22 يوليو 2025.. أسعار الحديد والأسمنت خلال تعاملات اليوم    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم طوباس وطمون شمالي الضفة الغربية    مصرع شخص وإصابة 3 آخرين إثر تصادم سيارتين بطريق المنيا الصحراوي الغربي    أسترازينيكا تعتزم استثمار 50 مليار دولار في أمريكا بحلول 2030    معهد تيودور بلهارس للأبحاث يواصل تقديم برنامج الزمالة المصرية    دراسة: السكريات المضافة والمحليات الصناعية تؤدي للبلوغ المبكر لدى الأطفال    5 قرارات جمهورية حاسمة ينتظرها الشارع المصري    رسميًا ..فتح باب القبول بمعهد الكوزن المصري الياباني لطلاب الإعدادية 2025    خبراء تغذية يحذرون من إعادة تسخين هذه الأطعمة في المصيف.. قد تتحول لسموم صامتة    اليوم.. فتح باب التقديم لكلية الشرطة للعام الدراسي الجديد إلكترونيًا    تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كليات حاسبات ومعلومات وذكاء اصطناعي 2024 بالدرجات (علمي علوم ورياضة)    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 22 يوليو 2025    موقع وزارة التربية والتعليم ل نتيجة الثانوية العامة 2025 برقم الجلوس فور اعتمادها    «أزمات في أوضة اللبس؟».. رد صريح من نجم الأهلي    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 22-7-2025 بعد هبوطه ب8 بنوك    النصر يقترب من حسم صفقة مدوية، وإعلامي سعودي: أقسم بالله سيكون حديث الشارع الرياضي    «هل انتهت القصة؟».. جون إدوارد يرفض كل سُبل الاتصال مع نجم الزمالك (تفاصيل)    وسيط كولومبوس ل في الجول: النادي أتم اتفاقه مع الأهلي لشراء وسام أبو علي    «الوزير» ورئيس وزراء الكويت يبحثان تحويل الوديعة الكويتية لاستثمارات في مصر    ترامب: مستعدون لشن ضربات متكررة على المنشآت النووية الإيرانية إذا لزم الأمر    دموع الفراق وفرحة العودة، شاهد ماذا فعل السودانيون بعد وصولهم أسوان قبل العودة لبلادهم (فيديو وصور)    7 أيام عِجاف.. تحذير شديد بشأن حالة الطقس: درجة الحرارة فوق معدلاتها الطبيعية    رانيا محمود ياسين غاضبة: «منفعلتش على أمي.. كنت بدور عليها ومش لاقياها»    العاهل الأردني يؤكد دعم المملكة لأمن سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها    جيش الاحتلال: صفارات الإنذار تدوي عقب رصد صاروخ يمني    أجنة على حافة الموت.. تقرير أممي يكشف مأساة الحوامل في غزة    البيت الأبيض: ترامب يسعى إلى حل دبلوماسي لصراعات الشرق الأوسط    يوسف معاطي يكشف سر رفض فيلم "حسن ومرقص" وهذا طلب البابا شنودة للموافقة (فيديو)    مفاجأة مدوية، محمد صلاح يتدخل لانتقال كوكا إلى الأهلي    «انهيار لغوي».. محمد سعيد محفوظ يرصد أخطاء بالجملة في بيان نقابة الموسيقيين ضد راغب علامة    مصطفى كامل يهدد محمود الليثي ورضا البحراوي بالشطب: منصبي لا يقل عن أي وزارة    إيمان العاصي تشارك في «قسمة العدل» والعرض خارج رمضان (تفاصيل)    تامر أمين ل «فشخرنجية الساحل»: التباهي بالثراء حرام شرعا ويزيد الاحتقان المجتمعي    بفرمان من ريبيرو.. تأكد رحيل 5 نجوم عن الأهلي (بالأسماء)    هي دي مصر، رجال الشرطة بأسوان يساعدون النساء وكبار السن السودانيين لتسهيل عودتهم إلى بلادهم (فيديو)    باستثناء الرومي والشيدر، ارتفاع كبير يضرب جميع أصناف الجبن بالأسواق، وصل إلى 37 جنيها    9 اختبارات تؤهلك للالتحاق بكلية الشرطة    طريقة عمل الأرز البسمتي، في خطوات بسيطة وأحلى من الجاهز    موعد مباراة ألمانيا وإسبانيا في نصف نهائي أمم أوروبا للسيدات والقناة الناقلة    سيمون توجّه رسالة حاسمة لجمهورها: لن أعلّق على ما لا يستحق    كيروش تولى قيادة منتخب عربي    بحضور أكثر من 50 ألف.. مستقبل وطن ينظم مؤتمر دعم القائمة الوطنية بمجلس الشيوخ بالشرقية    وصول قطار العائدين السودانيين إلى محطة السد العالي في أسوان    تفسير آية| «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا» الشعراوي يوضح سر وجود الإنسان وغاية خلقه    لا علاقة له ب العنف الجسدي.. أمين الفتوى يوضح معنى «واضربوهن»    التصريح بدفن جثة ربة منزل لقيت مصرعها خنقًا علي يد زوجها بالقليوبية    مصرع شاب في مشاجرة بين تجار خُردة بالإسماعيلية.. والأمن يُلقي القبض على المتهم    السفيرالمصري ببرلين يدعوا إلي زيارة مصرومشاهدة معالمها الأثرية والتاريخية والسياحية    محافظ شمال سيناء يستقبل وفد من دار الإفتاء المصرية    «خاتم فرعوني» عمره 3500 سنة يُعرض للبيع في مزاد بلندن بسعر بخس    رئيس المجلس الوطني الفلسطيني يرحب ببيان دولي يدعو لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة    "مستقبل وطن" ينظم مؤتمرًا جماهيريًا بالشرقية لدعم مرشحيه في انتخابات الشيوخ    تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض الهند وقبة حرارية في القاهرة والمحافظات    وزير خارجية إيران: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة لكن لن نتخلى عن التخصيب    انتشال جثة ونقل مُصاب إثر سقوط سيارة نقل من معدية شرق التفريعة ببورسعيد    ماذا قال عن بيان الاتحاد الفلسطيني؟.. وسام أبو علي يعتذر لجماهير الأهلي    ملتقى أزهري يكشف عن مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن الليل والنهار    هل النية شرط لصحة الوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عبداللطيف: الأعمال الأدبية المدهشة في العالم قليلة
نشر في صوت البلد يوم 27 - 12 - 2017

يطرق الروائي المصري أحمد عبداللطيف عتبات الاغتراب والتشظي، مشتبكاً مع الذاتي وانتهاك الوجود الإنساني، ليستكشف ثنائيات ملتبسة.
أحمد عبداللطيف (1978) حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 2011، وجائزة المركز القومي للترجمة عام 2013، وجائزة ساويرس في الرواية عام 2015. صدرت له أربع روايات «صانع المفاتيح»؛ «عالم المندل»، «كتاب النحّات»، «حصن التراب - حكاية عائلة موريسكية». وتدرّس روايته «صانع المفاتيح» في قسم الدراسات العربية بجامعة تشارلز في تشيخيا، وهو ترجم من اللغة الإسبانية أعمالاً أدبية عدة. هنا حوار معه:
- هل تنطلق في أعمالك الروائية من محاكمة ذاتية للوجود؟
أظن أن عبثية الحياة سبب كافٍ لانطلاق نص أدبي، ومساءلة الوجود عملية تتكوّن أثناء الكتابة. فكرة الانطلاق أعرفها منذ بداية خط السطر الأول في الرواية، ما لا أعرفه أين ستنتهي الرحلة نفسها. وجزء من هذه الرحلة التفكير في الكائنات الأخرى، ومحاولة استنطاقها. ربما تكمن وراء ذلك أفكار ميتافيزيقية تجعلني أفكر في الجماد باعتباره كائناً حياً، ليس فقط من وجهة نظر إنسانية، بل أيضاً من وجهة نظر الجماد نفسه. ما الذي يربطنا مثلاً بالبيوت؟ أظن أنها علاقاتنا بالأشياء، بالحجارة والكتب، بالذكريات التي تكوّنت على هامش هذا الوجود. أفكر في أن البيوت أيضاً قد ترتبط بنا، فأفكر بالنيابة عنها أحياناً. ربما ثمة سبب آخر يلفت انتباهي للأشياء الصامتة، أنها تقع دائماً على هامش الحياة، وأنا يشغلني الهامش أكثر من المتن. أحياناً، أجد الفن في الهامش، في الشيء غير المرئي، غير الملتفت إليه. كثيراً ما تحدثت الثقافة الشعبية عن تحولات تطرأ على الإنسان بعد موته، قد يغدو ذبابة أو عصفوراً، وربما حجراً. وبعيداً من مدى الإيمان بتلك الفكرة، فإنها تبقى جذابة فنياً، ويمكن من خلالها تكوين رؤية ما للعالم، ولأنفسنا.
- في تيماتك الروائية؛ ولع بالفلسفي والغرائبي والوجودي وكذلك تهشيم الثوابت... ما هي منابع ذلك التوجه؟
لا أظن أن الكاتب يختار المسار الذي يسير فيه إبداعه، وليست لديه هذه القدرة الخارقة لتطويع بنيته الذهنية والروحية والنفسية للسير في مسار مخالف لما هو عليه. بناءً على ذلك، أنا لم أختر كتابة فلسفية أو وجودية أو غرائبية، ما حدث أني كتبت ما أنا مملوء به، أستسلم بمقدار كبير للإلهام وأستمع بدقة لصوتي الداخلي، هذه العملية تساعدني في بلورة أفكاري في الشكل الذي تراه في كتابتي. لكن ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها، أننا أبناء طفولتنا، أبناء سياقنا الثقافي والاجتماعي، أبناء مخاوفنا ووساوسنا كذلك. في بيت أبي، كانت هناك كتب تراث عربي كثيرة، الديني منه والسردي، فتشبعت بها على طول سنوات طفولتي ومراهقتي، تشبعاً لم يخل من الاعتراض أحياناً والجدال في أحيان أخرى، والذهول من خيالها الجم كلما أغمضت عينيّ وتخيلتُها. كل ذلك كان يحدث بينما أنا أؤلف حكايات وهمية عن نفسي وأصولي، حكايات تلخص مخاوفي وأنا طفل، وأحلامي المنامية التي كانت تصارعني كل ليلة. هذه الأشياء التي أفكر فيها الآن، في هذه السن، هي ما كوّنتني، وحينذاك لم أكن أعرف أنها ستكتسب أهمية ذات يوم. إضافة إلى ذلك، أنا أحب قراءة الأدب الذي يعمل فيه الخيال بمعوله، فينظر إلى الواقع من أرض الخيال، أو من زاوية أخرى من الواقع ذاته.
- في ما ترجمته من أعمال أدبية، نلاحظ التركيز على سرود النوستالجيا والسأم والانسحاق، فهل للاغتراب الذاتي دور في تأجيج دوافعك في اختيار هذه المناخات؛ خصوصاً عند ساراماغو؟
في الترجمة، معايير كثيرة لاختياري عملاً لأترجمه، في مقدمها ذائقتي. أفكر كمترجم في أهمية الكاتب وأهمية النص وإضافته في لغته ومدى ما يمكن أن تضيف ترجمته إلى اللغة العربية. من هنا، كان اختياري ساراماغو وخوان مياس وجيوكوندا بيلي. أعمال هؤلاء لا تبدو لي انسحاقية أو انهزامية، إنما هي تفتح أفقاً للتفكير؛ سواء في جماليات النص شكلاً أو في عمقها مضموناً. ربما النوستالجيا تبدو واضحة فقط في «الذكريات الصغيرة» لساراماغو، لطبيعتها كسيرة ذاتية عن طفل. بقية الأعمال تطرح أسئلة حولنا، وتقدم بمهارة تصورات جديرة بالنظر في ماهية العالم.
- كيف ترى المشهدين الإبداعيين المصري والعربي في السنوات الخمس الأخيرة؟
أعتقد أن المشهدين الإبداعيين المصري والعربي في حالة ثراء وتفاعل وتحسن على المستوى الجمالي. أحدثك هنا عن أعمال جادة وكُتّاب جادين في الرواية والقصة والشعر، وليس عن أصحاب الكتابات الأعلى مبيعاً؛ لأن لديهم جمهورهم الذي لا ينتظر منهم أكثر من حكاية مسلية. في هذا السياق، قفز الأدب المصري والعربي قفزات خيالية إبداعياً، ويمكن أن نقرأ الآن أعمالاً عربية تضاهي روايات أجنبية وتناطحها. دعني أقل لك أن الأعمال المدهشة في العالم كله قليلة، فلا يمكن توقع أن تكون الكتابات العربية كافة مدهشة. الأعمال المدهشة موجودة وملفتة، لكن قد ينقصنا النقد لرصد هذه التحولات في الروايتين المصرية والعربية وربطها بتغير السياقات الثقافية أو السياسية.
-كيف ترى الجوائز العربية المخصصة للأدب تأليفاً وترجمة؟
لا أفكر في الجوائز أثناء الكتابة، ولا أكتب من أجلها ولا بشروطها. لكن أقدّر وجود جوائز أدبية تدفع الإبداع وتشجعه وفي الوقت ذاته تعمل على انتشار الكتاب والقراءة والتعرف إلى الكاتب. لاحظ أن الأعمال الفائزة بجوائز تلفت انتباه القراء وتدفعهم إلى قراءتها، هذه ميزة كبرى للجوائز لأن أي كاتب يحب أن يُقرأ. بالمناسبة، عدد الجوائز العربية قليلة جداً مقارنة بالغرب، ففي دولة مثل إسبانيا هناك أكثر من مئتي جائزة في الرواية والقصة والشعر والمسرح.
- حدثنا أكثر عن تقييمك للنقد الأدبي ومدى مواكبته للإبداع.
تلفت انتباهي ندرة النقد مع وجود نقاد أعتقد أن في إمكانهم تقديم الكثير. دعنا نعترف بصراحة أن النقد العربي في أزمة ولا أعرف سببها، لكن الواضح أن هناك نقداً صحافياً جيداً يقوم به نقاد محترمون، لكن هذا النوع من النقد غير كافٍ لأن المساحة المخصصة له ضئيلة. كم كتاباً نقدياً رصد الكتابة الجديدة في مصر مثلاً منذ بداية الألفية؟ ندرة الدراسات النقدية الجادة مؤشر خطير إلى المسافة بين النقد والإبداع. في ما يخص أعمالي، فقد تناولها كثر من النقاد الذين استطاعوا مقاربة النص بمهارة، مثل شيرين أبو النجا وأماني فؤاد وطارق إمام ومحمد مشبال وشاكر عبدالحميد. والحقيقة أنهم نقاد مهرة.
- عن محاكم التفتيش والأقليات المضطهدة في شتى بقاع العالم، تحديداً في النزوع نحو إشكالية الموريسكيين، حدد لنا ما يؤرقك في تلك الخروقات التي خصصت لها مساحة معتبرة في روايتك «حصن التراب».
«حصن التراب» رواية مشغولة بالأساس بالأقليات الدينية، وفي هذه الحالة هي الأقلية المسلمة في إسبانيا عقب سقوط غرناطة. الحقيقة أن مسألة سقوط إسبانيا المسلمة وطرد المسلمين وتعرضهم للتعذيب مسألة مؤلمة، لقد عايشتها من قرب بزيارة المدن الإسلامية هناك والاطلاع على أرشيفات ووثائق وكتب تاريخية، وهو حدث يبقى عاراً في تاريخ أوروبا القرون الوسطى، كما هو عار في تاريخنا أيضاً اضطهاد أي أقلية على أسس دينية. كانت الأقليات هي الأكثر تألماً كلما ساد التطرف، وكلما غاب دور الدولة في تسييد مبادئ المواطنة. في الحالة الموريسكية كانت الدولة «التاج الكاثوليكي» هي من يعتمد هذه المعاناة ويرعى محاكم التفتيش، وما تبع ذلك من تهجير وتشتت لليهود أولاً، ثم للمسلمين.
يطرق الروائي المصري أحمد عبداللطيف عتبات الاغتراب والتشظي، مشتبكاً مع الذاتي وانتهاك الوجود الإنساني، ليستكشف ثنائيات ملتبسة.
أحمد عبداللطيف (1978) حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 2011، وجائزة المركز القومي للترجمة عام 2013، وجائزة ساويرس في الرواية عام 2015. صدرت له أربع روايات «صانع المفاتيح»؛ «عالم المندل»، «كتاب النحّات»، «حصن التراب - حكاية عائلة موريسكية». وتدرّس روايته «صانع المفاتيح» في قسم الدراسات العربية بجامعة تشارلز في تشيخيا، وهو ترجم من اللغة الإسبانية أعمالاً أدبية عدة. هنا حوار معه:
- هل تنطلق في أعمالك الروائية من محاكمة ذاتية للوجود؟
أظن أن عبثية الحياة سبب كافٍ لانطلاق نص أدبي، ومساءلة الوجود عملية تتكوّن أثناء الكتابة. فكرة الانطلاق أعرفها منذ بداية خط السطر الأول في الرواية، ما لا أعرفه أين ستنتهي الرحلة نفسها. وجزء من هذه الرحلة التفكير في الكائنات الأخرى، ومحاولة استنطاقها. ربما تكمن وراء ذلك أفكار ميتافيزيقية تجعلني أفكر في الجماد باعتباره كائناً حياً، ليس فقط من وجهة نظر إنسانية، بل أيضاً من وجهة نظر الجماد نفسه. ما الذي يربطنا مثلاً بالبيوت؟ أظن أنها علاقاتنا بالأشياء، بالحجارة والكتب، بالذكريات التي تكوّنت على هامش هذا الوجود. أفكر في أن البيوت أيضاً قد ترتبط بنا، فأفكر بالنيابة عنها أحياناً. ربما ثمة سبب آخر يلفت انتباهي للأشياء الصامتة، أنها تقع دائماً على هامش الحياة، وأنا يشغلني الهامش أكثر من المتن. أحياناً، أجد الفن في الهامش، في الشيء غير المرئي، غير الملتفت إليه. كثيراً ما تحدثت الثقافة الشعبية عن تحولات تطرأ على الإنسان بعد موته، قد يغدو ذبابة أو عصفوراً، وربما حجراً. وبعيداً من مدى الإيمان بتلك الفكرة، فإنها تبقى جذابة فنياً، ويمكن من خلالها تكوين رؤية ما للعالم، ولأنفسنا.
- في تيماتك الروائية؛ ولع بالفلسفي والغرائبي والوجودي وكذلك تهشيم الثوابت... ما هي منابع ذلك التوجه؟
لا أظن أن الكاتب يختار المسار الذي يسير فيه إبداعه، وليست لديه هذه القدرة الخارقة لتطويع بنيته الذهنية والروحية والنفسية للسير في مسار مخالف لما هو عليه. بناءً على ذلك، أنا لم أختر كتابة فلسفية أو وجودية أو غرائبية، ما حدث أني كتبت ما أنا مملوء به، أستسلم بمقدار كبير للإلهام وأستمع بدقة لصوتي الداخلي، هذه العملية تساعدني في بلورة أفكاري في الشكل الذي تراه في كتابتي. لكن ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها، أننا أبناء طفولتنا، أبناء سياقنا الثقافي والاجتماعي، أبناء مخاوفنا ووساوسنا كذلك. في بيت أبي، كانت هناك كتب تراث عربي كثيرة، الديني منه والسردي، فتشبعت بها على طول سنوات طفولتي ومراهقتي، تشبعاً لم يخل من الاعتراض أحياناً والجدال في أحيان أخرى، والذهول من خيالها الجم كلما أغمضت عينيّ وتخيلتُها. كل ذلك كان يحدث بينما أنا أؤلف حكايات وهمية عن نفسي وأصولي، حكايات تلخص مخاوفي وأنا طفل، وأحلامي المنامية التي كانت تصارعني كل ليلة. هذه الأشياء التي أفكر فيها الآن، في هذه السن، هي ما كوّنتني، وحينذاك لم أكن أعرف أنها ستكتسب أهمية ذات يوم. إضافة إلى ذلك، أنا أحب قراءة الأدب الذي يعمل فيه الخيال بمعوله، فينظر إلى الواقع من أرض الخيال، أو من زاوية أخرى من الواقع ذاته.
- في ما ترجمته من أعمال أدبية، نلاحظ التركيز على سرود النوستالجيا والسأم والانسحاق، فهل للاغتراب الذاتي دور في تأجيج دوافعك في اختيار هذه المناخات؛ خصوصاً عند ساراماغو؟
في الترجمة، معايير كثيرة لاختياري عملاً لأترجمه، في مقدمها ذائقتي. أفكر كمترجم في أهمية الكاتب وأهمية النص وإضافته في لغته ومدى ما يمكن أن تضيف ترجمته إلى اللغة العربية. من هنا، كان اختياري ساراماغو وخوان مياس وجيوكوندا بيلي. أعمال هؤلاء لا تبدو لي انسحاقية أو انهزامية، إنما هي تفتح أفقاً للتفكير؛ سواء في جماليات النص شكلاً أو في عمقها مضموناً. ربما النوستالجيا تبدو واضحة فقط في «الذكريات الصغيرة» لساراماغو، لطبيعتها كسيرة ذاتية عن طفل. بقية الأعمال تطرح أسئلة حولنا، وتقدم بمهارة تصورات جديرة بالنظر في ماهية العالم.
- كيف ترى المشهدين الإبداعيين المصري والعربي في السنوات الخمس الأخيرة؟
أعتقد أن المشهدين الإبداعيين المصري والعربي في حالة ثراء وتفاعل وتحسن على المستوى الجمالي. أحدثك هنا عن أعمال جادة وكُتّاب جادين في الرواية والقصة والشعر، وليس عن أصحاب الكتابات الأعلى مبيعاً؛ لأن لديهم جمهورهم الذي لا ينتظر منهم أكثر من حكاية مسلية. في هذا السياق، قفز الأدب المصري والعربي قفزات خيالية إبداعياً، ويمكن أن نقرأ الآن أعمالاً عربية تضاهي روايات أجنبية وتناطحها. دعني أقل لك أن الأعمال المدهشة في العالم كله قليلة، فلا يمكن توقع أن تكون الكتابات العربية كافة مدهشة. الأعمال المدهشة موجودة وملفتة، لكن قد ينقصنا النقد لرصد هذه التحولات في الروايتين المصرية والعربية وربطها بتغير السياقات الثقافية أو السياسية.
-كيف ترى الجوائز العربية المخصصة للأدب تأليفاً وترجمة؟
لا أفكر في الجوائز أثناء الكتابة، ولا أكتب من أجلها ولا بشروطها. لكن أقدّر وجود جوائز أدبية تدفع الإبداع وتشجعه وفي الوقت ذاته تعمل على انتشار الكتاب والقراءة والتعرف إلى الكاتب. لاحظ أن الأعمال الفائزة بجوائز تلفت انتباه القراء وتدفعهم إلى قراءتها، هذه ميزة كبرى للجوائز لأن أي كاتب يحب أن يُقرأ. بالمناسبة، عدد الجوائز العربية قليلة جداً مقارنة بالغرب، ففي دولة مثل إسبانيا هناك أكثر من مئتي جائزة في الرواية والقصة والشعر والمسرح.
- حدثنا أكثر عن تقييمك للنقد الأدبي ومدى مواكبته للإبداع.
تلفت انتباهي ندرة النقد مع وجود نقاد أعتقد أن في إمكانهم تقديم الكثير. دعنا نعترف بصراحة أن النقد العربي في أزمة ولا أعرف سببها، لكن الواضح أن هناك نقداً صحافياً جيداً يقوم به نقاد محترمون، لكن هذا النوع من النقد غير كافٍ لأن المساحة المخصصة له ضئيلة. كم كتاباً نقدياً رصد الكتابة الجديدة في مصر مثلاً منذ بداية الألفية؟ ندرة الدراسات النقدية الجادة مؤشر خطير إلى المسافة بين النقد والإبداع. في ما يخص أعمالي، فقد تناولها كثر من النقاد الذين استطاعوا مقاربة النص بمهارة، مثل شيرين أبو النجا وأماني فؤاد وطارق إمام ومحمد مشبال وشاكر عبدالحميد. والحقيقة أنهم نقاد مهرة.
- عن محاكم التفتيش والأقليات المضطهدة في شتى بقاع العالم، تحديداً في النزوع نحو إشكالية الموريسكيين، حدد لنا ما يؤرقك في تلك الخروقات التي خصصت لها مساحة معتبرة في روايتك «حصن التراب».
«حصن التراب» رواية مشغولة بالأساس بالأقليات الدينية، وفي هذه الحالة هي الأقلية المسلمة في إسبانيا عقب سقوط غرناطة. الحقيقة أن مسألة سقوط إسبانيا المسلمة وطرد المسلمين وتعرضهم للتعذيب مسألة مؤلمة، لقد عايشتها من قرب بزيارة المدن الإسلامية هناك والاطلاع على أرشيفات ووثائق وكتب تاريخية، وهو حدث يبقى عاراً في تاريخ أوروبا القرون الوسطى، كما هو عار في تاريخنا أيضاً اضطهاد أي أقلية على أسس دينية. كانت الأقليات هي الأكثر تألماً كلما ساد التطرف، وكلما غاب دور الدولة في تسييد مبادئ المواطنة. في الحالة الموريسكية كانت الدولة «التاج الكاثوليكي» هي من يعتمد هذه المعاناة ويرعى محاكم التفتيش، وما تبع ذلك من تهجير وتشتت لليهود أولاً، ثم للمسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.