إعلان نتيجة المرحلة الأولى بتنسيق الجامعات 2025.. غدًا    «التضامن» تقر قيد 3 جمعيات في محافظتي الإسكندرية والمنيا    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    أسعار الفراخ اليوم فى مطروح السبت 2 أغسطس 2025    تسلا تدفع 200 مليون دولار تعويضات بعد مقتل شاب بسبب القيادة الآلية    توقيع بروتوكول تعاون بين «الجمارك» وغرفة القاهرة التجارية لتيسير الإجراءات    ننشر أسعار حديد التسليح اليوم 2 أغسطس 2025    وزارة النقل: استمرار تلقي طلبات السائقين الراغبين في الانضمام لبرنامج تدريب وتأهيل سائقى الاتوبيسات والنقل الثقيل    «بلومبرج»: مكتب التحقيقات الفيدرالي أخفى اسم ترامب في ملفات قضية إبستين    استشهاد 22 فلسطينيا برصاص الاحتلال الإسرائيلي بأنحاء متفرقة من قطاع غزة    سقطة وخيانة و "فضيحة بجلاجل"    "اليونيسيف": أطفال غزة يموتون بمعدل غير مسبوق    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    الزمالك يتوصل لاتفاق مع عدي الدباغ    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد ليون الودية والقنوات الناقلة    وزير الرياضة يشهد تتويج منتخب الناشئين والناشئات ببطولة كأس العالم للاسكواش    اللجنة الأولمبية تشكر الرياضيين وتُعزز الاستقرار بتفعيل مدونة السلوك    21 مصابًا.. ارتفاع أعداد المصابين في حادث انفجار أسطوانة بوتاجاز بمطعم بسوهاج    القبض على بلوجر "إنهاء تراخيص المرور" في أكتوبر    الداخلية: سحب 844 رخصة وتحرير 601 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    أجواء غائمة وفرص أمطار تمتد للقاهرة.. حالة الطقس اليوم السبت 2 أغسطس 2025    عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين بحفل أسطوري (صور)    القاهرة الإخبارية: حضور لافت للمصريين فى اليونان للتصويت بانتخابات الشيوخ    ابحث عن طريقة لزيادة دخلك.. توقعات برج الحمل في أغسطس 2025    رئيس جامعة المنوفية يصدر 7 قرارات جديدة بتعيين وتجديد تكليف لوكلاء الكليات    55.7 مليون جنيه.. إيرادات فيلم الشاطر بعد 17 ليلة عرض (تفاصيل)    بيت الزكاة والصدقات يبدأ غدا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين بجميع المحافظات    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية لأمانة المراكز الطبية المتخصصة والمستشفيات    مدبولي يتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    «100 يوم صحة» تقدم 26 مليونًا و742 ألف خدمة طبية مجانية خلال 17 يومًا    انتخابات الشيوخ 2025.. توافد لافت ورسائل دعم للدولة المصرية خلال تصويت المصريين بالسعودية    الكهرباء تكشف أحدث حيل سرقة التيار عبر العدادات مسبوقة الدفع    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    الهيئة الوطنية للانتخابات: سفراء مصر بالخارج يدعمون التصويت    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    جنين تم تجميده عام 1994.. ولادة أكبر طفل في العالم    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عبداللطيف: الأعمال الأدبية المدهشة في العالم قليلة
نشر في صوت البلد يوم 27 - 12 - 2017

يطرق الروائي المصري أحمد عبداللطيف عتبات الاغتراب والتشظي، مشتبكاً مع الذاتي وانتهاك الوجود الإنساني، ليستكشف ثنائيات ملتبسة.
أحمد عبداللطيف (1978) حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 2011، وجائزة المركز القومي للترجمة عام 2013، وجائزة ساويرس في الرواية عام 2015. صدرت له أربع روايات «صانع المفاتيح»؛ «عالم المندل»، «كتاب النحّات»، «حصن التراب - حكاية عائلة موريسكية». وتدرّس روايته «صانع المفاتيح» في قسم الدراسات العربية بجامعة تشارلز في تشيخيا، وهو ترجم من اللغة الإسبانية أعمالاً أدبية عدة. هنا حوار معه:
- هل تنطلق في أعمالك الروائية من محاكمة ذاتية للوجود؟
أظن أن عبثية الحياة سبب كافٍ لانطلاق نص أدبي، ومساءلة الوجود عملية تتكوّن أثناء الكتابة. فكرة الانطلاق أعرفها منذ بداية خط السطر الأول في الرواية، ما لا أعرفه أين ستنتهي الرحلة نفسها. وجزء من هذه الرحلة التفكير في الكائنات الأخرى، ومحاولة استنطاقها. ربما تكمن وراء ذلك أفكار ميتافيزيقية تجعلني أفكر في الجماد باعتباره كائناً حياً، ليس فقط من وجهة نظر إنسانية، بل أيضاً من وجهة نظر الجماد نفسه. ما الذي يربطنا مثلاً بالبيوت؟ أظن أنها علاقاتنا بالأشياء، بالحجارة والكتب، بالذكريات التي تكوّنت على هامش هذا الوجود. أفكر في أن البيوت أيضاً قد ترتبط بنا، فأفكر بالنيابة عنها أحياناً. ربما ثمة سبب آخر يلفت انتباهي للأشياء الصامتة، أنها تقع دائماً على هامش الحياة، وأنا يشغلني الهامش أكثر من المتن. أحياناً، أجد الفن في الهامش، في الشيء غير المرئي، غير الملتفت إليه. كثيراً ما تحدثت الثقافة الشعبية عن تحولات تطرأ على الإنسان بعد موته، قد يغدو ذبابة أو عصفوراً، وربما حجراً. وبعيداً من مدى الإيمان بتلك الفكرة، فإنها تبقى جذابة فنياً، ويمكن من خلالها تكوين رؤية ما للعالم، ولأنفسنا.
- في تيماتك الروائية؛ ولع بالفلسفي والغرائبي والوجودي وكذلك تهشيم الثوابت... ما هي منابع ذلك التوجه؟
لا أظن أن الكاتب يختار المسار الذي يسير فيه إبداعه، وليست لديه هذه القدرة الخارقة لتطويع بنيته الذهنية والروحية والنفسية للسير في مسار مخالف لما هو عليه. بناءً على ذلك، أنا لم أختر كتابة فلسفية أو وجودية أو غرائبية، ما حدث أني كتبت ما أنا مملوء به، أستسلم بمقدار كبير للإلهام وأستمع بدقة لصوتي الداخلي، هذه العملية تساعدني في بلورة أفكاري في الشكل الذي تراه في كتابتي. لكن ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها، أننا أبناء طفولتنا، أبناء سياقنا الثقافي والاجتماعي، أبناء مخاوفنا ووساوسنا كذلك. في بيت أبي، كانت هناك كتب تراث عربي كثيرة، الديني منه والسردي، فتشبعت بها على طول سنوات طفولتي ومراهقتي، تشبعاً لم يخل من الاعتراض أحياناً والجدال في أحيان أخرى، والذهول من خيالها الجم كلما أغمضت عينيّ وتخيلتُها. كل ذلك كان يحدث بينما أنا أؤلف حكايات وهمية عن نفسي وأصولي، حكايات تلخص مخاوفي وأنا طفل، وأحلامي المنامية التي كانت تصارعني كل ليلة. هذه الأشياء التي أفكر فيها الآن، في هذه السن، هي ما كوّنتني، وحينذاك لم أكن أعرف أنها ستكتسب أهمية ذات يوم. إضافة إلى ذلك، أنا أحب قراءة الأدب الذي يعمل فيه الخيال بمعوله، فينظر إلى الواقع من أرض الخيال، أو من زاوية أخرى من الواقع ذاته.
- في ما ترجمته من أعمال أدبية، نلاحظ التركيز على سرود النوستالجيا والسأم والانسحاق، فهل للاغتراب الذاتي دور في تأجيج دوافعك في اختيار هذه المناخات؛ خصوصاً عند ساراماغو؟
في الترجمة، معايير كثيرة لاختياري عملاً لأترجمه، في مقدمها ذائقتي. أفكر كمترجم في أهمية الكاتب وأهمية النص وإضافته في لغته ومدى ما يمكن أن تضيف ترجمته إلى اللغة العربية. من هنا، كان اختياري ساراماغو وخوان مياس وجيوكوندا بيلي. أعمال هؤلاء لا تبدو لي انسحاقية أو انهزامية، إنما هي تفتح أفقاً للتفكير؛ سواء في جماليات النص شكلاً أو في عمقها مضموناً. ربما النوستالجيا تبدو واضحة فقط في «الذكريات الصغيرة» لساراماغو، لطبيعتها كسيرة ذاتية عن طفل. بقية الأعمال تطرح أسئلة حولنا، وتقدم بمهارة تصورات جديرة بالنظر في ماهية العالم.
- كيف ترى المشهدين الإبداعيين المصري والعربي في السنوات الخمس الأخيرة؟
أعتقد أن المشهدين الإبداعيين المصري والعربي في حالة ثراء وتفاعل وتحسن على المستوى الجمالي. أحدثك هنا عن أعمال جادة وكُتّاب جادين في الرواية والقصة والشعر، وليس عن أصحاب الكتابات الأعلى مبيعاً؛ لأن لديهم جمهورهم الذي لا ينتظر منهم أكثر من حكاية مسلية. في هذا السياق، قفز الأدب المصري والعربي قفزات خيالية إبداعياً، ويمكن أن نقرأ الآن أعمالاً عربية تضاهي روايات أجنبية وتناطحها. دعني أقل لك أن الأعمال المدهشة في العالم كله قليلة، فلا يمكن توقع أن تكون الكتابات العربية كافة مدهشة. الأعمال المدهشة موجودة وملفتة، لكن قد ينقصنا النقد لرصد هذه التحولات في الروايتين المصرية والعربية وربطها بتغير السياقات الثقافية أو السياسية.
-كيف ترى الجوائز العربية المخصصة للأدب تأليفاً وترجمة؟
لا أفكر في الجوائز أثناء الكتابة، ولا أكتب من أجلها ولا بشروطها. لكن أقدّر وجود جوائز أدبية تدفع الإبداع وتشجعه وفي الوقت ذاته تعمل على انتشار الكتاب والقراءة والتعرف إلى الكاتب. لاحظ أن الأعمال الفائزة بجوائز تلفت انتباه القراء وتدفعهم إلى قراءتها، هذه ميزة كبرى للجوائز لأن أي كاتب يحب أن يُقرأ. بالمناسبة، عدد الجوائز العربية قليلة جداً مقارنة بالغرب، ففي دولة مثل إسبانيا هناك أكثر من مئتي جائزة في الرواية والقصة والشعر والمسرح.
- حدثنا أكثر عن تقييمك للنقد الأدبي ومدى مواكبته للإبداع.
تلفت انتباهي ندرة النقد مع وجود نقاد أعتقد أن في إمكانهم تقديم الكثير. دعنا نعترف بصراحة أن النقد العربي في أزمة ولا أعرف سببها، لكن الواضح أن هناك نقداً صحافياً جيداً يقوم به نقاد محترمون، لكن هذا النوع من النقد غير كافٍ لأن المساحة المخصصة له ضئيلة. كم كتاباً نقدياً رصد الكتابة الجديدة في مصر مثلاً منذ بداية الألفية؟ ندرة الدراسات النقدية الجادة مؤشر خطير إلى المسافة بين النقد والإبداع. في ما يخص أعمالي، فقد تناولها كثر من النقاد الذين استطاعوا مقاربة النص بمهارة، مثل شيرين أبو النجا وأماني فؤاد وطارق إمام ومحمد مشبال وشاكر عبدالحميد. والحقيقة أنهم نقاد مهرة.
- عن محاكم التفتيش والأقليات المضطهدة في شتى بقاع العالم، تحديداً في النزوع نحو إشكالية الموريسكيين، حدد لنا ما يؤرقك في تلك الخروقات التي خصصت لها مساحة معتبرة في روايتك «حصن التراب».
«حصن التراب» رواية مشغولة بالأساس بالأقليات الدينية، وفي هذه الحالة هي الأقلية المسلمة في إسبانيا عقب سقوط غرناطة. الحقيقة أن مسألة سقوط إسبانيا المسلمة وطرد المسلمين وتعرضهم للتعذيب مسألة مؤلمة، لقد عايشتها من قرب بزيارة المدن الإسلامية هناك والاطلاع على أرشيفات ووثائق وكتب تاريخية، وهو حدث يبقى عاراً في تاريخ أوروبا القرون الوسطى، كما هو عار في تاريخنا أيضاً اضطهاد أي أقلية على أسس دينية. كانت الأقليات هي الأكثر تألماً كلما ساد التطرف، وكلما غاب دور الدولة في تسييد مبادئ المواطنة. في الحالة الموريسكية كانت الدولة «التاج الكاثوليكي» هي من يعتمد هذه المعاناة ويرعى محاكم التفتيش، وما تبع ذلك من تهجير وتشتت لليهود أولاً، ثم للمسلمين.
يطرق الروائي المصري أحمد عبداللطيف عتبات الاغتراب والتشظي، مشتبكاً مع الذاتي وانتهاك الوجود الإنساني، ليستكشف ثنائيات ملتبسة.
أحمد عبداللطيف (1978) حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 2011، وجائزة المركز القومي للترجمة عام 2013، وجائزة ساويرس في الرواية عام 2015. صدرت له أربع روايات «صانع المفاتيح»؛ «عالم المندل»، «كتاب النحّات»، «حصن التراب - حكاية عائلة موريسكية». وتدرّس روايته «صانع المفاتيح» في قسم الدراسات العربية بجامعة تشارلز في تشيخيا، وهو ترجم من اللغة الإسبانية أعمالاً أدبية عدة. هنا حوار معه:
- هل تنطلق في أعمالك الروائية من محاكمة ذاتية للوجود؟
أظن أن عبثية الحياة سبب كافٍ لانطلاق نص أدبي، ومساءلة الوجود عملية تتكوّن أثناء الكتابة. فكرة الانطلاق أعرفها منذ بداية خط السطر الأول في الرواية، ما لا أعرفه أين ستنتهي الرحلة نفسها. وجزء من هذه الرحلة التفكير في الكائنات الأخرى، ومحاولة استنطاقها. ربما تكمن وراء ذلك أفكار ميتافيزيقية تجعلني أفكر في الجماد باعتباره كائناً حياً، ليس فقط من وجهة نظر إنسانية، بل أيضاً من وجهة نظر الجماد نفسه. ما الذي يربطنا مثلاً بالبيوت؟ أظن أنها علاقاتنا بالأشياء، بالحجارة والكتب، بالذكريات التي تكوّنت على هامش هذا الوجود. أفكر في أن البيوت أيضاً قد ترتبط بنا، فأفكر بالنيابة عنها أحياناً. ربما ثمة سبب آخر يلفت انتباهي للأشياء الصامتة، أنها تقع دائماً على هامش الحياة، وأنا يشغلني الهامش أكثر من المتن. أحياناً، أجد الفن في الهامش، في الشيء غير المرئي، غير الملتفت إليه. كثيراً ما تحدثت الثقافة الشعبية عن تحولات تطرأ على الإنسان بعد موته، قد يغدو ذبابة أو عصفوراً، وربما حجراً. وبعيداً من مدى الإيمان بتلك الفكرة، فإنها تبقى جذابة فنياً، ويمكن من خلالها تكوين رؤية ما للعالم، ولأنفسنا.
- في تيماتك الروائية؛ ولع بالفلسفي والغرائبي والوجودي وكذلك تهشيم الثوابت... ما هي منابع ذلك التوجه؟
لا أظن أن الكاتب يختار المسار الذي يسير فيه إبداعه، وليست لديه هذه القدرة الخارقة لتطويع بنيته الذهنية والروحية والنفسية للسير في مسار مخالف لما هو عليه. بناءً على ذلك، أنا لم أختر كتابة فلسفية أو وجودية أو غرائبية، ما حدث أني كتبت ما أنا مملوء به، أستسلم بمقدار كبير للإلهام وأستمع بدقة لصوتي الداخلي، هذه العملية تساعدني في بلورة أفكاري في الشكل الذي تراه في كتابتي. لكن ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها، أننا أبناء طفولتنا، أبناء سياقنا الثقافي والاجتماعي، أبناء مخاوفنا ووساوسنا كذلك. في بيت أبي، كانت هناك كتب تراث عربي كثيرة، الديني منه والسردي، فتشبعت بها على طول سنوات طفولتي ومراهقتي، تشبعاً لم يخل من الاعتراض أحياناً والجدال في أحيان أخرى، والذهول من خيالها الجم كلما أغمضت عينيّ وتخيلتُها. كل ذلك كان يحدث بينما أنا أؤلف حكايات وهمية عن نفسي وأصولي، حكايات تلخص مخاوفي وأنا طفل، وأحلامي المنامية التي كانت تصارعني كل ليلة. هذه الأشياء التي أفكر فيها الآن، في هذه السن، هي ما كوّنتني، وحينذاك لم أكن أعرف أنها ستكتسب أهمية ذات يوم. إضافة إلى ذلك، أنا أحب قراءة الأدب الذي يعمل فيه الخيال بمعوله، فينظر إلى الواقع من أرض الخيال، أو من زاوية أخرى من الواقع ذاته.
- في ما ترجمته من أعمال أدبية، نلاحظ التركيز على سرود النوستالجيا والسأم والانسحاق، فهل للاغتراب الذاتي دور في تأجيج دوافعك في اختيار هذه المناخات؛ خصوصاً عند ساراماغو؟
في الترجمة، معايير كثيرة لاختياري عملاً لأترجمه، في مقدمها ذائقتي. أفكر كمترجم في أهمية الكاتب وأهمية النص وإضافته في لغته ومدى ما يمكن أن تضيف ترجمته إلى اللغة العربية. من هنا، كان اختياري ساراماغو وخوان مياس وجيوكوندا بيلي. أعمال هؤلاء لا تبدو لي انسحاقية أو انهزامية، إنما هي تفتح أفقاً للتفكير؛ سواء في جماليات النص شكلاً أو في عمقها مضموناً. ربما النوستالجيا تبدو واضحة فقط في «الذكريات الصغيرة» لساراماغو، لطبيعتها كسيرة ذاتية عن طفل. بقية الأعمال تطرح أسئلة حولنا، وتقدم بمهارة تصورات جديرة بالنظر في ماهية العالم.
- كيف ترى المشهدين الإبداعيين المصري والعربي في السنوات الخمس الأخيرة؟
أعتقد أن المشهدين الإبداعيين المصري والعربي في حالة ثراء وتفاعل وتحسن على المستوى الجمالي. أحدثك هنا عن أعمال جادة وكُتّاب جادين في الرواية والقصة والشعر، وليس عن أصحاب الكتابات الأعلى مبيعاً؛ لأن لديهم جمهورهم الذي لا ينتظر منهم أكثر من حكاية مسلية. في هذا السياق، قفز الأدب المصري والعربي قفزات خيالية إبداعياً، ويمكن أن نقرأ الآن أعمالاً عربية تضاهي روايات أجنبية وتناطحها. دعني أقل لك أن الأعمال المدهشة في العالم كله قليلة، فلا يمكن توقع أن تكون الكتابات العربية كافة مدهشة. الأعمال المدهشة موجودة وملفتة، لكن قد ينقصنا النقد لرصد هذه التحولات في الروايتين المصرية والعربية وربطها بتغير السياقات الثقافية أو السياسية.
-كيف ترى الجوائز العربية المخصصة للأدب تأليفاً وترجمة؟
لا أفكر في الجوائز أثناء الكتابة، ولا أكتب من أجلها ولا بشروطها. لكن أقدّر وجود جوائز أدبية تدفع الإبداع وتشجعه وفي الوقت ذاته تعمل على انتشار الكتاب والقراءة والتعرف إلى الكاتب. لاحظ أن الأعمال الفائزة بجوائز تلفت انتباه القراء وتدفعهم إلى قراءتها، هذه ميزة كبرى للجوائز لأن أي كاتب يحب أن يُقرأ. بالمناسبة، عدد الجوائز العربية قليلة جداً مقارنة بالغرب، ففي دولة مثل إسبانيا هناك أكثر من مئتي جائزة في الرواية والقصة والشعر والمسرح.
- حدثنا أكثر عن تقييمك للنقد الأدبي ومدى مواكبته للإبداع.
تلفت انتباهي ندرة النقد مع وجود نقاد أعتقد أن في إمكانهم تقديم الكثير. دعنا نعترف بصراحة أن النقد العربي في أزمة ولا أعرف سببها، لكن الواضح أن هناك نقداً صحافياً جيداً يقوم به نقاد محترمون، لكن هذا النوع من النقد غير كافٍ لأن المساحة المخصصة له ضئيلة. كم كتاباً نقدياً رصد الكتابة الجديدة في مصر مثلاً منذ بداية الألفية؟ ندرة الدراسات النقدية الجادة مؤشر خطير إلى المسافة بين النقد والإبداع. في ما يخص أعمالي، فقد تناولها كثر من النقاد الذين استطاعوا مقاربة النص بمهارة، مثل شيرين أبو النجا وأماني فؤاد وطارق إمام ومحمد مشبال وشاكر عبدالحميد. والحقيقة أنهم نقاد مهرة.
- عن محاكم التفتيش والأقليات المضطهدة في شتى بقاع العالم، تحديداً في النزوع نحو إشكالية الموريسكيين، حدد لنا ما يؤرقك في تلك الخروقات التي خصصت لها مساحة معتبرة في روايتك «حصن التراب».
«حصن التراب» رواية مشغولة بالأساس بالأقليات الدينية، وفي هذه الحالة هي الأقلية المسلمة في إسبانيا عقب سقوط غرناطة. الحقيقة أن مسألة سقوط إسبانيا المسلمة وطرد المسلمين وتعرضهم للتعذيب مسألة مؤلمة، لقد عايشتها من قرب بزيارة المدن الإسلامية هناك والاطلاع على أرشيفات ووثائق وكتب تاريخية، وهو حدث يبقى عاراً في تاريخ أوروبا القرون الوسطى، كما هو عار في تاريخنا أيضاً اضطهاد أي أقلية على أسس دينية. كانت الأقليات هي الأكثر تألماً كلما ساد التطرف، وكلما غاب دور الدولة في تسييد مبادئ المواطنة. في الحالة الموريسكية كانت الدولة «التاج الكاثوليكي» هي من يعتمد هذه المعاناة ويرعى محاكم التفتيش، وما تبع ذلك من تهجير وتشتت لليهود أولاً، ثم للمسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.