عبر الفيديو كونفرانس.. الرئيس السيسي ونظيره الروسي يشهدان حدثًا تاريخيًا بمشروع الضبعة النووى اليوم    نادي القضاة: انتخابات النواب 2025 لم يشرف عليها القضاة وأعضاء النيابة العامة    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    أخبار مصر: حدث عالمي يشهده السيسي وبوتين اليوم، حفل جوائز الكاف، "مجلس دولي" غير مسبوق لغزة، هل يهدد "ماربورج" مصر    جبران يلتقي مدير «العمل الدولية» بجنيف ويؤكد التزام مصر بالتعاون    أسعار الفاكهة اليوم الاربعاء 19-11-2025 في قنا    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الزراعة: حماية الرقعة الزراعية أولوية قصوى.. ولا تهاون في مواجهة التعديات    مع جورجينا وإيلون ماسك.. رونالدو يلتقط سيلفى فى البيت الأبيض    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    أبرزها دولة فازت باللقب 4 مرات، المنتخبات المتأهلة إلى الملحق الأوروبي لكأس العالم 2026    طقس مستقر ومشمس في المنيا اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 وارتفاع تدريجي في درجات الحرارة    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    اليوم.. العرض الأول لفيلم "اليعسوب" بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تعزز جائحة الأمراض المزمنة    طريقة عمل كيكة البرتقال الهشة بدون مضرب، وصفة سهلة ونتيجة مضمونة    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    برنامج فعاليات وعروض أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي اليوم    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارتباكات الجسد السردي في «عازِبُ حيّ المُرجان» لربيعة جلطي
نشر في صوت البلد يوم 28 - 11 - 2017

«الحَياةُ تتكوّنُ من تلك اللّحظات الصّغيرة من الشّعور بالوحدة»… رولان بارت
على الرغم من الطابع الإشكالي للجسد كمفهوم فهو يُعتبر صناعة اجتماعية، ومجالا جوهريا لكل النشاطات الاجتماعية والسياسية والثقافية داخل المُجتمع.
إنّه أداة للتواصل، ووسيط تفاهمي، فنظرتنا لأجسادنا، تتجاوز البعد الفيزيولوجي العضوي، إلى بعدها الرمزي. ويتجلى هذا الأخير، في أنّ الجسد هو بناء رمزي، تتشكل عبره هوية الإنسان، بل يتحول إلى المجال الرئيس للنشاط السياسي والاجتماعي في الأنظمة الاجتماعية، بتعبير براين ترنر.
هذا الأخير، تحدث عن مفهوم المجتمع الجسدي، حيث «اليوم يتشكل الجسد وفق بناء علاقاتي وثقافي يُحتم عليه السير وفق هذه القياسات الموضوعة من قبل المُجتمع، وكل جسد يُصب قالبا وفق البيئة التي ينشأ فيها ويتأقلم وفق عاداتها».
ثمّة أطروحة قائمة بذاتها، في رواية ربيعة جلطي الموسومة ب»عازب حي المرجان»، هي أنّ الجسد هو عتبة العالم، وهو ذلك الجهاز الضروري للتواصل مع الذات، ومع العالم الأكبر منها. وتكتمل هذه الأطروحة، عبر المسلك التخييلي الذي اختارته الروائية؛ بأن منحت لشخصيتها المركزية (زبير الكروفيت) جسدا مشوّها. ومنذ البداية، وضعت هذه الشخصية أمام المآزق الكبرى التي يطرحها الجسد الناقص.
من خلال هذه الثيمة، يبرز الجسد في الرواية كواجهة إيهامية لما يمكن أن تكون عليه النفس العميقة في الإنسان؛ هل الجسد الجميل بالضرورة يُخفي روحا نقية؟ هل الشيطان قبيح بالضرورة؟ وهل القبيح جسديا هو قبيح روحيا؟
منذ بداية الرواية، تستحوذ شخصية زبير على انتباه القارئ، لعدة اعتبارات، أهمّها: علاقة زبير بجسده المشوّه، وثانيا علاقته بالمحيط الذي يعيش فيه. وبين العلاقتين ارتباط جوهري؛ بمعنى أنّ الجسد كان العامل المحوري والحاسم والمؤثّر على نظرة زبير لنفسه وللآخرين، ثمّ نظرة الآخرين وهذا ما يبدو مهما له. لا يمكن اعتبار الجسد في هذه الرواية مكوّنا محايدا، بل هو شخصيتها المحورية.
عطب الجسد/ عطب الوجود:
ينبغي أن نتأمّل جيدا في علاقة زبير بجسده؛ فمشكلته الكبرى تُختزل في هذا الجسد المعطوب أو المشوه أو القبيح. نفهم بأنّ الجسد المُشوَّه هو جسد لا تواصلي، جسد انطوائي، وجسد ناقص. تمنحنا الرواية، بعودتها إلى طفولة زبير، جملة من المعطيات التحليلية، التي من شأنها أن تشخّص مشاكل هذه الشخصية.
لماذا الكروفيت؟ يعود زبير بالذاكرة إلى طفولته، وتحديدا إلى مرحلة الدراسة، ليتذكّر أصدقاءه في حي المرجان، الذين كانوا لا يتوقفون عن السخرية منه، بسبب جسده الغريب، الذي يثير الاشمئزاز. أمّا الحادثة التي انحفرت عميقا في ذاكرته، فهي اليوم الذي شكك فيه أصدقاؤه في حجم عضوه الذكري، وبسبب هذا الارتياب من ذكورته، أطلق عليه صديقه عباس لقب الكروفيت، فأصبح منذ ذلك اليوم يدعى زبير الكروفيت، نسبة إلى حجم ذكره الذي هو في حجم هذه الحشرة البحرية. «لقد استعاروه من صغر حجم جسمي الذي لا يتناغم مع طول ذراعيّ الشديد نسبيا، ولا مع حجم يديّ الكبيرتين، وأغلب الظنّ أيضا بسبب شعر رأسي وذقني الذي يميل نحو الحمرة الفاقعة».
شخصية بلا أفق تاريخي:
اللافت في شخصية زبير في الرواية، أنّها لا تحمل هاجسا تاريخيا، إذ نشعر بأنها ترفض أن تنتمي إلى التاريخ؛ فإذا أردنا أن نقرأ علاقة تشوهات جسدها بتحولات التاريخ في الجزائر، وما تعرّض له هذا التاريخ من تشوهات، لم نجد ما يفسّر هذه العلاقة. إننا إزاء شخصية مفصولة عن التاريخ، وعن الواقع، مسجونة في أفقها الذاتي الخاص جدا. التاريخ الوحيد الذي يعنيها هو تاريخ جسدها المعطوب، أما عن معاركها، فأغلبها تدور رحاها داخل شقتها، وتحديدا أمام المرآة الكبيرة، عارية، تنظر باشمئزاز إلى ذلك الجسد الغريب الذي تحمله .صحيح أنّ زبير ينتمي إلى عائلة ثورية، وأنّ والده ورث شقة في حي المرجان، تعود إلى أحد الأقدام السوداء التي غادرت الجزائر بعد الاستقلال، وهي غنيمة من غنائم الحرب التحريرية، ولأنّ جده المجاهد، كان رمزا من رموز ثورة التحرير، إلاّ أنّ هذا الإرث لا يكاد يتجلّى في وعي زبير، بل لا يكاد يتجلى في سيرته كشخصية محورية في الرواية. ما يبدو طارئا بالنسبة له، هو هذا الجسد الناقص، الذي خلق لديه عقدة كبيرة، وجعله يختار العزلة والانطواء في عالمه الداخلي.
النظر إلى العالم من ثقب على الجدار:
الجسد هو اختبار لإمكانية التواصل مع العالم، من هذه الناحية، عجز زبير عن الاندماج السوي في الواقع الذي يعيش فيه، وأوّل تجربة حاسمة بالنسبة له، كانت الدخول في علاقة حب؛ المسألة باتت بالنسبة له مستحيلة، والسبب أنّ جسده المشوه هو من النوع الممقوت اجتماعيا، وبذلك يتحول إلى عقبة لأجل تحقيق التواصل مع الآخر/ الفتاة. إلاّ أنّ الحب الذي عاشه زبير مع فتاة تدعى نبية كان حبا من طرف واحد، أو بمعنى آخر، كان يعيشه كحالة استيهام، من خلال تخيل الطرف الآخر. هو أصلا، لم يتكلم إلى نبية يوما، باستثناء لقاء عابر أمام عتبة العمارة، وعدا ذلك، كانت معرفته بهذه الفتاة تخييلية بالأساس.
تحوّل زبير إلى عاشق عن بعد، أي إلى متلصص، عبر شقوق الجدران، على الحياة السرية لنبية، ومن خلال تلك الشقوق اجتاز مرحلة البراءة، واكتشف صُراخ الجسد المكبوت. لقد تحوّلت علاقته بنبية إلى نوع من الاختلاس البصري عبر ثقب على جدار المرحاض. ونحن نتساءل: هل من الصدفة أن يتحول المرحاض إلى مساحة لاكتشاف الآخر – المحبوب؟ كانت شقوق الجدار، بمثابة معبر سري إلى تجربة مختلفة، تجربة اكتشاف فتاة أحلامه، فكان يمعن في تخيل حياتها، لكن اللحظة الحاسمة هي تلك التي جعلته يكتشف غوايات الجسد، حتى الجسد المعطوب هو جسد مكبوت، ومسكون بالرغبات. «تعرّفت على عالم النساء وأنا معلّق بين الكوّة وغطاء المرحاض ما لم تفدني به مئات الروايات التي قرأتها».
المرأة في حياة زبير مجرد كيان تخييلي، مصنوع من كيمياء الرغبة والحرمان، والإحساس بالنقص المستديم. نفهم أنّ التخييل طريقة لتعويض الجسد المعطوب.
«ألبستها أوصاف بطلات الروايات البديعة الساحرة فكانت أقرب إلى «جميلة» بطلة الروائي الروسي جنكز آيتماتوف». يتماهى وعي زبير بالروايات التي قرأها، إلى درجة أنّه لا يجد فاصلا بين الواقع والخيال، فالروايات هي بمثابة واقعه البديل، إذ أنّ داخل شخصية زبير، شيء من حماقة دون كيشوت، وهو الذي لم يستطع التخلص من سلطة الحكايات، بل ظلّ يرى العالم بعيون الملاحم وروايات الفروسية، من دون أن يعي فداحة اغترابه عن الواقع.
ينمّ تعلُّق زبير بنبية عبر شقوق الجدار، عن انفصاله عن الواقع، بسبب إدمانه على قراءة الروايات. فلقد وجد في الرواية ما يعوّض العالم الذي يبدو بالنسبة له عالماً قاسيا، غير رحيم. إنّه في واقع الأمر، لا يعرف نبية الحقيقية، بل كان يعرف فقط نبية التي تخيلها، ورسم ملامحها في خياله الواسع. كما لم تكتف الرواية برصد حالة الجسد المكبوت (زبير/ نبية) بل قدّمت لنا الواقع كطرف مضاد للجسد؛ ففي الوقت الذي كان زبير يتلصص على نبية وهي تمارس عادتها السرية، كانت سماء المدينة تُمطِر بخطب الجمعة، التي تتوعّد الناس بالجحيم يوم الآخرة، بسبب كثرة الذُنوب. ثمة اختزال شديد لهذا الواقع، يتجلى في تأطيره داخل خطب الأئمة في المساجد. هل الواقع هو بالضرورة هذه الخلفية الدينية التي تحاول أخلقة الجسد، وتأطيره داخل كون طهراني؟ سؤال مهم، ولعلّ الرواية قد نجحت، وبذكاء واضح، في وضع الجسد ضمن جدل السماوي والأرضي؛ الطهارة والدناسة؛
حَجَرةُ لُوركا:
استعادت الروايةُ شخصية الشّاعر غارسياَ لُوركا، وهو الشخصية الإبداعية الأكثر تأثيرا على زبير، بتاريخه الشعري المُبهر، وبفلسفته المبنية على الالتزام بالإنسانية. «كان شاعراً إنسانياً عذباً. يكتب أبياتاً جميلة عن العدلِ والحبِ والجمال والسلام. وبلغة بارعة، ثمّ هو لا يتسامح مع الظّلم والظلمة ومع عصابة فرانكو وأشباهها من العصابات المُنتشِرة عبر التّاريخ والجغرافيا». إلاّ أنّ استحضار لوركا لم يخل من المُفارقة، التي فضحت مرة أخرى تأرجح نظرة زبير بين المثالية المُفرطة والواقعية التي لها تأثير الصدمة في أغلب الحالات.
يكتشف زبير، شبها استثنائيا بين لوركا وتلميذه في المدرسة التي يزاول التدريس فيها، ومن شدة الشبه، قرّر أن يطلق على تلميذه اسم لوركا، فخصّه دون الجميع بمعاملة خاصة، إلاّ أنّه اكتشف، مع مرور الوقت، الفرق بين الأصل والنسخة، فليس بينهما إلا الشبه الفيزيولوجي، أمّا الحقيقة فهي: «أنتَ لستَ غارثيا لُوركا يا ولد … أنتَ قاطع طريق!».
تنفصل صورة لوركا الشاعر الإنساني عن صورة لوركا قاطع الطريق أي بوصفه لحظة سقوط ذلك الوهم الذي استبد بزبير، حين اكتشف فداحة الحقيقة وهي تتهشّم على أرض الواقع الصلد، وهو يتلقى حجرة أصابت رأسه، قذفها تلميذه (لوركا) الحجرة التي أصابت قفاه، وفجّرت من رأسه نهرا من الدماء، كانت بمثابة اليقظة المتأخِّرة التي حدثت لزبير، ولو بشكل مؤلم ودموي؛ إذ تبدو الحقيقة، في شكل حجرة يقذفها شخص ما لتصيب الرأس، فتوقظه من سباته. بقي تفصيل أخير، وهو لماذا لم يبلغ زبير عن لوركا المُجرم؟
حين تظلم الرواية شخصيةَ عبّاس:
تبدأ رواية ربيعة جلطي من لحظة ترقّب زبير وصول صديقه «عبّاس» من مهجره الفرنسي؛ نكتشف أنّ عبّاس الملقَّب بالفحل، هو الصورة النقيضة لزبير. ليس هذا حسب، بل إنّ زبير بدون عبّاس يغدو مجرّد كائن بلا قيمة. يتمتّع عباس بكاريزما قوية: شخصية قوية، مقدامة، مغامرة، جريئة، تفرض الاحترام إلخ، وفضلا عن ذلك، فعباس كان صاحب مواقف سياسية من النظام السياسي في الجزائر، وروحه المتمردة هي التي جعلته يلقَّب أيضا بتشي غيفارا. لقد انبثق وعيه السياسي الثائر، كردة فعل من مأساته الشخصية بفقدانه لوالديه بسبب الآلة الإرهابية؛ فالمأساة الوطنية تحوّلت إلى قضية شخصية، سرّعت من نضجه السياسي، وجعلته ينتفض ضد الفكر الديني المتعصّب، الذي اعتبره دليل فشل منظومة حكم منذ الاستقلال إلى اليوم. «كم من مرّة سمعته يسخر من ضرورة وجود الأحزاب السياسية. يدعو إلى التفكير في طريقة أخرى جديدة غير مسبوقة لتغيير الأحوال. لا يتردد في ذكر الأشياء بأسمائها. إنّ له تصوّرا مغايرا للحكم».
لقد كان عبّاس واعيا بفداحة التاريخ الوطني، منذ الاستقلال إلى غاية العشرية السوداء، وبسبب هذا الوعي أدرك بأنّه ينتمي إلى الجيل الذي فقد براءته.
إنه يجسِّد الجيلَ الذي صنعته الأزمة: أزمة الشرعية التاريخية، أزمة المشروع السياسي، أزمة المجتمع، وهي أزمات في تراكمها فتحت أبواب الجحيم على الجميع. كان عبّاس ضد انغلاق زبير داخل شقته، وضد انغماسه في قراءة الروايات التي أفسدت عقله، فهو يرى أنّ الحياة هي مغامرة، يجب عيش معتركها بكل شجاعة، هذا ما يفسّر اختياره لطريق السفر والترحال، إنّه يفهم الحياة بأنها سفر، أمّا الزمن فلم يعُد زمنَ القراءة، ولا زمن الروايات.
النقطة السوداء في الرواية:
لقد فاجأتنا الرواية بنهايتها، كانت غير متوقّعة، ويجب أن نفهم بأنّ عدم التوقّع ليس المقصود منه ما تسميه نظرية القراءة بالمسافة الجمالية، بل نقصد به حالة تسرّع وقعت فيها الرواية، بحيث جعلت زبير في الأخير، وفي حفل زفاف يموت وهو منغمس في حالة رقص! من حقّ الروائي أن يبقي شخصيته على قيد الحياة أو يقتلها، لكن ليس من حقّه أن يقحم نهاية لا تنسجم، فنيا، مع الرواية. فنيا، ليس هناك ما يبرّر هذه النهاية، حتى لو حاولنا الاجتهاد لأجل إيجاد تفسير مُقنع لها؛ فلماذا يموت زبير؟ ما الحاجة إلى موته أصلا؟ حاولتُ أن أفسّر هذه النهاية، بأنّها تعبير عن عجز زبير عن مواجهة العالم، وأنّ استسلامه للموت على نحو غامض، وغير مفهوم، هو أكبر إنجاز له في الحياة. لقد أثثت الروائية مشهد الموت المفاجئ داخل حيّز طقسي يتمثل في الرقص، كأنّ الرقص، حرره من عجزه أخيراً.
«الحَياةُ تتكوّنُ من تلك اللّحظات الصّغيرة من الشّعور بالوحدة»… رولان بارت
على الرغم من الطابع الإشكالي للجسد كمفهوم فهو يُعتبر صناعة اجتماعية، ومجالا جوهريا لكل النشاطات الاجتماعية والسياسية والثقافية داخل المُجتمع.
إنّه أداة للتواصل، ووسيط تفاهمي، فنظرتنا لأجسادنا، تتجاوز البعد الفيزيولوجي العضوي، إلى بعدها الرمزي. ويتجلى هذا الأخير، في أنّ الجسد هو بناء رمزي، تتشكل عبره هوية الإنسان، بل يتحول إلى المجال الرئيس للنشاط السياسي والاجتماعي في الأنظمة الاجتماعية، بتعبير براين ترنر.
هذا الأخير، تحدث عن مفهوم المجتمع الجسدي، حيث «اليوم يتشكل الجسد وفق بناء علاقاتي وثقافي يُحتم عليه السير وفق هذه القياسات الموضوعة من قبل المُجتمع، وكل جسد يُصب قالبا وفق البيئة التي ينشأ فيها ويتأقلم وفق عاداتها».
ثمّة أطروحة قائمة بذاتها، في رواية ربيعة جلطي الموسومة ب»عازب حي المرجان»، هي أنّ الجسد هو عتبة العالم، وهو ذلك الجهاز الضروري للتواصل مع الذات، ومع العالم الأكبر منها. وتكتمل هذه الأطروحة، عبر المسلك التخييلي الذي اختارته الروائية؛ بأن منحت لشخصيتها المركزية (زبير الكروفيت) جسدا مشوّها. ومنذ البداية، وضعت هذه الشخصية أمام المآزق الكبرى التي يطرحها الجسد الناقص.
من خلال هذه الثيمة، يبرز الجسد في الرواية كواجهة إيهامية لما يمكن أن تكون عليه النفس العميقة في الإنسان؛ هل الجسد الجميل بالضرورة يُخفي روحا نقية؟ هل الشيطان قبيح بالضرورة؟ وهل القبيح جسديا هو قبيح روحيا؟
منذ بداية الرواية، تستحوذ شخصية زبير على انتباه القارئ، لعدة اعتبارات، أهمّها: علاقة زبير بجسده المشوّه، وثانيا علاقته بالمحيط الذي يعيش فيه. وبين العلاقتين ارتباط جوهري؛ بمعنى أنّ الجسد كان العامل المحوري والحاسم والمؤثّر على نظرة زبير لنفسه وللآخرين، ثمّ نظرة الآخرين وهذا ما يبدو مهما له. لا يمكن اعتبار الجسد في هذه الرواية مكوّنا محايدا، بل هو شخصيتها المحورية.
عطب الجسد/ عطب الوجود:
ينبغي أن نتأمّل جيدا في علاقة زبير بجسده؛ فمشكلته الكبرى تُختزل في هذا الجسد المعطوب أو المشوه أو القبيح. نفهم بأنّ الجسد المُشوَّه هو جسد لا تواصلي، جسد انطوائي، وجسد ناقص. تمنحنا الرواية، بعودتها إلى طفولة زبير، جملة من المعطيات التحليلية، التي من شأنها أن تشخّص مشاكل هذه الشخصية.
لماذا الكروفيت؟ يعود زبير بالذاكرة إلى طفولته، وتحديدا إلى مرحلة الدراسة، ليتذكّر أصدقاءه في حي المرجان، الذين كانوا لا يتوقفون عن السخرية منه، بسبب جسده الغريب، الذي يثير الاشمئزاز. أمّا الحادثة التي انحفرت عميقا في ذاكرته، فهي اليوم الذي شكك فيه أصدقاؤه في حجم عضوه الذكري، وبسبب هذا الارتياب من ذكورته، أطلق عليه صديقه عباس لقب الكروفيت، فأصبح منذ ذلك اليوم يدعى زبير الكروفيت، نسبة إلى حجم ذكره الذي هو في حجم هذه الحشرة البحرية. «لقد استعاروه من صغر حجم جسمي الذي لا يتناغم مع طول ذراعيّ الشديد نسبيا، ولا مع حجم يديّ الكبيرتين، وأغلب الظنّ أيضا بسبب شعر رأسي وذقني الذي يميل نحو الحمرة الفاقعة».
شخصية بلا أفق تاريخي:
اللافت في شخصية زبير في الرواية، أنّها لا تحمل هاجسا تاريخيا، إذ نشعر بأنها ترفض أن تنتمي إلى التاريخ؛ فإذا أردنا أن نقرأ علاقة تشوهات جسدها بتحولات التاريخ في الجزائر، وما تعرّض له هذا التاريخ من تشوهات، لم نجد ما يفسّر هذه العلاقة. إننا إزاء شخصية مفصولة عن التاريخ، وعن الواقع، مسجونة في أفقها الذاتي الخاص جدا. التاريخ الوحيد الذي يعنيها هو تاريخ جسدها المعطوب، أما عن معاركها، فأغلبها تدور رحاها داخل شقتها، وتحديدا أمام المرآة الكبيرة، عارية، تنظر باشمئزاز إلى ذلك الجسد الغريب الذي تحمله .صحيح أنّ زبير ينتمي إلى عائلة ثورية، وأنّ والده ورث شقة في حي المرجان، تعود إلى أحد الأقدام السوداء التي غادرت الجزائر بعد الاستقلال، وهي غنيمة من غنائم الحرب التحريرية، ولأنّ جده المجاهد، كان رمزا من رموز ثورة التحرير، إلاّ أنّ هذا الإرث لا يكاد يتجلّى في وعي زبير، بل لا يكاد يتجلى في سيرته كشخصية محورية في الرواية. ما يبدو طارئا بالنسبة له، هو هذا الجسد الناقص، الذي خلق لديه عقدة كبيرة، وجعله يختار العزلة والانطواء في عالمه الداخلي.
النظر إلى العالم من ثقب على الجدار:
الجسد هو اختبار لإمكانية التواصل مع العالم، من هذه الناحية، عجز زبير عن الاندماج السوي في الواقع الذي يعيش فيه، وأوّل تجربة حاسمة بالنسبة له، كانت الدخول في علاقة حب؛ المسألة باتت بالنسبة له مستحيلة، والسبب أنّ جسده المشوه هو من النوع الممقوت اجتماعيا، وبذلك يتحول إلى عقبة لأجل تحقيق التواصل مع الآخر/ الفتاة. إلاّ أنّ الحب الذي عاشه زبير مع فتاة تدعى نبية كان حبا من طرف واحد، أو بمعنى آخر، كان يعيشه كحالة استيهام، من خلال تخيل الطرف الآخر. هو أصلا، لم يتكلم إلى نبية يوما، باستثناء لقاء عابر أمام عتبة العمارة، وعدا ذلك، كانت معرفته بهذه الفتاة تخييلية بالأساس.
تحوّل زبير إلى عاشق عن بعد، أي إلى متلصص، عبر شقوق الجدران، على الحياة السرية لنبية، ومن خلال تلك الشقوق اجتاز مرحلة البراءة، واكتشف صُراخ الجسد المكبوت. لقد تحوّلت علاقته بنبية إلى نوع من الاختلاس البصري عبر ثقب على جدار المرحاض. ونحن نتساءل: هل من الصدفة أن يتحول المرحاض إلى مساحة لاكتشاف الآخر – المحبوب؟ كانت شقوق الجدار، بمثابة معبر سري إلى تجربة مختلفة، تجربة اكتشاف فتاة أحلامه، فكان يمعن في تخيل حياتها، لكن اللحظة الحاسمة هي تلك التي جعلته يكتشف غوايات الجسد، حتى الجسد المعطوب هو جسد مكبوت، ومسكون بالرغبات. «تعرّفت على عالم النساء وأنا معلّق بين الكوّة وغطاء المرحاض ما لم تفدني به مئات الروايات التي قرأتها».
المرأة في حياة زبير مجرد كيان تخييلي، مصنوع من كيمياء الرغبة والحرمان، والإحساس بالنقص المستديم. نفهم أنّ التخييل طريقة لتعويض الجسد المعطوب.
«ألبستها أوصاف بطلات الروايات البديعة الساحرة فكانت أقرب إلى «جميلة» بطلة الروائي الروسي جنكز آيتماتوف». يتماهى وعي زبير بالروايات التي قرأها، إلى درجة أنّه لا يجد فاصلا بين الواقع والخيال، فالروايات هي بمثابة واقعه البديل، إذ أنّ داخل شخصية زبير، شيء من حماقة دون كيشوت، وهو الذي لم يستطع التخلص من سلطة الحكايات، بل ظلّ يرى العالم بعيون الملاحم وروايات الفروسية، من دون أن يعي فداحة اغترابه عن الواقع.
ينمّ تعلُّق زبير بنبية عبر شقوق الجدار، عن انفصاله عن الواقع، بسبب إدمانه على قراءة الروايات. فلقد وجد في الرواية ما يعوّض العالم الذي يبدو بالنسبة له عالماً قاسيا، غير رحيم. إنّه في واقع الأمر، لا يعرف نبية الحقيقية، بل كان يعرف فقط نبية التي تخيلها، ورسم ملامحها في خياله الواسع. كما لم تكتف الرواية برصد حالة الجسد المكبوت (زبير/ نبية) بل قدّمت لنا الواقع كطرف مضاد للجسد؛ ففي الوقت الذي كان زبير يتلصص على نبية وهي تمارس عادتها السرية، كانت سماء المدينة تُمطِر بخطب الجمعة، التي تتوعّد الناس بالجحيم يوم الآخرة، بسبب كثرة الذُنوب. ثمة اختزال شديد لهذا الواقع، يتجلى في تأطيره داخل خطب الأئمة في المساجد. هل الواقع هو بالضرورة هذه الخلفية الدينية التي تحاول أخلقة الجسد، وتأطيره داخل كون طهراني؟ سؤال مهم، ولعلّ الرواية قد نجحت، وبذكاء واضح، في وضع الجسد ضمن جدل السماوي والأرضي؛ الطهارة والدناسة؛
حَجَرةُ لُوركا:
استعادت الروايةُ شخصية الشّاعر غارسياَ لُوركا، وهو الشخصية الإبداعية الأكثر تأثيرا على زبير، بتاريخه الشعري المُبهر، وبفلسفته المبنية على الالتزام بالإنسانية. «كان شاعراً إنسانياً عذباً. يكتب أبياتاً جميلة عن العدلِ والحبِ والجمال والسلام. وبلغة بارعة، ثمّ هو لا يتسامح مع الظّلم والظلمة ومع عصابة فرانكو وأشباهها من العصابات المُنتشِرة عبر التّاريخ والجغرافيا». إلاّ أنّ استحضار لوركا لم يخل من المُفارقة، التي فضحت مرة أخرى تأرجح نظرة زبير بين المثالية المُفرطة والواقعية التي لها تأثير الصدمة في أغلب الحالات.
يكتشف زبير، شبها استثنائيا بين لوركا وتلميذه في المدرسة التي يزاول التدريس فيها، ومن شدة الشبه، قرّر أن يطلق على تلميذه اسم لوركا، فخصّه دون الجميع بمعاملة خاصة، إلاّ أنّه اكتشف، مع مرور الوقت، الفرق بين الأصل والنسخة، فليس بينهما إلا الشبه الفيزيولوجي، أمّا الحقيقة فهي: «أنتَ لستَ غارثيا لُوركا يا ولد … أنتَ قاطع طريق!».
تنفصل صورة لوركا الشاعر الإنساني عن صورة لوركا قاطع الطريق أي بوصفه لحظة سقوط ذلك الوهم الذي استبد بزبير، حين اكتشف فداحة الحقيقة وهي تتهشّم على أرض الواقع الصلد، وهو يتلقى حجرة أصابت رأسه، قذفها تلميذه (لوركا) الحجرة التي أصابت قفاه، وفجّرت من رأسه نهرا من الدماء، كانت بمثابة اليقظة المتأخِّرة التي حدثت لزبير، ولو بشكل مؤلم ودموي؛ إذ تبدو الحقيقة، في شكل حجرة يقذفها شخص ما لتصيب الرأس، فتوقظه من سباته. بقي تفصيل أخير، وهو لماذا لم يبلغ زبير عن لوركا المُجرم؟
حين تظلم الرواية شخصيةَ عبّاس:
تبدأ رواية ربيعة جلطي من لحظة ترقّب زبير وصول صديقه «عبّاس» من مهجره الفرنسي؛ نكتشف أنّ عبّاس الملقَّب بالفحل، هو الصورة النقيضة لزبير. ليس هذا حسب، بل إنّ زبير بدون عبّاس يغدو مجرّد كائن بلا قيمة. يتمتّع عباس بكاريزما قوية: شخصية قوية، مقدامة، مغامرة، جريئة، تفرض الاحترام إلخ، وفضلا عن ذلك، فعباس كان صاحب مواقف سياسية من النظام السياسي في الجزائر، وروحه المتمردة هي التي جعلته يلقَّب أيضا بتشي غيفارا. لقد انبثق وعيه السياسي الثائر، كردة فعل من مأساته الشخصية بفقدانه لوالديه بسبب الآلة الإرهابية؛ فالمأساة الوطنية تحوّلت إلى قضية شخصية، سرّعت من نضجه السياسي، وجعلته ينتفض ضد الفكر الديني المتعصّب، الذي اعتبره دليل فشل منظومة حكم منذ الاستقلال إلى اليوم. «كم من مرّة سمعته يسخر من ضرورة وجود الأحزاب السياسية. يدعو إلى التفكير في طريقة أخرى جديدة غير مسبوقة لتغيير الأحوال. لا يتردد في ذكر الأشياء بأسمائها. إنّ له تصوّرا مغايرا للحكم».
لقد كان عبّاس واعيا بفداحة التاريخ الوطني، منذ الاستقلال إلى غاية العشرية السوداء، وبسبب هذا الوعي أدرك بأنّه ينتمي إلى الجيل الذي فقد براءته.
إنه يجسِّد الجيلَ الذي صنعته الأزمة: أزمة الشرعية التاريخية، أزمة المشروع السياسي، أزمة المجتمع، وهي أزمات في تراكمها فتحت أبواب الجحيم على الجميع. كان عبّاس ضد انغلاق زبير داخل شقته، وضد انغماسه في قراءة الروايات التي أفسدت عقله، فهو يرى أنّ الحياة هي مغامرة، يجب عيش معتركها بكل شجاعة، هذا ما يفسّر اختياره لطريق السفر والترحال، إنّه يفهم الحياة بأنها سفر، أمّا الزمن فلم يعُد زمنَ القراءة، ولا زمن الروايات.
النقطة السوداء في الرواية:
لقد فاجأتنا الرواية بنهايتها، كانت غير متوقّعة، ويجب أن نفهم بأنّ عدم التوقّع ليس المقصود منه ما تسميه نظرية القراءة بالمسافة الجمالية، بل نقصد به حالة تسرّع وقعت فيها الرواية، بحيث جعلت زبير في الأخير، وفي حفل زفاف يموت وهو منغمس في حالة رقص! من حقّ الروائي أن يبقي شخصيته على قيد الحياة أو يقتلها، لكن ليس من حقّه أن يقحم نهاية لا تنسجم، فنيا، مع الرواية. فنيا، ليس هناك ما يبرّر هذه النهاية، حتى لو حاولنا الاجتهاد لأجل إيجاد تفسير مُقنع لها؛ فلماذا يموت زبير؟ ما الحاجة إلى موته أصلا؟ حاولتُ أن أفسّر هذه النهاية، بأنّها تعبير عن عجز زبير عن مواجهة العالم، وأنّ استسلامه للموت على نحو غامض، وغير مفهوم، هو أكبر إنجاز له في الحياة. لقد أثثت الروائية مشهد الموت المفاجئ داخل حيّز طقسي يتمثل في الرقص، كأنّ الرقص، حرره من عجزه أخيراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.