقابلها من الجهة الأخرى بطل الفيلم آدم (عرفان خان) وهو تاجر جمال، يحلم باستعادة لقاء قديم مع نوران يريد أن يجعلها تحبه وتقبل أن تتزوجه.
وعندما يلتقيان يناجيها وينشد لها أشعار غزل، لكنها تقوم بتعذيبه في مشهد إيروتيكي لا مجال له في السياق، خاصة وأنها لا تستجيب له بل تتركه ينال العقاب من جانب بضعة رجال يعتبرونه قد تجرّأ وحاول الاعتداء عليها. لكن نوران تتعرض بالفعل للاعتداء الجنسي ولكن من جانب صديقه، ثم تفقد صوتها وقدرتها على الغناء وتعود إلى قريتها ذليلة محطمة.
رمزية تحقيق الشفاء بالغناء الذي يبدو كما لو كان تضرعا، مثيرة للمشاعر دون شك، ولكن المشكلة أن سياق السرد في الفيلم يسير كيفما اتفق، فلا هو يروي قصة محكمة واضحة القسمات، ولا هو يترك للتداعيات المتفرقة أن تأخذ مجالها، فيفشل الفيلم في أن يصبح مفهوما رغم أن المشاهدين في الغرب لا شك سيتأثرون كثيرا بجمال مناظره وصوره في تلك البقعة “الغريبة” المثيرة، خاصة مع أداء جولشفيته فرحاني (وهي تؤدي بل وتغني أيضا هنا باللغة الهندوسية، عن طريق الدوبلاج) وقد سبق أن تألقت في أفلام مثل “عن إيلي”، و”حجر الصمت”، و”دجاج بالخوخ” وغيرها بعد أن هجرت إيران، واستقرت في باريس وأصبحت تعمل كثيرا في السينما العالمية.
جون أفريقيا
شهدت المسابقة الرئيسية للمهرجان (مسابقة جوائز النمر) العرض العالمي الأول للفيلم البرتغالي “جون أفريقيا” وهو من إخراج الثنائي فيليبا ريس وخواو ميللر غيرا. لا شك أن الفيلم عملٌ طموح يسير على هدي أفلام الطريق، مع تنويعات ترتبط ب”ثيمة” البحث عن الهوية من خلال الرغبة في العثور على الجذور.
بطل الفيلم شاب أفريقي يدعى ميغيل موريرا، ولد ونشأ في البرتغال، لكنه يبدو مقطوع الصلة بماضي أسرته تماما. جدته هي التي تولت تربيته. وهو الآن بلا عمل، يهيم على وجهه، يتخذ لنفسه أو يطلق عليه الآخرون “جون أفريقيا”، يقين علاقات نسائية، رغم أن لديه صديقة تحبه.
لكنه طيب القلب بل وأقرب ما يكون إلى طفل كبير. ذات يوم تستوقفه امرأة في الطريق تقول له إنه نسخة طبق الأصل من والده (الذي كان يدعى ميغيل أيضا) والذي كان مثله صعلوكا مغامرا.
من هنا يبدأ الشاب في التساؤل عن والده الذي لم يره منذ أن كان طفلا صغيرا. تحدثه عنه جدته وتقول له إنه سجن ثم تم ترحيله من البرتغال إلى جزيرة “كيب فيردي” التي جاء منها أصلا. تكبر الفكرة في رأس الشاب فيسافر إلى الجزيرة الصغيرة الواقعة قبالة الساحل الغربي الأفريقي بحثا عن والده. هناك ينتقل من قرية إلى أخرى، ويقابل شخصيات عديدة، ويتعرض للكثير من المواقف الصعبة، لكنه ينتهي بصحبة سيدة عجوز تغير كثيرا من نظرته إلى الحياة.
جمال هذا الفيلم يكمن في طابعه الساحر الذي يجعلك تشعر بأنك أمام شخصيات حقيقية من لحم ودم، خاصة وأن مخرجي الفيلم يستعينان بالفعل مع بعض الشخصيات الحقيقية من سكان الجزيرة.
كما أن السيناريو يركز على مختلف جوانب الشخصية: الرغبة في اكتشاف الذات، من أين جاء، وإلى أي موطن ينتمي، وما الذي يمكن أن يجعله يتحمل المسؤولية ويكف عن العبث، مغامراته النسائية، هل يمكن أن تتغير شخصيته ويستفيق ويصبح رجلا يتحمل المسؤولية بالفعل بعد توحده مع الطبيعة في محيطه الأصلي، وبعد أن أصبح مسؤولا عن إدارة مكان مهمّ وإن كان صغيرا، مع سيدة عجوز تمنحه الحب والاهتمام والرعاية؟ في جعبة مهرجان روتردام الكثير من المفاجآت. وما علينا سوى أن ننتظر أيضا عرض الأفلام العربية الجديدة.
ناقد سينمائي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.