وزيرة التضامن: لدينا 48 ألف حضانة يعمل بها 254 ألف عامل و75% منها غير مرخص    رانيا المشاط: مصر وضعت بصمة واضحة في خريطة الجهود العالمية للعمل المناخي    استعدادًا لمعرض "EDEX 2025"، وزير الدولة للإنتاج الحربي يستقبل سفير بلغاريا    محافظ الفيوم يؤكد على ضرورة مواصلة العمل الجاد لتحسين مؤشرات ملف التقنين    الاحصاء: معدل البطالة 6.4٪ خلال الربع الثالث لعام 2025    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    «الإسكان» تعتمد تخطيط وتقسيم قطعة أرض ضمن مشروع صواري بمحافظة الإسكندرية    وزير الخارجية الإسرائيلي: لن تكون هناك دولة فلسطينية    إيران: الهجوم الإسرائيلي على منشآتنا يؤكد استغلال معلومات من الوكالة الدولية للطاقة الذرية    شبكة أطباء السودان: توثيق 32 حالة اغتصاب بالفاشر بعد اجتياح ميليشيا الدعم السريع    بن غفير: لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني هذا شيء "مُختلق" ولا أساس له    تصفيات مونديال 2026| صدام قوي بين نيجيريا والكونغو الديمقراطية بنهائي الملحق الأفريقي    ب30 ميدالية، بعثة مصر تواصل التألق في دورة التضامن الإسلامي بالسعودية    الأهلي يتوصل لاتفاق مع حسين الشحات لتجديد تعاقده    حقه يكمل مشواره| شوبير يدافع عن حسام حسن قبل مباراة مصر وكاب فيردي    حقيقة وجود عرض فرنسي للتعاقد مع نجم الأهلي    هل يتفاوض الأهلي مع ماييلي وينتقل وسام أبوعلي بيراميدز في الصفقات الشتوية ؟ اعرف التفاصيل    تخلص من شقيقه الأصغر بسبب 50 جنيهًا    ضبط 6 ملايين جنيه في قضايا النقد الأجنبي و9 أطنان دقيق خلال 24 ساعة    ضبط صاحب مخبز بكفر الزيات لاستيلائه على 11 جوال دقيق مدعم وبيعها في السوق السوداء    محافظ الأقصر يقوم بتوزيع مساعدات فورية عاجلة لأسر مصابي حادث الطريق الصحراوي الغربي بإسنا    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    محمود سعد أول الحضور بندوة خالد النبوى فى مهرجان القاهرة السينمائى    الدكتور وليد قانوش ينعي الإعلامي محمد الطويل    «عظيم ومبهر».. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية الأحد 16 نوفمبر 2025    تقارير: زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    أمين البحوث الإسلامية يبحث مع رئيس جامعة أسيوط تعزيز التعاون لنشر الوعي بين الطلاب    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    حالة الطقس في السعودية اليوم الأحد.. أمطار رعدية غزيرة وتحذيرات من السيول    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    بمشاركة 46 متدربًا من 22 دولة أفريقية.. اختتام الدورة التدريبية ال6 لمكافحة الجريمة    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    156 عاما على افتتاح قناة السويس، الممر المائي الذي غير حركة التاريخ    سؤال برلمانى بشأن ظاهرة العجز الصارخ فى المعلمين    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    طريقة عمل صدور الفراخ، بصوص الليمون والثوم    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    استقرار أسعار الذهب الأحد 16 نوفمبر.. وعيار 21 يسجل 5455 جنيهًا    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهرجان روتردام ال47 يفتتح فعالياته بفيلم سويدي عن اللاجئين
نشر في صوت البلد يوم 29 - 01 - 2018

لم يكن فيلم افتتاح الدورة ال47 من مهرجان روتردام السينمائي يختلف كثيرا في مستواه، عن غيره من أفلام الافتتاح خلال السنوات القليلة الماضية، فالفيلم السويدي “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت، الذي يبدأ بداية واعدة سرعان ما ينتهي إلى أقل كثيرا من الطموح الذي بشرتنا به تلك البداية.
النزعة إلى الرمز
لا يروي فيلم “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت قصة بقدر ما يصور حالة تخيّلية افتراضية. هذه الحالة صحيح أنها تبدو مصورة في سياق واقعي بل تتخذ طابعا سينمائيا قريبا من أسلوب الفيلم التسجيلي (الكاميرا المهتزة المحمولة التي تتابع البطل الصغير في حركة دائمة وتستغرق زمنا طويلا على الشاشة، اللقطات القريبة غير الواضحة أحيانا، التي تنتهي قبل أن تتبين المقصود منها بما يوحي بأنك في قلب واقع مهتز ومضطرب) لكن هذ الأسلوب لا يحول دون الإحساس المباشر طيلة الوقت، بأننا أمام عمل خيالي يريد مخرجه أن يرمز من خلاله إلى مأساة اللاجئين والمشردين في أوروبا لكنه قد ضلّ الطريق.
النزعة إلى الرمز ولو من خلال التجريد، توقع الفيلم في الكثير من المشاكل رغم ما تتركه من تأثير على المشاهدين، خاصة في تجسيد العلاقة بين الأب والابن الذي يضلّ ويفترق عن أبيه في ظل حالة من الذعر التي انتابت البلاد (يفترض أننا في السويد والدول الأسكندنافية عموما) ودفعت السكان إلى الفرار واللجوء إلى بلدان أخرى (المانيا مثلا) وكيف يلقون سوء المعاملة، ويضطرون للعيش على الهامش أو يهيمون على وجوههم.
أولى هذه المشاكل أن الفيلم يفرغ تماما مأساة اللاجئين من محتواها الحقيقي عندما يستبدل اللاجئين من بلدان الشرق الأوسط، بالأوروبيين أو بالسويديين، دون أن نعرف سببا لهذا الفزع والرعب أو التهديد المباشر لهم في بلادهم.
وثانيا تبدو الرغبة في “التغريب” بقصد “التقريب” زائفة تماما، بل وتؤدي إلى عكس المقصود منها، أي إلى تغريب المشاهدين أنفسهم، ووضع حاجز ذهني بينهم وبين ما يشاهدونه على الشاشة.
هناك جهد واضح في التصوير لا شك فيه، وجهد آخر مماثل في التمثيل، وفي استخدام المجاميع من الممثلين الثانويين، وإعادة تصميم مواقع التصوير لتحقيق الإقناع بل والصدمة أحيانا، لكن الفيلم يضلّ طريقه رغم ذلك!
أغنية العقارب
المخرج الهندي المقيم في بريطانيا أنوب سنغ يأتي إلى المهرجان بفيلمه الثالث (وهو من تمويل فرنسي) “أغنية العقارب” لكنه يقف لما يقرب من 15 دقيقة على المسرح لكي يقدم الفيلم إلى الجمهور، وهو في رأيي ما أفسد متعة مشاهدة الفيلم على الجميع، فالمخرج الذكي هو من يكتفي عادة بعبارتين أو ثلاث لتقديم فيلمه، ثم يترك الحديث المستفيض حوله للمناقشة التي تعقب العرض، خاصة وأن فيلم “أغنية العقارب” من الأفلام التي تعتمد على توصيل إحساس ما إلى المتفرج، لا على رسالة سياسية أو أخلاقية مباشرة.
صحيح أن الفيلم يريد أن يقول إنه يتعين على الإنسان أن يواجه نفسه بالحقيقة وأن يتعلم الصدق، وألا يكف قط عن البحث عن الحقيقة ولو بين رمال الصحراء، لكن مخرج الفيلم أساسا، يغلف هذه الأفكار ويضمرها في ثنايا الأسطورة.
هذه الأسطورة يجب أن يكتشف أبعادها المتفرج نفسه لكن أنوب سنغ يصرّ على أن يقدم لنا “مذكرة تفسيرية” حيث يشعر أن المشاهد يحتاجها، وهذا ناتج عن ضعف التجربة نفسها وعن خلل في السيناريو، الذي كتبه سنغ نفسه أيضا.
تقول الأسطورة إنه في إحدى قرى مقاطعة راجستان الصحراوية الهندية، هناك عقارب عندما يلدغ الواحد منها إنسانا يجب الاستعانة على الفور بمغنية متخصصة في علاج اللدغات قبل أن يتوفى الشخص خلال 24 ساعة متأثرا بسم العقرب.
هذه المغنية تحمل بالطبع سرا ما، فهي تستطيع عن طريق قياس نبض المصاب أن تتوصل إلى لحن وكلمات الأغنية التي ترددها على جسده فيشفى وينهض معافى سليما بعد أن تعود إليه الحياة. وفي الفيلم شخصية امرأة تدعى أما جدة بطلة الفيلم نوران (التي تقوم بدورها ببراعتها المعهودة الممثلة الإيرانية غولشيفته فرحاني).
المرأة العجوز تتدرب على الغناء وسط كثبان الرمال لكي تحافظ على التقليد الموروث، ونوران تجيد هذا النوع من الغناء بعد أن ورثته عن جدتها، لكن شخصيتها متمردة عنيدة. يقابلها من الجهة الأخرى بطل الفيلم آدم (عرفان خان) وهو تاجر جمال، يحلم باستعادة لقاء قديم مع نوران يريد أن يجعلها تحبه وتقبل أن تتزوجه.
وعندما يلتقيان يناجيها وينشد لها أشعار غزل، لكنها تقوم بتعذيبه في مشهد إيروتيكي لا مجال له في السياق، خاصة وأنها لا تستجيب له بل تتركه ينال العقاب من جانب بضعة رجال يعتبرونه قد تجرّأ وحاول الاعتداء عليها. لكن نوران تتعرض بالفعل للاعتداء الجنسي ولكن من جانب صديقه، ثم تفقد صوتها وقدرتها على الغناء وتعود إلى قريتها ذليلة محطمة.
رمزية تحقيق الشفاء بالغناء الذي يبدو كما لو كان تضرعا، مثيرة للمشاعر دون شك، ولكن المشكلة أن سياق السرد في الفيلم يسير كيفما اتفق، فلا هو يروي قصة محكمة واضحة القسمات، ولا هو يترك للتداعيات المتفرقة أن تأخذ مجالها، فيفشل الفيلم في أن يصبح مفهوما رغم أن المشاهدين في الغرب لا شك سيتأثرون كثيرا بجمال مناظره وصوره في تلك البقعة “الغريبة” المثيرة، خاصة مع أداء جولشفيته فرحاني (وهي تؤدي بل وتغني أيضا هنا باللغة الهندوسية، عن طريق الدوبلاج) وقد سبق أن تألقت في أفلام مثل “عن إيلي”، و”حجر الصمت”، و”دجاج بالخوخ” وغيرها بعد أن هجرت إيران، واستقرت في باريس وأصبحت تعمل كثيرا في السينما العالمية.
جون أفريقيا
شهدت المسابقة الرئيسية للمهرجان (مسابقة جوائز النمر) العرض العالمي الأول للفيلم البرتغالي “جون أفريقيا” وهو من إخراج الثنائي فيليبا ريس وخواو ميللر غيرا. لا شك أن الفيلم عملٌ طموح يسير على هدي أفلام الطريق، مع تنويعات ترتبط ب”ثيمة” البحث عن الهوية من خلال الرغبة في العثور على الجذور.
بطل الفيلم شاب أفريقي يدعى ميغيل موريرا، ولد ونشأ في البرتغال، لكنه يبدو مقطوع الصلة بماضي أسرته تماما. جدته هي التي تولت تربيته. وهو الآن بلا عمل، يهيم على وجهه، يتخذ لنفسه أو يطلق عليه الآخرون “جون أفريقيا”، يقين علاقات نسائية، رغم أن لديه صديقة تحبه.
لكنه طيب القلب بل وأقرب ما يكون إلى طفل كبير. ذات يوم تستوقفه امرأة في الطريق تقول له إنه نسخة طبق الأصل من والده (الذي كان يدعى ميغيل أيضا) والذي كان مثله صعلوكا مغامرا.
من هنا يبدأ الشاب في التساؤل عن والده الذي لم يره منذ أن كان طفلا صغيرا. تحدثه عنه جدته وتقول له إنه سجن ثم تم ترحيله من البرتغال إلى جزيرة “كيب فيردي” التي جاء منها أصلا. تكبر الفكرة في رأس الشاب فيسافر إلى الجزيرة الصغيرة الواقعة قبالة الساحل الغربي الأفريقي بحثا عن والده. هناك ينتقل من قرية إلى أخرى، ويقابل شخصيات عديدة، ويتعرض للكثير من المواقف الصعبة، لكنه ينتهي بصحبة سيدة عجوز تغير كثيرا من نظرته إلى الحياة.
جمال هذا الفيلم يكمن في طابعه الساحر الذي يجعلك تشعر بأنك أمام شخصيات حقيقية من لحم ودم، خاصة وأن مخرجي الفيلم يستعينان بالفعل مع بعض الشخصيات الحقيقية من سكان الجزيرة.
كما أن السيناريو يركز على مختلف جوانب الشخصية: الرغبة في اكتشاف الذات، من أين جاء، وإلى أي موطن ينتمي، وما الذي يمكن أن يجعله يتحمل المسؤولية ويكف عن العبث، مغامراته النسائية، هل يمكن أن تتغير شخصيته ويستفيق ويصبح رجلا يتحمل المسؤولية بالفعل بعد توحده مع الطبيعة في محيطه الأصلي، وبعد أن أصبح مسؤولا عن إدارة مكان مهمّ وإن كان صغيرا، مع سيدة عجوز تمنحه الحب والاهتمام والرعاية؟ في جعبة مهرجان روتردام الكثير من المفاجآت. وما علينا سوى أن ننتظر أيضا عرض الأفلام العربية الجديدة.
ناقد سينمائي مصري
لم يكن فيلم افتتاح الدورة ال47 من مهرجان روتردام السينمائي يختلف كثيرا في مستواه، عن غيره من أفلام الافتتاح خلال السنوات القليلة الماضية، فالفيلم السويدي “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت، الذي يبدأ بداية واعدة سرعان ما ينتهي إلى أقل كثيرا من الطموح الذي بشرتنا به تلك البداية.
النزعة إلى الرمز
لا يروي فيلم “جيمي” للمخرج جاسبارغانسلاندنت قصة بقدر ما يصور حالة تخيّلية افتراضية. هذه الحالة صحيح أنها تبدو مصورة في سياق واقعي بل تتخذ طابعا سينمائيا قريبا من أسلوب الفيلم التسجيلي (الكاميرا المهتزة المحمولة التي تتابع البطل الصغير في حركة دائمة وتستغرق زمنا طويلا على الشاشة، اللقطات القريبة غير الواضحة أحيانا، التي تنتهي قبل أن تتبين المقصود منها بما يوحي بأنك في قلب واقع مهتز ومضطرب) لكن هذ الأسلوب لا يحول دون الإحساس المباشر طيلة الوقت، بأننا أمام عمل خيالي يريد مخرجه أن يرمز من خلاله إلى مأساة اللاجئين والمشردين في أوروبا لكنه قد ضلّ الطريق.
النزعة إلى الرمز ولو من خلال التجريد، توقع الفيلم في الكثير من المشاكل رغم ما تتركه من تأثير على المشاهدين، خاصة في تجسيد العلاقة بين الأب والابن الذي يضلّ ويفترق عن أبيه في ظل حالة من الذعر التي انتابت البلاد (يفترض أننا في السويد والدول الأسكندنافية عموما) ودفعت السكان إلى الفرار واللجوء إلى بلدان أخرى (المانيا مثلا) وكيف يلقون سوء المعاملة، ويضطرون للعيش على الهامش أو يهيمون على وجوههم.
أولى هذه المشاكل أن الفيلم يفرغ تماما مأساة اللاجئين من محتواها الحقيقي عندما يستبدل اللاجئين من بلدان الشرق الأوسط، بالأوروبيين أو بالسويديين، دون أن نعرف سببا لهذا الفزع والرعب أو التهديد المباشر لهم في بلادهم.
وثانيا تبدو الرغبة في “التغريب” بقصد “التقريب” زائفة تماما، بل وتؤدي إلى عكس المقصود منها، أي إلى تغريب المشاهدين أنفسهم، ووضع حاجز ذهني بينهم وبين ما يشاهدونه على الشاشة.
هناك جهد واضح في التصوير لا شك فيه، وجهد آخر مماثل في التمثيل، وفي استخدام المجاميع من الممثلين الثانويين، وإعادة تصميم مواقع التصوير لتحقيق الإقناع بل والصدمة أحيانا، لكن الفيلم يضلّ طريقه رغم ذلك!
أغنية العقارب
المخرج الهندي المقيم في بريطانيا أنوب سنغ يأتي إلى المهرجان بفيلمه الثالث (وهو من تمويل فرنسي) “أغنية العقارب” لكنه يقف لما يقرب من 15 دقيقة على المسرح لكي يقدم الفيلم إلى الجمهور، وهو في رأيي ما أفسد متعة مشاهدة الفيلم على الجميع، فالمخرج الذكي هو من يكتفي عادة بعبارتين أو ثلاث لتقديم فيلمه، ثم يترك الحديث المستفيض حوله للمناقشة التي تعقب العرض، خاصة وأن فيلم “أغنية العقارب” من الأفلام التي تعتمد على توصيل إحساس ما إلى المتفرج، لا على رسالة سياسية أو أخلاقية مباشرة.
صحيح أن الفيلم يريد أن يقول إنه يتعين على الإنسان أن يواجه نفسه بالحقيقة وأن يتعلم الصدق، وألا يكف قط عن البحث عن الحقيقة ولو بين رمال الصحراء، لكن مخرج الفيلم أساسا، يغلف هذه الأفكار ويضمرها في ثنايا الأسطورة.
هذه الأسطورة يجب أن يكتشف أبعادها المتفرج نفسه لكن أنوب سنغ يصرّ على أن يقدم لنا “مذكرة تفسيرية” حيث يشعر أن المشاهد يحتاجها، وهذا ناتج عن ضعف التجربة نفسها وعن خلل في السيناريو، الذي كتبه سنغ نفسه أيضا.
تقول الأسطورة إنه في إحدى قرى مقاطعة راجستان الصحراوية الهندية، هناك عقارب عندما يلدغ الواحد منها إنسانا يجب الاستعانة على الفور بمغنية متخصصة في علاج اللدغات قبل أن يتوفى الشخص خلال 24 ساعة متأثرا بسم العقرب.
هذه المغنية تحمل بالطبع سرا ما، فهي تستطيع عن طريق قياس نبض المصاب أن تتوصل إلى لحن وكلمات الأغنية التي ترددها على جسده فيشفى وينهض معافى سليما بعد أن تعود إليه الحياة. وفي الفيلم شخصية امرأة تدعى أما جدة بطلة الفيلم نوران (التي تقوم بدورها ببراعتها المعهودة الممثلة الإيرانية غولشيفته فرحاني).
المرأة العجوز تتدرب على الغناء وسط كثبان الرمال لكي تحافظ على التقليد الموروث، ونوران تجيد هذا النوع من الغناء بعد أن ورثته عن جدتها، لكن شخصيتها متمردة عنيدة. يقابلها من الجهة الأخرى بطل الفيلم آدم (عرفان خان) وهو تاجر جمال، يحلم باستعادة لقاء قديم مع نوران يريد أن يجعلها تحبه وتقبل أن تتزوجه.
وعندما يلتقيان يناجيها وينشد لها أشعار غزل، لكنها تقوم بتعذيبه في مشهد إيروتيكي لا مجال له في السياق، خاصة وأنها لا تستجيب له بل تتركه ينال العقاب من جانب بضعة رجال يعتبرونه قد تجرّأ وحاول الاعتداء عليها. لكن نوران تتعرض بالفعل للاعتداء الجنسي ولكن من جانب صديقه، ثم تفقد صوتها وقدرتها على الغناء وتعود إلى قريتها ذليلة محطمة.
رمزية تحقيق الشفاء بالغناء الذي يبدو كما لو كان تضرعا، مثيرة للمشاعر دون شك، ولكن المشكلة أن سياق السرد في الفيلم يسير كيفما اتفق، فلا هو يروي قصة محكمة واضحة القسمات، ولا هو يترك للتداعيات المتفرقة أن تأخذ مجالها، فيفشل الفيلم في أن يصبح مفهوما رغم أن المشاهدين في الغرب لا شك سيتأثرون كثيرا بجمال مناظره وصوره في تلك البقعة “الغريبة” المثيرة، خاصة مع أداء جولشفيته فرحاني (وهي تؤدي بل وتغني أيضا هنا باللغة الهندوسية، عن طريق الدوبلاج) وقد سبق أن تألقت في أفلام مثل “عن إيلي”، و”حجر الصمت”، و”دجاج بالخوخ” وغيرها بعد أن هجرت إيران، واستقرت في باريس وأصبحت تعمل كثيرا في السينما العالمية.
جون أفريقيا
شهدت المسابقة الرئيسية للمهرجان (مسابقة جوائز النمر) العرض العالمي الأول للفيلم البرتغالي “جون أفريقيا” وهو من إخراج الثنائي فيليبا ريس وخواو ميللر غيرا. لا شك أن الفيلم عملٌ طموح يسير على هدي أفلام الطريق، مع تنويعات ترتبط ب”ثيمة” البحث عن الهوية من خلال الرغبة في العثور على الجذور.
بطل الفيلم شاب أفريقي يدعى ميغيل موريرا، ولد ونشأ في البرتغال، لكنه يبدو مقطوع الصلة بماضي أسرته تماما. جدته هي التي تولت تربيته. وهو الآن بلا عمل، يهيم على وجهه، يتخذ لنفسه أو يطلق عليه الآخرون “جون أفريقيا”، يقين علاقات نسائية، رغم أن لديه صديقة تحبه.
لكنه طيب القلب بل وأقرب ما يكون إلى طفل كبير. ذات يوم تستوقفه امرأة في الطريق تقول له إنه نسخة طبق الأصل من والده (الذي كان يدعى ميغيل أيضا) والذي كان مثله صعلوكا مغامرا.
من هنا يبدأ الشاب في التساؤل عن والده الذي لم يره منذ أن كان طفلا صغيرا. تحدثه عنه جدته وتقول له إنه سجن ثم تم ترحيله من البرتغال إلى جزيرة “كيب فيردي” التي جاء منها أصلا. تكبر الفكرة في رأس الشاب فيسافر إلى الجزيرة الصغيرة الواقعة قبالة الساحل الغربي الأفريقي بحثا عن والده. هناك ينتقل من قرية إلى أخرى، ويقابل شخصيات عديدة، ويتعرض للكثير من المواقف الصعبة، لكنه ينتهي بصحبة سيدة عجوز تغير كثيرا من نظرته إلى الحياة.
جمال هذا الفيلم يكمن في طابعه الساحر الذي يجعلك تشعر بأنك أمام شخصيات حقيقية من لحم ودم، خاصة وأن مخرجي الفيلم يستعينان بالفعل مع بعض الشخصيات الحقيقية من سكان الجزيرة.
كما أن السيناريو يركز على مختلف جوانب الشخصية: الرغبة في اكتشاف الذات، من أين جاء، وإلى أي موطن ينتمي، وما الذي يمكن أن يجعله يتحمل المسؤولية ويكف عن العبث، مغامراته النسائية، هل يمكن أن تتغير شخصيته ويستفيق ويصبح رجلا يتحمل المسؤولية بالفعل بعد توحده مع الطبيعة في محيطه الأصلي، وبعد أن أصبح مسؤولا عن إدارة مكان مهمّ وإن كان صغيرا، مع سيدة عجوز تمنحه الحب والاهتمام والرعاية؟ في جعبة مهرجان روتردام الكثير من المفاجآت. وما علينا سوى أن ننتظر أيضا عرض الأفلام العربية الجديدة.
ناقد سينمائي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.