وزير الإسكان يلتقي رئيس الوطنية للمقاولات لمتابعة عدد من المشروعات المشتركة    ترامب وستارمر: مراكز مساعدات مفتوحة لغزة    أربعة حرائق كبيرة لا تزال مشتعلة في تركيا    رنيم الجداوي: كنا بحاجة للفوز على أنجولا.. ونفذنا خطة المدرب ببراعة    الداخلية تكشف غموض سرقة عدادات المياه بمدينة نصر| فيديو    طريقة عمل التورتة بمكونات بسيطة في البيت    توجيهات رئاسية بمواصلة التنسيق مع الجهات المعنية لتعزيز قدرات الأئمة وتأهيل الكوادر    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    رئيس نقل النواب: كلمة السيسي رسالة قوية للمجتمع الدولي وتحذير من استمرار الكارثة في غزة    موسكو تبدأ رحلات مباشرة إلى كوريا الشمالية وسط تراجع الخيارات أمام السياح الروس    «الأعلى للإعلام» يُلزم 3 مواقع بسداد غرامات مالية بسبب مخالفة «الضوابط والمعايير والأكواد»    مران خفيف للاعبي المصري غير المشاركين أمام الترجي.. وتأهيل واستشفاء للمجموعة الأساسية    عمار محمد يتوج بذهبية الكونغ فو فى دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    السيسي يوجه بتعزيز قدرات الأئمة وتأهيل كوادر متميزة قادرة على مواجهة التحديات    اندلاع حريق فى أحد المطاعم بمنطقة المنتزه شرق الإسكندرية    خريطة معامل تنسيق المرحلة الأولى الإلكتروني بالجامعات 2025    كمال حسنين: كلمة الرئيس السيسى كانت "كشف حقائق" ومصر أكبر داعم لفلسطين    لأول مرة في تاريخها.. الشبكة الكهربائية الموحدة تسجل أعلى حمل في مصر بقدرة 39،400 ميجاوات    ضعف المياه بشرق وغرب بسوهاج غدا لأعمال الاحلال والتجديد بالمحطة السطحية    الغرف التجارية: تطوير قطاع العزل والنسيج خطوة نحو استعادة مكانة مصر الرائدة    بدء تنفيذ عمليات إسقاط جوي للمساعدات على مناطق في جنوب وشمال قطاع غزة    بعد تخطيها 2 مليون مشاهدة.. شمس الكويتية تكشف كواليس أغنيتها الجديدة "طز"    ضغوط على بريطانيا للاعتراف بفلسطين.. صحيفة: سيكون له ثقل خاص بسبب وعد بلفور    التحقيق في وفاة فتاة خلال عملية جراحية داخل مستشفى خاص    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم فردوس عبد الحميد بدورته ال 41    لمواجهة الكثافة الطلابية.. فصل تعليمي مبتكر لرياض الأطفال بالمنوفية (صور)    السيسي: قطاع غزة يحتاج من 600 إلى 700 شاحنة مساعدات في الإيام العادية    لعلاج مشاكل الحموضة وصحة الأمعاء.. اتبع هذه النصائح    أوقاف شمال سيناء تشارك في ندوة توعوية بعنوان: "معًا بالوعي نحميها"    ديمقراطية العصابة..انتخابات مجلس شيوخ السيسي المقاعد موزعة قبل التصويت وأحزاب المعارضة تشارك فى التمثيلية    البربون ب320 جنيهًا والقاروص ب450.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم في مطروح    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    وزير الأوقاف: وثِّقوا علاقتكم بأهل الصدق فى المعاملة مع الله    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    الفنان محمد رياض يودع السودانيين فى محطة مصر قبل عودتهم للسودان    الداخلية تضبط سائق سيارة نقل لاتهامه بتعريض حياة المواطنين للخطر    وزير الصحة: مصر الأولى عالميا في الحصول على التصنيف الذهبي بالقضاء على فيروس سي    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    السّم في العسل.. أمين الفتوى يحذر من "تطبيقات المواعدة" ولو بهدف الحصول على زواج    حكم استمرار الورثة في دفع ثمن شقة بالتقسيط بعد وفاة صاحبها.. المفتي يوضح    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    محافظ المنيا: إزالة 744 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة    الإسكان تُعلن تفاصيل مشروعات محافظة بورسعيد    بأحدث الإصدارات وبأسعار مخفضة.. قصور الثقافة تشارك في معرض الإسكندرية العاشر للكتاب    «الصحة» تحذر من الإجهاد الحراري وضربات الشمس وتوجه نصائح وقائية    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    أمين الفتوى: الصلاة بالبنطلون أو "الفانلة الداخلية" صحيحة بشرط ستر العورة    هل ستفشل صفقة بيع كوكا لاعب الأهلي لنادي قاسم باشا التركي بسبب 400 ألف دولار ؟ اعرف التفاصيل    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    كل عبوة مساعدات مجهزة لتلبية احتياجات الأسرة في غزة لمدة 10 أيام    شوبير يدافع عن طلب بيراميدز بتعديل موعد مباراته أمام وادي دجلة في الدوري    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    الكرتي يترك معسكر بيراميدز ويعود للمغرب    ثروت سويلم: ضوابط صارمة لتجنب الهتافات المسيئة أو كسر الكراسي في الإستادات (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصيات علي بدر تبدّل هوياتها هرباً من العنف
نشر في صوت البلد يوم 10 - 01 - 2016

يتحول الماضي في رواية الكاتب العراقي علي بدر الجديدة «الكافرة» (منشورات المتوسط) إلى كوابيس رهيبة، تعيشها شخصيات تجد نفسها معزولة في فضاءات غريبة عليها. ماضٍ يطبعه العنف ما ينفك يطاردها، ويدفعها إلى التخفي وراء هويات جديدة، والتنكر لأسمائها الحقيقية ولتاريخها وحياتها القديمة.
رواية «الكافرة» تقارب واقعاً مركباً: عنف طليق بلا هوية محددة يدمر الحياة وأسبابها، وفحولة متغطرسة في مقابل أنوثة مغتصبة، إضافة إلى شرق متخلف وغرب غير مكترث. ويبدو علي بدر يخوض في منطقة وعرة، عندما يعمد إلى كتابة العنف العربي وتقصي ملامحه روائياً.
تفشل شخصيات الكاتب العراقي المقيم في بلجيكا، في التصالح مع ماضيها أو الانفصال عنه، إذ تبقى مشدودة إليه، وعاجزة عن مواصلة حياتها شخصيات سوية. ولئن اختلفت طبيعة الماضي من شخصية إلى أخرى، من ماضي العنف فيه يأتي بهوية مسيحية إلى ماضٍ آخر أكثر مساحة ويميزه تطرف بصبغة إسلامية، فإنهما يكونان صورة واحدة للتطرف الذي يمزق عواصم عربية ويفتك بشعوبها.
تبتكر هذه الشخصيات، التي تميل إلى العزلة والصمت والانكفاء على الذات، حكايات وقصصاً تختبئ وراءها. وإذا كان أدريان اللبناني الذي ينتظم والده في ميليشيا انتقاماً لشقيقته التي قتلت ويقوم بتصفية عائلة بكاملها، اختار شقة يودع فيها أحلامه ورغباته السرية وحزنه المرير، فإن فاطمة التي أصر زوجها المتشدد على تفجير نفسه من أجل سبعين حورية، آثرت أن تواصل العيش في ثياب صوفي البلجيكية. وفي حين يبدو أدريان غامضاً وكتوماً، تتبدى صوفي واضحة تحكي وتسرد قصصاً وحكايات، وتفاصيل كثيرة عن حياتها الماضية والحاضرة.
تستعير فاطمة اسم صوفي بعد أن تنجح في الهرب إلى بلجيكا وتخترع حياة جديدة لها، تهرب من مدينة كئيبة ومنازلها كالحة، إلى مدينة أخرى صاخبة وضاجة بمباهج الحياة وألوانها، فيما ينكر أدريان لبنانيته وأنه ابن غابرييل جبور، مفضلاً هويته الإسكندنافية، حيث ولد من أم نرويجية.
لا تبدو شخصية أدريان مستقلة في الرواية، إنما يظهر بوصفه تفصيلاً أساسياً في حياة صوفي المليئة بالنبذ والحرمان، وفي الوقت نفسه لا غنى عنه عند رسم صورة مكتملة للعنف الطائفي والمذهبي، الذي يتفشى في المنطقة العربية. فأدريان، الذي يرقد طوال الرواية في مستشفى فاقداً الوعي جراء حادثة سيارة، لا يحضر سوى من خلال صوفي، التي تخاطبه مرة في شكل مباشر، «لا تنصت إلى نحيبي، أنا امرأة ملعونة، امرأة كافرة، خرجت على العشيرة، فشحبت روحها»، عندما تكون أمام جثته الهامدة، ومرة ثانية تتحدث عنه بصفته سبب سعادتها، التي تشعر أنها لن تدوم، حين تعي حقيقة شقائه. كأنما تراجيديا حياتها لا تكتمل سوى باستيعاب المأزق الوجودي الذي يعيشه أدريان، كيف لا وهما معاً موضوع لعنف وتطرف الآخر، الذي يهدد حياة كل منهما.
يتحول جسد أدريان المسجى أمام صوفي في المستشفى، إلى ما يشبه «حجر الصبر» في رواية الأفغاني عتيق رحيمي، فتندفع بالاعترافات عن رغباتها المقموعة وأحلامها القتيلة، عن الرجال الذين عبروا جسدها بعد أن عرتهم وسخرت منهم، عن علاقتها به هو أدريان، الذي يرنو إلى بلاد بلا نزاعات ولا تعرف الحروب، ويتوق إلى التخلص من مصيره ومن تاريخ عائلته، الذي يبهظه مثل تركة ثقيلة.
تبدأ حكاية أدريان عندما يشاهد فيلماً وثائقياً ألمانياً عن الحرب اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي لبيروت، في الفيلم سيتعرف إلى والده الذي يعترف بتصفيته لعائلة كاملة سوى طفلة ستنجح في الهرب، لكنها تتحول إلى كابوس يطارده حتى تفقده عقله ثم تدفعه إلى الانتحار. يشعر أدريان بفداحة الذنب ولا يملك إلا أن يعود إلى لبنان ويفتش عن الطفلة التي كبرت ويتزوجها، لكن ضميره ما برح يعذبه.
يدرب أدريان نفسه على التخفي، بتغييب جسده عن الناس، لائذاً بشقته البعيدة عن منزل الأسرة الصغيرة، فلا تفضح زوجته حقيقته، بصفته الولد لأب حرمها من كل أفراد أسرتها، وفي حين يغيّب هو جسده، تفشي صوفي جسدها تشهره في وجوه الرجال، الذين يتساقطون عند قدميها.
في بروكسيل ستكتشف فاطمة جسدها، الذي طالما دفنته في ثياب سوداء باعتباره عورة، هي التي لم تكن ترى سوى وجهها في مرآة صغيرة، لكنها هنا في بروكسيل ترى جسدها كاملاً، ستجده جميلاً وتسقط في غرامه، وتعرف أن آخرين يريدون هذا الجسد. بإغواء الجسد وإغرائه ستستدرج سبعين رجلاً إلى فراشها، في ما يشبه الانتقام من زوجها الذي خلفها وحيدة، بعد أن أذلها بقوله إنه سيفجر نفسه لأن سبعين حورية سيكن في استقباله.
لم تكن صوفي التي تؤمن أنها كلما كانت أكثر وعياً، تحررت من وضعيتها باعتبارها امرأة شقية، تشعر أنها ترتمي في الدنس عندما تسلم جسدها لرجل تلو آخر، إنما كانت تعلن من خلال هذا الفعل، عن حياة مختلفة تخوضها، عن روح جديدة تسكنها. تتصالح صوفي أو فاطمة من خلال العلاقة الجنسية مع جسدها، الذي أخفته وأزالته من وعيها، هي أيضاً تكتشف جسد الآخر، الذي كان مجهولاً بالنسبة لها، ومن خلال اكتشافه تتعرف إلى حاجاتها التي لم تكن تعرف عنها شيئاً.
إلا أن المسألة، مسألة العلاقة الجنسية، لا تقف عند حدود التعرف إلى جسدها وجسد الآخر، إنما أيضاً تدخل في سياق تصفية الحسابات مع الرجل وغطرسته، تبدد الصورة المزيفة التي يحملها الرجل عن نفسه، وتجعلها في الحضيض. كأنما تعاقب كل أولئك الرجال المتشددين، الذين عرفتهم في لحظة سوداء من حياتها، بدءاً من والدها الذي كان يضرب أمها، إلى زوجها الذي ينضم إلى مسلحين يذهبون يومياً للقيام بمهمات غامضة، وانتهاء بالمهرّب الذي اغتصبها بينما يقوم بتهريبها. تارة تحولهم إلى لعبة وتارة أخرى تضحك عليهم وتحطم عنجهيتهم، وتكتشف وتكشف كم هو الرجل هش وساذج وغبي.
في رواية «الكافرة» يهيمن الماضي على راهن الرواية، يلتهم الحاضر ويشوش الرؤية إلى المستقبل. التذكر والاسترجاع والوثائقي والمونولوغ وتعدد الضمائر، تقنيات يلجأ إليها علي بدر لاقتراح صورة سوداوية لذوات معطوبة بسبب العنف، ولمدن يضربها التطرف ليل نهار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.