تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    باحثة في قضايا المرأة: الفتيات المراهقات الأكثر عرضة للعنف الرقمي    الجبهة الوطنية يندد بدعوات التظاهر أمام السفارات المصرية بالخارج "لها أهداف تحريضية"    جوتيريش: ما يحدث في غزة أزمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمي    «اللي خايف يروح».. رسالة مثيرة من رئيس قناة الأهلي السابق بعد الفوز على البنزرتي    لا مزيد من القمصان الممزقة.. هالك هوجان أسطورة المصارعة يسقط خارج الحلبة    حمادة عبداللطيف: عبدالله السعيد مكسب للزمالك.. ومن الصعب الحكم على الصفقات الجديدة    بطاقة طرد توقف مباراة الأهلي بنغازي والأهلي طرابلس وتتسبب في دخول الشرطة    موجة حارة جدًا.. بيان مهم يكشف طقس الساعات المقبلة وموعد انخفاض درجات الحرارة    الشامى يشيد بالجمهور المصرى: "شرف كبير أغنى بينكم"    الذهب يهبط وسط تفاؤل بشأن مفاوضات التجارة وتعافي الدولار    روما يوافق على رحيل سعود عبدالحميد إلى الدوري الفرنسي    نادين الحمامي تضرب موعدًا مع أمينة عرفي في نهائي بطولة العالم لناشئي الإسكواش    وزير الخارجية يختتم جولته الإفريقية بعد زيارة 6 دول    رئيسة المفوضية الأوروبية تلتقي ترامب في أسكتلندا الأحد المقبل لبحث العلاقات التجارية عبر الأطلسي    قصور الثقافة تواصل تقديم فعاليات جودة حياة دعما للوعي المجتمعي بالمناطق الجديدة الآمنة    بعد أزمة القبلات.. راغب علامة يعلن عن حفل غنائي رفقة نانسي عجرم    مشروبات طبيعية تخفض ارتفاع ضغط الدم    الجلوكوما أو المياه الزرقاء: سارق البصر الصامت.. والكشف المبكر قد يساهم في تجنب العمى الدائم    التحالف الوطني: جاهزون لاستئناف قوافل دعم الأشقاء في غزة فور عودة حركة المعابر لطبيعتها    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء.. والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    يسرى جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها فى التصرف ببيتها    زيلينسكي: أوكرانيا بحاجة إلى مزيد من التمويل لمواصلة الحرب ضد روسيا    محافظ شمال سيناء: مين يقدر يقول لأمريكا لأ؟ مصر قالت لأمريكا لأ (فيديو)    الشيوخ اختبار الأحزاب    «الجوز» ومرض السكري.. وجبة مثالية بفوائد عديدة    عالم أزهري: خمس فرص ثمينة لا تعوض ونصائح للشباب لبناء المستقبل    بالأسماء.. إصابة 8 عمال زراعيين في انقلاب سيارة على صحراوي البحيرة    هل يستطيع مجلس الزمالك الاعتراض على قرارات جون إدوارد؟.. سليمان يرد    حدث في 8ساعات| دخول 161 شاحنة مساعدات لقطاع غزة.. وموعد انكسار الموجة شديدة الحرارة    ضبط مواد غذائية غير صالحة وسجائر مجهولة ودقيق مهرب بالإسكندرية    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    رددها الآن.. أفضل أدعية لاستقبال شهر صفر 1447 هجريًا    ترامب: أُفضل الدولار القوي رغم فوائد انخفاضه لقطاع التصنيع    أنوشكا: تخوفت من فارق السن مع كريم فهمي في «وتقابل حبيب» (فيديو)    «ابتدينا» لعمرو دياب يواصل اكتساح منصات الموسيقى العربية    معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية يواصل جهودة لدعم التصنيع الغذائي في مصر    مهرجان البحرين السينمائي يكشف عن هويته الجديدة ويستعد لدورة خامسة تحت شعار قصص عظيمة    أسعار حديد التسليح مساء اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    نيابة باب شرقي تطلب تحريات اتهام شخص بهتك عرض طفل في الإسكندرية    وزير العمل عن دمج وتوظيف ذوي الهمم: قضية تحتاج تكاتف المؤسسات    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي مسؤولي 4 شركات يابانية لاستعراض مشروعاتها وخططها الاستثمارية بالسوق المصري    محافظ الجيزة يوجه بضبط «الاسكوتر الكهربائي للأطفال» من الشوارع    عامل يقتل زوجته ويدفنها خلف المنزل تحت طبقة أسمنتية بالبحيرة    نائب وزير الخارجية الإيراني: أجرينا نقاشا جادا وصريحا ومفصلا مع "الترويكا الأوروبية"    باستقبال حافل من الأهالي: علماء الأوقاف يفتتحون مسجدين بالفيوم    «100 يوم صحة» تقدّم 14.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    إيزاك يتصدر الصحف العالمية بعد طلبه الرحيل عن نيوكاسل يونايتد (صور)    شرطة النقل تضبط 1411 قضية متنوعة في 24 ساعة    أسعار الأرز في الأسواق اليوم الجمعة 25-7-2025    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    إزالة 196 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة بأسوان خلال 20 يومًا - صور    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    متحف الفن المعاصر بجامعة حلوان يستعد لاستقبال الزوار    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغربية سعيدة تاقي: الرواية لا تنفصل عن الذات التاريخية والتراث
نشر في صوت البلد يوم 22 - 03 - 2016

تبدو الناقدة والروائية المغربية سعيدة تاقي ثائرة على الدوام. تسعى بتوق شديد إلى التمسك بدفاعها عن قضية المرأة. وترى أن تعاملها مع موضوعات الإنسان والكتابة امتداد لاشتغالها اليومي في حقل النقد، الذي لا تحمله تقنيات أو مناهج «بائدة». وفي رأيها أن جنس الكاتبة أو الكاتب لا يحدد هوية الإبداع، فمعايير هذا التصنيف السائد جائرة.
ومنذ فترة وجيزة أصدرت تاقي عن دار «الهلال» المصرية روايتها الثانية بعنوان «إني وضعتها أنثى». استثمرت في العمل السردية الحديثة، لرسم صورة مدينة «تطوان» العتيقة. وبرفقة مهدية، البطلة الأساسية في الحكاية، وعزيز التشكيلي المعارض المنفي في إشبيلية، وموشي عمران الكاتب الذي فارق الحياة وتواصل الرواية (بقرار من السارد وبدون حضور الكاتب) الكتابة والسرد والتمنُّع.
- ما زالت إشكالية التراث مطروحة. ما موقفك من تلك القضية؟ وكيف تنظرين إلى هذا التوظيف للسيرة الشعبية؟
لماذا علينا النظر بازدواجية متعارضة دوماً إلى مكتسبات الحاضر؟ لماذا علينا أن نتأمل العالم ضمن ثنائيات متضادة ومتناحرة؟. لا أعتقد أن «الآخر»، في كل ما أنتجه وينتجه من داخل النقد أو الفن أو الفلسفة أو الفكر، ينظر إلى محاورات سقراط أو جمهورية أفلاطون أو إلى منطق أرسطو من منطلق توصيف تلك الآثار ب«التراثية». فكر القطائع ننتجه «نحن»، ونعيد إنتاجه في كل مرّة بدون الاستفادة من دروس الأمس ومن تعثرات النهضة «المجيدة». الرواية بنية سردية مميَّزة شأنها شأن بنى سردية عديدة مثل الحكاية أو المقامة أو الخبر أو النادرة أو السيرة أو الخرافة أو الرحلة أو غيرها، أُنتِجت في لحظة زمنية معينة، تأثراً أو استجابة لأنساق حضارية وثقافية محدَّدة، لكنها لا تنفصل عن الذات التاريخية والوجودية والثقافية التي كتبتْها.
- ما هي الدائرة الأساسية في حركتك النقدية؟
تحليل الخطاب داخل «النص» وخارجه. أقصد بذلك أمرين: أولهما الخطاب وهو يكتسي طابع «النص المعتمد» في كلاسيكيات الدرس النقدي والأكاديمي والجامعي، وكذلك الخطاب الذي يُنْتَج في المجتمع بوصف ذلك «النص» ممارسة ثقافية أو اجتماعية.
- كيف تواجه سعيدة تاقي نصًا نقديًا؟
أبحث في النص النقدي عن رؤية نقدية مستقلة يشيّدها الناقد/ الدارس. أرى عبر منظارها الخاص النصَ الإبداعي، وألتمس في ضوئها التحليلي بصمة ذلك النص الإبداعية.
قد يكون ذلك السبب في انصرافي عن وصلات الإعلان الترويجي التي تقترح بادعاء «النقد»، جولةً لطيفة خفيفة في فضاء النص الإبداعي تحكي عنه وتحلِّق في سمائه بدون معرفة نقدية أو خبرة تحليلية أو قدرة على التمييز بين الدراسة الأدبية والنقد أو بين الإبداع والإعلان والإعلام، فلمجرد أن تلك الوصلات الجميلة والمفيدة تخدم الإخبار عن النص لا يؤهلها لأن تنتحل باسم النقد دور القراءة النقدية أو لبوس الناقد الخبير. مثلما أنصرف عن التطبيقات المنهجية الآلية التي تعتمد الخطوات أو الأدوات التي قال بها المنهج الفلاني أو الناقد المنظِّر العلاني.
- ما علاقة النص الإبداعي بمرجعه الواقعي؟
النص الإبداعي لا يكتب عن الواقع الموجود قبل فعل الكتابة. النص الإبداعي يكتب واقعه أثناء الكتابة، فالنص يشيِّد عالما لم يكن له وجود قبل لحظة الكتابة.
- منذ أن فازت سلمى لاجيرلوفا بجائزة نوبل للآداب في عام 1909، حتى فوز الكاتبة والصحافية البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش عام 2015 بالجائزة بلغ عدد النساء الحائزات جائزة نوبل للآداب أربع عشرة امرأة، لم تكن من بينهن على الإطلاق امرأة واحدة من قارة آسيا، فما هو سر كل هذا التجاهل لأدب المرأة في آسيا وفي العالم العربي على وجه التحديد؟
لا أظن أن وضع التجاهل يرتبط بنظرة العالَم إلى إنتاجات المرأة العربية أو إلى أدبها (أو إلى إنتاجات المرأة في، آسيا أو إلى أدبها) بل إلى الآداب والإنتاجات العربية عموماً من منطلقات «المركزية» الأمريكية والأوروبية. لكن الأهم وهو الذي يحيل عليه ضمنيا السؤال، لا يرتبط الأمر بنظرة العالم إلى المرأة العربية، وإنما يرتبط بنظرة الذات «الجمعية» العربية إلى المرأة وهويتها وإنتاجها.
وحين أقول النظرة «الجمعية» أقصد النظرة التي يحملها المجتمع بأكمله للمرأة منذ قرون. لأجل ذلك منذ بداية انتشار مفهوم/مصطلح «التمكين» (Empowerment) في أفق الدراسات الإنسانية والثقافية، ومنذ بدء تفعيله لصالح الفئات التي تم اقصاؤها وتهميشها منذ قرون، ظهرت في الآفاق تصورات مدهشة أنثتِ العالَم. لكن ما زال الأمر مجرد صرخةً في واد داخل بلداننا «نحن»، لا تلقى الإدراك العميق الذي تستدعيه لأسباب اجتماعية بالدرجة الأولى، أساسها الثابت تاريخيا هو تسييد تأويل واحد للنص الديني.
- ما رأيك في ما قاله جابر عصفور عن «زمن الرواية»؟
بعيداً عن الثرثرة النقدية التي لا تحترز بالحذر العلمي، إذ تجعل من قراءة وقائع محصورة أفقياً في زمان و مكان ثابتين، استشرافاً شاملاً لحال المستقبل و تصوراً كاملا لمتغيِّراته؛ لا أحب النظر إلى الأجناس الأدبية و كأنها تتقاتل داخل حلبة صراع روماني، و البقاء سيكون للأقوى و الأشرس من منطلق أن الزمن ضيق وثابت ولا يحتمل غير سيادة جنس أدبي واحد. لأن الأجناس الأدبية بطبعها الإبداعي كائنات حية تولد و تنمو وتتطور وتتحول وتتعايش. قد يعترض بعضها في سيرورة تطوره السقمُ والاعتلال، وقد يتلاشى الضعيف الذي لا يجد لنفسه سبلا للتطور و التجدد و الاستمرار. يصدق ذلك على الرواية مثلما يصدق على الشعر و على كل الأجناس الأدبية. إن الشعر قد أكَّد في كل أطوار الإبداع الإنساني قدرتَه على استيعاب الأنساق الثقافية التي تواكبه بإبداع و تجدد و إدهاش، مما جعله يطوِّر أنواعاً شعرية وأنماطا إبداعية ضمن مقولة الجنس الواحدة. و لا أستسيغ التفكير في أن الشعر في لحظتنا هاته سيفارق قدرته على الإبهار و الإدهاش أو قدرته على الإبداع و التجدُّد.
أما الرواية فإنها جنس إبداعي مستجد مازال في طفولته الإبداعية، و لذلك فهي تمتلك من العنفوان و الحماس و الاندفاع ما يجعلها تجتذب الاهتمام و الانشغال و الإثارة. إنها تتقِن منذ طورها الجنيني الاستعارة عن كل الخطابات و الاستفادة من كل الأجناس لتطوير ذاتها. و هي حالياً تستقوي بالتسريد و التشخيص و التجسيد في ظل سيطرة الصورة رقمياً، و تستميل قراءة التسلية التي تريد للنص الأدبي أن يأتيها دون إجهاد قد تستدعيه رموز الشعر و إيحاءاته و انزياحات صوره، و هو أمر (قراءة التسلية) إن استفحل تحكُّمُه قد يهدد محاولات التجريب و التجديد الروائيين التي تضمن لكل جنس أدبي إمكان التطور و الاستمرار و الخلود، لأن تلك المحاولات قد لا تلائم قيم التداول الكلاسيكي و الأذواق التي تأنس إلى العادة و الألفة. و الرواية حالياً تغري الناشرين الذي يرون فيها استثمارا مربِحاً، تتكاثر الطبعات لنجوم يكتسحون سوق القراءة ولجوائز تزكِّي ولقارئ يتابع. و الرواية تستفيد من إمكان انتقالها عبر الترجمة من لغة إلى أخرى بقدر من الإبداع يحافظ على روح النص الأصل بيسر لا يتمتّع به جنس الشعر في انتقاله عبر الترجمة.
- كيف يمكننا التأسيس لفكر يبتعد عن الشعاراتية؟
المصداقية لا تتأتّى بدون عمل جاد ونزيه وهادف، ولذلك فهو يتم في صمت بعيداً عن الأضواء والكشَّافات والصراخ. وتحمّل المسؤولية بالفِعْل باسم إنجازات إرث الأمس وحُلول لحظة اليوم وإدراك آمال الغد هو عنوان التشارك في صنع المستقبل.
تبدو الناقدة والروائية المغربية سعيدة تاقي ثائرة على الدوام. تسعى بتوق شديد إلى التمسك بدفاعها عن قضية المرأة. وترى أن تعاملها مع موضوعات الإنسان والكتابة امتداد لاشتغالها اليومي في حقل النقد، الذي لا تحمله تقنيات أو مناهج «بائدة». وفي رأيها أن جنس الكاتبة أو الكاتب لا يحدد هوية الإبداع، فمعايير هذا التصنيف السائد جائرة.
ومنذ فترة وجيزة أصدرت تاقي عن دار «الهلال» المصرية روايتها الثانية بعنوان «إني وضعتها أنثى». استثمرت في العمل السردية الحديثة، لرسم صورة مدينة «تطوان» العتيقة. وبرفقة مهدية، البطلة الأساسية في الحكاية، وعزيز التشكيلي المعارض المنفي في إشبيلية، وموشي عمران الكاتب الذي فارق الحياة وتواصل الرواية (بقرار من السارد وبدون حضور الكاتب) الكتابة والسرد والتمنُّع.
- ما زالت إشكالية التراث مطروحة. ما موقفك من تلك القضية؟ وكيف تنظرين إلى هذا التوظيف للسيرة الشعبية؟
لماذا علينا النظر بازدواجية متعارضة دوماً إلى مكتسبات الحاضر؟ لماذا علينا أن نتأمل العالم ضمن ثنائيات متضادة ومتناحرة؟. لا أعتقد أن «الآخر»، في كل ما أنتجه وينتجه من داخل النقد أو الفن أو الفلسفة أو الفكر، ينظر إلى محاورات سقراط أو جمهورية أفلاطون أو إلى منطق أرسطو من منطلق توصيف تلك الآثار ب«التراثية». فكر القطائع ننتجه «نحن»، ونعيد إنتاجه في كل مرّة بدون الاستفادة من دروس الأمس ومن تعثرات النهضة «المجيدة». الرواية بنية سردية مميَّزة شأنها شأن بنى سردية عديدة مثل الحكاية أو المقامة أو الخبر أو النادرة أو السيرة أو الخرافة أو الرحلة أو غيرها، أُنتِجت في لحظة زمنية معينة، تأثراً أو استجابة لأنساق حضارية وثقافية محدَّدة، لكنها لا تنفصل عن الذات التاريخية والوجودية والثقافية التي كتبتْها.
- ما هي الدائرة الأساسية في حركتك النقدية؟
تحليل الخطاب داخل «النص» وخارجه. أقصد بذلك أمرين: أولهما الخطاب وهو يكتسي طابع «النص المعتمد» في كلاسيكيات الدرس النقدي والأكاديمي والجامعي، وكذلك الخطاب الذي يُنْتَج في المجتمع بوصف ذلك «النص» ممارسة ثقافية أو اجتماعية.
- كيف تواجه سعيدة تاقي نصًا نقديًا؟
أبحث في النص النقدي عن رؤية نقدية مستقلة يشيّدها الناقد/ الدارس. أرى عبر منظارها الخاص النصَ الإبداعي، وألتمس في ضوئها التحليلي بصمة ذلك النص الإبداعية.
قد يكون ذلك السبب في انصرافي عن وصلات الإعلان الترويجي التي تقترح بادعاء «النقد»، جولةً لطيفة خفيفة في فضاء النص الإبداعي تحكي عنه وتحلِّق في سمائه بدون معرفة نقدية أو خبرة تحليلية أو قدرة على التمييز بين الدراسة الأدبية والنقد أو بين الإبداع والإعلان والإعلام، فلمجرد أن تلك الوصلات الجميلة والمفيدة تخدم الإخبار عن النص لا يؤهلها لأن تنتحل باسم النقد دور القراءة النقدية أو لبوس الناقد الخبير. مثلما أنصرف عن التطبيقات المنهجية الآلية التي تعتمد الخطوات أو الأدوات التي قال بها المنهج الفلاني أو الناقد المنظِّر العلاني.
- ما علاقة النص الإبداعي بمرجعه الواقعي؟
النص الإبداعي لا يكتب عن الواقع الموجود قبل فعل الكتابة. النص الإبداعي يكتب واقعه أثناء الكتابة، فالنص يشيِّد عالما لم يكن له وجود قبل لحظة الكتابة.
- منذ أن فازت سلمى لاجيرلوفا بجائزة نوبل للآداب في عام 1909، حتى فوز الكاتبة والصحافية البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش عام 2015 بالجائزة بلغ عدد النساء الحائزات جائزة نوبل للآداب أربع عشرة امرأة، لم تكن من بينهن على الإطلاق امرأة واحدة من قارة آسيا، فما هو سر كل هذا التجاهل لأدب المرأة في آسيا وفي العالم العربي على وجه التحديد؟
لا أظن أن وضع التجاهل يرتبط بنظرة العالَم إلى إنتاجات المرأة العربية أو إلى أدبها (أو إلى إنتاجات المرأة في، آسيا أو إلى أدبها) بل إلى الآداب والإنتاجات العربية عموماً من منطلقات «المركزية» الأمريكية والأوروبية. لكن الأهم وهو الذي يحيل عليه ضمنيا السؤال، لا يرتبط الأمر بنظرة العالم إلى المرأة العربية، وإنما يرتبط بنظرة الذات «الجمعية» العربية إلى المرأة وهويتها وإنتاجها.
وحين أقول النظرة «الجمعية» أقصد النظرة التي يحملها المجتمع بأكمله للمرأة منذ قرون. لأجل ذلك منذ بداية انتشار مفهوم/مصطلح «التمكين» (Empowerment) في أفق الدراسات الإنسانية والثقافية، ومنذ بدء تفعيله لصالح الفئات التي تم اقصاؤها وتهميشها منذ قرون، ظهرت في الآفاق تصورات مدهشة أنثتِ العالَم. لكن ما زال الأمر مجرد صرخةً في واد داخل بلداننا «نحن»، لا تلقى الإدراك العميق الذي تستدعيه لأسباب اجتماعية بالدرجة الأولى، أساسها الثابت تاريخيا هو تسييد تأويل واحد للنص الديني.
- ما رأيك في ما قاله جابر عصفور عن «زمن الرواية»؟
بعيداً عن الثرثرة النقدية التي لا تحترز بالحذر العلمي، إذ تجعل من قراءة وقائع محصورة أفقياً في زمان و مكان ثابتين، استشرافاً شاملاً لحال المستقبل و تصوراً كاملا لمتغيِّراته؛ لا أحب النظر إلى الأجناس الأدبية و كأنها تتقاتل داخل حلبة صراع روماني، و البقاء سيكون للأقوى و الأشرس من منطلق أن الزمن ضيق وثابت ولا يحتمل غير سيادة جنس أدبي واحد. لأن الأجناس الأدبية بطبعها الإبداعي كائنات حية تولد و تنمو وتتطور وتتحول وتتعايش. قد يعترض بعضها في سيرورة تطوره السقمُ والاعتلال، وقد يتلاشى الضعيف الذي لا يجد لنفسه سبلا للتطور و التجدد و الاستمرار. يصدق ذلك على الرواية مثلما يصدق على الشعر و على كل الأجناس الأدبية. إن الشعر قد أكَّد في كل أطوار الإبداع الإنساني قدرتَه على استيعاب الأنساق الثقافية التي تواكبه بإبداع و تجدد و إدهاش، مما جعله يطوِّر أنواعاً شعرية وأنماطا إبداعية ضمن مقولة الجنس الواحدة. و لا أستسيغ التفكير في أن الشعر في لحظتنا هاته سيفارق قدرته على الإبهار و الإدهاش أو قدرته على الإبداع و التجدُّد.
أما الرواية فإنها جنس إبداعي مستجد مازال في طفولته الإبداعية، و لذلك فهي تمتلك من العنفوان و الحماس و الاندفاع ما يجعلها تجتذب الاهتمام و الانشغال و الإثارة. إنها تتقِن منذ طورها الجنيني الاستعارة عن كل الخطابات و الاستفادة من كل الأجناس لتطوير ذاتها. و هي حالياً تستقوي بالتسريد و التشخيص و التجسيد في ظل سيطرة الصورة رقمياً، و تستميل قراءة التسلية التي تريد للنص الأدبي أن يأتيها دون إجهاد قد تستدعيه رموز الشعر و إيحاءاته و انزياحات صوره، و هو أمر (قراءة التسلية) إن استفحل تحكُّمُه قد يهدد محاولات التجريب و التجديد الروائيين التي تضمن لكل جنس أدبي إمكان التطور و الاستمرار و الخلود، لأن تلك المحاولات قد لا تلائم قيم التداول الكلاسيكي و الأذواق التي تأنس إلى العادة و الألفة. و الرواية حالياً تغري الناشرين الذي يرون فيها استثمارا مربِحاً، تتكاثر الطبعات لنجوم يكتسحون سوق القراءة ولجوائز تزكِّي ولقارئ يتابع. و الرواية تستفيد من إمكان انتقالها عبر الترجمة من لغة إلى أخرى بقدر من الإبداع يحافظ على روح النص الأصل بيسر لا يتمتّع به جنس الشعر في انتقاله عبر الترجمة.
- كيف يمكننا التأسيس لفكر يبتعد عن الشعاراتية؟
المصداقية لا تتأتّى بدون عمل جاد ونزيه وهادف، ولذلك فهو يتم في صمت بعيداً عن الأضواء والكشَّافات والصراخ. وتحمّل المسؤولية بالفِعْل باسم إنجازات إرث الأمس وحُلول لحظة اليوم وإدراك آمال الغد هو عنوان التشارك في صنع المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.