التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    فلسطين.. مدفعية الاحتلال تكثف قصفها وسط جباليا بالتزامن مع نسف مباني سكنية شمالي غزة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    مواعيد مباريات دوري المحترفين المصري اليوم السبت    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    ويجز يشعل حماس جمهور حفله في العلمين الجديدة بأغنيتي "الأيام" و"الدنيا إيه"    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    ابنة سيد مكاوي عن شيرين عبدالوهاب: فقدت تعاطفي بسبب عدم مسؤوليتها    5 تصريحات جريئة ل محمد عطية: كشف تعرضه للضرب من حبيبة سابقة ويتمنى عقوبة «مؤلمة» للمتحرشين    تنسيق الشهادات المعادلة 2025، قواعد قبول طلاب الثانوية السعودية بالجامعات المصرية    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    تحت عنوان كامل العدد، مدحت صالح يفتتح حفله على مسرح المحكي ب "زي ما هي حبها"    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    خيرى حسن ينضم إلى برنامج صباح الخير يا مصر بفقرة أسبوعية على شاشة ماسبيرو    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    نجاح عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم ليفي بمستشفى القصاصين فى الإسماعيلية    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    ضبط 1954 مخالفة ورفع كفاءة طريق «أم جعفر – الحلافي» ورصف شارع الجيش بكفر الشيخ    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الدفاع الروسية: سيطرنا على 9 بلدات فى أوكرانيا خلال أسبوع .. وزيرة خارجية سلوفينيا: المجاعة مرحلة جديدة من الجحيم فى غزة.. إسرائيل عطلت 60 محطة تحلية مياه فى غزة    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم " تشرشل " أصغر من الزعيم وينستون تشرشل
نشر في صوت البلد يوم 23 - 09 - 2017

أحدث الأفلام التي ظهرت عن شخصية رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، الفيلم البريطاني الجديد “تشرشل” (Churchill (2017 الذي أخرجه الأسترالي جوناثان تيبليتزكي، وفيه ينضم الممثل الأسكتلندي بريان كوكس إلى صف العمالقة الذين قاموا بدور تشرشل من قبل.
جاء عرض فيلم “تشرشل” في السادس من يونيو الماضي، وهو تاريخ محفور في الذاكرة البريطانية، بل وذاكرة العالم، ففي ذلك التاريخ من عام 1944 بدأت أكبر عملية عبور بحري وإنزال جوي متزامنين في التاريخ العسكري، شنتها قوات الحلفاء التي انطلقت من الشاطئ البريطاني إلى نورماندي الواقعة في شمال فرنسا المحتلة من قبل الألمان النازيين.
وهذه العملية هي أساس “الدراما” النفسية التي تتردد أصداؤها في هذا الفيلم، فليس من الممكن اعتبار “تشرشل” فيلما حربيا، فهو فقير للغاية في هذه الناحية، ولا يحاول مخرجه، ربما لضعف الميزانية التي توفرت له، أن يعرض ولو في لقطات عابرة سريعة، صورا “متخيلة” لعملية عسكرية بهذا الحجم.
عد تنازلي
يبدو من غير الموفق أن يكون عنوان الفيلم هو "تشرشل"، مما يوحي أنه فيلم من نوع أفلام السيرة الشخصية Biopic، بينما الحقيقة أنه يركز على مرحلة محددة ومحدودة في حياة بطله، أو بالأحرى أيام معدودة، وهو يواجه أكبر تحد واجهه خلال مسيرته الطويلة في العمل والحياة وكان حينئذ في التاسعة والستين من عمره، ومضى بعد ذلك، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ليعيش حتى بلغ الثمانين.
يبدأ الفيلم وتشرشل يقف على شاطئ البحر (غالبا بحر المانش-القنال الإنكليزي) بعد أن بدأ قبل أربعة أيام، العد التنازلي لعملية غزو فرنسا، الرجل يتأمل مياه البحر.. تتطاير قبعته الشهيرة في الهواء وتسبح على صفحة الماء، يدفع الموج مياه البحر تجاه قدمي تشرشل، يتطلع إليها في فزع ليراها وقد اصطبغت بالدم، هذه الرؤية المفزعة تعكس الحالة الذهنية لتشرشل.
والفيلم بأكمله تصوير متخيل من قبل كاتبي السيناريو الأستراليين، لما يمكن أن يكون قد دار في ذهن ذلك الزعيم السياسي المحنك، وما كان يؤرقه في الواقع، لعدة أشهر قبل بدء العملية، وإن كان الفيلم يكثف هذه المشاعر المضطربة في بضعة أيام.
وتتناقض الصورة الداخلية التي يعرضها الفيلم لتشرشل مع الصورة الشائعة عنه، أي صورة الزعيم القوي المتماسك الذي يتمتع بالشجاعة والإقدام والقدرة على قيادة جيش بلاده إلى جانب القوة الأميركية الجبارة، نحو تحقيق النصر، ورفض أي تراجع أو تردد أو استسلام أمام زحف الجيوش الألمانية التي نجحت في احتلال أوروبا بأسرها وكانت تهدد أيضا الشواطئ البريطانية.
تشرشل الذي نراه هنا ضعيف، متردد، يعاني من شعورين متناقضين: أولا خشيته على "الأولاد" اليافعين من الجنود الشباب الذين قد يُقتل منهم عشرون ألفا على الأقل في الصدمة الأولى لهذه العملية الجبارة، وثانيا رغبته في الوقت نفسه في أن يتمتع بصورة الزعيم السياسي القادر على القيادة وتحقيق النصر.
إنه في تردده وتراجعه ورغبته في وقف العملية وسحب القوات ولو مؤقتا، يبدو خلال اجتماعه الأول (في الفيلم) مع أيزنهاور قائد قوات الحلفاء في أوروبا، ومونتغمري قائد القوات الأرضية البريطانية، رجلا مشتتا، واهنا، يعاني بشدة من أزمة ضمير تجعله لا يستطيع أن يتحمل المسؤولية (التاريخية) عن مقتل هذه الأعداد الضخمة من الجنود، بل ويغيب عنده الفارق بين دوره كسياسي، وبين دور العسكريين، مما يدفع أيزنهاور إلى أن يؤكد له مرة وراء مرة، أن وظيفة الجنود هي القتال والموت إن اقتضى الأمر، ولكنها ليست وظيفته.
ومستندا إلى موقف الملك جورج السادس الذي كان متعاطفا مع مخاوف تشرشل كما نرى في الفيلم، يصر تشرشل على إلغاء العملية، لكن العجلة تكون قد دارت بالفعل ولا مجال لسحب القوات من مواقعها الأمامية، وتبدو المواجهة مع القادة العسكريين مهينة لشخصية تشرشل إلى أقصى حد، لكنه الخيال السينمائي المباح. ويمكن للمرء بالطبع أن يتخيل ماذا يمكن أن يوجه من اتهامات بالتشويه والإهانة، وربما أيضا معاداة الوطن، لو تم تصوير شخصية زعيم سياسي عربي خاض معركة عسكرية مع العدو، على هذا النحو، وهو ما يغيب تماما على سبيل المثال، من فيلم مثل “السادات” لمحمد خان، أما هنا فنحن نرى المواجهة بين تشرشل والقادة العسكريين الذين يصرون على أن يضربوا برغبته عرض الحائط، رغم أنه “القائد الأعلى”، بل ويوبخونه ويستخدمون في مخاطبته اسمه مجردا كما يفعل أيزنهاور ومونتغمري في الفيلم طبعا!
هذه المواجهات المتكررة تعكس من ناحية أخرى كيف أصبح تشرشل في قبضة أصحاب اليد العليا في الحرب، أي الأميركيين الذين يمثلهم القائد الأعلى لقوات الحلفاء أيزنهاور، وكيف خرج الأمر من بين يدي تشرشل وأصبح في قبضة الجيش الأميركي، يقرر قائده ما سيحدث.
ويصور الفيلم تشرشل أسيرا لتجربته المباشرة في الحرب العالمية الأولى (حرب الخنادق)، وخشيته من استخدام الألمان الغازات السامة وشبح معركة غاليبولي التي مني فيها الحلفاء بهزيمة قاسية أمام الأتراك.
وبعد أن يخضع تشرشل للأمر الواقع، ويقبل على مضض “المذبحة” القادمة -كما يتخيل- يدفعه شعوره بالذنب لأن يصر على أن يكون في مقدمة القوات التي تعبر البحر بالزوارق والسفن الحربية جنبا إلى جنب مع الملك الذي يتصور أنه يؤيده في رغبته الجامحة، لكن هذه الرغبة التي يعلنها للقادة العسكريين لا تجلب له سوى المزيد من التوبيخ والإهانات، بل سرعان ما يخذله الملك نفسه ويفصح له في لقاء مباشر بينهما، كيف أن الحكمة السياسية تقتضي قيادة الشعب في تلك المواجهة المصيرية من داخل الوطن.. فالجبهة الداخلية بنفس أهمية الجبهة الخارجية وأن عليه أن يترك العمليات العسكرية للعسكريين.
ويصور الفيلم كذلك تشرشل وهو يعاني من أجل كتابة خطابه الذي سيزف فيه للشعب بدء عملية لتحرير أوروبا: كيف يقسو على مساعدته الشابة التي تطبع كلمات خطابه على الآلة الكاتبة، ويعكس عليها اضطرابه الداخلي وخشيته على مصير الجنود، ثم تكشف له هي أيضا أن خطيبها يقود مدمرة تتقدم القوات البحرية، ويكشف المشهد انعكاس مخاوف تشرشل على الروح المعنوية للفتاة التي ترمز إلى أبناء الشعب.
مشاعر متضاربة
يستعين تشرشل بالخمر تسكينا لشعوره بالألم، لكن زوجته كليمونتين (التي تقوم بدورها ميراندا ريتشارسون) تقول له بقسوة إن الخمر لن ينفعه، وأنه يجب أن يتماسك وأن يستدعي من داخله قوته الكامنة كزعيم يمتلك القدرة العبقرية على قيادة شعبه في تلك اللحظة، إنها تصل حتى إلى درجة أن تصفعه على وجهه لكي تدفعه لاستعادة صوابه.
الإطار الضيق للحدث في الفيلم ينحصر في تصوير المعاناة الداخلية لزعيم عظيم في لحظة صدام دموي عنيف قادم قد يغير التاريخ، ولكنه يمكن أيضا أن ينقلب ليصبح هزيمة قاسية.
وهذا التردد "الهاملتي" بين ما يفرضه الواجب، وبين المشاعر الطبيعية، يجعل الفيلم أقرب إلى مسرح الشخصية الواحدة التي تصبح الشخصيات المحيطة بها مجرد عوامل مساعدة لتفجير أزمتها أو محاولة احتوائها، وهنا يقع العبء الأكبر في الفيلم على عاتق الممثل بريان كوكس، الذي يعبر عن الشخصية أفضل تعبير، سواء في طريقة مشيته أو نظراته وتأملاته أو صراخه وانفجارات غضبه، إنه ينتقل في الأداء من القسوة على النفس، إلى القسوة على الآخرين، ثم نراه في جولاته المنفردة الحائرة على الشاطئ وهو يصحو من غفوته داخل السيارة على مجموعة من الأطفال يشيرون له بعلامة النصر الشهيرة التي ترتبط بشخصيته.
ورغم الأداء البارع من جانب الممثل، تكمن المشكلة الرئيسية في ضعف صور الفيلم ومناظره ومحدودية الأماكن التي يدور فيها التصوير، وعدم القدرة على الإحاطة بالحدث الكبير كما كان ينبغي حتى في تصوير زيارة تشرشل للقوات الأمامية، فقد بدا المشهد هزيلا.
ويعاني الفيلم أيضا من تكرار الفكرة من خلال تكرار الحوار ومعانيه، أي التعبير عن تردد تشرشل واضطرابه وخشيته من عواقب العملية، كما تبدو حواراته في هذا السياق أقرب إلى “المونولوغ” في مسرح الغرفة ومونودرامات الشخصية الواحدة.
ورغم ما بذله بريان كوكس من جهد هائل في إكساب الشخصية مشاعرها الإنسانية إلاّ أن ضعف السيناريو وهشاشة بناء الشخصية ومحدودية الحدث، جعلته يغرد منفردا دون صدى حقيقي، وضاع بالتالي التأثير الفني الذي كان متوقعا للفيلم.
أحدث الأفلام التي ظهرت عن شخصية رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، الفيلم البريطاني الجديد “تشرشل” (Churchill (2017 الذي أخرجه الأسترالي جوناثان تيبليتزكي، وفيه ينضم الممثل الأسكتلندي بريان كوكس إلى صف العمالقة الذين قاموا بدور تشرشل من قبل.
جاء عرض فيلم “تشرشل” في السادس من يونيو الماضي، وهو تاريخ محفور في الذاكرة البريطانية، بل وذاكرة العالم، ففي ذلك التاريخ من عام 1944 بدأت أكبر عملية عبور بحري وإنزال جوي متزامنين في التاريخ العسكري، شنتها قوات الحلفاء التي انطلقت من الشاطئ البريطاني إلى نورماندي الواقعة في شمال فرنسا المحتلة من قبل الألمان النازيين.
وهذه العملية هي أساس “الدراما” النفسية التي تتردد أصداؤها في هذا الفيلم، فليس من الممكن اعتبار “تشرشل” فيلما حربيا، فهو فقير للغاية في هذه الناحية، ولا يحاول مخرجه، ربما لضعف الميزانية التي توفرت له، أن يعرض ولو في لقطات عابرة سريعة، صورا “متخيلة” لعملية عسكرية بهذا الحجم.
عد تنازلي
يبدو من غير الموفق أن يكون عنوان الفيلم هو "تشرشل"، مما يوحي أنه فيلم من نوع أفلام السيرة الشخصية Biopic، بينما الحقيقة أنه يركز على مرحلة محددة ومحدودة في حياة بطله، أو بالأحرى أيام معدودة، وهو يواجه أكبر تحد واجهه خلال مسيرته الطويلة في العمل والحياة وكان حينئذ في التاسعة والستين من عمره، ومضى بعد ذلك، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ليعيش حتى بلغ الثمانين.
يبدأ الفيلم وتشرشل يقف على شاطئ البحر (غالبا بحر المانش-القنال الإنكليزي) بعد أن بدأ قبل أربعة أيام، العد التنازلي لعملية غزو فرنسا، الرجل يتأمل مياه البحر.. تتطاير قبعته الشهيرة في الهواء وتسبح على صفحة الماء، يدفع الموج مياه البحر تجاه قدمي تشرشل، يتطلع إليها في فزع ليراها وقد اصطبغت بالدم، هذه الرؤية المفزعة تعكس الحالة الذهنية لتشرشل.
والفيلم بأكمله تصوير متخيل من قبل كاتبي السيناريو الأستراليين، لما يمكن أن يكون قد دار في ذهن ذلك الزعيم السياسي المحنك، وما كان يؤرقه في الواقع، لعدة أشهر قبل بدء العملية، وإن كان الفيلم يكثف هذه المشاعر المضطربة في بضعة أيام.
وتتناقض الصورة الداخلية التي يعرضها الفيلم لتشرشل مع الصورة الشائعة عنه، أي صورة الزعيم القوي المتماسك الذي يتمتع بالشجاعة والإقدام والقدرة على قيادة جيش بلاده إلى جانب القوة الأميركية الجبارة، نحو تحقيق النصر، ورفض أي تراجع أو تردد أو استسلام أمام زحف الجيوش الألمانية التي نجحت في احتلال أوروبا بأسرها وكانت تهدد أيضا الشواطئ البريطانية.
تشرشل الذي نراه هنا ضعيف، متردد، يعاني من شعورين متناقضين: أولا خشيته على "الأولاد" اليافعين من الجنود الشباب الذين قد يُقتل منهم عشرون ألفا على الأقل في الصدمة الأولى لهذه العملية الجبارة، وثانيا رغبته في الوقت نفسه في أن يتمتع بصورة الزعيم السياسي القادر على القيادة وتحقيق النصر.
إنه في تردده وتراجعه ورغبته في وقف العملية وسحب القوات ولو مؤقتا، يبدو خلال اجتماعه الأول (في الفيلم) مع أيزنهاور قائد قوات الحلفاء في أوروبا، ومونتغمري قائد القوات الأرضية البريطانية، رجلا مشتتا، واهنا، يعاني بشدة من أزمة ضمير تجعله لا يستطيع أن يتحمل المسؤولية (التاريخية) عن مقتل هذه الأعداد الضخمة من الجنود، بل ويغيب عنده الفارق بين دوره كسياسي، وبين دور العسكريين، مما يدفع أيزنهاور إلى أن يؤكد له مرة وراء مرة، أن وظيفة الجنود هي القتال والموت إن اقتضى الأمر، ولكنها ليست وظيفته.
ومستندا إلى موقف الملك جورج السادس الذي كان متعاطفا مع مخاوف تشرشل كما نرى في الفيلم، يصر تشرشل على إلغاء العملية، لكن العجلة تكون قد دارت بالفعل ولا مجال لسحب القوات من مواقعها الأمامية، وتبدو المواجهة مع القادة العسكريين مهينة لشخصية تشرشل إلى أقصى حد، لكنه الخيال السينمائي المباح. ويمكن للمرء بالطبع أن يتخيل ماذا يمكن أن يوجه من اتهامات بالتشويه والإهانة، وربما أيضا معاداة الوطن، لو تم تصوير شخصية زعيم سياسي عربي خاض معركة عسكرية مع العدو، على هذا النحو، وهو ما يغيب تماما على سبيل المثال، من فيلم مثل “السادات” لمحمد خان، أما هنا فنحن نرى المواجهة بين تشرشل والقادة العسكريين الذين يصرون على أن يضربوا برغبته عرض الحائط، رغم أنه “القائد الأعلى”، بل ويوبخونه ويستخدمون في مخاطبته اسمه مجردا كما يفعل أيزنهاور ومونتغمري في الفيلم طبعا!
هذه المواجهات المتكررة تعكس من ناحية أخرى كيف أصبح تشرشل في قبضة أصحاب اليد العليا في الحرب، أي الأميركيين الذين يمثلهم القائد الأعلى لقوات الحلفاء أيزنهاور، وكيف خرج الأمر من بين يدي تشرشل وأصبح في قبضة الجيش الأميركي، يقرر قائده ما سيحدث.
ويصور الفيلم تشرشل أسيرا لتجربته المباشرة في الحرب العالمية الأولى (حرب الخنادق)، وخشيته من استخدام الألمان الغازات السامة وشبح معركة غاليبولي التي مني فيها الحلفاء بهزيمة قاسية أمام الأتراك.
وبعد أن يخضع تشرشل للأمر الواقع، ويقبل على مضض “المذبحة” القادمة -كما يتخيل- يدفعه شعوره بالذنب لأن يصر على أن يكون في مقدمة القوات التي تعبر البحر بالزوارق والسفن الحربية جنبا إلى جنب مع الملك الذي يتصور أنه يؤيده في رغبته الجامحة، لكن هذه الرغبة التي يعلنها للقادة العسكريين لا تجلب له سوى المزيد من التوبيخ والإهانات، بل سرعان ما يخذله الملك نفسه ويفصح له في لقاء مباشر بينهما، كيف أن الحكمة السياسية تقتضي قيادة الشعب في تلك المواجهة المصيرية من داخل الوطن.. فالجبهة الداخلية بنفس أهمية الجبهة الخارجية وأن عليه أن يترك العمليات العسكرية للعسكريين.
ويصور الفيلم كذلك تشرشل وهو يعاني من أجل كتابة خطابه الذي سيزف فيه للشعب بدء عملية لتحرير أوروبا: كيف يقسو على مساعدته الشابة التي تطبع كلمات خطابه على الآلة الكاتبة، ويعكس عليها اضطرابه الداخلي وخشيته على مصير الجنود، ثم تكشف له هي أيضا أن خطيبها يقود مدمرة تتقدم القوات البحرية، ويكشف المشهد انعكاس مخاوف تشرشل على الروح المعنوية للفتاة التي ترمز إلى أبناء الشعب.
مشاعر متضاربة
يستعين تشرشل بالخمر تسكينا لشعوره بالألم، لكن زوجته كليمونتين (التي تقوم بدورها ميراندا ريتشارسون) تقول له بقسوة إن الخمر لن ينفعه، وأنه يجب أن يتماسك وأن يستدعي من داخله قوته الكامنة كزعيم يمتلك القدرة العبقرية على قيادة شعبه في تلك اللحظة، إنها تصل حتى إلى درجة أن تصفعه على وجهه لكي تدفعه لاستعادة صوابه.
الإطار الضيق للحدث في الفيلم ينحصر في تصوير المعاناة الداخلية لزعيم عظيم في لحظة صدام دموي عنيف قادم قد يغير التاريخ، ولكنه يمكن أيضا أن ينقلب ليصبح هزيمة قاسية.
وهذا التردد "الهاملتي" بين ما يفرضه الواجب، وبين المشاعر الطبيعية، يجعل الفيلم أقرب إلى مسرح الشخصية الواحدة التي تصبح الشخصيات المحيطة بها مجرد عوامل مساعدة لتفجير أزمتها أو محاولة احتوائها، وهنا يقع العبء الأكبر في الفيلم على عاتق الممثل بريان كوكس، الذي يعبر عن الشخصية أفضل تعبير، سواء في طريقة مشيته أو نظراته وتأملاته أو صراخه وانفجارات غضبه، إنه ينتقل في الأداء من القسوة على النفس، إلى القسوة على الآخرين، ثم نراه في جولاته المنفردة الحائرة على الشاطئ وهو يصحو من غفوته داخل السيارة على مجموعة من الأطفال يشيرون له بعلامة النصر الشهيرة التي ترتبط بشخصيته.
ورغم الأداء البارع من جانب الممثل، تكمن المشكلة الرئيسية في ضعف صور الفيلم ومناظره ومحدودية الأماكن التي يدور فيها التصوير، وعدم القدرة على الإحاطة بالحدث الكبير كما كان ينبغي حتى في تصوير زيارة تشرشل للقوات الأمامية، فقد بدا المشهد هزيلا.
ويعاني الفيلم أيضا من تكرار الفكرة من خلال تكرار الحوار ومعانيه، أي التعبير عن تردد تشرشل واضطرابه وخشيته من عواقب العملية، كما تبدو حواراته في هذا السياق أقرب إلى “المونولوغ” في مسرح الغرفة ومونودرامات الشخصية الواحدة.
ورغم ما بذله بريان كوكس من جهد هائل في إكساب الشخصية مشاعرها الإنسانية إلاّ أن ضعف السيناريو وهشاشة بناء الشخصية ومحدودية الحدث، جعلته يغرد منفردا دون صدى حقيقي، وضاع بالتالي التأثير الفني الذي كان متوقعا للفيلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.