موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 5 يونيو 2025    المصرية للاتصالات WE تعلن الإطلاق الرسمي لخدمات الجيل الخامس في مصر    إعلام فلسطيني: الاحتلال يقصف بكثافة خيام نازحين في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة    جماهير الأهلي تطالب بمحاسبة هاني شكري.. وتحرك قانوني عاجل    «وكمان تيشيرت أحمر».. مدرب الزمالك السابق يتحسر على انتقال زيزو إلى الأهلي    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    أكثر من مليون ونصف حاج.. بدء تصعيد الحجاج إلى مشعر عرفات    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث سير ببني سويف    لقطات جديدة من حفل زفاف محمد شاهين والمنتجة رشا الظنحاني، ومفاجأة من العروس (فيديو)    تهنئة عيد الأضحى 2025.. أجمل عبارات التهنئة لأحبائك وأصدقائك (ارسلها الآن)    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    ما هى أوقات استجابة الدعاء في يوم عرفه 2025 وأفضل الأعمال المستحبة؟.. الإفتاء توضح    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    أوكرانيا تعتمد على زيادة إنتاج الأسلحة في الخارج    «الطقس× العيد».. حار إلى شديد الحرارة وتحذير من الشبورة والرياح واضطراب الملاحة (نصائح الأرصاد)    «الأرصاد» تكشف عن حالة الطقس اليوم الخميس.. والعظمى بالقاهرة 35    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    البيت الأبيض يرد على انتقادات ماسك لقانون الموازنة: العلاقات متناغمة وترامب ملتزم بدعم القانون    أمين مجمع البحوث الإسلامية الأسبق يكرم حفظة القرآن الكريم بمدينة طهطا    9 ذو الحجة.. ماذا يفعل الحجيج في يوم عرفة؟    سعر السمك والجمبري والكابوريا بالأسواق اليوم الخميس 5 يونيو 2025    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    أغانى الحج.. رحلة من الشوق والإيمان إلى البيت الحرام    أيمن بهجت قمر يحتفل بتخرج ابنه: أخيرا بهجت عملها (صور)    "عاد إلى داره".. الرجاء المغربي يعلن تعاقده مع بدر بانون    مطار العاصمة الإدارية يستقبل أولى الرحلات القادمة من سلوفاكيا على متنها 152 راكبا (صور)    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    محافظ الدقهلية يتابع عمليات نظافة الحدائق والميادين استعدادا للعيد    الوزير: "لدينا مصنع بيفتح كل ساعتين صحيح وعندنا قائمة بالأسماء"    وزيرة البيئة تنفي بيع المحميات الطبيعية: نتجه للاستثمار فيها    حدث ليلًا| استرداد قطعًا أثرية من أمريكا وتفعيل شبكات الجيل الخامس    دعاء من القلب بصوت الدكتور علي جمعة على قناة الناس.. فيديو    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عزون شرق قلقيلية بالضفة الغربية    الأمم المتحدة تدعو إلى التوصل لمعاهدة عالمية جديدة لإنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية    «مدبولي» يوجه الحكومة بالجاهزية لتلافي أي أزمات خلال عيد الأضحى    نجل سميحة أيوب يكشف موعد ومكان عزاء والدته الراحلة    "عصام" يطلب تطليق زوجته: "فضحتني ومحبوسة في قضية مُخلة بالشرف"    التأمين الصحى بالقليوبية: رفع درجة الاستعداد القصوى بمستشفيات استعدادًا لعيد الأضحى    مسابقة لتعيين 21 ألف معلم مساعد    دبلوماسية روسية: أمريكا أكبر مدين للأمم المتحدة بأكثر من 3 مليارات دولار    مفتي الجمهورية يهنئ رئيس الوزراء وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى المبارك    «الأوقاف» تعلن موضوع خطبة عيد الأضحى    حفروا على مسافة 300 متر من طريق الكباش.. و«اللجنة»: سيقود لكشف أثري كبير    مصادر مطلعة: حماس توافق على مقترح «ويتكوف» مع 4 تعديلات    مصر تطلع المبعوث الصيني للشرق الأوسط على جهود وقف النار في غزة    نور الشربيني تتأهل لربع نهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش وهزيمة 6 مصريين    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    وفد الأقباط الإنجيليين يقدم التهنئة لمحافظ أسوان بمناسبة عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السرد التشكيلي في رواية " السنة المفقودة "
نشر في صوت البلد يوم 21 - 08 - 2017

إنَّ أفق الجنس الروائي مفتوحُ على كل الحقول الفنية والأدبية، بما فيه الفن التشكيلي الذي تتفاعلُ معه الأعمال الروائية بطرق مُختلفة، إذ قد تكون التُحف الفنية مُنطلقاً لحركة السرد الروائي، كما يلاحظُ هذا الأمر بالوضوح في رواية "جميلة" لجنكيز إيمتاتوف حيثُ يستعيدُ الراوي (سعيد) وقائع قصة حب في قريته باكاير، عندما يقف متملياً أمام لوحة مرسومة لما تكون عليه حال مسقط رأسه في فصل الخريف.
كذلك فإن رواية "عيناها" للكاتب الإيراني بزورك علوي تتخذ من لوحة البطلة (فرنجيس) منصة لسرد مرحلة فارقة في تاريخ إيران، أكثر من ذلك فإنَّ الإيرلندي صموئيل بيكت قد إستوحى موضوع مسرحيته الذائعة الصيت "في إنتظار جودو" من لوحة دافيد فريدريش.
ولا يبتعدُ الكاتبُ الأرجنتينى بيدرو ميرال عن هذا المنحى في روايته "السنة المفقودة" الصادرة من مسكيلياني للنشر والتوزيع تونس 2016، إذ لا يوجدُ في هذا العمل بطلُ بمعنى المتعارف عليه، إنما تدور مُعظمُ أجزاء الرواية حول ما رسمهُ سالفاتييرا من الصور المرتبطة بواقع حياته على أربعة كيلومترات من الأقمشة، يتكفلُ الإبنُ بسرد إسطورة والده (سالفاتييرا) وهذا يعني أن السارد متضمنُ في القصة، ويظهر نفسه من خلال ضمير الشخص الأول، الأمر الذي يذهب بالتعبيرات والخطاب إلى المستوى الإنفعالي والعاطفي، وفقاً لإستنتاجات الناقد الأنكليزي يان مانفريد، عليه تأتي شهاداتُ بعض شخصيات أخرى على لسان الراوي، لتدعم حركة السرد، لكن ما يُزَّخمُ الراوية بالتشويق هو مشروع اللوحة التي قد إحتاج سالفاتييرا إلى ستين سنة ليكملها.
تتكيء الرواية على قصتين متوازيتين، الأولى تتناولُ حياة الرسام المُنعزل ونشأته وماسبب له العجز في النطق، بينما القصة الثانية تَروي قصة الأثر الفني الذي أنجزه الوالد، إذ كان اللونُ بديلاً للكلمة المنطوقة لدي إبن بارانكالس في الأرجنتين، وما ارتسم على اللوحةِ ليس سوى قصة ألهمها الواقع، بالإضافة لصور بعض شخصيات كانت على علاقة بسالفاتييرا حيث تلتئمُ خيوط محطات من حياة الأسرة وموقع المنشأ على الأقمشة وبذلك تُصبحُ هذه الجدارية بمثابة سيرة مسرودة بالألوان ما يعنى أن السرد لا يختزلُ في نصوص وألفاظ بل أي شيء يحكى يعتبر قصة على حد قول رولان بارت، ومن هنا تلتقي حلقةُ ما يحكيه الإبنُ ميغال مع محتويات المُنْجَز الفني.
عبقرية الصمت
يعتمدُ الكاتبُ نسق الزمن الهابط وذلك عندما يبدأُ بما إنتهى إليه أمرُ اللوحة، حيثُ يضعك الراوي في متحف رويل بأمستردام، تمتدُ النسخة المصورة من لوحة سالفاتييرا حول رواق واقع بين أقسام المبنى، إذ تتوالى مشاهد من هذه التحفة الفنية ويستغرق إتمام دورتها يوما كاملاً، ومن ثُم يشيرُ الإبنُ إلى مداخلات أقارب سالفاتييرا وأهالي بارانكالس في إطار برنامج وثائقي مُعلقاً بأنَّ معظم المشاركين لا يعرفون شيئا عن حياة أبيه الفنية، إلى هنا لا تردُ أي معلومة عن النسخة الأصلية للوحة، كما أنَّ عدم التطرق إلى هذا الموضوع لا يثير أسئلة لدى المتلقى.
بين افتتاحية الرواية وما يذكره الراوي في أجزاء أخيرة عن مصير أربعة كيلومترات من الأقمشة المركونة في كوخ كان بمثابة محترف للوالد، يتمُ إستعراض حياة سالفاتتيرا وما يوصي به ابناه بالإشارة في نزعه الأخير، كان هو في التاسعة من عمره عندما يسقطُ من الحصان وتبقى قدمه ملعقة بالسرج إذ يجره الحصان خلفه بين الأشجار والأحجار الناتئة، وتتكسر جمجمتهُ وحين يعثر عليه أصحابه يسحبونه ولا يساورهم الشكُ بأنَّ الراكب المتعثر قد فارق الحياة، غير أنه بفضل طاهية عجوز تكتبُ له الحياة من جديد، ولكن في الفصول اللاحقة من حياته يفقد القدرة على النطق، ولا تنجحُ كل محاولات أهله لإعادة ابنهم إلى سابق عهده، إذ يخيبُ أملهم بصمته الأبدي.
وما أن استعاد عافيته على المستوى البدني حتى منحه الطبيبُ ألواناً إنجليزية أُحْضِرَتْ من وراء النهر في الباراغواي، وهو النهر نفسه الذي يعبرهُ ابنا سالفاتتيرا بحثاً عن لفافة من الأقمشة المرسومة.
لا يحظى الطفل الأبكم باهتمام والديه، يظلُ مُتسكعا، ولولا حرص أبناء عمومته ما تَعَلَّمَ حرفاً ولا تمكن في القراءة، إذ واظب سالفاتييرا وهو في الخامسة والعشرين من عمره على قراءة سير الرسامين الكبار، ونضجت خلفيته الثقافية بفضل ما توفر في مكتبة أورتيز، وهنا يلتقي بهيلينا راميرانز المرأةُ التي تصبح زوجتهُ، تتزامن معرفته براميرانز مع تحول متدرج في مشاهد لوحاته،إذ كان يميلُ إلى تصوير لحظات مصبغة بإشراق الصباح، عطفاً على ذلك فإنَّ ما يقولهُ الدكتور فيلا عن هذا الرسام يشكفُ عن إفتتانه باقتناص لحظات طبيعية من الواقع، مثلما يتبينُ هذا الجانب أكثر في مناظر لنساء سوداوات يغسلن الملابس على ضفة النهر.
ومن ثُمَّ يرسمُ ضواحي المدينة بشوارعها الطويلة في لحظات الفجر والمارة الذين علت على وجههم أمارات النعس والتعب، هذا إضافة إلى مارسمه من بورتريهات لزوجته في أوضاع مُختلفة والابنة التي غرقت في النهر.
وتُشَكِلُ صورة فرجينيا روكامورا جزءاً آخر من لفائف مطويات داخل الكوخ، ويلقى مشهدُ موظفة مكتب البريد عن وجود علاقات حسية بين الأخيرة والرسام، وبذلك تكون اللوحة بمنزلة وثيقة تكشفُ ماهو طي الكتمان، إذ يتبينُ وجه آخر من حياة سالفاتييرا مع لفافة مفقودة في الأوروغواي.
الكارثة
مع وصول مندوب مؤسسة آدريان رويل، يبدأُ العملُ حثيثاً، لنقل اللفائف إلى إمستردام، ويتحول الكوخُ إلى ورشة عمل لأرشفة اللوحة رقمياً، وذلك ما يقومُ به بوريس الذي رافقتهُ صديقته حنا إلى بارانكالس، بالمقابل ما انفك الابنُ يدورُ عن اللفافة المَفقودة، ويسألُ من أصدقاء وأقارب والده منهم (ماريو جوردان) الذي يعرفُ مما يسمع منه أنَّ ضالته موجودة في الضفة الأُخرى من النهر، وتعودُ أهمية هذه اللفافة المفقودة إلى ما توضحه عن أحداث وقعت بين سالفاتييرا وصديقيه (إيبانيز وسالازار)، وكاد أن يذهب الرسام ضحية تواطؤ الإثنين.
وفي خضم بحثه يتفاجأُ ميغال بأن والده قد عملَ أيضا مهرباً، هكذا تتعاقب التطورات في سياق الرواية، وتأتي كل وحدة ملفعة بغموض شفيف، إلي تنفتحُ قصة الرسام على مرحلة جديدة في الأُوروغواي، هنا لا تكون المهمة سهلةً وما يستدل الأخوان إلى اللفافة إلا عن طريق إبن فرمين إيبانيز الأخير مات في السجن، ويقايضُ ابنُ أخيه اللفافة بفرس ومهر. وبذلك تستقرُ اللفافة في منزل صوريا الذي كان رئيساً لمزرعة لوس لاناريس.
لا ينتهي البحثُ الذي أعيا الإثنين قبل الوصول إلى مكان اللفافة التي تغطي النصف الأعلى من جدار الغرفة المركزية، تتسارع عملية نزع اللفافة التي تردم الهوة القائمة في اللوحة وتكتمل معها القصة، ويلوح للأخ الصغير الذي يعمل في شركة العقارات ببوينس آريس شكل موظفة البريد داخل اللفافة ويتوصلُ الاثنان إلى أن علاقة سالفاتييرا دامت مدة طويلة مع زميلته في مكتب البريد، التي رسمها في لحظات شديدة الحميمية، ما يثيرُ حفيظة لويس مطالباً بعدم تنقيب في حياة أبيه، وترك الموتى يرقدون في السلام، وما تقتربُ الرحلة من النهاية حتي تجلو الضبابيةُ من حياة سالفاتييرا الذي ما كان يوقع لوحاته بالإمضاء، إذ أن المرأة السوداء التي تظهر في اللفافة هي أختُ صديقه فأنجبت منه الصبي الذي كان دليلهما إلى موقع اللوحة.
بينما يفضلُ ابنا سالفاتتيرا اللفافة عند الأخ الجديد، ويتفقان على نقل كل اللفائف عن طريق الأوروغواي إلى هولندا تهرباً من مشقة التصدير لدى اللجنة الوطنية للتاريخ والتراث، بينما يعودُ الإثنان منتشين باكتشافات جديدة، فإذا بالكارثة تحل بالكوخ حيث يرتفع منه لهيب النار، ويحومُ الشكُ على بالدوني صاحب السوبر ماركت الذي أراد شراء الأرض لتوسيع متجره، وما يبقي شيء من الأثر الفني غير اللفافة التي رسمها سنة 1961 والنسخة المصورة بالماسح الضوئي، وبذلك تغدو كل السنوات مفقودة غير السنة التي وصفت بالمفقود من عتبة العنوان.
تذكرك هذه الرواية بفيلم عن حياة يوهانيس فيريمر الذي تتحول فيه اللوحة بدلاً من الفنان بطلا.
إنَّ أفق الجنس الروائي مفتوحُ على كل الحقول الفنية والأدبية، بما فيه الفن التشكيلي الذي تتفاعلُ معه الأعمال الروائية بطرق مُختلفة، إذ قد تكون التُحف الفنية مُنطلقاً لحركة السرد الروائي، كما يلاحظُ هذا الأمر بالوضوح في رواية "جميلة" لجنكيز إيمتاتوف حيثُ يستعيدُ الراوي (سعيد) وقائع قصة حب في قريته باكاير، عندما يقف متملياً أمام لوحة مرسومة لما تكون عليه حال مسقط رأسه في فصل الخريف.
كذلك فإن رواية "عيناها" للكاتب الإيراني بزورك علوي تتخذ من لوحة البطلة (فرنجيس) منصة لسرد مرحلة فارقة في تاريخ إيران، أكثر من ذلك فإنَّ الإيرلندي صموئيل بيكت قد إستوحى موضوع مسرحيته الذائعة الصيت "في إنتظار جودو" من لوحة دافيد فريدريش.
ولا يبتعدُ الكاتبُ الأرجنتينى بيدرو ميرال عن هذا المنحى في روايته "السنة المفقودة" الصادرة من مسكيلياني للنشر والتوزيع تونس 2016، إذ لا يوجدُ في هذا العمل بطلُ بمعنى المتعارف عليه، إنما تدور مُعظمُ أجزاء الرواية حول ما رسمهُ سالفاتييرا من الصور المرتبطة بواقع حياته على أربعة كيلومترات من الأقمشة، يتكفلُ الإبنُ بسرد إسطورة والده (سالفاتييرا) وهذا يعني أن السارد متضمنُ في القصة، ويظهر نفسه من خلال ضمير الشخص الأول، الأمر الذي يذهب بالتعبيرات والخطاب إلى المستوى الإنفعالي والعاطفي، وفقاً لإستنتاجات الناقد الأنكليزي يان مانفريد، عليه تأتي شهاداتُ بعض شخصيات أخرى على لسان الراوي، لتدعم حركة السرد، لكن ما يُزَّخمُ الراوية بالتشويق هو مشروع اللوحة التي قد إحتاج سالفاتييرا إلى ستين سنة ليكملها.
تتكيء الرواية على قصتين متوازيتين، الأولى تتناولُ حياة الرسام المُنعزل ونشأته وماسبب له العجز في النطق، بينما القصة الثانية تَروي قصة الأثر الفني الذي أنجزه الوالد، إذ كان اللونُ بديلاً للكلمة المنطوقة لدي إبن بارانكالس في الأرجنتين، وما ارتسم على اللوحةِ ليس سوى قصة ألهمها الواقع، بالإضافة لصور بعض شخصيات كانت على علاقة بسالفاتييرا حيث تلتئمُ خيوط محطات من حياة الأسرة وموقع المنشأ على الأقمشة وبذلك تُصبحُ هذه الجدارية بمثابة سيرة مسرودة بالألوان ما يعنى أن السرد لا يختزلُ في نصوص وألفاظ بل أي شيء يحكى يعتبر قصة على حد قول رولان بارت، ومن هنا تلتقي حلقةُ ما يحكيه الإبنُ ميغال مع محتويات المُنْجَز الفني.
عبقرية الصمت
يعتمدُ الكاتبُ نسق الزمن الهابط وذلك عندما يبدأُ بما إنتهى إليه أمرُ اللوحة، حيثُ يضعك الراوي في متحف رويل بأمستردام، تمتدُ النسخة المصورة من لوحة سالفاتييرا حول رواق واقع بين أقسام المبنى، إذ تتوالى مشاهد من هذه التحفة الفنية ويستغرق إتمام دورتها يوما كاملاً، ومن ثُم يشيرُ الإبنُ إلى مداخلات أقارب سالفاتييرا وأهالي بارانكالس في إطار برنامج وثائقي مُعلقاً بأنَّ معظم المشاركين لا يعرفون شيئا عن حياة أبيه الفنية، إلى هنا لا تردُ أي معلومة عن النسخة الأصلية للوحة، كما أنَّ عدم التطرق إلى هذا الموضوع لا يثير أسئلة لدى المتلقى.
بين افتتاحية الرواية وما يذكره الراوي في أجزاء أخيرة عن مصير أربعة كيلومترات من الأقمشة المركونة في كوخ كان بمثابة محترف للوالد، يتمُ إستعراض حياة سالفاتتيرا وما يوصي به ابناه بالإشارة في نزعه الأخير، كان هو في التاسعة من عمره عندما يسقطُ من الحصان وتبقى قدمه ملعقة بالسرج إذ يجره الحصان خلفه بين الأشجار والأحجار الناتئة، وتتكسر جمجمتهُ وحين يعثر عليه أصحابه يسحبونه ولا يساورهم الشكُ بأنَّ الراكب المتعثر قد فارق الحياة، غير أنه بفضل طاهية عجوز تكتبُ له الحياة من جديد، ولكن في الفصول اللاحقة من حياته يفقد القدرة على النطق، ولا تنجحُ كل محاولات أهله لإعادة ابنهم إلى سابق عهده، إذ يخيبُ أملهم بصمته الأبدي.
وما أن استعاد عافيته على المستوى البدني حتى منحه الطبيبُ ألواناً إنجليزية أُحْضِرَتْ من وراء النهر في الباراغواي، وهو النهر نفسه الذي يعبرهُ ابنا سالفاتتيرا بحثاً عن لفافة من الأقمشة المرسومة.
لا يحظى الطفل الأبكم باهتمام والديه، يظلُ مُتسكعا، ولولا حرص أبناء عمومته ما تَعَلَّمَ حرفاً ولا تمكن في القراءة، إذ واظب سالفاتييرا وهو في الخامسة والعشرين من عمره على قراءة سير الرسامين الكبار، ونضجت خلفيته الثقافية بفضل ما توفر في مكتبة أورتيز، وهنا يلتقي بهيلينا راميرانز المرأةُ التي تصبح زوجتهُ، تتزامن معرفته براميرانز مع تحول متدرج في مشاهد لوحاته،إذ كان يميلُ إلى تصوير لحظات مصبغة بإشراق الصباح، عطفاً على ذلك فإنَّ ما يقولهُ الدكتور فيلا عن هذا الرسام يشكفُ عن إفتتانه باقتناص لحظات طبيعية من الواقع، مثلما يتبينُ هذا الجانب أكثر في مناظر لنساء سوداوات يغسلن الملابس على ضفة النهر.
ومن ثُمَّ يرسمُ ضواحي المدينة بشوارعها الطويلة في لحظات الفجر والمارة الذين علت على وجههم أمارات النعس والتعب، هذا إضافة إلى مارسمه من بورتريهات لزوجته في أوضاع مُختلفة والابنة التي غرقت في النهر.
وتُشَكِلُ صورة فرجينيا روكامورا جزءاً آخر من لفائف مطويات داخل الكوخ، ويلقى مشهدُ موظفة مكتب البريد عن وجود علاقات حسية بين الأخيرة والرسام، وبذلك تكون اللوحة بمنزلة وثيقة تكشفُ ماهو طي الكتمان، إذ يتبينُ وجه آخر من حياة سالفاتييرا مع لفافة مفقودة في الأوروغواي.
الكارثة
مع وصول مندوب مؤسسة آدريان رويل، يبدأُ العملُ حثيثاً، لنقل اللفائف إلى إمستردام، ويتحول الكوخُ إلى ورشة عمل لأرشفة اللوحة رقمياً، وذلك ما يقومُ به بوريس الذي رافقتهُ صديقته حنا إلى بارانكالس، بالمقابل ما انفك الابنُ يدورُ عن اللفافة المَفقودة، ويسألُ من أصدقاء وأقارب والده منهم (ماريو جوردان) الذي يعرفُ مما يسمع منه أنَّ ضالته موجودة في الضفة الأُخرى من النهر، وتعودُ أهمية هذه اللفافة المفقودة إلى ما توضحه عن أحداث وقعت بين سالفاتييرا وصديقيه (إيبانيز وسالازار)، وكاد أن يذهب الرسام ضحية تواطؤ الإثنين.
وفي خضم بحثه يتفاجأُ ميغال بأن والده قد عملَ أيضا مهرباً، هكذا تتعاقب التطورات في سياق الرواية، وتأتي كل وحدة ملفعة بغموض شفيف، إلي تنفتحُ قصة الرسام على مرحلة جديدة في الأُوروغواي، هنا لا تكون المهمة سهلةً وما يستدل الأخوان إلى اللفافة إلا عن طريق إبن فرمين إيبانيز الأخير مات في السجن، ويقايضُ ابنُ أخيه اللفافة بفرس ومهر. وبذلك تستقرُ اللفافة في منزل صوريا الذي كان رئيساً لمزرعة لوس لاناريس.
لا ينتهي البحثُ الذي أعيا الإثنين قبل الوصول إلى مكان اللفافة التي تغطي النصف الأعلى من جدار الغرفة المركزية، تتسارع عملية نزع اللفافة التي تردم الهوة القائمة في اللوحة وتكتمل معها القصة، ويلوح للأخ الصغير الذي يعمل في شركة العقارات ببوينس آريس شكل موظفة البريد داخل اللفافة ويتوصلُ الاثنان إلى أن علاقة سالفاتييرا دامت مدة طويلة مع زميلته في مكتب البريد، التي رسمها في لحظات شديدة الحميمية، ما يثيرُ حفيظة لويس مطالباً بعدم تنقيب في حياة أبيه، وترك الموتى يرقدون في السلام، وما تقتربُ الرحلة من النهاية حتي تجلو الضبابيةُ من حياة سالفاتييرا الذي ما كان يوقع لوحاته بالإمضاء، إذ أن المرأة السوداء التي تظهر في اللفافة هي أختُ صديقه فأنجبت منه الصبي الذي كان دليلهما إلى موقع اللوحة.
بينما يفضلُ ابنا سالفاتتيرا اللفافة عند الأخ الجديد، ويتفقان على نقل كل اللفائف عن طريق الأوروغواي إلى هولندا تهرباً من مشقة التصدير لدى اللجنة الوطنية للتاريخ والتراث، بينما يعودُ الإثنان منتشين باكتشافات جديدة، فإذا بالكارثة تحل بالكوخ حيث يرتفع منه لهيب النار، ويحومُ الشكُ على بالدوني صاحب السوبر ماركت الذي أراد شراء الأرض لتوسيع متجره، وما يبقي شيء من الأثر الفني غير اللفافة التي رسمها سنة 1961 والنسخة المصورة بالماسح الضوئي، وبذلك تغدو كل السنوات مفقودة غير السنة التي وصفت بالمفقود من عتبة العنوان.
تذكرك هذه الرواية بفيلم عن حياة يوهانيس فيريمر الذي تتحول فيه اللوحة بدلاً من الفنان بطلا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.