«المنيا» ضمن أفضل الجامعات في تصنيف «التايمز العالمي» للجامعات الناشئة 2024    رئيس جامعة المنيا يفتتح مهرجان حصاد «نوعية» في نسخته الأولى    أسعار عملات «بريكس» مقابل الجنيه اليوم.. تراجع نسبي    «الضرائب» تدعم الممولين فنيا لتسهيل استخدام منظومة الإيصال الإلكتروني    ارتفاع البورصة 0.56% في مستهل تداولات جلسة ختام الأسبوع    فيديو المجندات المحتجزات لدى الفصائل في غزة يحرج نتنياهو.. لماذا أُعيد نشره؟    عضو ب«النواب» يرد على تقرير CNN: مصر تواصل العمل لتحقيق السلام في المنطقة    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مستشفى العودة في جباليا    جدول ترتيب الدوري المصري قبل مباراة الزمالك ومودرن فيوتشر.. موقف الأهلي    أخبار الأهلي: حقيقة مفاوضات الأهلي مع حارس مرمي جديد    ختام امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الثاني بكفر الشيخ دون شكاوى    مصرع شخص وإصابة آخر إثر تصادم سيارتين بسوهاج    الداخلية تضبط 484 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1356 رخصة خلال 24 ساعة    وفد المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض يزور مستشفى شرم الشيخ    «الصحة»: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشري HIV    مصر مع فلسطين والسلام فى مواجهة جرائم نتنياهو وأكاذيب CNN    البحث عن "جنى" آخر ضحايا غرق ميكروباص أبو غالب بمنشأة القناطر    بدء نظر طعن المتهمين على أحكام قضية ولاية السودان بعد قليل    تشابي ألونسو: لم نكن في يومنا ولدينا فرصة للفوز بكأس ألمانيا    رئيس مياه سوهاج يتفقد مشروعات الصرف الصحى بمركز طما بقيمة 188 مليون    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيى طابا وسانت كاترين بجنوب سيناء    سويلم يلتقي وزير المياه السنغالي لبحث تعزيز التعاون بين البلدين    موسم الحج.. إجراءات عاجلة من السعودية بشأن تأشيرات الزيارة بداية من اليوم    وزيرة التخطيط تبحث تطورات الدورة الثالثة من المبادرة الخضراء الذكية    تداول 15 الف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    دفن جثمان الرئيس الإيراني الراحل في مدينة مشهد اليوم    رفض يغششه .. القبض على طالب بالشهادة الإعدادية لشروعه في قتل زميله    "سكران طينة".. فيديو صادم ل أحمد الفيشاوي يثير الجدل    نوادي المسرح معمل التأسيس، في العدد الجديد من «مسرحنا»    أول تعليق من دانا حمدان على حادث شقيقتها مي سليم.. ماذا قالت؟    إيرادات فيلم «تاني تاني» لغادة عبد الرازق تحقق 54 ألف جنيه في يوم    فضل الأعمال التي تعادل ثواب الحج والعمرة في الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    الجريدة الرسمية تنشر قرارين جمهوريين للرئيس السيسي (تفاصيل)    جهاد جريشة يعلق على خطأ محمود البنا في لقاء الحدود والترسانة    "علق نفسه في سقف الأوضة".. نزيل بفندق شعبي ينهي حياته في الأقصر    "محاط بالحمقى".. رسالة غامضة من محمد صلاح تثير الجدل    طلاب الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ يؤدون آخر أيام الامتحانات اليوم    رحيل نجم الزمالك عن الفريق: يتقاضى 900 ألف دولار سنويا    نشرة «المصري اليوم» الصباحية..قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل مواجهة الترجي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم قبل ساعات من اجتماع البنك المركزي.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الخميس 23 مايو 2024    اللعب للزمالك.. تريزيجيه يحسم الجدل: لن ألعب في مصر إلا للأهلي (فيديو)    أول دولة أوروبية تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو.. ما هي؟    سر اللعنة في المقبرة.. أبرز أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل "البيت بيتي 2"    هل يجوز للرجل أداء الحج عن أخته المريضة؟.. «الإفتاء» تجيب    رئيس الزمالك: جوميز مدرب عنيد لا يسمع لأحد    أمين الفتوى: هذا ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    عماد الدين حسين: تقرير «CNN» تعمد الإساءة والتضليل حول موقف مصر من المفاوضات    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 23 مايو.. «طاقة كبيرة وحيوية تتمتع بها»    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    حظك اليوم وتوقعات برجك 23 مايو 2024.. تحذيرات ل «الثور والجدي»    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    إبراهيم عيسى يعلق على صورة زوجة محمد صلاح: "عامل نفق في عقل التيار الإسلامي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالوهاب المقالح: نقل أعمالنا بأيدينا إلى لغات أخرى إشكالية كبيرة
نشر في صوت البلد يوم 30 - 07 - 2017

في الحوار مع المُترجِم اليمني عبدالوهاب المقالح نقارب عدداً من إشكالات الترجمة العربية، انطلاقاً من تجربته بين ثقافتي الشرق والغرب. صدر للمقالح، وهو شاعر وأستاذ ترجمة في جامعة صنعاء، العديد من الترجمات عن عدد من المؤسسات المحلية والعربية، ولعل من أحدث ترجماته «بيتٌ بجانبِ الطريق»، وهو مختارات شعرية من الشرق والغرب صدرت ضمن سلسلة «كتاب الرافد» في الشارقة:
- من واقع تجربتك؛ ما أبرز المعوقات التي تواجهك كمُترجِم؟
يخيل لي أحياناً أن المعوق الأبرز هو تعاملي الجدي وحتى البريء مع ما هي الترجمة جديرة به من الجدية، الجدية بمعنى أنها جزء من حياتي وكينونتي الشخصية، والبراءة من أي أغراض مادية أو معنوية، في زمن صار اللهاث وراء المادة بالذات هو ما يستحث الناس للخروج من بيوتهم، بمن فيهم الناشر والسياسي والتاجر وغيرهم. هذا العائق الشخصي البحت جعلني مؤخراً أُترجِم وأودع ما أترجمه في درج ما، بل إن ذلك ما كنتُ أفعله منذ البداية، حتى اقتحم خالد الرويشان حين كان رئيس الهيئة اليمنية للكتاب، عليّ خصوصيتي وأخرج تلك الأعمال.
- من ترجماتك نجد اهتماماً خاصاً بالترجمة من ثقافة الشرق، لِمَ اتجهتْ شرقاً؟
تخرجت من قسم اللغة العربية، وكنتُ أُدرس اللغة العربية في معاهد المعلمين. ولما حظيت بفرصة دراسة الماجستير في أمريكا كانت في مجال التربية، وخلال دراستي هناك بذلتُ كل الجهد للالتصاق باللغة الإنكليزية، ثم رُشحت للدراسة في اسكتلندا بعد أن حولت من تدريس العربية إلى تدريس الإنكليزية، للحفاظ على اللغة الأجنبية، وكنتُ، خلال ذلك، أواصل ترجماتي المنتقاة. وعندما أُتيحت لي فرصة مواصلة الدراسات العليا في الهند اخترتُ موضوع رسالة الدكتوراه في الترجمة وتعلم اللغة الإنكليزية، لكي أتمكن من تأسيس نفسي إلى حد ما في هذا المجال. أما عن الاتجاه شرقاً إن جاز التعبير فهو لم يكن إرادياً، بل نَجَمَ عما استجد من صلة بالقراءات. إن من أول ترجماتي كُتيب «طواف» ورواية «روزهالده» لهرمان هيسه الألماني، ورواية «الأرامل» التشيلية، وبعد ذلك جاءت ترجمة الملحمة الهندية «المهابهاراتا» وترجمة القصص الصينية «الباحثون عن الذهب»، وما تبع ذلك من ترجمات شرقية على حد قولك.
خصوصية شرقية
- ما الذي يُحدد اختياراتك للأعمال التي تترجمها؟ ولِمَ تمحور معظم ما ترجمته شرقاً في الأدب والفكر الروحي والفلسفي.. هل باعتبارها، من وجهة نظرك مثلاً، خصوصية شرقية جديرة بالترجمة ونقلها عربياً أم ماذا؟
التعامل الجدي مع الترجمة يبدأ حسب ظني من هذه النقطة، أياً كان نوع العمل الذي يُقدِم عليه المُترجِم، قصيدة أو قصة أو رواية أو عملاً فكرياً. ينبغي للمُترجِم أن يعلقَ في شراك العمل الذي يقرأه فلا يستطيع منه فكاكاً إلا بترجمته، وتشارُك بهجة الأسر ذاك مع الآخرين. هذا هو ما يُحدد اختياراتي لما أترجمه غالباً، سواء كان شرقياً أم غربياً. أما ما ذكرته عن كون ما ترجمته خصوصية شرقية جديرة بالنقل إلى العربية، فلا ريب أن في ذلك قدراً كبيراً من الصحة. وقد أشرتُ في مقدمة كتاب «مقولات يوغا بتنجالي» إلى هذه النقطة حين ذكرتُ أن ذلك الكتاب تُرجم إلى اللغات الأوروبية قبل أكثر من مئة سنة؛ فكان رافداً عظيماً من روافد الثقافة الغربية في مجال الفلسفة وعلم النفس، وحتى في حياة الأفراد العملية. وفي العام الماضي ترجمتُ كتاب «معجزات الزن» لأمريكية قضت خمسا وعشرين سنة تُعالج المرضى النفسانيين، ثم ألفتْ ذلك الكتاب مشيرة إلى أنه يقدم حلولاً في مجال الطب النفسي تتفوق على ما توصل إليه الجهد العلمي الغربي في هذا المجال.
- لكن ما ترجمته عن ثقافة الشرق هو عن كتابات وترجمات إنكليزية، إلى أي مدى تؤثر اللغة الوسيطة في مضمون ما تترجِم؟
لا، لم تكن الأعمال التي ترجمتها هي ترجمات إنكليزية من لغات شرقية باستثناء «حصاد الهايكو» و«طواف» و«روزهالدة» للألماني هرمان هيسه المنقولين من الألمانية. أما بقية الترجمات فهي كُتبت بالإنكليزية، خصوصاً ما كان منها من تأليف كُتاب هنود أو حتى صينيين. نعم، الترجمة عبر لغة وسيطة موجودة. ولو توقفنا عند مقولة أحد الايطاليين الذي قال إن الترجمة خيانة، فالترجمة عبر لغة وسيطة هي خيانة الخيانة. ومهما حمله هذا القول من الصحة، إلا أن هذا النمط من الترجمة ساري المفعول. وهناك ترجمات من هذا النمط فاقت الترجمات المباشرة من لغة المصدر. الأمر يتوقف على مَن هو المُترجِم، وما هو العمل الذي يترجمه، وكيف تعامل معه.
- بم تفسر هذه العلاقة البائسة في اهتمامنا العربي بثقافة الشرق…وقله المُترجمِين المشتغلين على هذه الثقافة، على الرغم من قُربها وحرصها على التقارب معنا؟
قد لا يكون ما سأقوله بهذا الشأن دقيقاً مقنعاً. غير أني أتصور أن العامل الديني لعب دوراً مهماً في هذا؛ إذ يعتقد العرب أنهم أصحاب الرسالة السماوية الأخيرة، في حين أن الشرقيين عبدة أبقار وأوثان، ناسين أن خالق البشر كلهم هو الله، وهو القائل في القرآن الكريم: «آمَنَ الرَسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌ آمَنَ بِاللَهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِه» و«لِكُلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا». صحيح أن الممارسات الإنسانية للأديان كلها قد اعتراها التطبيق المغلوط أو التحريف الممنهج، بما في ذلك ديننا الإسلامي للأسف الشديد، فضلاً عن أن التقدم الغربي التكنولوجي بالذات، والتخلف الشامل الذي يسود عالمنا العربي قد جعل الأعين تتطلع صوب هذا الغرب بوعي أو بدون وعي.
ترجمة أنفسنا
-أليس مُخجلاً أن ما يترجمه الغرب عنا أكثر بكثير مما نترجم له عن أنفسنا، وهنا يسأل بعضهم: لم لا نُترجم أنفسنا بأيدينا إلى اللغات الأخرى؟
لابد أن الأمر، في جزءٍ منه، يعود إلى حالتنا السياسية والثقافية والتكنولوجية وحالتهم. وفي جزء آخر يعود إلى العامل المادي التجاري بالذات. أقصد ما الذي يجعل رواية كرواية «بنات الرياض» تًترجم في زمن قصير إلى عدة لغات. أهي عظمة الرواية وروعتها؟ أم هو موضوعها وبلدها وما يمكن أن يدره تسويقها للناشر والكاتب والمُترجِم؟ أما ترجمة أنفسنا بأيدينا إلى لغات أخرى فإشكالية كبيرة، وهذا يذكرني بالمتُرجِم الإنكليزي دينس جونسون ديفيز، الذي أمضى أكثر من سبعين عاماً ينقل الأدب العربي إلى الإنكليزية. وقد ذكر الكثير من الإشكاليات والمحن في كتابه «ذكرياتي عن الترجمة». الترجمة من اللغة الأم إلى لغات أجنبية محفوفة بصعوبات كثيرة، لذا فإن قدراً كبيراً من الترجمة يتم من اللغات الأجنبية في العالم أجمع تقريباً إلى اللغة الأم. وحين ذكر(جونسون) هذا لطلاب ومُترجمِين في جامعة دمشق، عجز عن إقناعهم، فأسعفه الراحل جبرا إبراهيم جبرا، الذي كان حاضراً، فقال ما خلاصته إنه ترجم الكثير من الأدب الإنكليزي والأمريكي، لكنه لو أراد أن يُقدم إحدى رواياته هو إلى القارئ الإنكليزي فسيطلب من «جونسون ديفيز» أن يتولى هذه المَهمَة، فاقتنع الحاضرون.
- لكن، للأسف، الترجمة الغربية للمنتج الثقافي العربي محكومة بخيارات وأحكام ووعي غربي مغلوط تجاه ثقافتنا…ولهذا فترجمته لنا لا تخدم معرفته الإنسانية بنا بقدر ما توسع الهوة بين الثقافتين؟
صحيح إلى حد بعيد، خصوصاً إذا كان ما يُحرك الترجمة والمتُرجمِين هو الغاية المادية أو السياسية؛ فإن الترجمة عندئذ يعتريها الكثير من التشويه والتحريف والحذف بسبب الاستعجال. أما الترجمة الأمينة المبرأة من كل هذا، فمسألة أخرى. قل لي: ما الذي يجعل مُترجِم «ألف ليلة وليلة» يُنفق في ترجمته خمسة وعشرين عاماً؟ وما الذي يجعل أمريكية تُنفق عشر سنوات متنقلة بين بلادها واليابان وهي تُعد كتابها وترجمتها لهايكو ماتسو باشو؟
- ونحن نناقش إشكالاتنا مع الترجمة لا يمكن أن نتجاوز دور الجوائز الأدبية؛ فالأعمال الفائزة في كثير منها محكوم بمعايير قد تكون هي المعايير نفسها التي تحكم ترجمة هذه الأعمال، وتدفع كُتابا عربا إلى الكتابة في هذا الاتجاه، رغبة منهم في ترجمة أعمالهم…هنا تصبح الجوائز إحدى مشاكل الترجمة؟
رأيي الشخصي في الجوائز عموماً، بما في ذلك جوائز الترجمة، وحتى جائزة نوبل، أنها محكومة إلى حدٍ بعيد بمعايير عديدة ليست بالضرورة هي المعايير الإبداعية. وأوافقك القول إن هناك من الكُتاب من ذهبوا يكتبون بطريقة ما في موضوعات يحسبون أنها كفيلة بإثارة الكثير من اللغط، ومن ثم الحماس لترجمتها إلى اللغات الأخرى، فتتفتح أمامهم أبواب الشهرة والكسب والوصول إلى العالمية. ما يمكن أن يرجوه المرء بهذا الخصوص هو ألا يكون ذلك على حساب القضايا الوطنية أو على حساب الذوق الرفيع والإبداع النبيل.
الأدب والترجمة التجارية
- يبقى الأدب طاغياً على مجمل ما يُترجم من أعمال إلى العربية فيما تغيب الأعمال ذات العلاقة بالعلوم والدين والسياسة، أهو غياب الحرية أم قصور وعي الناشر؟ أم ماذا؟
أحسب أن الأدب على صعوبة ترجمته ميدان مفتوح يمكن لأي عابر سبيل أو هاوٍ أن يدلي بدلوه فيه. أما العلوم فتخصص لا يُقدِم عليه إلا متخصص، وأخشى أن أقول إن المتخصصين القادرين المتمكنين من نقلها بعربية سليمة حصيفة هم قليلون. ولعل حال المجال الديني والسياسي أفضل من حال المجال العلمي، وإن كانا محفوفين ببعض المحاذير، فهناك أعداد أكبر من المُترجمِين في هذين المجالين.
- كذلك في مجمل ما نترجمه إلى العربية، نجد كثيرا من الأعمال تعاني من قصورٍ واضح؟
الحوافز المادية في زمننا هي ما يُخرج الناس من بيوتهم بمن فيهم الناشر والسياسي والفقيه والتاجر، هل تريدني أن أضيف الكاتب والمُترجِم؟ ليكن. نعم صار هناك كم هائل من الكتابات والترجمات أيضاً هي نتاج هذا السعي المحموم وراء الكسب. فلا عجب إذن أن تجد ترجمات عديدة من تلك التي أشرتْ إليها. والجامعات والمؤسسات هي جزء من هذه الحال.
في الحوار مع المُترجِم اليمني عبدالوهاب المقالح نقارب عدداً من إشكالات الترجمة العربية، انطلاقاً من تجربته بين ثقافتي الشرق والغرب. صدر للمقالح، وهو شاعر وأستاذ ترجمة في جامعة صنعاء، العديد من الترجمات عن عدد من المؤسسات المحلية والعربية، ولعل من أحدث ترجماته «بيتٌ بجانبِ الطريق»، وهو مختارات شعرية من الشرق والغرب صدرت ضمن سلسلة «كتاب الرافد» في الشارقة:
- من واقع تجربتك؛ ما أبرز المعوقات التي تواجهك كمُترجِم؟
يخيل لي أحياناً أن المعوق الأبرز هو تعاملي الجدي وحتى البريء مع ما هي الترجمة جديرة به من الجدية، الجدية بمعنى أنها جزء من حياتي وكينونتي الشخصية، والبراءة من أي أغراض مادية أو معنوية، في زمن صار اللهاث وراء المادة بالذات هو ما يستحث الناس للخروج من بيوتهم، بمن فيهم الناشر والسياسي والتاجر وغيرهم. هذا العائق الشخصي البحت جعلني مؤخراً أُترجِم وأودع ما أترجمه في درج ما، بل إن ذلك ما كنتُ أفعله منذ البداية، حتى اقتحم خالد الرويشان حين كان رئيس الهيئة اليمنية للكتاب، عليّ خصوصيتي وأخرج تلك الأعمال.
- من ترجماتك نجد اهتماماً خاصاً بالترجمة من ثقافة الشرق، لِمَ اتجهتْ شرقاً؟
تخرجت من قسم اللغة العربية، وكنتُ أُدرس اللغة العربية في معاهد المعلمين. ولما حظيت بفرصة دراسة الماجستير في أمريكا كانت في مجال التربية، وخلال دراستي هناك بذلتُ كل الجهد للالتصاق باللغة الإنكليزية، ثم رُشحت للدراسة في اسكتلندا بعد أن حولت من تدريس العربية إلى تدريس الإنكليزية، للحفاظ على اللغة الأجنبية، وكنتُ، خلال ذلك، أواصل ترجماتي المنتقاة. وعندما أُتيحت لي فرصة مواصلة الدراسات العليا في الهند اخترتُ موضوع رسالة الدكتوراه في الترجمة وتعلم اللغة الإنكليزية، لكي أتمكن من تأسيس نفسي إلى حد ما في هذا المجال. أما عن الاتجاه شرقاً إن جاز التعبير فهو لم يكن إرادياً، بل نَجَمَ عما استجد من صلة بالقراءات. إن من أول ترجماتي كُتيب «طواف» ورواية «روزهالده» لهرمان هيسه الألماني، ورواية «الأرامل» التشيلية، وبعد ذلك جاءت ترجمة الملحمة الهندية «المهابهاراتا» وترجمة القصص الصينية «الباحثون عن الذهب»، وما تبع ذلك من ترجمات شرقية على حد قولك.
خصوصية شرقية
- ما الذي يُحدد اختياراتك للأعمال التي تترجمها؟ ولِمَ تمحور معظم ما ترجمته شرقاً في الأدب والفكر الروحي والفلسفي.. هل باعتبارها، من وجهة نظرك مثلاً، خصوصية شرقية جديرة بالترجمة ونقلها عربياً أم ماذا؟
التعامل الجدي مع الترجمة يبدأ حسب ظني من هذه النقطة، أياً كان نوع العمل الذي يُقدِم عليه المُترجِم، قصيدة أو قصة أو رواية أو عملاً فكرياً. ينبغي للمُترجِم أن يعلقَ في شراك العمل الذي يقرأه فلا يستطيع منه فكاكاً إلا بترجمته، وتشارُك بهجة الأسر ذاك مع الآخرين. هذا هو ما يُحدد اختياراتي لما أترجمه غالباً، سواء كان شرقياً أم غربياً. أما ما ذكرته عن كون ما ترجمته خصوصية شرقية جديرة بالنقل إلى العربية، فلا ريب أن في ذلك قدراً كبيراً من الصحة. وقد أشرتُ في مقدمة كتاب «مقولات يوغا بتنجالي» إلى هذه النقطة حين ذكرتُ أن ذلك الكتاب تُرجم إلى اللغات الأوروبية قبل أكثر من مئة سنة؛ فكان رافداً عظيماً من روافد الثقافة الغربية في مجال الفلسفة وعلم النفس، وحتى في حياة الأفراد العملية. وفي العام الماضي ترجمتُ كتاب «معجزات الزن» لأمريكية قضت خمسا وعشرين سنة تُعالج المرضى النفسانيين، ثم ألفتْ ذلك الكتاب مشيرة إلى أنه يقدم حلولاً في مجال الطب النفسي تتفوق على ما توصل إليه الجهد العلمي الغربي في هذا المجال.
- لكن ما ترجمته عن ثقافة الشرق هو عن كتابات وترجمات إنكليزية، إلى أي مدى تؤثر اللغة الوسيطة في مضمون ما تترجِم؟
لا، لم تكن الأعمال التي ترجمتها هي ترجمات إنكليزية من لغات شرقية باستثناء «حصاد الهايكو» و«طواف» و«روزهالدة» للألماني هرمان هيسه المنقولين من الألمانية. أما بقية الترجمات فهي كُتبت بالإنكليزية، خصوصاً ما كان منها من تأليف كُتاب هنود أو حتى صينيين. نعم، الترجمة عبر لغة وسيطة موجودة. ولو توقفنا عند مقولة أحد الايطاليين الذي قال إن الترجمة خيانة، فالترجمة عبر لغة وسيطة هي خيانة الخيانة. ومهما حمله هذا القول من الصحة، إلا أن هذا النمط من الترجمة ساري المفعول. وهناك ترجمات من هذا النمط فاقت الترجمات المباشرة من لغة المصدر. الأمر يتوقف على مَن هو المُترجِم، وما هو العمل الذي يترجمه، وكيف تعامل معه.
- بم تفسر هذه العلاقة البائسة في اهتمامنا العربي بثقافة الشرق…وقله المُترجمِين المشتغلين على هذه الثقافة، على الرغم من قُربها وحرصها على التقارب معنا؟
قد لا يكون ما سأقوله بهذا الشأن دقيقاً مقنعاً. غير أني أتصور أن العامل الديني لعب دوراً مهماً في هذا؛ إذ يعتقد العرب أنهم أصحاب الرسالة السماوية الأخيرة، في حين أن الشرقيين عبدة أبقار وأوثان، ناسين أن خالق البشر كلهم هو الله، وهو القائل في القرآن الكريم: «آمَنَ الرَسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌ آمَنَ بِاللَهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِه» و«لِكُلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا». صحيح أن الممارسات الإنسانية للأديان كلها قد اعتراها التطبيق المغلوط أو التحريف الممنهج، بما في ذلك ديننا الإسلامي للأسف الشديد، فضلاً عن أن التقدم الغربي التكنولوجي بالذات، والتخلف الشامل الذي يسود عالمنا العربي قد جعل الأعين تتطلع صوب هذا الغرب بوعي أو بدون وعي.
ترجمة أنفسنا
-أليس مُخجلاً أن ما يترجمه الغرب عنا أكثر بكثير مما نترجم له عن أنفسنا، وهنا يسأل بعضهم: لم لا نُترجم أنفسنا بأيدينا إلى اللغات الأخرى؟
لابد أن الأمر، في جزءٍ منه، يعود إلى حالتنا السياسية والثقافية والتكنولوجية وحالتهم. وفي جزء آخر يعود إلى العامل المادي التجاري بالذات. أقصد ما الذي يجعل رواية كرواية «بنات الرياض» تًترجم في زمن قصير إلى عدة لغات. أهي عظمة الرواية وروعتها؟ أم هو موضوعها وبلدها وما يمكن أن يدره تسويقها للناشر والكاتب والمُترجِم؟ أما ترجمة أنفسنا بأيدينا إلى لغات أخرى فإشكالية كبيرة، وهذا يذكرني بالمتُرجِم الإنكليزي دينس جونسون ديفيز، الذي أمضى أكثر من سبعين عاماً ينقل الأدب العربي إلى الإنكليزية. وقد ذكر الكثير من الإشكاليات والمحن في كتابه «ذكرياتي عن الترجمة». الترجمة من اللغة الأم إلى لغات أجنبية محفوفة بصعوبات كثيرة، لذا فإن قدراً كبيراً من الترجمة يتم من اللغات الأجنبية في العالم أجمع تقريباً إلى اللغة الأم. وحين ذكر(جونسون) هذا لطلاب ومُترجمِين في جامعة دمشق، عجز عن إقناعهم، فأسعفه الراحل جبرا إبراهيم جبرا، الذي كان حاضراً، فقال ما خلاصته إنه ترجم الكثير من الأدب الإنكليزي والأمريكي، لكنه لو أراد أن يُقدم إحدى رواياته هو إلى القارئ الإنكليزي فسيطلب من «جونسون ديفيز» أن يتولى هذه المَهمَة، فاقتنع الحاضرون.
- لكن، للأسف، الترجمة الغربية للمنتج الثقافي العربي محكومة بخيارات وأحكام ووعي غربي مغلوط تجاه ثقافتنا…ولهذا فترجمته لنا لا تخدم معرفته الإنسانية بنا بقدر ما توسع الهوة بين الثقافتين؟
صحيح إلى حد بعيد، خصوصاً إذا كان ما يُحرك الترجمة والمتُرجمِين هو الغاية المادية أو السياسية؛ فإن الترجمة عندئذ يعتريها الكثير من التشويه والتحريف والحذف بسبب الاستعجال. أما الترجمة الأمينة المبرأة من كل هذا، فمسألة أخرى. قل لي: ما الذي يجعل مُترجِم «ألف ليلة وليلة» يُنفق في ترجمته خمسة وعشرين عاماً؟ وما الذي يجعل أمريكية تُنفق عشر سنوات متنقلة بين بلادها واليابان وهي تُعد كتابها وترجمتها لهايكو ماتسو باشو؟
- ونحن نناقش إشكالاتنا مع الترجمة لا يمكن أن نتجاوز دور الجوائز الأدبية؛ فالأعمال الفائزة في كثير منها محكوم بمعايير قد تكون هي المعايير نفسها التي تحكم ترجمة هذه الأعمال، وتدفع كُتابا عربا إلى الكتابة في هذا الاتجاه، رغبة منهم في ترجمة أعمالهم…هنا تصبح الجوائز إحدى مشاكل الترجمة؟
رأيي الشخصي في الجوائز عموماً، بما في ذلك جوائز الترجمة، وحتى جائزة نوبل، أنها محكومة إلى حدٍ بعيد بمعايير عديدة ليست بالضرورة هي المعايير الإبداعية. وأوافقك القول إن هناك من الكُتاب من ذهبوا يكتبون بطريقة ما في موضوعات يحسبون أنها كفيلة بإثارة الكثير من اللغط، ومن ثم الحماس لترجمتها إلى اللغات الأخرى، فتتفتح أمامهم أبواب الشهرة والكسب والوصول إلى العالمية. ما يمكن أن يرجوه المرء بهذا الخصوص هو ألا يكون ذلك على حساب القضايا الوطنية أو على حساب الذوق الرفيع والإبداع النبيل.
الأدب والترجمة التجارية
- يبقى الأدب طاغياً على مجمل ما يُترجم من أعمال إلى العربية فيما تغيب الأعمال ذات العلاقة بالعلوم والدين والسياسة، أهو غياب الحرية أم قصور وعي الناشر؟ أم ماذا؟
أحسب أن الأدب على صعوبة ترجمته ميدان مفتوح يمكن لأي عابر سبيل أو هاوٍ أن يدلي بدلوه فيه. أما العلوم فتخصص لا يُقدِم عليه إلا متخصص، وأخشى أن أقول إن المتخصصين القادرين المتمكنين من نقلها بعربية سليمة حصيفة هم قليلون. ولعل حال المجال الديني والسياسي أفضل من حال المجال العلمي، وإن كانا محفوفين ببعض المحاذير، فهناك أعداد أكبر من المُترجمِين في هذين المجالين.
- كذلك في مجمل ما نترجمه إلى العربية، نجد كثيرا من الأعمال تعاني من قصورٍ واضح؟
الحوافز المادية في زمننا هي ما يُخرج الناس من بيوتهم بمن فيهم الناشر والسياسي والفقيه والتاجر، هل تريدني أن أضيف الكاتب والمُترجِم؟ ليكن. نعم صار هناك كم هائل من الكتابات والترجمات أيضاً هي نتاج هذا السعي المحموم وراء الكسب. فلا عجب إذن أن تجد ترجمات عديدة من تلك التي أشرتْ إليها. والجامعات والمؤسسات هي جزء من هذه الحال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.