تؤمِّن الناقدة د. زهور كرَّام، الروائية، وأستاذة النقد بجامعة محمد الخامس بالرباط، بأنه لا يُمكِن تجنيس الإبداع أو تقييمه وفق عنصر النوع، فإما أن تكون الكتابة إبداعية أو لا، وأن كل رأي مشروط بتوجيه مُسبق يبقي غير حر. في حوارنا معها حول العوامل المؤسِّسة للخطاب النقدي الحديث وتفاعله مع النصوص الإبداعية، والفكر النقدي المواكب للتحوُّلات الإبداعية المتلاحقة في الكتابة الإبداعية العربية اليوم، توقفنا طويلاً معها عند آليات النقد ومسئولية الناقد الحضارية والتاريخية، ومقاربات الأسئلة الثقافية ذات العلاقة الوثيقة بالواقع العربي وتجلياته الراهنة مجتمعياً وحضارياً. ومنطق اشتغاله، وهذا في حد ذاته يُسيء إلي الشعر أكثر مما يخدمه، أيضا ظاهرة الجوائز الأدبية والتي تُراهن في المنافسة علي جنس الرواية(البوكر، كتارا)، وقد شجع الجانب المادي الاهتمام بكتابة الرواية. ونظراً لكون الجوائز قد أحدثت شرطاً ثقافياً سنوياً، جعل الكل ينتظر النتائج، قد ساهم في جعل الرواية حاضرة في الإعلام الثقافي وفي النقد، وأيضاً في الانشغال الإبداعي. لكن، هذه العناصر ليس من شأنها أن تُؤشِّر علي جودة الجنس الروائي في الثقافة العربية أكثر من جودة الشعر، لأن ذلك مرتبطٌ بتقييم نقدي مسئول، وشامل للإبداعية الروائية والشعرية في المشهد العربي، إنما من حقنا أن نتساءل حول هذا الاهتمام المتزايد بالرواية، هل يعكس حالة ثقافية عربية بموجبها أصبحت الرواية ذات مكانة في المجتمعات العربية؟ وهل يعبِّر ذلك عن وعي ثقافي بدور الرواية في تحليل الأوضاع العربية، مما يجعل منها إمكانية معرفية لإنتاج الوعي بالتحولات؟ وهل أثبتت الدراسات النقدية عن كون الرواية العربية قد أنتجت خطاباً معرفياً يُوثِّق لزمن التحولات؟ وهل هو اهتمام ناتج عن إحصائية في نسبة قراءة الرواية، مما يعكس حاجة المجتمعات العربية لهذا الشكل التعبيري؟ تلك مجموعة من الأسئلة التي يُمكِن اقتِراح النقاش حولها، من أجل مقاربة موضوعية لطبيعة حضور الجنس الروائي في المشهد العربي، والنظر فيما إذا كان جنس الشعر قد تراجع أمام سلطة السرد الروائي. اليوم ثمَّة قواعد جديدة تحكُم معيارية الأدب، والقيمة الحقيقية التي يمكن الاحتكام إليها عند تقييم النص الأدبي، كشهرة الكاتب وذيوعه، ونصيبه من الجوائز، أين دور النقد الحقيقي من تصحيح هذا الخلل بين القيمة والانتشار؟ ارية الأدب هي الأدبيَّة، وليس شيئاً غيرها. لا يمكن للاسم أو التراكم أن يخلقا أدباً. الأدب يتحقق من منطق أدبيته، أما العناصر الخارجية، فقد تُساهم في الدراسة الثقافية للأدب، دون أن تكون فاعلاً حاسماً في هويته الأدبية. ولهذا، فدور النقد أن يُحصِّن القراءة من الابتذال، ويقدِّم قراءات مسئولة تعتمد نظرية الأدب، بعيداً عن القراءات الانطباعية أو المُزيفة للأدب. مهما تطور الأدب، وعرف تحولات مهمة، سيظل غير مُحقق إذا لم يتمكن النقد من قراءة مظاهر ذلك التطور، وتحليل تجليات التحول. يفقد الأدب تواصله مع القراء عندما يفقد النقد تواصله مع الأدب وفق ثقافة الأدب. وأمام هذا التراكم المهم للأشكال الأدبية في التجربة العربية الحديثة، فقد أصبَح من الواجب علي النقد أن يكون مسئولاً أمام التاريخ، وأمام الأدب العربي في تحصين قراءته بالانطلاق من أسس المعرفة الأدبية. وإذا كنا نعيش مع الزمن التكنولوجي الانفتاح علي مختلف التجارب في التعبير والتفاعل مع هذا التعبير، وإتاحة الحرية في الإشادة بالمنشورات عبر المواقع الاجتماعية، والتعبير بالإيجاب عنها، فإن وظيفة النقدألا تعتمد في غالب الأحيان- علي هذه الارتسامات والتعليقات والتفاعلات، ولكن أن يُقدم قراءات موضوعية ومُبررة معرفياً للنصوص، ويتعامل مع ما يُنشر في المواقع باعتباره حالة ثقافية تُساهم في إنتاج وعي بمناخ التعبيرات الإبداعية وشكل التعامل معها. لهذا، أفترض أن النقد اليوم أصبحت مهمته أكبر، لأن عليه أن يقدِّم خطابات نقدية مسئولة وفق نظرية الأدب. تناولتِ في كتاباتك- مرحلياً- فكرة الكتابة النسائية وسماتها الإبداعية، هل أنتِ مع فكرة تجنيس الأدب، وتصنيفه علي أسس لا تحتكم للنص وحده؟ - لم يكن اهتمامي وانشغالي ب "الكتابة النسائية" من باب الدفاع عن المرأة، وأحقيتها في التعبير الرمزي، ولم يكن اهتماماً مطلبياً، إنما كان اهتماماً بمدي شرعية مصطلح " الكتابة النسائية" في إطار نظرية الأدب.وهو انشغال تأسس علي قراءات لنصوص روائية لكاتبات عربيات، والخروج من هذه القراءات النقدية بمجموعة من الملاحظات التي جعلتني أقف عند اختلافات في طريقة التشخيص السردي في روايات بعض الكاتبات، بالمقارنة مع السائد والمألوف في الكتابة الروائية، دون أن يختزل المألوف كتابةً لجنس مُعيَّن. كما أثَّرَ هذا الاختلاف في طريقة تناول الكثير من القضايا؛ مما جعلني أقف عند رؤي جديدة. كان هذا منطلقاً للبحث في ماهية الكتابة النسائية، ثم "أجرَأتُها". وبما أنني اشتغلت بالموضوع انطلاقاً من البحث العلمي، فقد استبعدت كل العناصر التي تُشوِّش علي التمثُّل الموضوعي للكتابة النسائية، مثل الكتابة الرجالية أو الذكورية، وكتابة الأنثي و قراءة الأدب حسب بُعد النوع وما شابه. ولذلك، كان المُوجه الجوهري هو نظرية الأدب التي لا تُحدد أدبية الأدب من خارجه، أو تبعاً لنوع منتجه، وتاريخ إنتاجه، إنما من منطقه الداخلي الذي يحقق أدبيته. جعلتني هذه المنطلقات أصل إلي نتائج أراها موضوعيةً فيما يخص مصطلح الكتابة النسائية، باعتباره إجراءً نقدياً نلتقي به في بعض روايات الكاتبات، وليس إلزاماً أن يُحدد كل روايات الكاتبات، وعند حضوره فإنه يشتغل باتجاه تحقيق هذا المُختلف في طريقة تشخيص المرأة لبعض المفاهيم، وبالتالي يصبح المصطلح يعني إنتاج دلالات جديدة لمفاهيم مُتدَاوَلَة، أو إنتاج مفاهيم جديدة، توضع إلي جانب المفاهيم المألوفة ليحدث الحوار أو الاصطدام، مما يسمح للمرأة بأن تكون شريكة فعلية في إنتاج التصورات والرؤي. لهذا،فالمُصطَلَح له سياق تاريخي-معرفي ساهم في ظهوره، وليس له علاقة بمن يُحدِّد أدبية الأدب، لأن الأدب لا يتحقق بمنتجه(رجل/امرأة) إنما بشروطه الداخلية البنائية والفنية، والتي لها علاقة بمستوي الإنجاز التخييلي. الأدب إما أن يكون أدباً أو يكون شيئاً آخر غير الأدب. وعندما نقرأ الأدب، فنحن نهتم وننشغل بمكونات تحقيق أدبيته. لذا، فإن هذا المصطلح بإمكانه أن يقدم لنا مقاربات لأسئلة ثقافية ذات علاقة بموقع المرأة في الذاكرة الجماعية، من حيث تعامل كل مجتمع مع كتابة امرأة تعبِّر فيها عن المختلف عن المألوف، فمثلاً هناك نصوص لكاتبات عربيات مُنع تداولها، وحوكمت كاتباتها، لأن داخل هذه الكتابة حضرت المرأة باعتبارها ذاتاً فاعلة في قضايا ذاتية، في حين ينظر إليها المجتمع باعتبارها موضوعاً منظوراًإليه من قِبل ذات أخري هي الأحق في تدبير الفعل، والتصرف فيه، مع العلم أننا نجد نفس النصوص تلاقي إقبالاً من طرف مجتمعات أخري، ولا تثير أي خدشٍ للمجتمع، مما يعكس نوعا من الاختلاف بين المجتمعات العربية فيما يخص موقع المرأة في الذهنية، ولهذا، فعبر هذا المصطلح نستطيع أن نحدد هذا الاختلاف من جهة، ومن جهة ثانية نتمكن من رصد تحولات المجتمعات في موقفها من موقع المرأة(فاعل/موضوع). الاشتغال بمصطلح الكتابة النسائية وفق الدراسات الثقافية، من شأنه أن يمنح هذا المصطلح شرعية معرفية. تم اختيارك لتحكيم الكثير من المسابقات العربية المهمّة والذائعة، مثل جائزة قطر للرواية "كتارا"، والبوكر وغيرهما. هل صارت الجوائز تُقعِّد أُسساً معيارية جديدة للأدب، بعدما صار الكثير من الكُتَّاب يكتبون وفق شروط الجوائز وفي ظل معياريتها وإن لم تكن إبداعية؟ الأدب يتطور بتفاعل مكوناته الداخلية، في علاقة مع التحولات التاريخية. مهما تعددت الجوائز،فإنها لن تستطيع أن تُطوِّر الكتابة، قد تطور شروط ومناخ الكتابة وتُساهم في إضاءة النصوص، وتُحفِّز علي قِراءتها، غير أنها لن تتمكن من تطوير الأدب. ولا أظن أن الجوائز الأدبية تُقعِّد لمعايير في الكتابة، لأنها تتعامل مع النصوص الموجودة. قد نتحدث عن أمر آخر ، وهو دور لجان التحكيم في إرساء معيار الموضوعية، بناءً علي القراءة المسئولة، وبعيداً عن القراءة الانطباعية، والمُجاملة، والمُزيفة والتي تُسيء للجنة أو بعض أعضائها، أكثر ما تسيء إلي مؤسسة الجائزة. ذلك لأني أعتبر-انطلاقاً من تجربتي الخاصة في أكثر من لجنة تحكيم- أن لجنة التحكيم تبقي هي المسئولة عن اختياراتها وقراراتها، وإذا ما وجدت نوعاً من التوجيه المؤسساتي يمكنها إعلان ذلك، هذا لأن الثقافة موقف ومسئولية، والتحكيم أمانة، وقبلهما فالنقد حضارة لأنه يختزل نوع التفكير، وعندما يتحول التفكير إلي مجاملة وانطباع والقبول بالتوجيه من طرف عناصر أخري، فمعني هذا أنه تفكير غير حُر.