ريال مدريد يعلن مقاطعة حفل جوائز الكرة الذهبية للعام الثاني على التوالي    برشلونة يعلن غياب لاعبه فيرمين لوبيز لمدة 3 أسابيع    حبس التيك توكر "أم سجدة" 6 أشهر وغرامة 100 ألف جنيه    شرط جديد للحصول على رخصة قيادة أو تجديدها في مصر    أول رد من أرملة إبراهيم شيكا على رغبة وفاء عامر في استرداد شقتها    جبران يختتم جولته في السويس بزيارة شركة لصناعة الملابس الجاهزة    محافظ الوادي الجديد يُصدر قرارًا بتكليف مدير مديرية التموين    استشهاد 11 فلسطينيا بينهم طفل وإصابة آخرين في القصف الإسرائيلي على غزة    الكويت ترحب بإعلان البرتغال الاعتراف بدولة فلسطين    «حكماء المسلمين» يرحب باعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال بفلسطين    إقبال جماهيري كبير على العرض المحدود ل «هابي بيرث داي»    الحبس 6 أشهر لصانعة المحتوى أم سجدة في اتهامها بالاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية    حفل استقبال الطلاب الجدد بكلية العلوم جامعة الفيوم.. صور    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب للأهلي الفترة الحالية.. والقمة لا تخضع لأي حسابات    بحضور وكيل الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف.. نقابة الأشراف تُحيي ذكرى المولد النبوي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 22سبتمبر2025 في المنيا    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب لقيادة الأهلي الفترة الحالية    وسط فرحة الطلاب.. محافظ المنوفية يفتتح مدرستين ببروى وبكفر القلشى للتعليم الأساسي    ب256 مليون جنيه.. بدء التشغيل التجريبي لمحطة معالجة صرف صحي الكمايشة بالمنوفية    المدينة التي يجتاحها جيش الاحتلال.. إطلاق صاروخ من غزة صوب مستوطنة ناحل عوز    ضبط 13 مليون جنيه حصيلة الإتجار غير المشروع في النقد الأجنبي    عمرو سليمان: رؤية استراتيجية لسوق عقاري صلب ومتين    «اجهز لتغيير الساعة».. إزاي تظبط موبايلك مع بداية تطبيق التوقيت الشتوي 2025؟    الرئيس السيسي يقرر العفو عن علاء عبد الفتاح و5 آخرين    فى تصفيات كأس العالم .. منتخب مصر يطير إلى المغرب 6 أكتوبر لمواجهة جيبوتي    عبد الله السعيد: أتمنى تتويج منتخب مصر بكأس الأمم وجاهز للعودة إذا طُلب مني    دعم مستشفيات الشيخ زايد وأبوالنمرس والتحرير العام وأم الأطباء في الجيزة بأجهزة طبية حديثة    تعرف علي تفاصيل البرنامج العلاجي ل إمام عاشور لمواجهة فيروس A    بالصور - محافظ أسوان يتفقد 1540 مدرسة استعدادًا للعام الدراسي    رابط التقديم على وظائف بنك مصر 2025 لخدمة العملاء.. متاح الآن بدون خبرة    اللجنة المصرية لإغاثة أهالي غزة تتوصل لطفلي طريق الرشيد بغزة.. ووالدتهما: بشكر الرئيس السيسي    عاجل- قراران جمهوريان بإنشاء منطقة جرجوب الاقتصادية وتخصيص أراضٍ للتنمية الصناعية    مدير أمن الفيوم يقود حملة لإعادة الانضباط المروري استجابة لشكاوى المواطنين    مصرع فتاة وإصابة 6 في تصادم ميكروباصين بطريق العوايد بالإسكندرية    ضبط 6 آلاف علبة جبنة فاسدة داخل مخزن خلال حملة تموينية في الأقصر    «الداخلية» تضبط تشكيلا يضم شخصين و3 سيدات بتهمة الترويج للأعمال المنافية للآداب بالقاهرة    رئيس هيئة الاستثمار: مصر استثمرت 550 مليار دولار في تطوير البنية التحتية    "البحوث الزراعية" ينظم المنتدى العلمي الأول حول تطبيقات الإدارة المتكاملة    ب "التايجر".. ريم سامي تخطف الأنظار بإطلالة أنيقة    متحدث فتح للقاهرة الإخبارية: الاعتراف بالدولة الفلسطينية لحظة تاريخية فارقة    أمير كرارة: معايا صورة ل هنا الزاهد ممكن تدمرها لو نزلتها    بمشاركة نرمين الفقي وراجح داوود وإيهاب فهمي.. تعرف على لجان تحكيم مهرجان الغردقة الدورة الثالثة    هينسحبوا تمامًا.. 3 أبراج لا تقبل العلاقات السامة «التوكسيك»    «الإحصاء»: 20.9% انخفاضًا في العاملين الأجانب بالقطاع الحكومي خلال 2024    "طلاب من أجل مصر" ترحب بدفعة طب الجديدة بجامعة بورسعيد الأهلية (صور)    هل يجوز للأخ الزواج من امرأة أخيه بعد الطلاق أو الوفاة؟.. أمين الفتوى يجيب    العوارى: ما يحدث للأبرياء من تدمير منازلهم لا يمت بصلة للأخلاق التي جاء بها الأنبياء جميعا    5 خطوات لتسجيل طلاب الثانوية الأزهرية بتنسيق التعليم العالي    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن مؤشرات الأداء بمستشفيات قصر العيني    محافظ المنوفية يوجه بزيادة منافذ صرف الأدوية ودراسة تعلية دورين للتأمين الصحي بتلا    وزارة الصحة: تقديم 17 ألف خدمة طبية في طب نفس المسنين    تحذير من أدوية البرد للأطفال دون وصفة طبية    موعد أذان الظهر ليوم الإثنين ودعاء النبي عند ختم الصلاة    الدوري المصري بشكل حصري على "أبليكشن ON APP".. تعرف على طريقة تحميل التطبيق    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    وزير الخارجية يلتقى مع رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الاعترافات الدولية بالدولة لحظة تاريخية يجب البناء عليها    أحمد العوضي: لو هتجوز مش هقول.. ومشغول بمسلسل «علي كلاي» لرمضان 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خوليو رامون ريبيرو .. هاجس النص وهُوية اللغة
نشر في صوت البلد يوم 27 - 01 - 2018

تُشكل الواقعية لدى أغلب كتاب القص في أميركا اللاتينية الرافد الأهم في مضامين نتاجهم القصصي، والواقعية التي نقصدها هنا ليست واقعية الوقائع الكبرى ذات الأثر الفعال والحاسم على حركة المجتمعات والشعوب، وليست الواقعية السِّحرية، بل هيَ واقعية الأحداث اليومية للفرد ومعطيات هذه الأحداث وقطعا أسبابها ونتائجها.
ويقينا أن التواصل مع هذه الأحداث وسبر هواجسها وبنائياتها يقدم للمتلقي شكلا من أشكال الإنصياعية للإستمرار في الوصول إلى النهاية التي يؤل إليها القاص من تلك الحبكة أو ذلك الإستدراج لما نسميه عادة ب الشخصية المركزية في القصة القصيرة وما يلازم هذه الشخصية من متممات ضمن الإطار العام الذي يقيمه القاص عند الدخول لمنتجه وتحريك موجوداته وإدامة الزخم، زخم اللغة، زخم الإسترسال، زخم المفاجأة، زخم الإضافات التي تأتي ضمن تحريك الشخوص والأماكن الإضافية مع احتساب البيئة التي ترتكز عليها عملية الإنتاج، ومع شيء مسبق لوضع ترتيبات للمفارقة ضمن انتقالات الحكاية وتطوير مداخلها وتشعباته.
ولعل البدايات في "الثلجة الأولى" قصة التشيلي المولود في بيرو خوليو رامون ريبيرو أحد أبرز كتاب القصة القصيرة في أميركا اللاتينية؛ البدايات أمامَ إسلوبه المؤطر بالشعرية ذات المرجعية العاطفية ومبناها التصويري المصحوبة بالحوارات المختصرة والمكثفة المعنى لتحقيق الضربات الإنتقالية من مشهد لآخر وفتح أبواب إضافية عبر بوابة المدخل الرئيسي، وكأن القاص ريبيرو أراد أن ينظر لشخصه أو بطله المركزي من جهات متعددة، ومن مقتربات داخلية عبر القنوات التي تربط تلك الأبواب بعضها مع البعض، وهو في كل مشهد يضيف وصلات جديدة تتركز على التحسس بحاجة النص القصصي إلى المزيد من عناصر التوسع، واستخدام تقنية المفاجأة عبر موصلاته لتغذية الأحداث وتشغيل أمكنتها وزمانها وقطعا تشغيل هواجس الحاجات الإنسانية في بيئة تشكو من الفقر والعوز والفاقة والفساد والمخدرات والعصابات المنظمة وسياط الدكتاتورية.
ولعل من الجدير بالذكر أن القاص خوليو ضمن المتواجدين في قائمة الأدب الإسباني حاله حال العديد من كتاب أميركا اللاتينية، وعانى وزملاءه من تأثير اللغة الإسبانية على لغته الأم، في قصته التي نحن بصدها والتي تتشكل ضمن ما ذكرنا وما سنذكرهُ من المعايير النقدية التي تتشاكل مع العديد من قصصه ومنها (نسور منتوفة الريش- كعكات المرينغي – المأدبة- ديمترو .. وغيرها من القصص) نجد أن الحيز المكاني حيز محدود ومعلوم كرقعة جغرافية وكوظيفة.
القصة تبدا من نزيل في (فندق) غرفة مستأجرة لرجل وهناك متسول لا يجد ملجأ يأوي إليه، ولكن الصدفة تقوده لهذه الغرفة، ويلقي أمتعته بها ويأتي ليلا ليطرق الباب وينام على أرض الغرفة وسط نصف قبول من الرجل المستأجر.
وتبدو الأحداث هنا طبيعية بدايات قابلة للإنشطار بدايات قابلة للتوالد ومن الممكن جعل الحكاية تتجه الى أفعالٍ إدرامية أو سيل من السرد الفنطاسي أو غيرهما من الأسلوبية التي تعمل على تصعيد الإثارة وتكريس قضية ما.
وهنا نجد أن القاص خوليا رامون ومنذ البداية بدا يتسلسل بوقائعه مع المتسول تسلسلا منطقيا واضعا إنسانيته بكف وخوفه بكفه الآخر، إنسانيته التي تحفزه لإيواء المتسول ليلا بعد أن ينام صاحب الفندق ويلقي المستأجر له المفتاح من نافذة الغرفة في الطابق الرابع، بعد وضعه بكيس من القماش، وخوفه من أن يكون هذا الشخص مطلوبا للشرطة بقضية ما ويكون الرجل المستأجر شريكا له بالجرم لإيواءء سراً.
ومن هنا تبدأ الحسابات لتنتهي بالمصادفة حين يعثر الرجل المستأجر ضمن حاجات المتسول البالية على دفتر يحتوي على نصوص شعرية كتبت باليد وعلى كتاب أدبي وتخطيط بقلم الرصاص لوجه سيده ومذكرات شخصية. يقول الرجل المستأجر (أي القاص) في الصفحة 17: "لقد أثرتْ فيَّ وهزتني بعض أبياته الشعرية: «جندي يمضي في قفر الشتاء، يداه زرقاوان من شدة البرد. يداه، وكذلك ما بين فخذيه»). ربما لهذا السبب شعرت بشيء من الاهتمام بهذا الشاعر المتشرد.
يبدأ القاص بعرض مشاهد عينية لرؤيا الثلوج وهي تتساقط على الشوارع وفوق البيوت والمحال وعلى مظلات المارة ومشاهد الناس التي تحتمي بعضها بالبعض أو التي تهرع الى مناطق آمنة، ثم يبدأ القاص بعرض أفكاره ولكن الى أين تهرع ذاكرة المتسول وبماذا تفكر ذاكرتي الآن، أفكر إذا حل الشتاء وازداد الصقيع على النافذة، سأقدم له كل ما أستطع وليقل عني أمام المتسولين الآخرين وفي الحانات الرخيصة بأنني رجل معتوه وأبله، تأخذ القصة منحنى آخر ببدء التفاعل بين الطرفين، في تلك الليلة تخلى له عن سريره:
يا توروبا هاك سريري الليلة لأنك مصاب بالبرد، وتذكر لليلةٍ واحدة، وأنا سأنام على الأرض. المؤكد هنا أن الأحداث ستأخذ شكلاً أخرَ ونعتقد ليس من الضرورة الإستمرار في تقديم مشاهد الأحداث وكشف مفاجأتها فهذا الأمر متروك للمتلقي، ولكن المهم أن نستكمل الخصائص التي تتسم بها أعمال خوليو رامون يبيدي ومنها أن شكل التقنية لقصصة ومنها قصته التي نحن بصددها شكل التقنية قد تأثرت بموجة التجديد التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية والتي شملت كافة الأنماط الأدبية، كما أنه في قصصه لم يتطرق إلى معالجات لمشكلات ما أو طرح حلول وإنما بنى نصوصه القصصية على المغزى الجمالي وتعويم الأسباب التي تُكون جداراً أمام الإنسان أي ضمناً أنه كان ينتمي رغم واقعيته إلى مفاهيم الأدب للأدب، وليس الأدب للحياة.
وقد يرى البعض أن هذا المفهوم يتعارض مع مفاهيمه الإنسانية في هذه القصة لكن عند قراءة القصة كاملة سيصل المتلقي إلى النتيجة التي ذكرناها.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن القاص خوليو رامون كان يسعى في "الثلجة الأولى" إلى إدراك هويته الثقافية والمؤشر النصي يشير أيضاً الى توليف المشاهد وعدم التوسع المطلق بالشرح أو التوسع بالتفاصيل الجانبية والمحافظة على حدود ما لموجوداته مع إدامة زخمها واستكمال وظائفها ضمن مجريات النص القصصي مع الإبتعاد عن الفكاهة الساخرة وتعقيد الألفاظ.
تُشكل الواقعية لدى أغلب كتاب القص في أميركا اللاتينية الرافد الأهم في مضامين نتاجهم القصصي، والواقعية التي نقصدها هنا ليست واقعية الوقائع الكبرى ذات الأثر الفعال والحاسم على حركة المجتمعات والشعوب، وليست الواقعية السِّحرية، بل هيَ واقعية الأحداث اليومية للفرد ومعطيات هذه الأحداث وقطعا أسبابها ونتائجها.
ويقينا أن التواصل مع هذه الأحداث وسبر هواجسها وبنائياتها يقدم للمتلقي شكلا من أشكال الإنصياعية للإستمرار في الوصول إلى النهاية التي يؤل إليها القاص من تلك الحبكة أو ذلك الإستدراج لما نسميه عادة ب الشخصية المركزية في القصة القصيرة وما يلازم هذه الشخصية من متممات ضمن الإطار العام الذي يقيمه القاص عند الدخول لمنتجه وتحريك موجوداته وإدامة الزخم، زخم اللغة، زخم الإسترسال، زخم المفاجأة، زخم الإضافات التي تأتي ضمن تحريك الشخوص والأماكن الإضافية مع احتساب البيئة التي ترتكز عليها عملية الإنتاج، ومع شيء مسبق لوضع ترتيبات للمفارقة ضمن انتقالات الحكاية وتطوير مداخلها وتشعباته.
ولعل البدايات في "الثلجة الأولى" قصة التشيلي المولود في بيرو خوليو رامون ريبيرو أحد أبرز كتاب القصة القصيرة في أميركا اللاتينية؛ البدايات أمامَ إسلوبه المؤطر بالشعرية ذات المرجعية العاطفية ومبناها التصويري المصحوبة بالحوارات المختصرة والمكثفة المعنى لتحقيق الضربات الإنتقالية من مشهد لآخر وفتح أبواب إضافية عبر بوابة المدخل الرئيسي، وكأن القاص ريبيرو أراد أن ينظر لشخصه أو بطله المركزي من جهات متعددة، ومن مقتربات داخلية عبر القنوات التي تربط تلك الأبواب بعضها مع البعض، وهو في كل مشهد يضيف وصلات جديدة تتركز على التحسس بحاجة النص القصصي إلى المزيد من عناصر التوسع، واستخدام تقنية المفاجأة عبر موصلاته لتغذية الأحداث وتشغيل أمكنتها وزمانها وقطعا تشغيل هواجس الحاجات الإنسانية في بيئة تشكو من الفقر والعوز والفاقة والفساد والمخدرات والعصابات المنظمة وسياط الدكتاتورية.
ولعل من الجدير بالذكر أن القاص خوليو ضمن المتواجدين في قائمة الأدب الإسباني حاله حال العديد من كتاب أميركا اللاتينية، وعانى وزملاءه من تأثير اللغة الإسبانية على لغته الأم، في قصته التي نحن بصدها والتي تتشكل ضمن ما ذكرنا وما سنذكرهُ من المعايير النقدية التي تتشاكل مع العديد من قصصه ومنها (نسور منتوفة الريش- كعكات المرينغي – المأدبة- ديمترو .. وغيرها من القصص) نجد أن الحيز المكاني حيز محدود ومعلوم كرقعة جغرافية وكوظيفة.
القصة تبدا من نزيل في (فندق) غرفة مستأجرة لرجل وهناك متسول لا يجد ملجأ يأوي إليه، ولكن الصدفة تقوده لهذه الغرفة، ويلقي أمتعته بها ويأتي ليلا ليطرق الباب وينام على أرض الغرفة وسط نصف قبول من الرجل المستأجر.
وتبدو الأحداث هنا طبيعية بدايات قابلة للإنشطار بدايات قابلة للتوالد ومن الممكن جعل الحكاية تتجه الى أفعالٍ إدرامية أو سيل من السرد الفنطاسي أو غيرهما من الأسلوبية التي تعمل على تصعيد الإثارة وتكريس قضية ما.
وهنا نجد أن القاص خوليا رامون ومنذ البداية بدا يتسلسل بوقائعه مع المتسول تسلسلا منطقيا واضعا إنسانيته بكف وخوفه بكفه الآخر، إنسانيته التي تحفزه لإيواء المتسول ليلا بعد أن ينام صاحب الفندق ويلقي المستأجر له المفتاح من نافذة الغرفة في الطابق الرابع، بعد وضعه بكيس من القماش، وخوفه من أن يكون هذا الشخص مطلوبا للشرطة بقضية ما ويكون الرجل المستأجر شريكا له بالجرم لإيواءء سراً.
ومن هنا تبدأ الحسابات لتنتهي بالمصادفة حين يعثر الرجل المستأجر ضمن حاجات المتسول البالية على دفتر يحتوي على نصوص شعرية كتبت باليد وعلى كتاب أدبي وتخطيط بقلم الرصاص لوجه سيده ومذكرات شخصية. يقول الرجل المستأجر (أي القاص) في الصفحة 17: "لقد أثرتْ فيَّ وهزتني بعض أبياته الشعرية: «جندي يمضي في قفر الشتاء، يداه زرقاوان من شدة البرد. يداه، وكذلك ما بين فخذيه»). ربما لهذا السبب شعرت بشيء من الاهتمام بهذا الشاعر المتشرد.
يبدأ القاص بعرض مشاهد عينية لرؤيا الثلوج وهي تتساقط على الشوارع وفوق البيوت والمحال وعلى مظلات المارة ومشاهد الناس التي تحتمي بعضها بالبعض أو التي تهرع الى مناطق آمنة، ثم يبدأ القاص بعرض أفكاره ولكن الى أين تهرع ذاكرة المتسول وبماذا تفكر ذاكرتي الآن، أفكر إذا حل الشتاء وازداد الصقيع على النافذة، سأقدم له كل ما أستطع وليقل عني أمام المتسولين الآخرين وفي الحانات الرخيصة بأنني رجل معتوه وأبله، تأخذ القصة منحنى آخر ببدء التفاعل بين الطرفين، في تلك الليلة تخلى له عن سريره:
يا توروبا هاك سريري الليلة لأنك مصاب بالبرد، وتذكر لليلةٍ واحدة، وأنا سأنام على الأرض. المؤكد هنا أن الأحداث ستأخذ شكلاً أخرَ ونعتقد ليس من الضرورة الإستمرار في تقديم مشاهد الأحداث وكشف مفاجأتها فهذا الأمر متروك للمتلقي، ولكن المهم أن نستكمل الخصائص التي تتسم بها أعمال خوليو رامون يبيدي ومنها أن شكل التقنية لقصصة ومنها قصته التي نحن بصددها شكل التقنية قد تأثرت بموجة التجديد التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية والتي شملت كافة الأنماط الأدبية، كما أنه في قصصه لم يتطرق إلى معالجات لمشكلات ما أو طرح حلول وإنما بنى نصوصه القصصية على المغزى الجمالي وتعويم الأسباب التي تُكون جداراً أمام الإنسان أي ضمناً أنه كان ينتمي رغم واقعيته إلى مفاهيم الأدب للأدب، وليس الأدب للحياة.
وقد يرى البعض أن هذا المفهوم يتعارض مع مفاهيمه الإنسانية في هذه القصة لكن عند قراءة القصة كاملة سيصل المتلقي إلى النتيجة التي ذكرناها.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن القاص خوليو رامون كان يسعى في "الثلجة الأولى" إلى إدراك هويته الثقافية والمؤشر النصي يشير أيضاً الى توليف المشاهد وعدم التوسع المطلق بالشرح أو التوسع بالتفاصيل الجانبية والمحافظة على حدود ما لموجوداته مع إدامة زخمها واستكمال وظائفها ضمن مجريات النص القصصي مع الإبتعاد عن الفكاهة الساخرة وتعقيد الألفاظ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.