"امتطى صهوة الحرف، يحدق في وجع الروح، يلملم تلابيب نفسه، ويتوغل في سراديب الأعماق، يبحث عن دبيب الومضة، ويحلق في المدى.. يغزل ترانيم الجوى، لعل الجذوة تأخذه إلى الشاطئ المبتغى" ص21 بهذا المفتتح تتضح إلى حد بعيد سمات الكتابة في مجموعة «غواية الصمت» لوائل وجدي، والذي يعمد في كثير من نصوصه المفعمة بمشاعرها الإنسانية إلى استخدام هذه السمة السردية لتحريك الحدث/ الحالة بصيغة المضارع المشهدية التي تجعل من الصورة الشاعرية كيانا متجسدا، مؤكدا على سمة التفاعل مع الظواهر الطبيعية ومن ثم الخروج من تلك الحالة الممتدة من الصمت، إلى غواية التعامل والتواشج مع تلك الظواهر الخارجية الطبيعية، وهو بالفعل ملمح حسي يجنح إلى الفضاء الشعري أكثر مما يجنح إلى الواقعي لكنه يلتمسه، غالبا، بهذه المسحة السردية التي تتواتر لتعلو كثيرا في عدد من النصوص، وقد تهبط في بعض الأحوال، لتقترب أو تلتبس بالشعر، لكنها يقينا لا تتخلى عن وجودها السردي الذي يسمح بوجود بنيان قصصي على أقل تقدير، وهو ما تراهن عليه حالة الكتابة، أو كتابة القصة الحالة التي قطعت شوطا كبيرا في متن النصوص القصصية القصيرة المعتادة.. اعتمادا على بناء لغوي محكم، تفرضه ضرورة التعامل مع هذا الجنس الأدبي المراوغ الملتبس في «بوح السندباد» ص22، نجد سمة النزوع إلى السرد الخبري الذي يعطي نتيجة تخلط بين التمني وإمكانية التحقق، مع استغلال مقتصد للشاعرية التي تأتي في مجمل الحالة، فالسرد يأتي على منوال «سئمت التطواف والبعاد، لم أعد أهفو إلى المغامرة» ليقطعها الفعل المضارع متكررا «أبحث عن الراحة والسكينة.. أبحث عن بسمة صادقة..» دلالة على تثبيت الحالة وسط هذا التراجع الزمني الخبري، ثم يعود ليتعامل مع الفعل الماضي في «أوحشني بيتي الصغير، ونباتات أرضي».. لتكون النتيجة التي تتراوح بين التمني والتحقق في قوله، بيانا للسبب لكل ما تقدم: «لعلي أستطيع أن أمسك فأسي»، ثم تتبعها نتيجة أخرى مرتبطة.. «أزرع نبتة جديدة» دلالة على تجدد الأمل من رحم هذا الصمت، هنا يعطي مجمل الحالة هذا الانطباع الرومانسي الجانح إلى الشعر إجمالا لا تفصيلا، جملة لا مفردة من خلال الالتفاف حول أزمنة الفعل وتداخلها. تبدو في نموذج «طريق» ذات السمة من الاشتباك مع الأماني برغم معوقاتها من خلال الاشتباك مع الفعل المضارع والموجه بصيغة المخاطب التي تأخذ اهتماما كبيرا وموجها وله ضرورته في أسلوب الكاتب حيث يعبر عن المواجهة الحميمة والمباشرة مع الذات لتعميق وتجسيد الإحساس بداخلها: «تستكين من وعثاء السفر.. تبحث غن الطريق، اللون الأصفر الداكن يفرش مدى بصرك.. تتعثر خطاك، وتدور في دوائر لا نهائية.. تعود إلى بداية الطريق، لعلك تجد بقعة ضوء» نلاحظ استخدام نفس صيغة التمني «لعلك» في كلا النموذجين دلالة على المحاولات الحثيثة للخروج من هذه الدائرة، وإن كان اللجوء هنا إلى التعبير المجازي في تعبيرات بعينها قد يتجسد بصورة أكثر وأجلى في التعبير ب «دوائر لا نهائية»، و»العتمة وصفير الرياح سادران» حيث تجسد الصورة الشاعرية في مجملها هذا الزخم النفسي الذي يربط بين ما يدور بالذات الداخل، وما تؤول إليه هذه الصورة في تعثر الخطى المادية في الدوائر اللانهائية بمعنويتها وضربها في الشاعرية التحاما مع التعبير المجازي أيضا بصفير الرياح والعتمة، ليتشكل الفضاء الشاعري في النص موازيا للحركة المشهدية التي يجسدها السرد بالفعل المضارع وضمير المخاطب معا، وهي السمة التي تتواتر في نصوص المجموعة، والتي نجدها في نموذج «قلب»، حيث تتوالى الأفعال المضارعة بذات الضمير المخاطب: "تخايلك بقعة ضوء.. تنهش قدميك.. تحوط بك.. تحاول أن تنفذ.. تتمدد الأسلاك.. تحجزك عن العبور.. تمد يدك، تقطع أصابعك.. تمد رأسك، تجز رقبتك.. ينبجس دمك.. يسري من تحت الأسلاك الشائكة.. يرسم قلبا" تمضي هذه الحركة المشهدية المتوالية لاهثة، مجسدة لحالة من الانتحار المعنوي في صورة المادي المتجسد بالدم، والذي يعتمد الكاتب فيه، نهاية على ما يمكن تسميته بالتشيؤ، في فعل رسم القلب الذي لا وجود له ماديا، ولكنه يبقى بمعنويته ورمزيته بإهراق الدم وبذله، دونما تحديد سبب أو هوية، بما يطلقها على المعنى الفلسفي المتواري في هذا النمط من النصوص التي تتلاقى مع رهافة اللغة التي تحمل إيقاعا داخليا شعريا، مع إيقاعها الخارجي الصاخب.. هي ذات الفكرة التي ربما امتدت من نص «جزيرة القلب» الذي يطمح رومانسيا باستخدام المجاز إلى تشييد معنوي لما يسميه أو ينتجه النص من «جزيرة للقلب» بما تحمل جملة العنوان من فضاء شاعري غاية في تجسيد الفكرة الرومانسية، واستمرارا في الاتكاء على صيغة التمني المصاحبة «لعلك..»، في ظل تلك الأجواء الملازمة بمفرداتها الدالة على وعورة الطريق وصهد الشمس وطول الطريق والتعبير ب «تزدرد ألم الوحشة».. لكن العزم متواجد في التعبير ب «تجدف بكل ما أوتيت من قوة، لعلك، بالصبر المستحيل تسري إلى جزيرة القلب» تلك الجزيرة التي تحولت في نص «قلب» إلى بقعة من دماء شكلت رسم القلب. وهي المفارقة التي يشكلها تداخل النص على محك استيلاد نفس الفكرة لعمل متوالية داخلية، قد تتكرر في غير موضع. في نموذج «شجن» يبدو الحدث طاغيا ومتطورا، لكن نمطية الانتقال البانورامي للصورة يخلق فضاءً مكتملا يصنع دائرة مشهدية تنتهي بصورة شاعرية هي انطلاق العصفور من محبسه: «طفل، يأكل شيكولاتة بفرحة غامرة../ طفل، يقضم كسرة خبز جاف يتأوه من شدة البرد القارس../ طفل، يروي الأرض بدمائه الزكية../ وعصفور، يطير من محبسه، محلقا في المدى الوسيع» ص66 نلاحظ هنا تدرج الحالة المشهدية التي ينتقل بها الكاتب من حالة إلى حالة على محك الطفولة، لتلقي الحالة الثانية بظلال المفارقة والتناقض بين طفل وطفل، ثم يأتي التدرج الثالث ليقابل كل من الحالتين الأولى والثانية من خلال مشهد القتل لطفل، والطفل هنا غير محدد الهوية لا هو ينتمي للطفل الأول ولا الطفل الثاني دلالة على التعميم والشيوع، والفرق الشاسع في المصير ذاته، الذي يتطور بالحالة التي تغلق الدائرة بانطلاق العصفور كرمز للحرية، وربما كان رمزا للهروب من هذا الواقع المتناقض، ربما كان هذا ما يضمره النص من خلال تلك الإحالات اللغوية، والشاعرية التي يغلف بها الصورة الكلية للنص، وكاميرا الحواس التي لامست الملامح وحولتها إلى مشاعر مضمرة. * كاتب وناقد مصري "امتطى صهوة الحرف، يحدق في وجع الروح، يلملم تلابيب نفسه، ويتوغل في سراديب الأعماق، يبحث عن دبيب الومضة، ويحلق في المدى.. يغزل ترانيم الجوى، لعل الجذوة تأخذه إلى الشاطئ المبتغى" ص21 بهذا المفتتح تتضح إلى حد بعيد سمات الكتابة في مجموعة «غواية الصمت» لوائل وجدي، والذي يعمد في كثير من نصوصه المفعمة بمشاعرها الإنسانية إلى استخدام هذه السمة السردية لتحريك الحدث/ الحالة بصيغة المضارع المشهدية التي تجعل من الصورة الشاعرية كيانا متجسدا، مؤكدا على سمة التفاعل مع الظواهر الطبيعية ومن ثم الخروج من تلك الحالة الممتدة من الصمت، إلى غواية التعامل والتواشج مع تلك الظواهر الخارجية الطبيعية، وهو بالفعل ملمح حسي يجنح إلى الفضاء الشعري أكثر مما يجنح إلى الواقعي لكنه يلتمسه، غالبا، بهذه المسحة السردية التي تتواتر لتعلو كثيرا في عدد من النصوص، وقد تهبط في بعض الأحوال، لتقترب أو تلتبس بالشعر، لكنها يقينا لا تتخلى عن وجودها السردي الذي يسمح بوجود بنيان قصصي على أقل تقدير، وهو ما تراهن عليه حالة الكتابة، أو كتابة القصة الحالة التي قطعت شوطا كبيرا في متن النصوص القصصية القصيرة المعتادة.. اعتمادا على بناء لغوي محكم، تفرضه ضرورة التعامل مع هذا الجنس الأدبي المراوغ الملتبس في «بوح السندباد» ص22، نجد سمة النزوع إلى السرد الخبري الذي يعطي نتيجة تخلط بين التمني وإمكانية التحقق، مع استغلال مقتصد للشاعرية التي تأتي في مجمل الحالة، فالسرد يأتي على منوال «سئمت التطواف والبعاد، لم أعد أهفو إلى المغامرة» ليقطعها الفعل المضارع متكررا «أبحث عن الراحة والسكينة.. أبحث عن بسمة صادقة..» دلالة على تثبيت الحالة وسط هذا التراجع الزمني الخبري، ثم يعود ليتعامل مع الفعل الماضي في «أوحشني بيتي الصغير، ونباتات أرضي».. لتكون النتيجة التي تتراوح بين التمني والتحقق في قوله، بيانا للسبب لكل ما تقدم: «لعلي أستطيع أن أمسك فأسي»، ثم تتبعها نتيجة أخرى مرتبطة.. «أزرع نبتة جديدة» دلالة على تجدد الأمل من رحم هذا الصمت، هنا يعطي مجمل الحالة هذا الانطباع الرومانسي الجانح إلى الشعر إجمالا لا تفصيلا، جملة لا مفردة من خلال الالتفاف حول أزمنة الفعل وتداخلها. تبدو في نموذج «طريق» ذات السمة من الاشتباك مع الأماني برغم معوقاتها من خلال الاشتباك مع الفعل المضارع والموجه بصيغة المخاطب التي تأخذ اهتماما كبيرا وموجها وله ضرورته في أسلوب الكاتب حيث يعبر عن المواجهة الحميمة والمباشرة مع الذات لتعميق وتجسيد الإحساس بداخلها: «تستكين من وعثاء السفر.. تبحث غن الطريق، اللون الأصفر الداكن يفرش مدى بصرك.. تتعثر خطاك، وتدور في دوائر لا نهائية.. تعود إلى بداية الطريق، لعلك تجد بقعة ضوء» نلاحظ استخدام نفس صيغة التمني «لعلك» في كلا النموذجين دلالة على المحاولات الحثيثة للخروج من هذه الدائرة، وإن كان اللجوء هنا إلى التعبير المجازي في تعبيرات بعينها قد يتجسد بصورة أكثر وأجلى في التعبير ب «دوائر لا نهائية»، و»العتمة وصفير الرياح سادران» حيث تجسد الصورة الشاعرية في مجملها هذا الزخم النفسي الذي يربط بين ما يدور بالذات الداخل، وما تؤول إليه هذه الصورة في تعثر الخطى المادية في الدوائر اللانهائية بمعنويتها وضربها في الشاعرية التحاما مع التعبير المجازي أيضا بصفير الرياح والعتمة، ليتشكل الفضاء الشاعري في النص موازيا للحركة المشهدية التي يجسدها السرد بالفعل المضارع وضمير المخاطب معا، وهي السمة التي تتواتر في نصوص المجموعة، والتي نجدها في نموذج «قلب»، حيث تتوالى الأفعال المضارعة بذات الضمير المخاطب: "تخايلك بقعة ضوء.. تنهش قدميك.. تحوط بك.. تحاول أن تنفذ.. تتمدد الأسلاك.. تحجزك عن العبور.. تمد يدك، تقطع أصابعك.. تمد رأسك، تجز رقبتك.. ينبجس دمك.. يسري من تحت الأسلاك الشائكة.. يرسم قلبا" تمضي هذه الحركة المشهدية المتوالية لاهثة، مجسدة لحالة من الانتحار المعنوي في صورة المادي المتجسد بالدم، والذي يعتمد الكاتب فيه، نهاية على ما يمكن تسميته بالتشيؤ، في فعل رسم القلب الذي لا وجود له ماديا، ولكنه يبقى بمعنويته ورمزيته بإهراق الدم وبذله، دونما تحديد سبب أو هوية، بما يطلقها على المعنى الفلسفي المتواري في هذا النمط من النصوص التي تتلاقى مع رهافة اللغة التي تحمل إيقاعا داخليا شعريا، مع إيقاعها الخارجي الصاخب.. هي ذات الفكرة التي ربما امتدت من نص «جزيرة القلب» الذي يطمح رومانسيا باستخدام المجاز إلى تشييد معنوي لما يسميه أو ينتجه النص من «جزيرة للقلب» بما تحمل جملة العنوان من فضاء شاعري غاية في تجسيد الفكرة الرومانسية، واستمرارا في الاتكاء على صيغة التمني المصاحبة «لعلك..»، في ظل تلك الأجواء الملازمة بمفرداتها الدالة على وعورة الطريق وصهد الشمس وطول الطريق والتعبير ب «تزدرد ألم الوحشة».. لكن العزم متواجد في التعبير ب «تجدف بكل ما أوتيت من قوة، لعلك، بالصبر المستحيل تسري إلى جزيرة القلب» تلك الجزيرة التي تحولت في نص «قلب» إلى بقعة من دماء شكلت رسم القلب. وهي المفارقة التي يشكلها تداخل النص على محك استيلاد نفس الفكرة لعمل متوالية داخلية، قد تتكرر في غير موضع. في نموذج «شجن» يبدو الحدث طاغيا ومتطورا، لكن نمطية الانتقال البانورامي للصورة يخلق فضاءً مكتملا يصنع دائرة مشهدية تنتهي بصورة شاعرية هي انطلاق العصفور من محبسه: «طفل، يأكل شيكولاتة بفرحة غامرة../ طفل، يقضم كسرة خبز جاف يتأوه من شدة البرد القارس../ طفل، يروي الأرض بدمائه الزكية../ وعصفور، يطير من محبسه، محلقا في المدى الوسيع» ص66 نلاحظ هنا تدرج الحالة المشهدية التي ينتقل بها الكاتب من حالة إلى حالة على محك الطفولة، لتلقي الحالة الثانية بظلال المفارقة والتناقض بين طفل وطفل، ثم يأتي التدرج الثالث ليقابل كل من الحالتين الأولى والثانية من خلال مشهد القتل لطفل، والطفل هنا غير محدد الهوية لا هو ينتمي للطفل الأول ولا الطفل الثاني دلالة على التعميم والشيوع، والفرق الشاسع في المصير ذاته، الذي يتطور بالحالة التي تغلق الدائرة بانطلاق العصفور كرمز للحرية، وربما كان رمزا للهروب من هذا الواقع المتناقض، ربما كان هذا ما يضمره النص من خلال تلك الإحالات اللغوية، والشاعرية التي يغلف بها الصورة الكلية للنص، وكاميرا الحواس التي لامست الملامح وحولتها إلى مشاعر مضمرة. * كاتب وناقد مصري