موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 5 يونيو 2025    المصرية للاتصالات WE تعلن الإطلاق الرسمي لخدمات الجيل الخامس في مصر    إعلام فلسطيني: الاحتلال يقصف بكثافة خيام نازحين في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة    جماهير الأهلي تطالب بمحاسبة هاني شكري.. وتحرك قانوني عاجل    «وكمان تيشيرت أحمر».. مدرب الزمالك السابق يتحسر على انتقال زيزو إلى الأهلي    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    أكثر من مليون ونصف حاج.. بدء تصعيد الحجاج إلى مشعر عرفات    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث سير ببني سويف    لقطات جديدة من حفل زفاف محمد شاهين والمنتجة رشا الظنحاني، ومفاجأة من العروس (فيديو)    تهنئة عيد الأضحى 2025.. أجمل عبارات التهنئة لأحبائك وأصدقائك (ارسلها الآن)    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    ما هى أوقات استجابة الدعاء في يوم عرفه 2025 وأفضل الأعمال المستحبة؟.. الإفتاء توضح    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    أوكرانيا تعتمد على زيادة إنتاج الأسلحة في الخارج    «الطقس× العيد».. حار إلى شديد الحرارة وتحذير من الشبورة والرياح واضطراب الملاحة (نصائح الأرصاد)    «الأرصاد» تكشف عن حالة الطقس اليوم الخميس.. والعظمى بالقاهرة 35    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    البيت الأبيض يرد على انتقادات ماسك لقانون الموازنة: العلاقات متناغمة وترامب ملتزم بدعم القانون    أمين مجمع البحوث الإسلامية الأسبق يكرم حفظة القرآن الكريم بمدينة طهطا    9 ذو الحجة.. ماذا يفعل الحجيج في يوم عرفة؟    سعر السمك والجمبري والكابوريا بالأسواق اليوم الخميس 5 يونيو 2025    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    أغانى الحج.. رحلة من الشوق والإيمان إلى البيت الحرام    أيمن بهجت قمر يحتفل بتخرج ابنه: أخيرا بهجت عملها (صور)    "عاد إلى داره".. الرجاء المغربي يعلن تعاقده مع بدر بانون    مطار العاصمة الإدارية يستقبل أولى الرحلات القادمة من سلوفاكيا على متنها 152 راكبا (صور)    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    محافظ الدقهلية يتابع عمليات نظافة الحدائق والميادين استعدادا للعيد    الوزير: "لدينا مصنع بيفتح كل ساعتين صحيح وعندنا قائمة بالأسماء"    وزيرة البيئة تنفي بيع المحميات الطبيعية: نتجه للاستثمار فيها    حدث ليلًا| استرداد قطعًا أثرية من أمريكا وتفعيل شبكات الجيل الخامس    دعاء من القلب بصوت الدكتور علي جمعة على قناة الناس.. فيديو    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عزون شرق قلقيلية بالضفة الغربية    الأمم المتحدة تدعو إلى التوصل لمعاهدة عالمية جديدة لإنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية    «مدبولي» يوجه الحكومة بالجاهزية لتلافي أي أزمات خلال عيد الأضحى    نجل سميحة أيوب يكشف موعد ومكان عزاء والدته الراحلة    "عصام" يطلب تطليق زوجته: "فضحتني ومحبوسة في قضية مُخلة بالشرف"    التأمين الصحى بالقليوبية: رفع درجة الاستعداد القصوى بمستشفيات استعدادًا لعيد الأضحى    مسابقة لتعيين 21 ألف معلم مساعد    دبلوماسية روسية: أمريكا أكبر مدين للأمم المتحدة بأكثر من 3 مليارات دولار    مفتي الجمهورية يهنئ رئيس الوزراء وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى المبارك    «الأوقاف» تعلن موضوع خطبة عيد الأضحى    حفروا على مسافة 300 متر من طريق الكباش.. و«اللجنة»: سيقود لكشف أثري كبير    مصادر مطلعة: حماس توافق على مقترح «ويتكوف» مع 4 تعديلات    مصر تطلع المبعوث الصيني للشرق الأوسط على جهود وقف النار في غزة    نور الشربيني تتأهل لربع نهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش وهزيمة 6 مصريين    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    وفد الأقباط الإنجيليين يقدم التهنئة لمحافظ أسوان بمناسبة عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهرجان روتردام ال47 يفتتح فعالياته بفيلم سويدي عن اللاجئين
نشر في صوت البلد يوم 29 - 01 - 2018

لم يكن فيلم افتتاح الدورة ال47 من مهرجان روتردام السينمائي يختلف كثيرا في مستواه، عن غيره من أفلام الافتتاح خلال السنوات القليلة الماضية، فالفيلم السويدي “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت، الذي يبدأ بداية واعدة سرعان ما ينتهي إلى أقل كثيرا من الطموح الذي بشرتنا به تلك البداية.
النزعة إلى الرمز
لا يروي فيلم “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت قصة بقدر ما يصور حالة تخيّلية افتراضية. هذه الحالة صحيح أنها تبدو مصورة في سياق واقعي بل تتخذ طابعا سينمائيا قريبا من أسلوب الفيلم التسجيلي (الكاميرا المهتزة المحمولة التي تتابع البطل الصغير في حركة دائمة وتستغرق زمنا طويلا على الشاشة، اللقطات القريبة غير الواضحة أحيانا، التي تنتهي قبل أن تتبين المقصود منها بما يوحي بأنك في قلب واقع مهتز ومضطرب) لكن هذ الأسلوب لا يحول دون الإحساس المباشر طيلة الوقت، بأننا أمام عمل خيالي يريد مخرجه أن يرمز من خلاله إلى مأساة اللاجئين والمشردين في أوروبا لكنه قد ضلّ الطريق.
النزعة إلى الرمز ولو من خلال التجريد، توقع الفيلم في الكثير من المشاكل رغم ما تتركه من تأثير على المشاهدين، خاصة في تجسيد العلاقة بين الأب والابن الذي يضلّ ويفترق عن أبيه في ظل حالة من الذعر التي انتابت البلاد (يفترض أننا في السويد والدول الأسكندنافية عموما) ودفعت السكان إلى الفرار واللجوء إلى بلدان أخرى (المانيا مثلا) وكيف يلقون سوء المعاملة، ويضطرون للعيش على الهامش أو يهيمون على وجوههم.
أولى هذه المشاكل أن الفيلم يفرغ تماما مأساة اللاجئين من محتواها الحقيقي عندما يستبدل اللاجئين من بلدان الشرق الأوسط، بالأوروبيين أو بالسويديين، دون أن نعرف سببا لهذا الفزع والرعب أو التهديد المباشر لهم في بلادهم.
وثانيا تبدو الرغبة في “التغريب” بقصد “التقريب” زائفة تماما، بل وتؤدي إلى عكس المقصود منها، أي إلى تغريب المشاهدين أنفسهم، ووضع حاجز ذهني بينهم وبين ما يشاهدونه على الشاشة.
هناك جهد واضح في التصوير لا شك فيه، وجهد آخر مماثل في التمثيل، وفي استخدام المجاميع من الممثلين الثانويين، وإعادة تصميم مواقع التصوير لتحقيق الإقناع بل والصدمة أحيانا، لكن الفيلم يضلّ طريقه رغم ذلك!
أغنية العقارب
المخرج الهندي المقيم في بريطانيا أنوب سنغ يأتي إلى المهرجان بفيلمه الثالث (وهو من تمويل فرنسي) “أغنية العقارب” لكنه يقف لما يقرب من 15 دقيقة على المسرح لكي يقدم الفيلم إلى الجمهور، وهو في رأيي ما أفسد متعة مشاهدة الفيلم على الجميع، فالمخرج الذكي هو من يكتفي عادة بعبارتين أو ثلاث لتقديم فيلمه، ثم يترك الحديث المستفيض حوله للمناقشة التي تعقب العرض، خاصة وأن فيلم “أغنية العقارب” من الأفلام التي تعتمد على توصيل إحساس ما إلى المتفرج، لا على رسالة سياسية أو أخلاقية مباشرة.
صحيح أن الفيلم يريد أن يقول إنه يتعين على الإنسان أن يواجه نفسه بالحقيقة وأن يتعلم الصدق، وألا يكف قط عن البحث عن الحقيقة ولو بين رمال الصحراء، لكن مخرج الفيلم أساسا، يغلف هذه الأفكار ويضمرها في ثنايا الأسطورة.
هذه الأسطورة يجب أن يكتشف أبعادها المتفرج نفسه لكن أنوب سنغ يصرّ على أن يقدم لنا “مذكرة تفسيرية” حيث يشعر أن المشاهد يحتاجها، وهذا ناتج عن ضعف التجربة نفسها وعن خلل في السيناريو، الذي كتبه سنغ نفسه أيضا.
تقول الأسطورة إنه في إحدى قرى مقاطعة راجستان الصحراوية الهندية، هناك عقارب عندما يلدغ الواحد منها إنسانا يجب الاستعانة على الفور بمغنية متخصصة في علاج اللدغات قبل أن يتوفى الشخص خلال 24 ساعة متأثرا بسم العقرب.
هذه المغنية تحمل بالطبع سرا ما، فهي تستطيع عن طريق قياس نبض المصاب أن تتوصل إلى لحن وكلمات الأغنية التي ترددها على جسده فيشفى وينهض معافى سليما بعد أن تعود إليه الحياة. وفي الفيلم شخصية امرأة تدعى أما جدة بطلة الفيلم نوران (التي تقوم بدورها ببراعتها المعهودة الممثلة الإيرانية غولشيفته فرحاني).
المرأة العجوز تتدرب على الغناء وسط كثبان الرمال لكي تحافظ على التقليد الموروث، ونوران تجيد هذا النوع من الغناء بعد أن ورثته عن جدتها، لكن شخصيتها متمردة عنيدة. يقابلها من الجهة الأخرى بطل الفيلم آدم (عرفان خان) وهو تاجر جمال، يحلم باستعادة لقاء قديم مع نوران يريد أن يجعلها تحبه وتقبل أن تتزوجه.
وعندما يلتقيان يناجيها وينشد لها أشعار غزل، لكنها تقوم بتعذيبه في مشهد إيروتيكي لا مجال له في السياق، خاصة وأنها لا تستجيب له بل تتركه ينال العقاب من جانب بضعة رجال يعتبرونه قد تجرّأ وحاول الاعتداء عليها. لكن نوران تتعرض بالفعل للاعتداء الجنسي ولكن من جانب صديقه، ثم تفقد صوتها وقدرتها على الغناء وتعود إلى قريتها ذليلة محطمة.
رمزية تحقيق الشفاء بالغناء الذي يبدو كما لو كان تضرعا، مثيرة للمشاعر دون شك، ولكن المشكلة أن سياق السرد في الفيلم يسير كيفما اتفق، فلا هو يروي قصة محكمة واضحة القسمات، ولا هو يترك للتداعيات المتفرقة أن تأخذ مجالها، فيفشل الفيلم في أن يصبح مفهوما رغم أن المشاهدين في الغرب لا شك سيتأثرون كثيرا بجمال مناظره وصوره في تلك البقعة “الغريبة” المثيرة، خاصة مع أداء جولشفيته فرحاني (وهي تؤدي بل وتغني أيضا هنا باللغة الهندوسية، عن طريق الدوبلاج) وقد سبق أن تألقت في أفلام مثل “عن إيلي”، و”حجر الصمت”، و”دجاج بالخوخ” وغيرها بعد أن هجرت إيران، واستقرت في باريس وأصبحت تعمل كثيرا في السينما العالمية.
جون أفريقيا
شهدت المسابقة الرئيسية للمهرجان (مسابقة جوائز النمر) العرض العالمي الأول للفيلم البرتغالي “جون أفريقيا” وهو من إخراج الثنائي فيليبا ريس وخواو ميللر غيرا. لا شك أن الفيلم عملٌ طموح يسير على هدي أفلام الطريق، مع تنويعات ترتبط ب”ثيمة” البحث عن الهوية من خلال الرغبة في العثور على الجذور.
بطل الفيلم شاب أفريقي يدعى ميغيل موريرا، ولد ونشأ في البرتغال، لكنه يبدو مقطوع الصلة بماضي أسرته تماما. جدته هي التي تولت تربيته. وهو الآن بلا عمل، يهيم على وجهه، يتخذ لنفسه أو يطلق عليه الآخرون “جون أفريقيا”، يقين علاقات نسائية، رغم أن لديه صديقة تحبه.
لكنه طيب القلب بل وأقرب ما يكون إلى طفل كبير. ذات يوم تستوقفه امرأة في الطريق تقول له إنه نسخة طبق الأصل من والده (الذي كان يدعى ميغيل أيضا) والذي كان مثله صعلوكا مغامرا.
من هنا يبدأ الشاب في التساؤل عن والده الذي لم يره منذ أن كان طفلا صغيرا. تحدثه عنه جدته وتقول له إنه سجن ثم تم ترحيله من البرتغال إلى جزيرة “كيب فيردي” التي جاء منها أصلا. تكبر الفكرة في رأس الشاب فيسافر إلى الجزيرة الصغيرة الواقعة قبالة الساحل الغربي الأفريقي بحثا عن والده. هناك ينتقل من قرية إلى أخرى، ويقابل شخصيات عديدة، ويتعرض للكثير من المواقف الصعبة، لكنه ينتهي بصحبة سيدة عجوز تغير كثيرا من نظرته إلى الحياة.
جمال هذا الفيلم يكمن في طابعه الساحر الذي يجعلك تشعر بأنك أمام شخصيات حقيقية من لحم ودم، خاصة وأن مخرجي الفيلم يستعينان بالفعل مع بعض الشخصيات الحقيقية من سكان الجزيرة.
كما أن السيناريو يركز على مختلف جوانب الشخصية: الرغبة في اكتشاف الذات، من أين جاء، وإلى أي موطن ينتمي، وما الذي يمكن أن يجعله يتحمل المسؤولية ويكف عن العبث، مغامراته النسائية، هل يمكن أن تتغير شخصيته ويستفيق ويصبح رجلا يتحمل المسؤولية بالفعل بعد توحده مع الطبيعة في محيطه الأصلي، وبعد أن أصبح مسؤولا عن إدارة مكان مهمّ وإن كان صغيرا، مع سيدة عجوز تمنحه الحب والاهتمام والرعاية؟ في جعبة مهرجان روتردام الكثير من المفاجآت. وما علينا سوى أن ننتظر أيضا عرض الأفلام العربية الجديدة.
ناقد سينمائي مصري
لم يكن فيلم افتتاح الدورة ال47 من مهرجان روتردام السينمائي يختلف كثيرا في مستواه، عن غيره من أفلام الافتتاح خلال السنوات القليلة الماضية، فالفيلم السويدي “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت، الذي يبدأ بداية واعدة سرعان ما ينتهي إلى أقل كثيرا من الطموح الذي بشرتنا به تلك البداية.
النزعة إلى الرمز
لا يروي فيلم “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت قصة بقدر ما يصور حالة تخيّلية افتراضية. هذه الحالة صحيح أنها تبدو مصورة في سياق واقعي بل تتخذ طابعا سينمائيا قريبا من أسلوب الفيلم التسجيلي (الكاميرا المهتزة المحمولة التي تتابع البطل الصغير في حركة دائمة وتستغرق زمنا طويلا على الشاشة، اللقطات القريبة غير الواضحة أحيانا، التي تنتهي قبل أن تتبين المقصود منها بما يوحي بأنك في قلب واقع مهتز ومضطرب) لكن هذ الأسلوب لا يحول دون الإحساس المباشر طيلة الوقت، بأننا أمام عمل خيالي يريد مخرجه أن يرمز من خلاله إلى مأساة اللاجئين والمشردين في أوروبا لكنه قد ضلّ الطريق.
النزعة إلى الرمز ولو من خلال التجريد، توقع الفيلم في الكثير من المشاكل رغم ما تتركه من تأثير على المشاهدين، خاصة في تجسيد العلاقة بين الأب والابن الذي يضلّ ويفترق عن أبيه في ظل حالة من الذعر التي انتابت البلاد (يفترض أننا في السويد والدول الأسكندنافية عموما) ودفعت السكان إلى الفرار واللجوء إلى بلدان أخرى (المانيا مثلا) وكيف يلقون سوء المعاملة، ويضطرون للعيش على الهامش أو يهيمون على وجوههم.
أولى هذه المشاكل أن الفيلم يفرغ تماما مأساة اللاجئين من محتواها الحقيقي عندما يستبدل اللاجئين من بلدان الشرق الأوسط، بالأوروبيين أو بالسويديين، دون أن نعرف سببا لهذا الفزع والرعب أو التهديد المباشر لهم في بلادهم.
وثانيا تبدو الرغبة في “التغريب” بقصد “التقريب” زائفة تماما، بل وتؤدي إلى عكس المقصود منها، أي إلى تغريب المشاهدين أنفسهم، ووضع حاجز ذهني بينهم وبين ما يشاهدونه على الشاشة.
هناك جهد واضح في التصوير لا شك فيه، وجهد آخر مماثل في التمثيل، وفي استخدام المجاميع من الممثلين الثانويين، وإعادة تصميم مواقع التصوير لتحقيق الإقناع بل والصدمة أحيانا، لكن الفيلم يضلّ طريقه رغم ذلك!
أغنية العقارب
المخرج الهندي المقيم في بريطانيا أنوب سنغ يأتي إلى المهرجان بفيلمه الثالث (وهو من تمويل فرنسي) “أغنية العقارب” لكنه يقف لما يقرب من 15 دقيقة على المسرح لكي يقدم الفيلم إلى الجمهور، وهو في رأيي ما أفسد متعة مشاهدة الفيلم على الجميع، فالمخرج الذكي هو من يكتفي عادة بعبارتين أو ثلاث لتقديم فيلمه، ثم يترك الحديث المستفيض حوله للمناقشة التي تعقب العرض، خاصة وأن فيلم “أغنية العقارب” من الأفلام التي تعتمد على توصيل إحساس ما إلى المتفرج، لا على رسالة سياسية أو أخلاقية مباشرة.
صحيح أن الفيلم يريد أن يقول إنه يتعين على الإنسان أن يواجه نفسه بالحقيقة وأن يتعلم الصدق، وألا يكف قط عن البحث عن الحقيقة ولو بين رمال الصحراء، لكن مخرج الفيلم أساسا، يغلف هذه الأفكار ويضمرها في ثنايا الأسطورة.
هذه الأسطورة يجب أن يكتشف أبعادها المتفرج نفسه لكن أنوب سنغ يصرّ على أن يقدم لنا “مذكرة تفسيرية” حيث يشعر أن المشاهد يحتاجها، وهذا ناتج عن ضعف التجربة نفسها وعن خلل في السيناريو، الذي كتبه سنغ نفسه أيضا.
تقول الأسطورة إنه في إحدى قرى مقاطعة راجستان الصحراوية الهندية، هناك عقارب عندما يلدغ الواحد منها إنسانا يجب الاستعانة على الفور بمغنية متخصصة في علاج اللدغات قبل أن يتوفى الشخص خلال 24 ساعة متأثرا بسم العقرب.
هذه المغنية تحمل بالطبع سرا ما، فهي تستطيع عن طريق قياس نبض المصاب أن تتوصل إلى لحن وكلمات الأغنية التي ترددها على جسده فيشفى وينهض معافى سليما بعد أن تعود إليه الحياة. وفي الفيلم شخصية امرأة تدعى أما جدة بطلة الفيلم نوران (التي تقوم بدورها ببراعتها المعهودة الممثلة الإيرانية غولشيفته فرحاني).
المرأة العجوز تتدرب على الغناء وسط كثبان الرمال لكي تحافظ على التقليد الموروث، ونوران تجيد هذا النوع من الغناء بعد أن ورثته عن جدتها، لكن شخصيتها متمردة عنيدة. يقابلها من الجهة الأخرى بطل الفيلم آدم (عرفان خان) وهو تاجر جمال، يحلم باستعادة لقاء قديم مع نوران يريد أن يجعلها تحبه وتقبل أن تتزوجه.
وعندما يلتقيان يناجيها وينشد لها أشعار غزل، لكنها تقوم بتعذيبه في مشهد إيروتيكي لا مجال له في السياق، خاصة وأنها لا تستجيب له بل تتركه ينال العقاب من جانب بضعة رجال يعتبرونه قد تجرّأ وحاول الاعتداء عليها. لكن نوران تتعرض بالفعل للاعتداء الجنسي ولكن من جانب صديقه، ثم تفقد صوتها وقدرتها على الغناء وتعود إلى قريتها ذليلة محطمة.
رمزية تحقيق الشفاء بالغناء الذي يبدو كما لو كان تضرعا، مثيرة للمشاعر دون شك، ولكن المشكلة أن سياق السرد في الفيلم يسير كيفما اتفق، فلا هو يروي قصة محكمة واضحة القسمات، ولا هو يترك للتداعيات المتفرقة أن تأخذ مجالها، فيفشل الفيلم في أن يصبح مفهوما رغم أن المشاهدين في الغرب لا شك سيتأثرون كثيرا بجمال مناظره وصوره في تلك البقعة “الغريبة” المثيرة، خاصة مع أداء جولشفيته فرحاني (وهي تؤدي بل وتغني أيضا هنا باللغة الهندوسية، عن طريق الدوبلاج) وقد سبق أن تألقت في أفلام مثل “عن إيلي”، و”حجر الصمت”، و”دجاج بالخوخ” وغيرها بعد أن هجرت إيران، واستقرت في باريس وأصبحت تعمل كثيرا في السينما العالمية.
جون أفريقيا
شهدت المسابقة الرئيسية للمهرجان (مسابقة جوائز النمر) العرض العالمي الأول للفيلم البرتغالي “جون أفريقيا” وهو من إخراج الثنائي فيليبا ريس وخواو ميللر غيرا. لا شك أن الفيلم عملٌ طموح يسير على هدي أفلام الطريق، مع تنويعات ترتبط ب”ثيمة” البحث عن الهوية من خلال الرغبة في العثور على الجذور.
بطل الفيلم شاب أفريقي يدعى ميغيل موريرا، ولد ونشأ في البرتغال، لكنه يبدو مقطوع الصلة بماضي أسرته تماما. جدته هي التي تولت تربيته. وهو الآن بلا عمل، يهيم على وجهه، يتخذ لنفسه أو يطلق عليه الآخرون “جون أفريقيا”، يقين علاقات نسائية، رغم أن لديه صديقة تحبه.
لكنه طيب القلب بل وأقرب ما يكون إلى طفل كبير. ذات يوم تستوقفه امرأة في الطريق تقول له إنه نسخة طبق الأصل من والده (الذي كان يدعى ميغيل أيضا) والذي كان مثله صعلوكا مغامرا.
من هنا يبدأ الشاب في التساؤل عن والده الذي لم يره منذ أن كان طفلا صغيرا. تحدثه عنه جدته وتقول له إنه سجن ثم تم ترحيله من البرتغال إلى جزيرة “كيب فيردي” التي جاء منها أصلا. تكبر الفكرة في رأس الشاب فيسافر إلى الجزيرة الصغيرة الواقعة قبالة الساحل الغربي الأفريقي بحثا عن والده. هناك ينتقل من قرية إلى أخرى، ويقابل شخصيات عديدة، ويتعرض للكثير من المواقف الصعبة، لكنه ينتهي بصحبة سيدة عجوز تغير كثيرا من نظرته إلى الحياة.
جمال هذا الفيلم يكمن في طابعه الساحر الذي يجعلك تشعر بأنك أمام شخصيات حقيقية من لحم ودم، خاصة وأن مخرجي الفيلم يستعينان بالفعل مع بعض الشخصيات الحقيقية من سكان الجزيرة.
كما أن السيناريو يركز على مختلف جوانب الشخصية: الرغبة في اكتشاف الذات، من أين جاء، وإلى أي موطن ينتمي، وما الذي يمكن أن يجعله يتحمل المسؤولية ويكف عن العبث، مغامراته النسائية، هل يمكن أن تتغير شخصيته ويستفيق ويصبح رجلا يتحمل المسؤولية بالفعل بعد توحده مع الطبيعة في محيطه الأصلي، وبعد أن أصبح مسؤولا عن إدارة مكان مهمّ وإن كان صغيرا، مع سيدة عجوز تمنحه الحب والاهتمام والرعاية؟ في جعبة مهرجان روتردام الكثير من المفاجآت. وما علينا سوى أن ننتظر أيضا عرض الأفلام العربية الجديدة.
ناقد سينمائي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.