انتظام اختبارات منتصف الفصل الدراسي بزراعة القناة ل 1156 طالبًا    سياسي أمريكي ل«البوابة نيوز»: ترامب أعاد القوة للاقتصاد وأنهى زمن استغلال بلاده    السوبر المصري.. حافلة الأهلي في طريقها إلى ملعب محمد بن زايد لمواجهة الزمالك    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    9 نوفمبر 2025.. البورصة تقفز وتحقق مستوى تاريخي جديد    إيثيدكو تتعاقد مع SES لإنشاء محطة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر ديسمبر 2025 ل 11 مليون مواطن    لدعم حماية الطفل وتعزيز الخدمات الأسرية.. افتتاح فرع المجلس القومي للطفولة والأمومة ببني سويف    ديوان نتنياهو: قواتنا تسلمت من الصليب الأحمر جثة مختطف وهي الآن في طريقها لإسرائيل    شراكة متكاملة، تفاصيل اجتماع وزير الخارجية بسفراء دول أمريكا اللاتينية والوسطى والكاريبي    إعادة إعمار سوريا ورفع ما تبقى من عقوبات اقتصادية.. ملفات يحملها الشرع إلى واشنطن    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    إصابة 3 أشخاص في حادث إنقلاب سيارة ملاكي بالفيوم    تحرير 204 محضر وضبط طن مواد غذائية متنوعة في حملات بالدقهلية    سيمنس العالمية عن قطار فيلارو بمصر: نموذج للتميز الهندسي بفضل تجهيزاته الحديثة    "الست بسيمة" يشارك بمهرجان Youth empowerment بلبنان    وصول سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة للمشاركة بمنتدى إعلام مصر 2030    صينية القرنبيط بالفرن مع الجبن والبهارات، أكلة اقتصادية ومغذية    البابا تواضروس يترأس صلوات تدشين كنيسة العذراء في أكتوبر    بمشاركة نخبة من الخبراء.. منتدى مصر للإعلام يناقش تحديات ومستقبل الإعلام في يومه الثاني    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    توقيع مذكرة تفاهم بين التعليم العالي والتضامن ومستشفى شفاء الأورمان لتعزيز التعاون في صعيد مصر    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    عبد الرحيم يعزي رئيس «الوطنية للانتخابات» في وفاة زوجته    مهرجان القاهرة يعلن عن القائمة النهائية للبانوراما المصرية خارج المسابقة    انطلاق فعاليات اختبارات الائمه لمرافقة بعثة الحج بمديرية أوقاف المنوفية    استخرج تصاريح العمل خلال 60 دقيقة عبر "VIP إكسبريس".. انفوجراف    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى نحو مليون و151 ألف فرد منذ بداية الحرب    ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء    تعليم القليوبية تحيل واقعة تعدي عاملة على معلمة بالخصوص لتحقيق    «أكبر خيانة».. ما هي الأبراج التي تكره الكذب بشدة؟    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    «صرف الإسكندرية»: فرق طوارئ ومتابعة ميدانية استعدادًا لانتخابات مجلس النواب    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    «سكك حديد مصر» تشارك في نقل القضاة المشرفين على انتخابات النواب    تأجيل محاكمة 10 متهمين بخلية التجمع لجلسة 29 ديسمبر    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    برلماني يدعو المصريين للنزول بكثافة إلى صناديق الاقتراع    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    الذكاء الاصطناعى أخطر على الدين من الإلحاد    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    بعد مسلسل كارثة طبيعية، ما مدى أمان الحمل بسبعة توائم على الأم والأجنة؟    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغربية سعيدة تاقي: الرواية لا تنفصل عن الذات التاريخية والتراث
نشر في صوت البلد يوم 22 - 03 - 2016

تبدو الناقدة والروائية المغربية سعيدة تاقي ثائرة على الدوام. تسعى بتوق شديد إلى التمسك بدفاعها عن قضية المرأة. وترى أن تعاملها مع موضوعات الإنسان والكتابة امتداد لاشتغالها اليومي في حقل النقد، الذي لا تحمله تقنيات أو مناهج «بائدة». وفي رأيها أن جنس الكاتبة أو الكاتب لا يحدد هوية الإبداع، فمعايير هذا التصنيف السائد جائرة.
ومنذ فترة وجيزة أصدرت تاقي عن دار «الهلال» المصرية روايتها الثانية بعنوان «إني وضعتها أنثى». استثمرت في العمل السردية الحديثة، لرسم صورة مدينة «تطوان» العتيقة. وبرفقة مهدية، البطلة الأساسية في الحكاية، وعزيز التشكيلي المعارض المنفي في إشبيلية، وموشي عمران الكاتب الذي فارق الحياة وتواصل الرواية (بقرار من السارد وبدون حضور الكاتب) الكتابة والسرد والتمنُّع.
- ما زالت إشكالية التراث مطروحة. ما موقفك من تلك القضية؟ وكيف تنظرين إلى هذا التوظيف للسيرة الشعبية؟
لماذا علينا النظر بازدواجية متعارضة دوماً إلى مكتسبات الحاضر؟ لماذا علينا أن نتأمل العالم ضمن ثنائيات متضادة ومتناحرة؟. لا أعتقد أن «الآخر»، في كل ما أنتجه وينتجه من داخل النقد أو الفن أو الفلسفة أو الفكر، ينظر إلى محاورات سقراط أو جمهورية أفلاطون أو إلى منطق أرسطو من منطلق توصيف تلك الآثار ب«التراثية». فكر القطائع ننتجه «نحن»، ونعيد إنتاجه في كل مرّة بدون الاستفادة من دروس الأمس ومن تعثرات النهضة «المجيدة». الرواية بنية سردية مميَّزة شأنها شأن بنى سردية عديدة مثل الحكاية أو المقامة أو الخبر أو النادرة أو السيرة أو الخرافة أو الرحلة أو غيرها، أُنتِجت في لحظة زمنية معينة، تأثراً أو استجابة لأنساق حضارية وثقافية محدَّدة، لكنها لا تنفصل عن الذات التاريخية والوجودية والثقافية التي كتبتْها.
- ما هي الدائرة الأساسية في حركتك النقدية؟
تحليل الخطاب داخل «النص» وخارجه. أقصد بذلك أمرين: أولهما الخطاب وهو يكتسي طابع «النص المعتمد» في كلاسيكيات الدرس النقدي والأكاديمي والجامعي، وكذلك الخطاب الذي يُنْتَج في المجتمع بوصف ذلك «النص» ممارسة ثقافية أو اجتماعية.
- كيف تواجه سعيدة تاقي نصًا نقديًا؟
أبحث في النص النقدي عن رؤية نقدية مستقلة يشيّدها الناقد/ الدارس. أرى عبر منظارها الخاص النصَ الإبداعي، وألتمس في ضوئها التحليلي بصمة ذلك النص الإبداعية.
قد يكون ذلك السبب في انصرافي عن وصلات الإعلان الترويجي التي تقترح بادعاء «النقد»، جولةً لطيفة خفيفة في فضاء النص الإبداعي تحكي عنه وتحلِّق في سمائه بدون معرفة نقدية أو خبرة تحليلية أو قدرة على التمييز بين الدراسة الأدبية والنقد أو بين الإبداع والإعلان والإعلام، فلمجرد أن تلك الوصلات الجميلة والمفيدة تخدم الإخبار عن النص لا يؤهلها لأن تنتحل باسم النقد دور القراءة النقدية أو لبوس الناقد الخبير. مثلما أنصرف عن التطبيقات المنهجية الآلية التي تعتمد الخطوات أو الأدوات التي قال بها المنهج الفلاني أو الناقد المنظِّر العلاني.
- ما علاقة النص الإبداعي بمرجعه الواقعي؟
النص الإبداعي لا يكتب عن الواقع الموجود قبل فعل الكتابة. النص الإبداعي يكتب واقعه أثناء الكتابة، فالنص يشيِّد عالما لم يكن له وجود قبل لحظة الكتابة.
- منذ أن فازت سلمى لاجيرلوفا بجائزة نوبل للآداب في عام 1909، حتى فوز الكاتبة والصحافية البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش عام 2015 بالجائزة بلغ عدد النساء الحائزات جائزة نوبل للآداب أربع عشرة امرأة، لم تكن من بينهن على الإطلاق امرأة واحدة من قارة آسيا، فما هو سر كل هذا التجاهل لأدب المرأة في آسيا وفي العالم العربي على وجه التحديد؟
لا أظن أن وضع التجاهل يرتبط بنظرة العالَم إلى إنتاجات المرأة العربية أو إلى أدبها (أو إلى إنتاجات المرأة في، آسيا أو إلى أدبها) بل إلى الآداب والإنتاجات العربية عموماً من منطلقات «المركزية» الأمريكية والأوروبية. لكن الأهم وهو الذي يحيل عليه ضمنيا السؤال، لا يرتبط الأمر بنظرة العالم إلى المرأة العربية، وإنما يرتبط بنظرة الذات «الجمعية» العربية إلى المرأة وهويتها وإنتاجها.
وحين أقول النظرة «الجمعية» أقصد النظرة التي يحملها المجتمع بأكمله للمرأة منذ قرون. لأجل ذلك منذ بداية انتشار مفهوم/مصطلح «التمكين» (Empowerment) في أفق الدراسات الإنسانية والثقافية، ومنذ بدء تفعيله لصالح الفئات التي تم اقصاؤها وتهميشها منذ قرون، ظهرت في الآفاق تصورات مدهشة أنثتِ العالَم. لكن ما زال الأمر مجرد صرخةً في واد داخل بلداننا «نحن»، لا تلقى الإدراك العميق الذي تستدعيه لأسباب اجتماعية بالدرجة الأولى، أساسها الثابت تاريخيا هو تسييد تأويل واحد للنص الديني.
- ما رأيك في ما قاله جابر عصفور عن «زمن الرواية»؟
بعيداً عن الثرثرة النقدية التي لا تحترز بالحذر العلمي، إذ تجعل من قراءة وقائع محصورة أفقياً في زمان و مكان ثابتين، استشرافاً شاملاً لحال المستقبل و تصوراً كاملا لمتغيِّراته؛ لا أحب النظر إلى الأجناس الأدبية و كأنها تتقاتل داخل حلبة صراع روماني، و البقاء سيكون للأقوى و الأشرس من منطلق أن الزمن ضيق وثابت ولا يحتمل غير سيادة جنس أدبي واحد. لأن الأجناس الأدبية بطبعها الإبداعي كائنات حية تولد و تنمو وتتطور وتتحول وتتعايش. قد يعترض بعضها في سيرورة تطوره السقمُ والاعتلال، وقد يتلاشى الضعيف الذي لا يجد لنفسه سبلا للتطور و التجدد و الاستمرار. يصدق ذلك على الرواية مثلما يصدق على الشعر و على كل الأجناس الأدبية. إن الشعر قد أكَّد في كل أطوار الإبداع الإنساني قدرتَه على استيعاب الأنساق الثقافية التي تواكبه بإبداع و تجدد و إدهاش، مما جعله يطوِّر أنواعاً شعرية وأنماطا إبداعية ضمن مقولة الجنس الواحدة. و لا أستسيغ التفكير في أن الشعر في لحظتنا هاته سيفارق قدرته على الإبهار و الإدهاش أو قدرته على الإبداع و التجدُّد.
أما الرواية فإنها جنس إبداعي مستجد مازال في طفولته الإبداعية، و لذلك فهي تمتلك من العنفوان و الحماس و الاندفاع ما يجعلها تجتذب الاهتمام و الانشغال و الإثارة. إنها تتقِن منذ طورها الجنيني الاستعارة عن كل الخطابات و الاستفادة من كل الأجناس لتطوير ذاتها. و هي حالياً تستقوي بالتسريد و التشخيص و التجسيد في ظل سيطرة الصورة رقمياً، و تستميل قراءة التسلية التي تريد للنص الأدبي أن يأتيها دون إجهاد قد تستدعيه رموز الشعر و إيحاءاته و انزياحات صوره، و هو أمر (قراءة التسلية) إن استفحل تحكُّمُه قد يهدد محاولات التجريب و التجديد الروائيين التي تضمن لكل جنس أدبي إمكان التطور و الاستمرار و الخلود، لأن تلك المحاولات قد لا تلائم قيم التداول الكلاسيكي و الأذواق التي تأنس إلى العادة و الألفة. و الرواية حالياً تغري الناشرين الذي يرون فيها استثمارا مربِحاً، تتكاثر الطبعات لنجوم يكتسحون سوق القراءة ولجوائز تزكِّي ولقارئ يتابع. و الرواية تستفيد من إمكان انتقالها عبر الترجمة من لغة إلى أخرى بقدر من الإبداع يحافظ على روح النص الأصل بيسر لا يتمتّع به جنس الشعر في انتقاله عبر الترجمة.
- كيف يمكننا التأسيس لفكر يبتعد عن الشعاراتية؟
المصداقية لا تتأتّى بدون عمل جاد ونزيه وهادف، ولذلك فهو يتم في صمت بعيداً عن الأضواء والكشَّافات والصراخ. وتحمّل المسؤولية بالفِعْل باسم إنجازات إرث الأمس وحُلول لحظة اليوم وإدراك آمال الغد هو عنوان التشارك في صنع المستقبل.
تبدو الناقدة والروائية المغربية سعيدة تاقي ثائرة على الدوام. تسعى بتوق شديد إلى التمسك بدفاعها عن قضية المرأة. وترى أن تعاملها مع موضوعات الإنسان والكتابة امتداد لاشتغالها اليومي في حقل النقد، الذي لا تحمله تقنيات أو مناهج «بائدة». وفي رأيها أن جنس الكاتبة أو الكاتب لا يحدد هوية الإبداع، فمعايير هذا التصنيف السائد جائرة.
ومنذ فترة وجيزة أصدرت تاقي عن دار «الهلال» المصرية روايتها الثانية بعنوان «إني وضعتها أنثى». استثمرت في العمل السردية الحديثة، لرسم صورة مدينة «تطوان» العتيقة. وبرفقة مهدية، البطلة الأساسية في الحكاية، وعزيز التشكيلي المعارض المنفي في إشبيلية، وموشي عمران الكاتب الذي فارق الحياة وتواصل الرواية (بقرار من السارد وبدون حضور الكاتب) الكتابة والسرد والتمنُّع.
- ما زالت إشكالية التراث مطروحة. ما موقفك من تلك القضية؟ وكيف تنظرين إلى هذا التوظيف للسيرة الشعبية؟
لماذا علينا النظر بازدواجية متعارضة دوماً إلى مكتسبات الحاضر؟ لماذا علينا أن نتأمل العالم ضمن ثنائيات متضادة ومتناحرة؟. لا أعتقد أن «الآخر»، في كل ما أنتجه وينتجه من داخل النقد أو الفن أو الفلسفة أو الفكر، ينظر إلى محاورات سقراط أو جمهورية أفلاطون أو إلى منطق أرسطو من منطلق توصيف تلك الآثار ب«التراثية». فكر القطائع ننتجه «نحن»، ونعيد إنتاجه في كل مرّة بدون الاستفادة من دروس الأمس ومن تعثرات النهضة «المجيدة». الرواية بنية سردية مميَّزة شأنها شأن بنى سردية عديدة مثل الحكاية أو المقامة أو الخبر أو النادرة أو السيرة أو الخرافة أو الرحلة أو غيرها، أُنتِجت في لحظة زمنية معينة، تأثراً أو استجابة لأنساق حضارية وثقافية محدَّدة، لكنها لا تنفصل عن الذات التاريخية والوجودية والثقافية التي كتبتْها.
- ما هي الدائرة الأساسية في حركتك النقدية؟
تحليل الخطاب داخل «النص» وخارجه. أقصد بذلك أمرين: أولهما الخطاب وهو يكتسي طابع «النص المعتمد» في كلاسيكيات الدرس النقدي والأكاديمي والجامعي، وكذلك الخطاب الذي يُنْتَج في المجتمع بوصف ذلك «النص» ممارسة ثقافية أو اجتماعية.
- كيف تواجه سعيدة تاقي نصًا نقديًا؟
أبحث في النص النقدي عن رؤية نقدية مستقلة يشيّدها الناقد/ الدارس. أرى عبر منظارها الخاص النصَ الإبداعي، وألتمس في ضوئها التحليلي بصمة ذلك النص الإبداعية.
قد يكون ذلك السبب في انصرافي عن وصلات الإعلان الترويجي التي تقترح بادعاء «النقد»، جولةً لطيفة خفيفة في فضاء النص الإبداعي تحكي عنه وتحلِّق في سمائه بدون معرفة نقدية أو خبرة تحليلية أو قدرة على التمييز بين الدراسة الأدبية والنقد أو بين الإبداع والإعلان والإعلام، فلمجرد أن تلك الوصلات الجميلة والمفيدة تخدم الإخبار عن النص لا يؤهلها لأن تنتحل باسم النقد دور القراءة النقدية أو لبوس الناقد الخبير. مثلما أنصرف عن التطبيقات المنهجية الآلية التي تعتمد الخطوات أو الأدوات التي قال بها المنهج الفلاني أو الناقد المنظِّر العلاني.
- ما علاقة النص الإبداعي بمرجعه الواقعي؟
النص الإبداعي لا يكتب عن الواقع الموجود قبل فعل الكتابة. النص الإبداعي يكتب واقعه أثناء الكتابة، فالنص يشيِّد عالما لم يكن له وجود قبل لحظة الكتابة.
- منذ أن فازت سلمى لاجيرلوفا بجائزة نوبل للآداب في عام 1909، حتى فوز الكاتبة والصحافية البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش عام 2015 بالجائزة بلغ عدد النساء الحائزات جائزة نوبل للآداب أربع عشرة امرأة، لم تكن من بينهن على الإطلاق امرأة واحدة من قارة آسيا، فما هو سر كل هذا التجاهل لأدب المرأة في آسيا وفي العالم العربي على وجه التحديد؟
لا أظن أن وضع التجاهل يرتبط بنظرة العالَم إلى إنتاجات المرأة العربية أو إلى أدبها (أو إلى إنتاجات المرأة في، آسيا أو إلى أدبها) بل إلى الآداب والإنتاجات العربية عموماً من منطلقات «المركزية» الأمريكية والأوروبية. لكن الأهم وهو الذي يحيل عليه ضمنيا السؤال، لا يرتبط الأمر بنظرة العالم إلى المرأة العربية، وإنما يرتبط بنظرة الذات «الجمعية» العربية إلى المرأة وهويتها وإنتاجها.
وحين أقول النظرة «الجمعية» أقصد النظرة التي يحملها المجتمع بأكمله للمرأة منذ قرون. لأجل ذلك منذ بداية انتشار مفهوم/مصطلح «التمكين» (Empowerment) في أفق الدراسات الإنسانية والثقافية، ومنذ بدء تفعيله لصالح الفئات التي تم اقصاؤها وتهميشها منذ قرون، ظهرت في الآفاق تصورات مدهشة أنثتِ العالَم. لكن ما زال الأمر مجرد صرخةً في واد داخل بلداننا «نحن»، لا تلقى الإدراك العميق الذي تستدعيه لأسباب اجتماعية بالدرجة الأولى، أساسها الثابت تاريخيا هو تسييد تأويل واحد للنص الديني.
- ما رأيك في ما قاله جابر عصفور عن «زمن الرواية»؟
بعيداً عن الثرثرة النقدية التي لا تحترز بالحذر العلمي، إذ تجعل من قراءة وقائع محصورة أفقياً في زمان و مكان ثابتين، استشرافاً شاملاً لحال المستقبل و تصوراً كاملا لمتغيِّراته؛ لا أحب النظر إلى الأجناس الأدبية و كأنها تتقاتل داخل حلبة صراع روماني، و البقاء سيكون للأقوى و الأشرس من منطلق أن الزمن ضيق وثابت ولا يحتمل غير سيادة جنس أدبي واحد. لأن الأجناس الأدبية بطبعها الإبداعي كائنات حية تولد و تنمو وتتطور وتتحول وتتعايش. قد يعترض بعضها في سيرورة تطوره السقمُ والاعتلال، وقد يتلاشى الضعيف الذي لا يجد لنفسه سبلا للتطور و التجدد و الاستمرار. يصدق ذلك على الرواية مثلما يصدق على الشعر و على كل الأجناس الأدبية. إن الشعر قد أكَّد في كل أطوار الإبداع الإنساني قدرتَه على استيعاب الأنساق الثقافية التي تواكبه بإبداع و تجدد و إدهاش، مما جعله يطوِّر أنواعاً شعرية وأنماطا إبداعية ضمن مقولة الجنس الواحدة. و لا أستسيغ التفكير في أن الشعر في لحظتنا هاته سيفارق قدرته على الإبهار و الإدهاش أو قدرته على الإبداع و التجدُّد.
أما الرواية فإنها جنس إبداعي مستجد مازال في طفولته الإبداعية، و لذلك فهي تمتلك من العنفوان و الحماس و الاندفاع ما يجعلها تجتذب الاهتمام و الانشغال و الإثارة. إنها تتقِن منذ طورها الجنيني الاستعارة عن كل الخطابات و الاستفادة من كل الأجناس لتطوير ذاتها. و هي حالياً تستقوي بالتسريد و التشخيص و التجسيد في ظل سيطرة الصورة رقمياً، و تستميل قراءة التسلية التي تريد للنص الأدبي أن يأتيها دون إجهاد قد تستدعيه رموز الشعر و إيحاءاته و انزياحات صوره، و هو أمر (قراءة التسلية) إن استفحل تحكُّمُه قد يهدد محاولات التجريب و التجديد الروائيين التي تضمن لكل جنس أدبي إمكان التطور و الاستمرار و الخلود، لأن تلك المحاولات قد لا تلائم قيم التداول الكلاسيكي و الأذواق التي تأنس إلى العادة و الألفة. و الرواية حالياً تغري الناشرين الذي يرون فيها استثمارا مربِحاً، تتكاثر الطبعات لنجوم يكتسحون سوق القراءة ولجوائز تزكِّي ولقارئ يتابع. و الرواية تستفيد من إمكان انتقالها عبر الترجمة من لغة إلى أخرى بقدر من الإبداع يحافظ على روح النص الأصل بيسر لا يتمتّع به جنس الشعر في انتقاله عبر الترجمة.
- كيف يمكننا التأسيس لفكر يبتعد عن الشعاراتية؟
المصداقية لا تتأتّى بدون عمل جاد ونزيه وهادف، ولذلك فهو يتم في صمت بعيداً عن الأضواء والكشَّافات والصراخ. وتحمّل المسؤولية بالفِعْل باسم إنجازات إرث الأمس وحُلول لحظة اليوم وإدراك آمال الغد هو عنوان التشارك في صنع المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.