5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم المواطنة العالمية ينطلق من المدرسة الرواقية الرومانية
نشر في صوت البلد يوم 30 - 12 - 2017

يطرح هذا الكتاب "الفكر الهيللينستي.. مذاهب وشخصيات" لأستاذ الفلسلفة اليونانية د. حمادة أحمد علي موضوعات وشخصيات لم يتعرض لها الباحثون فى الفلسفة اليونانية وخاصة فى الفكر الهيللينستي فهو يتناول بنية الفكر الهيللينستي ويعرض الخيوط العريضة لمدارس هذا العصر، كما يطرح تصورًا جديدًا لمفهوم الأخلاق فى الفسفة الراوقية، مرتكزا على عاملين أساسين، الأول وهو رؤية جديدة ترى أن الأخلاق تبنى على نظرية النزوع التي تنص على أن الحيوان يولد ولديه مبدأ للحفاظ على ذاته والثاني أنها تعرض لهيروكليس وهو فيلسوف رواقي يتبع الفلسفة الرواقية الرومانية في النص الأول من القرن الثاني.
ويعرض لفلسفة ديوجين أوينوندا الأبيقوري والذي لم يرد ذكره في الكتابات العربية ولم يكن معروفا للباحثين الغربيين حتى عام 1884، كما أنه يركز على قضية الموت عند الإمبراطور ماركوس أوريليوس التي صاغها في كتاب "التأملات" الذي كتبه في زمن الحرب، وكذا يعرض لمفهوم المواطنة العالمية عند الرواقية الرومانية كرد فعل لمفهوم الجلوبالية الذي ابدعته القوى الغربية المعاصرة لفائدة عصبة قد اكتسبت قوة للهجوم على كافة الأمم بما فيها أمتها ذاتها وادعت الحق في اغتصاب موارد الأرض فاق كل مصائب الإستعمار العسكري الغربي طول أربعة قرون.
بنية الفكر
قسم المؤلف الكتاب الصادر عن دار آفاق للنشر إلى خمسة فصول تناول خلالها بنية الفكر الهيللينستي وأخلاق الواجب لدى ماركوس أوريليوس الرواقي، وفلسفة ديوجين أوينوندا الأبيقوري، وفكرة الموت في فلسفة ماركوس أوريليوس، وأخيرا المواطنة العالمية عند الرواقية الرومانية.
ورأى المؤلف أنه في الفترة الهيللينستية نجد للفلسفة الإغريقية مملكة عالمية واحدة وتاريخا واحدا للعالم أوجدته روما، ونحن نفرق بين الفترة الكلاسيكية للفكر الإغريقي التي تنتهي بموت أرسطو وبين الفترة الهيللينستية التي تشتمل على الفترة الرواقية والأبيقوريين والفيثاغوريين المحدثين والشكاك والأفلاطونيين المحدثين، وهذه الفنرة الهيللينستية هي المصدر المباشر للكثير من الفكر المسيحي، فالفكر اليوناني الكلاسيكي لم يؤثر في المسيحية المبكرة بقدر ما فعل الفكر الهيللينستي عند حاصرت أسبرطة أثينا وهزمتها في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، فانتقلت السيادة السياسية من اليونان مهد الفلسفة والآداب وهترأت حد العقل الأثيني، وقد حكمت على سقراط بالموت عام 399 ق. م وماتت معه روح أثينا بعد أن تراءت لحقبة في شخص تلميذه العظيم أفلاطون.
وحينما هزم فيليب المقدوني الأثينيين في خايرونا عام 338 ق. م وأحرق الإسكندر مدينة طيبة العظيمة بعد ثلاث سنوات وحتى ادعاء الإبقاء على بيت بندراب لم يغط حقيقية أن الاستقلال الأثيني في الحكم والفكر قد تحطم بلا رجعة. وتعكس سيادة أرسطو المقدوني للفلسفة اليونانية خضوع اليونان السياسي للشعب الفتي البازغ في الشمال.
وقال "إذا كانت أعمال الإسكندر هي التي سيطرت على المدن اليونانية وخطلت بين اليونانيين والأعاجم وقد حققت الظروف اللازمة لنشأة الديانة الفردية، ولتعويض تعددية الإله الأسطورية بواحدانية الإله الكوني المتعالي، فإن الباعث الأصلي لهذه التحولات هو المذهب الأفلاطوني، وهو المؤسس الحقيقي لهذه الديانة، وإن أعمال الاسكندر هي التي أسهمت بنسبة كبيرة في رواجها بين جمهور المثقفين في البداية قبل أن تتسرب تدريجيا بين عامة الناس الذين بقوا مع ذلك خاضعين لديانتهم التقليدية.
ثلاثة أبعاد
وفي دراسته لأخلاق الواجب لدى هيروكليس الرواقي تطرق إلى ثلاثة أبعاد، البعد الأول هو أن هيروكليس جاء بتصور جديد للأخلاق لم يسبقه فيه أي من فلاسفة اليونان ولم يتحدث عنه من الرواقيين الذين سبقوه إلا اليسير، أما البعد الثاني فهو أن الدراسة اعتمدت على كتابي هيروكليس وهما كتاب "عناصر الأخلاق"، وكتاب "الفعل الواجب"، بعد ترجمتهما إلى اللغة العربية حيث تكمن أهمية هيروكليس الفلسفية في أمرين هما الدليل الإضافي الذي يبرهن به على المفاهيم الرواقية الجوهرية والمنهجية التي يستخدمها لبناء أسس الأخلاق الرواقية، أما البعد الثالث أن الدراسة قدمت مجالا للدراسات المقارنة لفكر هيروكليس الرواقي بالفكر الإسلامي والمسيحي خاصة فيما يتعلق بالأخلاق وذلك لمكانة ما جاء به من فكر.
وأضاف المؤلف أن الأخلاق تدور في ذكر هيروكليس حول نظرية النزوع الأخلاقي التي سوَّى بين الإنسان والحيوان، والتي تقوم بدورها حول حفاظ الحيوان على نفسه من ناحية والدخول في علاقات اجتماعية مع الآخرين من ناحية أخرى، وقد صاغ هيروكليس هذه النظرية في نسق جدلي يقوم على الاستفهام بادئا قوله بهل يدرك الحيوان نفسه حسيا وينتهي بالإجابة بأن الحيوان وكذلك الإنسان يدرك نفسه حسيا ويدرك أجزاءه الخاصة وما سلحته به الطبيعة للدفاع عن نفسه ونقاط الضعف والقوة عند الحيوانات الأخرى وقد أسهب هيروكليس في طرح الأمثلة للبرهنة على هذه القضايا ومرد ذلك هو قوة معارضيه الذين يصفهم بضعاف الفهم.
واهتم الباحث في دراسته فكرة الموت عند فلسفة الامبراطور ماركوس أوريليوس بدراسة الموت من حيث هو توقف للوجود الإنسان في كافة صوره وأشكاله، ورأى أن الموت يثير العديد من المشكلات الأخلاقية التي تهتم بالطريقة التي يجب علينا أن نحيا وفقا لها وهذه الطريقة تعتمد على مدى اعتقادنا بالمسئولية الأخلاقية عن أفعالنا التي اقترفناها.
وأضاف أن المدارس الفلسفية اليونانية كانت تستهدف رسم طريق السعادة في الحياة وما بعد الموت لأتباعها، ولما كانت الحياة والموت وجهين لعملة واحدة هي الوجود الإنساني على هذه الأرض ونتائج هذا الوجود هو المصير، فإن الاهتمام بقضية الموت هو في الواقع تفكير في أسلوب الحياة وغايتها وتوابعها، وكان لكل مدرسة فلسفية يونانية اتجاهها الخاص في تفسير طبيعة الروح ومصيرها بعد الموت، وهو اتجاه يتناغم مع موقف هذه المدرسة أو تلك من ماهية الطبيعة نفسها نفسها، وماهية النفس الإنسانية تبعا لذلك، إذ الهدف الرئيسي في هذا التفكير الفلسفي تحرير البشر من الخوف الغريزي من الموت الذي يكبل الإنسان ويقيد حركته ويحبسه ويشكل لديه الإرادة في الإنطلاق.
فقد ذهب الأبيقوريون مثلا إلى القول ما دامت الروح مكونة من مادة أي من ذرات فإنها تفنى مع فناء الجسد، ومن ثم فلا حياة أخرى بعد الموت، ولا ثواب ولا عقاب، فلماذا الخوف إذن من الموت ومن ألوان العذاب الأبدي التي حفظتها الأساطير البالية.
وبين الباحث أن الإمبراطور ماركوس تأثر بالفلسفة الفيثاغورية والأفلاطونية حين رأى أن الموت انعتاق من استجابة الحواس والرغبة وقد أعلن ماركوس أن الموت يتساوى مع الميلاد والإنسان جزء من الطبيعة التي ينبغي أن يعيش في توافق معها، ويعني ذلك أن الموت سر من أسرار الطبيعة، وهو ليس مضادا لها.
دعوة للانتحار
ورأى أن الرواقية ليست دعوة للانتحار، حيث تصور الموت على أنه من الأمور الوسطى التي لا هي خيرة ولا شريرة في ذاتها، وهو من الأشياء غير المهمة، والانتحار مشروع في حالة تقبل العقل، وقد كان الرواقيون في وضع أفضل من الأبيقوريين في مواجهة الخوف من الموت، وذلك لإيمان الفكر الرواقي بالعود الأبدي في مقابل اللاعودة، أعني نهاية حياة الكائنات الحية إلى ذرات عند الأبيقوريين.
ولفت إلى أن الإمبراطور ماركوس تأرجح موقفه حول مسألة خلود النفس بين الموقف الرواقي الذي ينتمي إليه والمذهب الأبيقوري المعاصر له، وهو يرى أن الأرواح إما إلى تشتت وفوضى أو عناية رحيمة، وقد ذكر هوفن أن ماركوس تردد بين الثنائي الروح والجسد، والثلاثي الروح والجسد والعقل القيادي، ولكن حقيقة الأمر أن ماركوس تحدث عن العقل القيادي وهو يصفه للإنسان كالإلوهية وإن جاز موقف هوفن لجاز هذا التقسيم الرباعي وهو الجسد والروح والعقل القيادي والألوهية. ناهيك عن أن الموقف الرواقي يرى أن النفس لا تفنى إلا بعد الاحتراق الكلي بعد أن تمر ببعض التحولات.
وفي رصده لمفهوم المواطنة العالمية عند الرواقية الرومانية رأى الباحث أن مفهوم المواطنة حالة شعوية لدى المواطن تجاه الوطن، تستلزم أن يكون له حق وعليه واجب، وقد مثلت الرواقية إحدى حلقات التطور للمفهوم، ولم يكن تأثيرها على المفهوم عابرا، بل أثر في الثقافة العالمية إلى يومنا هذه، لدرجة يمكن أن نقول فيها إن الجلوبالية رواقية معاكسة أو نقيضة للرواقية اليونانية، حيث أخذت منها المفهوم النظري وتخلت عن المفهوم العملي، فصار المواطن العالمي كارتونيا في حين تطابق النظر مع العمل عند الرواقية.
وأشار إلى أن دعوة الرواقية لم تكن للمواطنة العالمية جديدة، فقد دعا الكلبيون إلى مثل هذا، ولكنهم نظروا إلى القانون بعين القبح وأن السيادة للانسجام الناشيء عن الغرائز حال استقامتها ونقائها، لذا كانت دعواهم أقرب إلى أن تكون محاولة تحقيق سلام باطني وسط عالم مضطرب مزقته الحروب، وهي تستبدل البكاء بالسخرية والفكاهة. وكانت الرواقية على النقيض حيث احترمت القانون والعرف في آن، وسواء كان المواطن أثينيا أو رومانيا فهو مواطن ينتمي للعالم. وقدمت الرواقية نظرية في المواطنة العالمية لا تبنى على الاستبداد السياسي، بل على إقامة دولة إنسانية يجمع مواطنيها الإخاء والمساوة والحب، لذا كانت دعوتها إرهاصا لتنامي مفهوم الإنسان الذي ظهر في القرن الثامن عشر.
يطرح هذا الكتاب "الفكر الهيللينستي.. مذاهب وشخصيات" لأستاذ الفلسلفة اليونانية د. حمادة أحمد علي موضوعات وشخصيات لم يتعرض لها الباحثون فى الفلسفة اليونانية وخاصة فى الفكر الهيللينستي فهو يتناول بنية الفكر الهيللينستي ويعرض الخيوط العريضة لمدارس هذا العصر، كما يطرح تصورًا جديدًا لمفهوم الأخلاق فى الفسفة الراوقية، مرتكزا على عاملين أساسين، الأول وهو رؤية جديدة ترى أن الأخلاق تبنى على نظرية النزوع التي تنص على أن الحيوان يولد ولديه مبدأ للحفاظ على ذاته والثاني أنها تعرض لهيروكليس وهو فيلسوف رواقي يتبع الفلسفة الرواقية الرومانية في النص الأول من القرن الثاني.
ويعرض لفلسفة ديوجين أوينوندا الأبيقوري والذي لم يرد ذكره في الكتابات العربية ولم يكن معروفا للباحثين الغربيين حتى عام 1884، كما أنه يركز على قضية الموت عند الإمبراطور ماركوس أوريليوس التي صاغها في كتاب "التأملات" الذي كتبه في زمن الحرب، وكذا يعرض لمفهوم المواطنة العالمية عند الرواقية الرومانية كرد فعل لمفهوم الجلوبالية الذي ابدعته القوى الغربية المعاصرة لفائدة عصبة قد اكتسبت قوة للهجوم على كافة الأمم بما فيها أمتها ذاتها وادعت الحق في اغتصاب موارد الأرض فاق كل مصائب الإستعمار العسكري الغربي طول أربعة قرون.
بنية الفكر
قسم المؤلف الكتاب الصادر عن دار آفاق للنشر إلى خمسة فصول تناول خلالها بنية الفكر الهيللينستي وأخلاق الواجب لدى ماركوس أوريليوس الرواقي، وفلسفة ديوجين أوينوندا الأبيقوري، وفكرة الموت في فلسفة ماركوس أوريليوس، وأخيرا المواطنة العالمية عند الرواقية الرومانية.
ورأى المؤلف أنه في الفترة الهيللينستية نجد للفلسفة الإغريقية مملكة عالمية واحدة وتاريخا واحدا للعالم أوجدته روما، ونحن نفرق بين الفترة الكلاسيكية للفكر الإغريقي التي تنتهي بموت أرسطو وبين الفترة الهيللينستية التي تشتمل على الفترة الرواقية والأبيقوريين والفيثاغوريين المحدثين والشكاك والأفلاطونيين المحدثين، وهذه الفنرة الهيللينستية هي المصدر المباشر للكثير من الفكر المسيحي، فالفكر اليوناني الكلاسيكي لم يؤثر في المسيحية المبكرة بقدر ما فعل الفكر الهيللينستي عند حاصرت أسبرطة أثينا وهزمتها في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، فانتقلت السيادة السياسية من اليونان مهد الفلسفة والآداب وهترأت حد العقل الأثيني، وقد حكمت على سقراط بالموت عام 399 ق. م وماتت معه روح أثينا بعد أن تراءت لحقبة في شخص تلميذه العظيم أفلاطون.
وحينما هزم فيليب المقدوني الأثينيين في خايرونا عام 338 ق. م وأحرق الإسكندر مدينة طيبة العظيمة بعد ثلاث سنوات وحتى ادعاء الإبقاء على بيت بندراب لم يغط حقيقية أن الاستقلال الأثيني في الحكم والفكر قد تحطم بلا رجعة. وتعكس سيادة أرسطو المقدوني للفلسفة اليونانية خضوع اليونان السياسي للشعب الفتي البازغ في الشمال.
وقال "إذا كانت أعمال الإسكندر هي التي سيطرت على المدن اليونانية وخطلت بين اليونانيين والأعاجم وقد حققت الظروف اللازمة لنشأة الديانة الفردية، ولتعويض تعددية الإله الأسطورية بواحدانية الإله الكوني المتعالي، فإن الباعث الأصلي لهذه التحولات هو المذهب الأفلاطوني، وهو المؤسس الحقيقي لهذه الديانة، وإن أعمال الاسكندر هي التي أسهمت بنسبة كبيرة في رواجها بين جمهور المثقفين في البداية قبل أن تتسرب تدريجيا بين عامة الناس الذين بقوا مع ذلك خاضعين لديانتهم التقليدية.
ثلاثة أبعاد
وفي دراسته لأخلاق الواجب لدى هيروكليس الرواقي تطرق إلى ثلاثة أبعاد، البعد الأول هو أن هيروكليس جاء بتصور جديد للأخلاق لم يسبقه فيه أي من فلاسفة اليونان ولم يتحدث عنه من الرواقيين الذين سبقوه إلا اليسير، أما البعد الثاني فهو أن الدراسة اعتمدت على كتابي هيروكليس وهما كتاب "عناصر الأخلاق"، وكتاب "الفعل الواجب"، بعد ترجمتهما إلى اللغة العربية حيث تكمن أهمية هيروكليس الفلسفية في أمرين هما الدليل الإضافي الذي يبرهن به على المفاهيم الرواقية الجوهرية والمنهجية التي يستخدمها لبناء أسس الأخلاق الرواقية، أما البعد الثالث أن الدراسة قدمت مجالا للدراسات المقارنة لفكر هيروكليس الرواقي بالفكر الإسلامي والمسيحي خاصة فيما يتعلق بالأخلاق وذلك لمكانة ما جاء به من فكر.
وأضاف المؤلف أن الأخلاق تدور في ذكر هيروكليس حول نظرية النزوع الأخلاقي التي سوَّى بين الإنسان والحيوان، والتي تقوم بدورها حول حفاظ الحيوان على نفسه من ناحية والدخول في علاقات اجتماعية مع الآخرين من ناحية أخرى، وقد صاغ هيروكليس هذه النظرية في نسق جدلي يقوم على الاستفهام بادئا قوله بهل يدرك الحيوان نفسه حسيا وينتهي بالإجابة بأن الحيوان وكذلك الإنسان يدرك نفسه حسيا ويدرك أجزاءه الخاصة وما سلحته به الطبيعة للدفاع عن نفسه ونقاط الضعف والقوة عند الحيوانات الأخرى وقد أسهب هيروكليس في طرح الأمثلة للبرهنة على هذه القضايا ومرد ذلك هو قوة معارضيه الذين يصفهم بضعاف الفهم.
واهتم الباحث في دراسته فكرة الموت عند فلسفة الامبراطور ماركوس أوريليوس بدراسة الموت من حيث هو توقف للوجود الإنسان في كافة صوره وأشكاله، ورأى أن الموت يثير العديد من المشكلات الأخلاقية التي تهتم بالطريقة التي يجب علينا أن نحيا وفقا لها وهذه الطريقة تعتمد على مدى اعتقادنا بالمسئولية الأخلاقية عن أفعالنا التي اقترفناها.
وأضاف أن المدارس الفلسفية اليونانية كانت تستهدف رسم طريق السعادة في الحياة وما بعد الموت لأتباعها، ولما كانت الحياة والموت وجهين لعملة واحدة هي الوجود الإنساني على هذه الأرض ونتائج هذا الوجود هو المصير، فإن الاهتمام بقضية الموت هو في الواقع تفكير في أسلوب الحياة وغايتها وتوابعها، وكان لكل مدرسة فلسفية يونانية اتجاهها الخاص في تفسير طبيعة الروح ومصيرها بعد الموت، وهو اتجاه يتناغم مع موقف هذه المدرسة أو تلك من ماهية الطبيعة نفسها نفسها، وماهية النفس الإنسانية تبعا لذلك، إذ الهدف الرئيسي في هذا التفكير الفلسفي تحرير البشر من الخوف الغريزي من الموت الذي يكبل الإنسان ويقيد حركته ويحبسه ويشكل لديه الإرادة في الإنطلاق.
فقد ذهب الأبيقوريون مثلا إلى القول ما دامت الروح مكونة من مادة أي من ذرات فإنها تفنى مع فناء الجسد، ومن ثم فلا حياة أخرى بعد الموت، ولا ثواب ولا عقاب، فلماذا الخوف إذن من الموت ومن ألوان العذاب الأبدي التي حفظتها الأساطير البالية.
وبين الباحث أن الإمبراطور ماركوس تأثر بالفلسفة الفيثاغورية والأفلاطونية حين رأى أن الموت انعتاق من استجابة الحواس والرغبة وقد أعلن ماركوس أن الموت يتساوى مع الميلاد والإنسان جزء من الطبيعة التي ينبغي أن يعيش في توافق معها، ويعني ذلك أن الموت سر من أسرار الطبيعة، وهو ليس مضادا لها.
دعوة للانتحار
ورأى أن الرواقية ليست دعوة للانتحار، حيث تصور الموت على أنه من الأمور الوسطى التي لا هي خيرة ولا شريرة في ذاتها، وهو من الأشياء غير المهمة، والانتحار مشروع في حالة تقبل العقل، وقد كان الرواقيون في وضع أفضل من الأبيقوريين في مواجهة الخوف من الموت، وذلك لإيمان الفكر الرواقي بالعود الأبدي في مقابل اللاعودة، أعني نهاية حياة الكائنات الحية إلى ذرات عند الأبيقوريين.
ولفت إلى أن الإمبراطور ماركوس تأرجح موقفه حول مسألة خلود النفس بين الموقف الرواقي الذي ينتمي إليه والمذهب الأبيقوري المعاصر له، وهو يرى أن الأرواح إما إلى تشتت وفوضى أو عناية رحيمة، وقد ذكر هوفن أن ماركوس تردد بين الثنائي الروح والجسد، والثلاثي الروح والجسد والعقل القيادي، ولكن حقيقة الأمر أن ماركوس تحدث عن العقل القيادي وهو يصفه للإنسان كالإلوهية وإن جاز موقف هوفن لجاز هذا التقسيم الرباعي وهو الجسد والروح والعقل القيادي والألوهية. ناهيك عن أن الموقف الرواقي يرى أن النفس لا تفنى إلا بعد الاحتراق الكلي بعد أن تمر ببعض التحولات.
وفي رصده لمفهوم المواطنة العالمية عند الرواقية الرومانية رأى الباحث أن مفهوم المواطنة حالة شعوية لدى المواطن تجاه الوطن، تستلزم أن يكون له حق وعليه واجب، وقد مثلت الرواقية إحدى حلقات التطور للمفهوم، ولم يكن تأثيرها على المفهوم عابرا، بل أثر في الثقافة العالمية إلى يومنا هذه، لدرجة يمكن أن نقول فيها إن الجلوبالية رواقية معاكسة أو نقيضة للرواقية اليونانية، حيث أخذت منها المفهوم النظري وتخلت عن المفهوم العملي، فصار المواطن العالمي كارتونيا في حين تطابق النظر مع العمل عند الرواقية.
وأشار إلى أن دعوة الرواقية لم تكن للمواطنة العالمية جديدة، فقد دعا الكلبيون إلى مثل هذا، ولكنهم نظروا إلى القانون بعين القبح وأن السيادة للانسجام الناشيء عن الغرائز حال استقامتها ونقائها، لذا كانت دعواهم أقرب إلى أن تكون محاولة تحقيق سلام باطني وسط عالم مضطرب مزقته الحروب، وهي تستبدل البكاء بالسخرية والفكاهة. وكانت الرواقية على النقيض حيث احترمت القانون والعرف في آن، وسواء كان المواطن أثينيا أو رومانيا فهو مواطن ينتمي للعالم. وقدمت الرواقية نظرية في المواطنة العالمية لا تبنى على الاستبداد السياسي، بل على إقامة دولة إنسانية يجمع مواطنيها الإخاء والمساوة والحب، لذا كانت دعوتها إرهاصا لتنامي مفهوم الإنسان الذي ظهر في القرن الثامن عشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.