البطاطس ب 12.5 جنيه.. أسعار الخضار والفاكهة الإثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الشرقية    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الاثنين 18-8-2025 عالميًا بعد هبوط 14 يومًا    عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم في مصر الإثنين 18-8-2025 بعد هبوطه عالميًا    تحرك الدفعة ال 17من شاحنات المساعدات إلي معبر كرم أبو سالم    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة.. بسيوني يقود قمة المصري وبيراميدز    نيكو ويليامز.. شوكة في قلب إشبيلية    كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    قرارات صارمة من وزارة التربية والتعليم استعدادًا للعام الدراسي الجديد 20262025 (تعرف عليها)    مصرع سيدة في حادث سير ب شمال سيناء    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    "أي حكم يغلط يتحاسب".. خبير تحكيمي يعلق على طرد محمد هاني بمباراة الأهلي وفاركو    ترامب يهاجم وسائل الإعلام الكاذبة بشأن اختيار مكان انعقاد قمته مع بوتين    تامر عبدالمنعم: «سينما الشعب» تتيح الفن للجميع وتدعم مواجهة التطرف    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 18 أغسطس    وصفة مغذية وسهلة التحضير، طريقة عمل كبد الفراخ    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    أحمد إبراهيم يوضح موقفه من أزمة مها أحمد.. ماذا قال؟    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    الأونروا: ما يحدث في قطاع غزة أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    انطلاق المؤتمر الدولي السادس ل«تكنولوجيا الأغشية وتطبيقاتها» بالغردقة    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    أحمد شوبير يكشف موعد عودة إمام عاشور للمشاركة في المباريات مع الأهلي    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    وزارة التربية والتعليم تصدر 24 توجيهًا قبل بدء العام الدراسي الجديد.. تشديدات بشأن الحضور والضرب في المدراس    مصرع طفل أسفل عجلات القطار في أسيوط    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    موعد فتح باب التقديم لوظائف وزارة الإسكان 2025    سامح حسين يعلن وفاة الطفل حمزة ابن شقيقه عن عمر يناهز ال 4 سنوات    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    إيران تؤكد احترام سيادة لبنان وتعلن دعمها في مواجهة إسرائيل    احتجاجات غاضبة أمام مقر نتنياهو تتحول إلى مواجهات عنيفة    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    الأمم المتحدة: نصف مليون فلسطيني في غزة مهددون بالمجاعة    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال لقائه نظيره الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    متحدث الصحة يكشف حقيقة الادعاءات بخطف الأطفال لسرقة أعضائهم    أمسية دينية بلمسة ياسين التهامى فى حفل مهرجان القلعة    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    ماكرون: بوتين لا يريد السلام بل يريد الاستسلام مع أوكرانيا    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    «الصيف يُلملم أوراقه».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض جوى قادم    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    حماية المستهلك: نلمس استجابة سريعة من معظم التجار تجاه مبادرة خفض الأسعار    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    وزير قطاع الأعمال يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من كلية الدراسات العليا في الإدارة بالأكاديمية العربية    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالوهاب المقالح: نقل أعمالنا بأيدينا إلى لغات أخرى إشكالية كبيرة
نشر في صوت البلد يوم 30 - 07 - 2017

في الحوار مع المُترجِم اليمني عبدالوهاب المقالح نقارب عدداً من إشكالات الترجمة العربية، انطلاقاً من تجربته بين ثقافتي الشرق والغرب. صدر للمقالح، وهو شاعر وأستاذ ترجمة في جامعة صنعاء، العديد من الترجمات عن عدد من المؤسسات المحلية والعربية، ولعل من أحدث ترجماته «بيتٌ بجانبِ الطريق»، وهو مختارات شعرية من الشرق والغرب صدرت ضمن سلسلة «كتاب الرافد» في الشارقة:
- من واقع تجربتك؛ ما أبرز المعوقات التي تواجهك كمُترجِم؟
يخيل لي أحياناً أن المعوق الأبرز هو تعاملي الجدي وحتى البريء مع ما هي الترجمة جديرة به من الجدية، الجدية بمعنى أنها جزء من حياتي وكينونتي الشخصية، والبراءة من أي أغراض مادية أو معنوية، في زمن صار اللهاث وراء المادة بالذات هو ما يستحث الناس للخروج من بيوتهم، بمن فيهم الناشر والسياسي والتاجر وغيرهم. هذا العائق الشخصي البحت جعلني مؤخراً أُترجِم وأودع ما أترجمه في درج ما، بل إن ذلك ما كنتُ أفعله منذ البداية، حتى اقتحم خالد الرويشان حين كان رئيس الهيئة اليمنية للكتاب، عليّ خصوصيتي وأخرج تلك الأعمال.
- من ترجماتك نجد اهتماماً خاصاً بالترجمة من ثقافة الشرق، لِمَ اتجهتْ شرقاً؟
تخرجت من قسم اللغة العربية، وكنتُ أُدرس اللغة العربية في معاهد المعلمين. ولما حظيت بفرصة دراسة الماجستير في أمريكا كانت في مجال التربية، وخلال دراستي هناك بذلتُ كل الجهد للالتصاق باللغة الإنكليزية، ثم رُشحت للدراسة في اسكتلندا بعد أن حولت من تدريس العربية إلى تدريس الإنكليزية، للحفاظ على اللغة الأجنبية، وكنتُ، خلال ذلك، أواصل ترجماتي المنتقاة. وعندما أُتيحت لي فرصة مواصلة الدراسات العليا في الهند اخترتُ موضوع رسالة الدكتوراه في الترجمة وتعلم اللغة الإنكليزية، لكي أتمكن من تأسيس نفسي إلى حد ما في هذا المجال. أما عن الاتجاه شرقاً إن جاز التعبير فهو لم يكن إرادياً، بل نَجَمَ عما استجد من صلة بالقراءات. إن من أول ترجماتي كُتيب «طواف» ورواية «روزهالده» لهرمان هيسه الألماني، ورواية «الأرامل» التشيلية، وبعد ذلك جاءت ترجمة الملحمة الهندية «المهابهاراتا» وترجمة القصص الصينية «الباحثون عن الذهب»، وما تبع ذلك من ترجمات شرقية على حد قولك.
خصوصية شرقية
- ما الذي يُحدد اختياراتك للأعمال التي تترجمها؟ ولِمَ تمحور معظم ما ترجمته شرقاً في الأدب والفكر الروحي والفلسفي.. هل باعتبارها، من وجهة نظرك مثلاً، خصوصية شرقية جديرة بالترجمة ونقلها عربياً أم ماذا؟
التعامل الجدي مع الترجمة يبدأ حسب ظني من هذه النقطة، أياً كان نوع العمل الذي يُقدِم عليه المُترجِم، قصيدة أو قصة أو رواية أو عملاً فكرياً. ينبغي للمُترجِم أن يعلقَ في شراك العمل الذي يقرأه فلا يستطيع منه فكاكاً إلا بترجمته، وتشارُك بهجة الأسر ذاك مع الآخرين. هذا هو ما يُحدد اختياراتي لما أترجمه غالباً، سواء كان شرقياً أم غربياً. أما ما ذكرته عن كون ما ترجمته خصوصية شرقية جديرة بالنقل إلى العربية، فلا ريب أن في ذلك قدراً كبيراً من الصحة. وقد أشرتُ في مقدمة كتاب «مقولات يوغا بتنجالي» إلى هذه النقطة حين ذكرتُ أن ذلك الكتاب تُرجم إلى اللغات الأوروبية قبل أكثر من مئة سنة؛ فكان رافداً عظيماً من روافد الثقافة الغربية في مجال الفلسفة وعلم النفس، وحتى في حياة الأفراد العملية. وفي العام الماضي ترجمتُ كتاب «معجزات الزن» لأمريكية قضت خمسا وعشرين سنة تُعالج المرضى النفسانيين، ثم ألفتْ ذلك الكتاب مشيرة إلى أنه يقدم حلولاً في مجال الطب النفسي تتفوق على ما توصل إليه الجهد العلمي الغربي في هذا المجال.
- لكن ما ترجمته عن ثقافة الشرق هو عن كتابات وترجمات إنكليزية، إلى أي مدى تؤثر اللغة الوسيطة في مضمون ما تترجِم؟
لا، لم تكن الأعمال التي ترجمتها هي ترجمات إنكليزية من لغات شرقية باستثناء «حصاد الهايكو» و«طواف» و«روزهالدة» للألماني هرمان هيسه المنقولين من الألمانية. أما بقية الترجمات فهي كُتبت بالإنكليزية، خصوصاً ما كان منها من تأليف كُتاب هنود أو حتى صينيين. نعم، الترجمة عبر لغة وسيطة موجودة. ولو توقفنا عند مقولة أحد الايطاليين الذي قال إن الترجمة خيانة، فالترجمة عبر لغة وسيطة هي خيانة الخيانة. ومهما حمله هذا القول من الصحة، إلا أن هذا النمط من الترجمة ساري المفعول. وهناك ترجمات من هذا النمط فاقت الترجمات المباشرة من لغة المصدر. الأمر يتوقف على مَن هو المُترجِم، وما هو العمل الذي يترجمه، وكيف تعامل معه.
- بم تفسر هذه العلاقة البائسة في اهتمامنا العربي بثقافة الشرق…وقله المُترجمِين المشتغلين على هذه الثقافة، على الرغم من قُربها وحرصها على التقارب معنا؟
قد لا يكون ما سأقوله بهذا الشأن دقيقاً مقنعاً. غير أني أتصور أن العامل الديني لعب دوراً مهماً في هذا؛ إذ يعتقد العرب أنهم أصحاب الرسالة السماوية الأخيرة، في حين أن الشرقيين عبدة أبقار وأوثان، ناسين أن خالق البشر كلهم هو الله، وهو القائل في القرآن الكريم: «آمَنَ الرَسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌ آمَنَ بِاللَهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِه» و«لِكُلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا». صحيح أن الممارسات الإنسانية للأديان كلها قد اعتراها التطبيق المغلوط أو التحريف الممنهج، بما في ذلك ديننا الإسلامي للأسف الشديد، فضلاً عن أن التقدم الغربي التكنولوجي بالذات، والتخلف الشامل الذي يسود عالمنا العربي قد جعل الأعين تتطلع صوب هذا الغرب بوعي أو بدون وعي.
ترجمة أنفسنا
-أليس مُخجلاً أن ما يترجمه الغرب عنا أكثر بكثير مما نترجم له عن أنفسنا، وهنا يسأل بعضهم: لم لا نُترجم أنفسنا بأيدينا إلى اللغات الأخرى؟
لابد أن الأمر، في جزءٍ منه، يعود إلى حالتنا السياسية والثقافية والتكنولوجية وحالتهم. وفي جزء آخر يعود إلى العامل المادي التجاري بالذات. أقصد ما الذي يجعل رواية كرواية «بنات الرياض» تًترجم في زمن قصير إلى عدة لغات. أهي عظمة الرواية وروعتها؟ أم هو موضوعها وبلدها وما يمكن أن يدره تسويقها للناشر والكاتب والمُترجِم؟ أما ترجمة أنفسنا بأيدينا إلى لغات أخرى فإشكالية كبيرة، وهذا يذكرني بالمتُرجِم الإنكليزي دينس جونسون ديفيز، الذي أمضى أكثر من سبعين عاماً ينقل الأدب العربي إلى الإنكليزية. وقد ذكر الكثير من الإشكاليات والمحن في كتابه «ذكرياتي عن الترجمة». الترجمة من اللغة الأم إلى لغات أجنبية محفوفة بصعوبات كثيرة، لذا فإن قدراً كبيراً من الترجمة يتم من اللغات الأجنبية في العالم أجمع تقريباً إلى اللغة الأم. وحين ذكر(جونسون) هذا لطلاب ومُترجمِين في جامعة دمشق، عجز عن إقناعهم، فأسعفه الراحل جبرا إبراهيم جبرا، الذي كان حاضراً، فقال ما خلاصته إنه ترجم الكثير من الأدب الإنكليزي والأمريكي، لكنه لو أراد أن يُقدم إحدى رواياته هو إلى القارئ الإنكليزي فسيطلب من «جونسون ديفيز» أن يتولى هذه المَهمَة، فاقتنع الحاضرون.
- لكن، للأسف، الترجمة الغربية للمنتج الثقافي العربي محكومة بخيارات وأحكام ووعي غربي مغلوط تجاه ثقافتنا…ولهذا فترجمته لنا لا تخدم معرفته الإنسانية بنا بقدر ما توسع الهوة بين الثقافتين؟
صحيح إلى حد بعيد، خصوصاً إذا كان ما يُحرك الترجمة والمتُرجمِين هو الغاية المادية أو السياسية؛ فإن الترجمة عندئذ يعتريها الكثير من التشويه والتحريف والحذف بسبب الاستعجال. أما الترجمة الأمينة المبرأة من كل هذا، فمسألة أخرى. قل لي: ما الذي يجعل مُترجِم «ألف ليلة وليلة» يُنفق في ترجمته خمسة وعشرين عاماً؟ وما الذي يجعل أمريكية تُنفق عشر سنوات متنقلة بين بلادها واليابان وهي تُعد كتابها وترجمتها لهايكو ماتسو باشو؟
- ونحن نناقش إشكالاتنا مع الترجمة لا يمكن أن نتجاوز دور الجوائز الأدبية؛ فالأعمال الفائزة في كثير منها محكوم بمعايير قد تكون هي المعايير نفسها التي تحكم ترجمة هذه الأعمال، وتدفع كُتابا عربا إلى الكتابة في هذا الاتجاه، رغبة منهم في ترجمة أعمالهم…هنا تصبح الجوائز إحدى مشاكل الترجمة؟
رأيي الشخصي في الجوائز عموماً، بما في ذلك جوائز الترجمة، وحتى جائزة نوبل، أنها محكومة إلى حدٍ بعيد بمعايير عديدة ليست بالضرورة هي المعايير الإبداعية. وأوافقك القول إن هناك من الكُتاب من ذهبوا يكتبون بطريقة ما في موضوعات يحسبون أنها كفيلة بإثارة الكثير من اللغط، ومن ثم الحماس لترجمتها إلى اللغات الأخرى، فتتفتح أمامهم أبواب الشهرة والكسب والوصول إلى العالمية. ما يمكن أن يرجوه المرء بهذا الخصوص هو ألا يكون ذلك على حساب القضايا الوطنية أو على حساب الذوق الرفيع والإبداع النبيل.
الأدب والترجمة التجارية
- يبقى الأدب طاغياً على مجمل ما يُترجم من أعمال إلى العربية فيما تغيب الأعمال ذات العلاقة بالعلوم والدين والسياسة، أهو غياب الحرية أم قصور وعي الناشر؟ أم ماذا؟
أحسب أن الأدب على صعوبة ترجمته ميدان مفتوح يمكن لأي عابر سبيل أو هاوٍ أن يدلي بدلوه فيه. أما العلوم فتخصص لا يُقدِم عليه إلا متخصص، وأخشى أن أقول إن المتخصصين القادرين المتمكنين من نقلها بعربية سليمة حصيفة هم قليلون. ولعل حال المجال الديني والسياسي أفضل من حال المجال العلمي، وإن كانا محفوفين ببعض المحاذير، فهناك أعداد أكبر من المُترجمِين في هذين المجالين.
- كذلك في مجمل ما نترجمه إلى العربية، نجد كثيرا من الأعمال تعاني من قصورٍ واضح؟
الحوافز المادية في زمننا هي ما يُخرج الناس من بيوتهم بمن فيهم الناشر والسياسي والفقيه والتاجر، هل تريدني أن أضيف الكاتب والمُترجِم؟ ليكن. نعم صار هناك كم هائل من الكتابات والترجمات أيضاً هي نتاج هذا السعي المحموم وراء الكسب. فلا عجب إذن أن تجد ترجمات عديدة من تلك التي أشرتْ إليها. والجامعات والمؤسسات هي جزء من هذه الحال.
في الحوار مع المُترجِم اليمني عبدالوهاب المقالح نقارب عدداً من إشكالات الترجمة العربية، انطلاقاً من تجربته بين ثقافتي الشرق والغرب. صدر للمقالح، وهو شاعر وأستاذ ترجمة في جامعة صنعاء، العديد من الترجمات عن عدد من المؤسسات المحلية والعربية، ولعل من أحدث ترجماته «بيتٌ بجانبِ الطريق»، وهو مختارات شعرية من الشرق والغرب صدرت ضمن سلسلة «كتاب الرافد» في الشارقة:
- من واقع تجربتك؛ ما أبرز المعوقات التي تواجهك كمُترجِم؟
يخيل لي أحياناً أن المعوق الأبرز هو تعاملي الجدي وحتى البريء مع ما هي الترجمة جديرة به من الجدية، الجدية بمعنى أنها جزء من حياتي وكينونتي الشخصية، والبراءة من أي أغراض مادية أو معنوية، في زمن صار اللهاث وراء المادة بالذات هو ما يستحث الناس للخروج من بيوتهم، بمن فيهم الناشر والسياسي والتاجر وغيرهم. هذا العائق الشخصي البحت جعلني مؤخراً أُترجِم وأودع ما أترجمه في درج ما، بل إن ذلك ما كنتُ أفعله منذ البداية، حتى اقتحم خالد الرويشان حين كان رئيس الهيئة اليمنية للكتاب، عليّ خصوصيتي وأخرج تلك الأعمال.
- من ترجماتك نجد اهتماماً خاصاً بالترجمة من ثقافة الشرق، لِمَ اتجهتْ شرقاً؟
تخرجت من قسم اللغة العربية، وكنتُ أُدرس اللغة العربية في معاهد المعلمين. ولما حظيت بفرصة دراسة الماجستير في أمريكا كانت في مجال التربية، وخلال دراستي هناك بذلتُ كل الجهد للالتصاق باللغة الإنكليزية، ثم رُشحت للدراسة في اسكتلندا بعد أن حولت من تدريس العربية إلى تدريس الإنكليزية، للحفاظ على اللغة الأجنبية، وكنتُ، خلال ذلك، أواصل ترجماتي المنتقاة. وعندما أُتيحت لي فرصة مواصلة الدراسات العليا في الهند اخترتُ موضوع رسالة الدكتوراه في الترجمة وتعلم اللغة الإنكليزية، لكي أتمكن من تأسيس نفسي إلى حد ما في هذا المجال. أما عن الاتجاه شرقاً إن جاز التعبير فهو لم يكن إرادياً، بل نَجَمَ عما استجد من صلة بالقراءات. إن من أول ترجماتي كُتيب «طواف» ورواية «روزهالده» لهرمان هيسه الألماني، ورواية «الأرامل» التشيلية، وبعد ذلك جاءت ترجمة الملحمة الهندية «المهابهاراتا» وترجمة القصص الصينية «الباحثون عن الذهب»، وما تبع ذلك من ترجمات شرقية على حد قولك.
خصوصية شرقية
- ما الذي يُحدد اختياراتك للأعمال التي تترجمها؟ ولِمَ تمحور معظم ما ترجمته شرقاً في الأدب والفكر الروحي والفلسفي.. هل باعتبارها، من وجهة نظرك مثلاً، خصوصية شرقية جديرة بالترجمة ونقلها عربياً أم ماذا؟
التعامل الجدي مع الترجمة يبدأ حسب ظني من هذه النقطة، أياً كان نوع العمل الذي يُقدِم عليه المُترجِم، قصيدة أو قصة أو رواية أو عملاً فكرياً. ينبغي للمُترجِم أن يعلقَ في شراك العمل الذي يقرأه فلا يستطيع منه فكاكاً إلا بترجمته، وتشارُك بهجة الأسر ذاك مع الآخرين. هذا هو ما يُحدد اختياراتي لما أترجمه غالباً، سواء كان شرقياً أم غربياً. أما ما ذكرته عن كون ما ترجمته خصوصية شرقية جديرة بالنقل إلى العربية، فلا ريب أن في ذلك قدراً كبيراً من الصحة. وقد أشرتُ في مقدمة كتاب «مقولات يوغا بتنجالي» إلى هذه النقطة حين ذكرتُ أن ذلك الكتاب تُرجم إلى اللغات الأوروبية قبل أكثر من مئة سنة؛ فكان رافداً عظيماً من روافد الثقافة الغربية في مجال الفلسفة وعلم النفس، وحتى في حياة الأفراد العملية. وفي العام الماضي ترجمتُ كتاب «معجزات الزن» لأمريكية قضت خمسا وعشرين سنة تُعالج المرضى النفسانيين، ثم ألفتْ ذلك الكتاب مشيرة إلى أنه يقدم حلولاً في مجال الطب النفسي تتفوق على ما توصل إليه الجهد العلمي الغربي في هذا المجال.
- لكن ما ترجمته عن ثقافة الشرق هو عن كتابات وترجمات إنكليزية، إلى أي مدى تؤثر اللغة الوسيطة في مضمون ما تترجِم؟
لا، لم تكن الأعمال التي ترجمتها هي ترجمات إنكليزية من لغات شرقية باستثناء «حصاد الهايكو» و«طواف» و«روزهالدة» للألماني هرمان هيسه المنقولين من الألمانية. أما بقية الترجمات فهي كُتبت بالإنكليزية، خصوصاً ما كان منها من تأليف كُتاب هنود أو حتى صينيين. نعم، الترجمة عبر لغة وسيطة موجودة. ولو توقفنا عند مقولة أحد الايطاليين الذي قال إن الترجمة خيانة، فالترجمة عبر لغة وسيطة هي خيانة الخيانة. ومهما حمله هذا القول من الصحة، إلا أن هذا النمط من الترجمة ساري المفعول. وهناك ترجمات من هذا النمط فاقت الترجمات المباشرة من لغة المصدر. الأمر يتوقف على مَن هو المُترجِم، وما هو العمل الذي يترجمه، وكيف تعامل معه.
- بم تفسر هذه العلاقة البائسة في اهتمامنا العربي بثقافة الشرق…وقله المُترجمِين المشتغلين على هذه الثقافة، على الرغم من قُربها وحرصها على التقارب معنا؟
قد لا يكون ما سأقوله بهذا الشأن دقيقاً مقنعاً. غير أني أتصور أن العامل الديني لعب دوراً مهماً في هذا؛ إذ يعتقد العرب أنهم أصحاب الرسالة السماوية الأخيرة، في حين أن الشرقيين عبدة أبقار وأوثان، ناسين أن خالق البشر كلهم هو الله، وهو القائل في القرآن الكريم: «آمَنَ الرَسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌ آمَنَ بِاللَهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِه» و«لِكُلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا». صحيح أن الممارسات الإنسانية للأديان كلها قد اعتراها التطبيق المغلوط أو التحريف الممنهج، بما في ذلك ديننا الإسلامي للأسف الشديد، فضلاً عن أن التقدم الغربي التكنولوجي بالذات، والتخلف الشامل الذي يسود عالمنا العربي قد جعل الأعين تتطلع صوب هذا الغرب بوعي أو بدون وعي.
ترجمة أنفسنا
-أليس مُخجلاً أن ما يترجمه الغرب عنا أكثر بكثير مما نترجم له عن أنفسنا، وهنا يسأل بعضهم: لم لا نُترجم أنفسنا بأيدينا إلى اللغات الأخرى؟
لابد أن الأمر، في جزءٍ منه، يعود إلى حالتنا السياسية والثقافية والتكنولوجية وحالتهم. وفي جزء آخر يعود إلى العامل المادي التجاري بالذات. أقصد ما الذي يجعل رواية كرواية «بنات الرياض» تًترجم في زمن قصير إلى عدة لغات. أهي عظمة الرواية وروعتها؟ أم هو موضوعها وبلدها وما يمكن أن يدره تسويقها للناشر والكاتب والمُترجِم؟ أما ترجمة أنفسنا بأيدينا إلى لغات أخرى فإشكالية كبيرة، وهذا يذكرني بالمتُرجِم الإنكليزي دينس جونسون ديفيز، الذي أمضى أكثر من سبعين عاماً ينقل الأدب العربي إلى الإنكليزية. وقد ذكر الكثير من الإشكاليات والمحن في كتابه «ذكرياتي عن الترجمة». الترجمة من اللغة الأم إلى لغات أجنبية محفوفة بصعوبات كثيرة، لذا فإن قدراً كبيراً من الترجمة يتم من اللغات الأجنبية في العالم أجمع تقريباً إلى اللغة الأم. وحين ذكر(جونسون) هذا لطلاب ومُترجمِين في جامعة دمشق، عجز عن إقناعهم، فأسعفه الراحل جبرا إبراهيم جبرا، الذي كان حاضراً، فقال ما خلاصته إنه ترجم الكثير من الأدب الإنكليزي والأمريكي، لكنه لو أراد أن يُقدم إحدى رواياته هو إلى القارئ الإنكليزي فسيطلب من «جونسون ديفيز» أن يتولى هذه المَهمَة، فاقتنع الحاضرون.
- لكن، للأسف، الترجمة الغربية للمنتج الثقافي العربي محكومة بخيارات وأحكام ووعي غربي مغلوط تجاه ثقافتنا…ولهذا فترجمته لنا لا تخدم معرفته الإنسانية بنا بقدر ما توسع الهوة بين الثقافتين؟
صحيح إلى حد بعيد، خصوصاً إذا كان ما يُحرك الترجمة والمتُرجمِين هو الغاية المادية أو السياسية؛ فإن الترجمة عندئذ يعتريها الكثير من التشويه والتحريف والحذف بسبب الاستعجال. أما الترجمة الأمينة المبرأة من كل هذا، فمسألة أخرى. قل لي: ما الذي يجعل مُترجِم «ألف ليلة وليلة» يُنفق في ترجمته خمسة وعشرين عاماً؟ وما الذي يجعل أمريكية تُنفق عشر سنوات متنقلة بين بلادها واليابان وهي تُعد كتابها وترجمتها لهايكو ماتسو باشو؟
- ونحن نناقش إشكالاتنا مع الترجمة لا يمكن أن نتجاوز دور الجوائز الأدبية؛ فالأعمال الفائزة في كثير منها محكوم بمعايير قد تكون هي المعايير نفسها التي تحكم ترجمة هذه الأعمال، وتدفع كُتابا عربا إلى الكتابة في هذا الاتجاه، رغبة منهم في ترجمة أعمالهم…هنا تصبح الجوائز إحدى مشاكل الترجمة؟
رأيي الشخصي في الجوائز عموماً، بما في ذلك جوائز الترجمة، وحتى جائزة نوبل، أنها محكومة إلى حدٍ بعيد بمعايير عديدة ليست بالضرورة هي المعايير الإبداعية. وأوافقك القول إن هناك من الكُتاب من ذهبوا يكتبون بطريقة ما في موضوعات يحسبون أنها كفيلة بإثارة الكثير من اللغط، ومن ثم الحماس لترجمتها إلى اللغات الأخرى، فتتفتح أمامهم أبواب الشهرة والكسب والوصول إلى العالمية. ما يمكن أن يرجوه المرء بهذا الخصوص هو ألا يكون ذلك على حساب القضايا الوطنية أو على حساب الذوق الرفيع والإبداع النبيل.
الأدب والترجمة التجارية
- يبقى الأدب طاغياً على مجمل ما يُترجم من أعمال إلى العربية فيما تغيب الأعمال ذات العلاقة بالعلوم والدين والسياسة، أهو غياب الحرية أم قصور وعي الناشر؟ أم ماذا؟
أحسب أن الأدب على صعوبة ترجمته ميدان مفتوح يمكن لأي عابر سبيل أو هاوٍ أن يدلي بدلوه فيه. أما العلوم فتخصص لا يُقدِم عليه إلا متخصص، وأخشى أن أقول إن المتخصصين القادرين المتمكنين من نقلها بعربية سليمة حصيفة هم قليلون. ولعل حال المجال الديني والسياسي أفضل من حال المجال العلمي، وإن كانا محفوفين ببعض المحاذير، فهناك أعداد أكبر من المُترجمِين في هذين المجالين.
- كذلك في مجمل ما نترجمه إلى العربية، نجد كثيرا من الأعمال تعاني من قصورٍ واضح؟
الحوافز المادية في زمننا هي ما يُخرج الناس من بيوتهم بمن فيهم الناشر والسياسي والفقيه والتاجر، هل تريدني أن أضيف الكاتب والمُترجِم؟ ليكن. نعم صار هناك كم هائل من الكتابات والترجمات أيضاً هي نتاج هذا السعي المحموم وراء الكسب. فلا عجب إذن أن تجد ترجمات عديدة من تلك التي أشرتْ إليها. والجامعات والمؤسسات هي جزء من هذه الحال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.