اسعار اللحوم اليوم السبت 23-8-2025 في الدقهلية    أسعار الفراخ البيضاء اليوم السبت 23-8-2025 في الدقهلية    محافظ المنيا: إزالة 518 حالة تعدٍ على الأراضي وأملاك الدولة    23 شهيدًا جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ فجر اليوم    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    لجنة الاستئناف تحكم بثبوت مخالفة الهلال بعد انسحابه من السوبر السعودي    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة ومروان عطية يتابع تأهيله    الزمالك يتظلم من قرار سحب أرض النادي ب 6 أكتوبر ويؤكد صحة موقفه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    ضبط 124 ألف مخالفة متنوعة في حملات لتحقيق الانضباط المروري خلال 24 ساعة    ضبط 4 أطنان من الدقيق الأبيض والبلدي المدعم في حملات تموينية خلال 24 ساعة    مصرع وإصابة أربعة أشخاص إثر حادث تصادم بين سيارتين بأسيوط    دينا الشربيني تشارك روبي الغناء بحضور كريم محمود عبد العزيز وزوجته    شيرين عبد الوهاب: ياسر قنطوش لا يمثل أي شئ لي قانونيًا    زيارة مفاجئة لوكيل صحة أسيوط لعددا من المستشفيات بحى غرب    ضبط 90 طن أعلاف حيوانية فاسدة داخل مصنع بالقليوبية    إنفوجراف| أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس    1350 مجمعا استهلاكيا يطرح 15 سلعة بتخفيضات ضمن مبادرة خفض الأسعار    تفعيل المشاركة المجتمعية لتطوير وصيانة المدارس واستكمال التشجير بأسيوط    «صحح مفاهيمك».. مبادرة دعوية خارج المساجد بمشاركة 15 وزارة    ما أسباب استجابة الدعاء؟.. واعظة بالأزهر تجيب    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحيي ذكرى وفاة العالم الكبير الشيخ مصطفى المراغي    ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    طلاب الثانوية الأزهرية الدور الثانى يؤدون اليوم امتحان التاريخ والفيزياء    تجديد حبس عاطل وشقيقته بتهمة جلب 3000 قرص مخدر داخل طرد بريدي    ضبط لحوم وسلع غذائية فاسدة وتحرير 260 محضرًا في حملات تموينية بأسيوط    موعد مباراة النصر والأهلي والقنوات الناقلة بنهائي كأس السوبر السعودي    اليوم.. اجتماع الجمعية العمومية العادية للإسماعيلي لمنافشة الميزانية والحساب الختامي    شباب في خدمة الوطن.. أندية التطوع والجوالة يعبرون رفح ويقدمون المساعدات لقطاع غزة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : إلى أين!?    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    جامعة القاهرة تُطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    الأمم المتحدة: نصف مليون شخص بغزة محاصرون فى مجاعة    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    وزارة الخارجية الروسية تكشف عدد المواطنين الروس المتبقين في غزة    وزارة التعليم تكشف تفاصيل تطوير منهج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات    اتحاد العمال: بدء إنتاج السيارات وتشغيل وحدة الحديد والصلب خطوات نحو عصر صناعي جديد    استشهاد 19 فلسطينيا إثر قصف إسرائيل خيام النازحين بخان يونس ومخيم المغازي    وزارة الصحة تقدم 3 نصائح هامة لشراء الألبان    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    سعر طن الحديد اليوم السبت 23-8-2025 في أسواق مواد البناء.. عز بكام النهارده؟    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالوهاب المقالح: نقل أعمالنا بأيدينا إلى لغات أخرى إشكالية كبيرة
نشر في صوت البلد يوم 30 - 07 - 2017

في الحوار مع المُترجِم اليمني عبدالوهاب المقالح نقارب عدداً من إشكالات الترجمة العربية، انطلاقاً من تجربته بين ثقافتي الشرق والغرب. صدر للمقالح، وهو شاعر وأستاذ ترجمة في جامعة صنعاء، العديد من الترجمات عن عدد من المؤسسات المحلية والعربية، ولعل من أحدث ترجماته «بيتٌ بجانبِ الطريق»، وهو مختارات شعرية من الشرق والغرب صدرت ضمن سلسلة «كتاب الرافد» في الشارقة:
- من واقع تجربتك؛ ما أبرز المعوقات التي تواجهك كمُترجِم؟
يخيل لي أحياناً أن المعوق الأبرز هو تعاملي الجدي وحتى البريء مع ما هي الترجمة جديرة به من الجدية، الجدية بمعنى أنها جزء من حياتي وكينونتي الشخصية، والبراءة من أي أغراض مادية أو معنوية، في زمن صار اللهاث وراء المادة بالذات هو ما يستحث الناس للخروج من بيوتهم، بمن فيهم الناشر والسياسي والتاجر وغيرهم. هذا العائق الشخصي البحت جعلني مؤخراً أُترجِم وأودع ما أترجمه في درج ما، بل إن ذلك ما كنتُ أفعله منذ البداية، حتى اقتحم خالد الرويشان حين كان رئيس الهيئة اليمنية للكتاب، عليّ خصوصيتي وأخرج تلك الأعمال.
- من ترجماتك نجد اهتماماً خاصاً بالترجمة من ثقافة الشرق، لِمَ اتجهتْ شرقاً؟
تخرجت من قسم اللغة العربية، وكنتُ أُدرس اللغة العربية في معاهد المعلمين. ولما حظيت بفرصة دراسة الماجستير في أمريكا كانت في مجال التربية، وخلال دراستي هناك بذلتُ كل الجهد للالتصاق باللغة الإنكليزية، ثم رُشحت للدراسة في اسكتلندا بعد أن حولت من تدريس العربية إلى تدريس الإنكليزية، للحفاظ على اللغة الأجنبية، وكنتُ، خلال ذلك، أواصل ترجماتي المنتقاة. وعندما أُتيحت لي فرصة مواصلة الدراسات العليا في الهند اخترتُ موضوع رسالة الدكتوراه في الترجمة وتعلم اللغة الإنكليزية، لكي أتمكن من تأسيس نفسي إلى حد ما في هذا المجال. أما عن الاتجاه شرقاً إن جاز التعبير فهو لم يكن إرادياً، بل نَجَمَ عما استجد من صلة بالقراءات. إن من أول ترجماتي كُتيب «طواف» ورواية «روزهالده» لهرمان هيسه الألماني، ورواية «الأرامل» التشيلية، وبعد ذلك جاءت ترجمة الملحمة الهندية «المهابهاراتا» وترجمة القصص الصينية «الباحثون عن الذهب»، وما تبع ذلك من ترجمات شرقية على حد قولك.
خصوصية شرقية
- ما الذي يُحدد اختياراتك للأعمال التي تترجمها؟ ولِمَ تمحور معظم ما ترجمته شرقاً في الأدب والفكر الروحي والفلسفي.. هل باعتبارها، من وجهة نظرك مثلاً، خصوصية شرقية جديرة بالترجمة ونقلها عربياً أم ماذا؟
التعامل الجدي مع الترجمة يبدأ حسب ظني من هذه النقطة، أياً كان نوع العمل الذي يُقدِم عليه المُترجِم، قصيدة أو قصة أو رواية أو عملاً فكرياً. ينبغي للمُترجِم أن يعلقَ في شراك العمل الذي يقرأه فلا يستطيع منه فكاكاً إلا بترجمته، وتشارُك بهجة الأسر ذاك مع الآخرين. هذا هو ما يُحدد اختياراتي لما أترجمه غالباً، سواء كان شرقياً أم غربياً. أما ما ذكرته عن كون ما ترجمته خصوصية شرقية جديرة بالنقل إلى العربية، فلا ريب أن في ذلك قدراً كبيراً من الصحة. وقد أشرتُ في مقدمة كتاب «مقولات يوغا بتنجالي» إلى هذه النقطة حين ذكرتُ أن ذلك الكتاب تُرجم إلى اللغات الأوروبية قبل أكثر من مئة سنة؛ فكان رافداً عظيماً من روافد الثقافة الغربية في مجال الفلسفة وعلم النفس، وحتى في حياة الأفراد العملية. وفي العام الماضي ترجمتُ كتاب «معجزات الزن» لأمريكية قضت خمسا وعشرين سنة تُعالج المرضى النفسانيين، ثم ألفتْ ذلك الكتاب مشيرة إلى أنه يقدم حلولاً في مجال الطب النفسي تتفوق على ما توصل إليه الجهد العلمي الغربي في هذا المجال.
- لكن ما ترجمته عن ثقافة الشرق هو عن كتابات وترجمات إنكليزية، إلى أي مدى تؤثر اللغة الوسيطة في مضمون ما تترجِم؟
لا، لم تكن الأعمال التي ترجمتها هي ترجمات إنكليزية من لغات شرقية باستثناء «حصاد الهايكو» و«طواف» و«روزهالدة» للألماني هرمان هيسه المنقولين من الألمانية. أما بقية الترجمات فهي كُتبت بالإنكليزية، خصوصاً ما كان منها من تأليف كُتاب هنود أو حتى صينيين. نعم، الترجمة عبر لغة وسيطة موجودة. ولو توقفنا عند مقولة أحد الايطاليين الذي قال إن الترجمة خيانة، فالترجمة عبر لغة وسيطة هي خيانة الخيانة. ومهما حمله هذا القول من الصحة، إلا أن هذا النمط من الترجمة ساري المفعول. وهناك ترجمات من هذا النمط فاقت الترجمات المباشرة من لغة المصدر. الأمر يتوقف على مَن هو المُترجِم، وما هو العمل الذي يترجمه، وكيف تعامل معه.
- بم تفسر هذه العلاقة البائسة في اهتمامنا العربي بثقافة الشرق…وقله المُترجمِين المشتغلين على هذه الثقافة، على الرغم من قُربها وحرصها على التقارب معنا؟
قد لا يكون ما سأقوله بهذا الشأن دقيقاً مقنعاً. غير أني أتصور أن العامل الديني لعب دوراً مهماً في هذا؛ إذ يعتقد العرب أنهم أصحاب الرسالة السماوية الأخيرة، في حين أن الشرقيين عبدة أبقار وأوثان، ناسين أن خالق البشر كلهم هو الله، وهو القائل في القرآن الكريم: «آمَنَ الرَسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌ آمَنَ بِاللَهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِه» و«لِكُلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا». صحيح أن الممارسات الإنسانية للأديان كلها قد اعتراها التطبيق المغلوط أو التحريف الممنهج، بما في ذلك ديننا الإسلامي للأسف الشديد، فضلاً عن أن التقدم الغربي التكنولوجي بالذات، والتخلف الشامل الذي يسود عالمنا العربي قد جعل الأعين تتطلع صوب هذا الغرب بوعي أو بدون وعي.
ترجمة أنفسنا
-أليس مُخجلاً أن ما يترجمه الغرب عنا أكثر بكثير مما نترجم له عن أنفسنا، وهنا يسأل بعضهم: لم لا نُترجم أنفسنا بأيدينا إلى اللغات الأخرى؟
لابد أن الأمر، في جزءٍ منه، يعود إلى حالتنا السياسية والثقافية والتكنولوجية وحالتهم. وفي جزء آخر يعود إلى العامل المادي التجاري بالذات. أقصد ما الذي يجعل رواية كرواية «بنات الرياض» تًترجم في زمن قصير إلى عدة لغات. أهي عظمة الرواية وروعتها؟ أم هو موضوعها وبلدها وما يمكن أن يدره تسويقها للناشر والكاتب والمُترجِم؟ أما ترجمة أنفسنا بأيدينا إلى لغات أخرى فإشكالية كبيرة، وهذا يذكرني بالمتُرجِم الإنكليزي دينس جونسون ديفيز، الذي أمضى أكثر من سبعين عاماً ينقل الأدب العربي إلى الإنكليزية. وقد ذكر الكثير من الإشكاليات والمحن في كتابه «ذكرياتي عن الترجمة». الترجمة من اللغة الأم إلى لغات أجنبية محفوفة بصعوبات كثيرة، لذا فإن قدراً كبيراً من الترجمة يتم من اللغات الأجنبية في العالم أجمع تقريباً إلى اللغة الأم. وحين ذكر(جونسون) هذا لطلاب ومُترجمِين في جامعة دمشق، عجز عن إقناعهم، فأسعفه الراحل جبرا إبراهيم جبرا، الذي كان حاضراً، فقال ما خلاصته إنه ترجم الكثير من الأدب الإنكليزي والأمريكي، لكنه لو أراد أن يُقدم إحدى رواياته هو إلى القارئ الإنكليزي فسيطلب من «جونسون ديفيز» أن يتولى هذه المَهمَة، فاقتنع الحاضرون.
- لكن، للأسف، الترجمة الغربية للمنتج الثقافي العربي محكومة بخيارات وأحكام ووعي غربي مغلوط تجاه ثقافتنا…ولهذا فترجمته لنا لا تخدم معرفته الإنسانية بنا بقدر ما توسع الهوة بين الثقافتين؟
صحيح إلى حد بعيد، خصوصاً إذا كان ما يُحرك الترجمة والمتُرجمِين هو الغاية المادية أو السياسية؛ فإن الترجمة عندئذ يعتريها الكثير من التشويه والتحريف والحذف بسبب الاستعجال. أما الترجمة الأمينة المبرأة من كل هذا، فمسألة أخرى. قل لي: ما الذي يجعل مُترجِم «ألف ليلة وليلة» يُنفق في ترجمته خمسة وعشرين عاماً؟ وما الذي يجعل أمريكية تُنفق عشر سنوات متنقلة بين بلادها واليابان وهي تُعد كتابها وترجمتها لهايكو ماتسو باشو؟
- ونحن نناقش إشكالاتنا مع الترجمة لا يمكن أن نتجاوز دور الجوائز الأدبية؛ فالأعمال الفائزة في كثير منها محكوم بمعايير قد تكون هي المعايير نفسها التي تحكم ترجمة هذه الأعمال، وتدفع كُتابا عربا إلى الكتابة في هذا الاتجاه، رغبة منهم في ترجمة أعمالهم…هنا تصبح الجوائز إحدى مشاكل الترجمة؟
رأيي الشخصي في الجوائز عموماً، بما في ذلك جوائز الترجمة، وحتى جائزة نوبل، أنها محكومة إلى حدٍ بعيد بمعايير عديدة ليست بالضرورة هي المعايير الإبداعية. وأوافقك القول إن هناك من الكُتاب من ذهبوا يكتبون بطريقة ما في موضوعات يحسبون أنها كفيلة بإثارة الكثير من اللغط، ومن ثم الحماس لترجمتها إلى اللغات الأخرى، فتتفتح أمامهم أبواب الشهرة والكسب والوصول إلى العالمية. ما يمكن أن يرجوه المرء بهذا الخصوص هو ألا يكون ذلك على حساب القضايا الوطنية أو على حساب الذوق الرفيع والإبداع النبيل.
الأدب والترجمة التجارية
- يبقى الأدب طاغياً على مجمل ما يُترجم من أعمال إلى العربية فيما تغيب الأعمال ذات العلاقة بالعلوم والدين والسياسة، أهو غياب الحرية أم قصور وعي الناشر؟ أم ماذا؟
أحسب أن الأدب على صعوبة ترجمته ميدان مفتوح يمكن لأي عابر سبيل أو هاوٍ أن يدلي بدلوه فيه. أما العلوم فتخصص لا يُقدِم عليه إلا متخصص، وأخشى أن أقول إن المتخصصين القادرين المتمكنين من نقلها بعربية سليمة حصيفة هم قليلون. ولعل حال المجال الديني والسياسي أفضل من حال المجال العلمي، وإن كانا محفوفين ببعض المحاذير، فهناك أعداد أكبر من المُترجمِين في هذين المجالين.
- كذلك في مجمل ما نترجمه إلى العربية، نجد كثيرا من الأعمال تعاني من قصورٍ واضح؟
الحوافز المادية في زمننا هي ما يُخرج الناس من بيوتهم بمن فيهم الناشر والسياسي والفقيه والتاجر، هل تريدني أن أضيف الكاتب والمُترجِم؟ ليكن. نعم صار هناك كم هائل من الكتابات والترجمات أيضاً هي نتاج هذا السعي المحموم وراء الكسب. فلا عجب إذن أن تجد ترجمات عديدة من تلك التي أشرتْ إليها. والجامعات والمؤسسات هي جزء من هذه الحال.
في الحوار مع المُترجِم اليمني عبدالوهاب المقالح نقارب عدداً من إشكالات الترجمة العربية، انطلاقاً من تجربته بين ثقافتي الشرق والغرب. صدر للمقالح، وهو شاعر وأستاذ ترجمة في جامعة صنعاء، العديد من الترجمات عن عدد من المؤسسات المحلية والعربية، ولعل من أحدث ترجماته «بيتٌ بجانبِ الطريق»، وهو مختارات شعرية من الشرق والغرب صدرت ضمن سلسلة «كتاب الرافد» في الشارقة:
- من واقع تجربتك؛ ما أبرز المعوقات التي تواجهك كمُترجِم؟
يخيل لي أحياناً أن المعوق الأبرز هو تعاملي الجدي وحتى البريء مع ما هي الترجمة جديرة به من الجدية، الجدية بمعنى أنها جزء من حياتي وكينونتي الشخصية، والبراءة من أي أغراض مادية أو معنوية، في زمن صار اللهاث وراء المادة بالذات هو ما يستحث الناس للخروج من بيوتهم، بمن فيهم الناشر والسياسي والتاجر وغيرهم. هذا العائق الشخصي البحت جعلني مؤخراً أُترجِم وأودع ما أترجمه في درج ما، بل إن ذلك ما كنتُ أفعله منذ البداية، حتى اقتحم خالد الرويشان حين كان رئيس الهيئة اليمنية للكتاب، عليّ خصوصيتي وأخرج تلك الأعمال.
- من ترجماتك نجد اهتماماً خاصاً بالترجمة من ثقافة الشرق، لِمَ اتجهتْ شرقاً؟
تخرجت من قسم اللغة العربية، وكنتُ أُدرس اللغة العربية في معاهد المعلمين. ولما حظيت بفرصة دراسة الماجستير في أمريكا كانت في مجال التربية، وخلال دراستي هناك بذلتُ كل الجهد للالتصاق باللغة الإنكليزية، ثم رُشحت للدراسة في اسكتلندا بعد أن حولت من تدريس العربية إلى تدريس الإنكليزية، للحفاظ على اللغة الأجنبية، وكنتُ، خلال ذلك، أواصل ترجماتي المنتقاة. وعندما أُتيحت لي فرصة مواصلة الدراسات العليا في الهند اخترتُ موضوع رسالة الدكتوراه في الترجمة وتعلم اللغة الإنكليزية، لكي أتمكن من تأسيس نفسي إلى حد ما في هذا المجال. أما عن الاتجاه شرقاً إن جاز التعبير فهو لم يكن إرادياً، بل نَجَمَ عما استجد من صلة بالقراءات. إن من أول ترجماتي كُتيب «طواف» ورواية «روزهالده» لهرمان هيسه الألماني، ورواية «الأرامل» التشيلية، وبعد ذلك جاءت ترجمة الملحمة الهندية «المهابهاراتا» وترجمة القصص الصينية «الباحثون عن الذهب»، وما تبع ذلك من ترجمات شرقية على حد قولك.
خصوصية شرقية
- ما الذي يُحدد اختياراتك للأعمال التي تترجمها؟ ولِمَ تمحور معظم ما ترجمته شرقاً في الأدب والفكر الروحي والفلسفي.. هل باعتبارها، من وجهة نظرك مثلاً، خصوصية شرقية جديرة بالترجمة ونقلها عربياً أم ماذا؟
التعامل الجدي مع الترجمة يبدأ حسب ظني من هذه النقطة، أياً كان نوع العمل الذي يُقدِم عليه المُترجِم، قصيدة أو قصة أو رواية أو عملاً فكرياً. ينبغي للمُترجِم أن يعلقَ في شراك العمل الذي يقرأه فلا يستطيع منه فكاكاً إلا بترجمته، وتشارُك بهجة الأسر ذاك مع الآخرين. هذا هو ما يُحدد اختياراتي لما أترجمه غالباً، سواء كان شرقياً أم غربياً. أما ما ذكرته عن كون ما ترجمته خصوصية شرقية جديرة بالنقل إلى العربية، فلا ريب أن في ذلك قدراً كبيراً من الصحة. وقد أشرتُ في مقدمة كتاب «مقولات يوغا بتنجالي» إلى هذه النقطة حين ذكرتُ أن ذلك الكتاب تُرجم إلى اللغات الأوروبية قبل أكثر من مئة سنة؛ فكان رافداً عظيماً من روافد الثقافة الغربية في مجال الفلسفة وعلم النفس، وحتى في حياة الأفراد العملية. وفي العام الماضي ترجمتُ كتاب «معجزات الزن» لأمريكية قضت خمسا وعشرين سنة تُعالج المرضى النفسانيين، ثم ألفتْ ذلك الكتاب مشيرة إلى أنه يقدم حلولاً في مجال الطب النفسي تتفوق على ما توصل إليه الجهد العلمي الغربي في هذا المجال.
- لكن ما ترجمته عن ثقافة الشرق هو عن كتابات وترجمات إنكليزية، إلى أي مدى تؤثر اللغة الوسيطة في مضمون ما تترجِم؟
لا، لم تكن الأعمال التي ترجمتها هي ترجمات إنكليزية من لغات شرقية باستثناء «حصاد الهايكو» و«طواف» و«روزهالدة» للألماني هرمان هيسه المنقولين من الألمانية. أما بقية الترجمات فهي كُتبت بالإنكليزية، خصوصاً ما كان منها من تأليف كُتاب هنود أو حتى صينيين. نعم، الترجمة عبر لغة وسيطة موجودة. ولو توقفنا عند مقولة أحد الايطاليين الذي قال إن الترجمة خيانة، فالترجمة عبر لغة وسيطة هي خيانة الخيانة. ومهما حمله هذا القول من الصحة، إلا أن هذا النمط من الترجمة ساري المفعول. وهناك ترجمات من هذا النمط فاقت الترجمات المباشرة من لغة المصدر. الأمر يتوقف على مَن هو المُترجِم، وما هو العمل الذي يترجمه، وكيف تعامل معه.
- بم تفسر هذه العلاقة البائسة في اهتمامنا العربي بثقافة الشرق…وقله المُترجمِين المشتغلين على هذه الثقافة، على الرغم من قُربها وحرصها على التقارب معنا؟
قد لا يكون ما سأقوله بهذا الشأن دقيقاً مقنعاً. غير أني أتصور أن العامل الديني لعب دوراً مهماً في هذا؛ إذ يعتقد العرب أنهم أصحاب الرسالة السماوية الأخيرة، في حين أن الشرقيين عبدة أبقار وأوثان، ناسين أن خالق البشر كلهم هو الله، وهو القائل في القرآن الكريم: «آمَنَ الرَسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌ آمَنَ بِاللَهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِه» و«لِكُلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا». صحيح أن الممارسات الإنسانية للأديان كلها قد اعتراها التطبيق المغلوط أو التحريف الممنهج، بما في ذلك ديننا الإسلامي للأسف الشديد، فضلاً عن أن التقدم الغربي التكنولوجي بالذات، والتخلف الشامل الذي يسود عالمنا العربي قد جعل الأعين تتطلع صوب هذا الغرب بوعي أو بدون وعي.
ترجمة أنفسنا
-أليس مُخجلاً أن ما يترجمه الغرب عنا أكثر بكثير مما نترجم له عن أنفسنا، وهنا يسأل بعضهم: لم لا نُترجم أنفسنا بأيدينا إلى اللغات الأخرى؟
لابد أن الأمر، في جزءٍ منه، يعود إلى حالتنا السياسية والثقافية والتكنولوجية وحالتهم. وفي جزء آخر يعود إلى العامل المادي التجاري بالذات. أقصد ما الذي يجعل رواية كرواية «بنات الرياض» تًترجم في زمن قصير إلى عدة لغات. أهي عظمة الرواية وروعتها؟ أم هو موضوعها وبلدها وما يمكن أن يدره تسويقها للناشر والكاتب والمُترجِم؟ أما ترجمة أنفسنا بأيدينا إلى لغات أخرى فإشكالية كبيرة، وهذا يذكرني بالمتُرجِم الإنكليزي دينس جونسون ديفيز، الذي أمضى أكثر من سبعين عاماً ينقل الأدب العربي إلى الإنكليزية. وقد ذكر الكثير من الإشكاليات والمحن في كتابه «ذكرياتي عن الترجمة». الترجمة من اللغة الأم إلى لغات أجنبية محفوفة بصعوبات كثيرة، لذا فإن قدراً كبيراً من الترجمة يتم من اللغات الأجنبية في العالم أجمع تقريباً إلى اللغة الأم. وحين ذكر(جونسون) هذا لطلاب ومُترجمِين في جامعة دمشق، عجز عن إقناعهم، فأسعفه الراحل جبرا إبراهيم جبرا، الذي كان حاضراً، فقال ما خلاصته إنه ترجم الكثير من الأدب الإنكليزي والأمريكي، لكنه لو أراد أن يُقدم إحدى رواياته هو إلى القارئ الإنكليزي فسيطلب من «جونسون ديفيز» أن يتولى هذه المَهمَة، فاقتنع الحاضرون.
- لكن، للأسف، الترجمة الغربية للمنتج الثقافي العربي محكومة بخيارات وأحكام ووعي غربي مغلوط تجاه ثقافتنا…ولهذا فترجمته لنا لا تخدم معرفته الإنسانية بنا بقدر ما توسع الهوة بين الثقافتين؟
صحيح إلى حد بعيد، خصوصاً إذا كان ما يُحرك الترجمة والمتُرجمِين هو الغاية المادية أو السياسية؛ فإن الترجمة عندئذ يعتريها الكثير من التشويه والتحريف والحذف بسبب الاستعجال. أما الترجمة الأمينة المبرأة من كل هذا، فمسألة أخرى. قل لي: ما الذي يجعل مُترجِم «ألف ليلة وليلة» يُنفق في ترجمته خمسة وعشرين عاماً؟ وما الذي يجعل أمريكية تُنفق عشر سنوات متنقلة بين بلادها واليابان وهي تُعد كتابها وترجمتها لهايكو ماتسو باشو؟
- ونحن نناقش إشكالاتنا مع الترجمة لا يمكن أن نتجاوز دور الجوائز الأدبية؛ فالأعمال الفائزة في كثير منها محكوم بمعايير قد تكون هي المعايير نفسها التي تحكم ترجمة هذه الأعمال، وتدفع كُتابا عربا إلى الكتابة في هذا الاتجاه، رغبة منهم في ترجمة أعمالهم…هنا تصبح الجوائز إحدى مشاكل الترجمة؟
رأيي الشخصي في الجوائز عموماً، بما في ذلك جوائز الترجمة، وحتى جائزة نوبل، أنها محكومة إلى حدٍ بعيد بمعايير عديدة ليست بالضرورة هي المعايير الإبداعية. وأوافقك القول إن هناك من الكُتاب من ذهبوا يكتبون بطريقة ما في موضوعات يحسبون أنها كفيلة بإثارة الكثير من اللغط، ومن ثم الحماس لترجمتها إلى اللغات الأخرى، فتتفتح أمامهم أبواب الشهرة والكسب والوصول إلى العالمية. ما يمكن أن يرجوه المرء بهذا الخصوص هو ألا يكون ذلك على حساب القضايا الوطنية أو على حساب الذوق الرفيع والإبداع النبيل.
الأدب والترجمة التجارية
- يبقى الأدب طاغياً على مجمل ما يُترجم من أعمال إلى العربية فيما تغيب الأعمال ذات العلاقة بالعلوم والدين والسياسة، أهو غياب الحرية أم قصور وعي الناشر؟ أم ماذا؟
أحسب أن الأدب على صعوبة ترجمته ميدان مفتوح يمكن لأي عابر سبيل أو هاوٍ أن يدلي بدلوه فيه. أما العلوم فتخصص لا يُقدِم عليه إلا متخصص، وأخشى أن أقول إن المتخصصين القادرين المتمكنين من نقلها بعربية سليمة حصيفة هم قليلون. ولعل حال المجال الديني والسياسي أفضل من حال المجال العلمي، وإن كانا محفوفين ببعض المحاذير، فهناك أعداد أكبر من المُترجمِين في هذين المجالين.
- كذلك في مجمل ما نترجمه إلى العربية، نجد كثيرا من الأعمال تعاني من قصورٍ واضح؟
الحوافز المادية في زمننا هي ما يُخرج الناس من بيوتهم بمن فيهم الناشر والسياسي والفقيه والتاجر، هل تريدني أن أضيف الكاتب والمُترجِم؟ ليكن. نعم صار هناك كم هائل من الكتابات والترجمات أيضاً هي نتاج هذا السعي المحموم وراء الكسب. فلا عجب إذن أن تجد ترجمات عديدة من تلك التي أشرتْ إليها. والجامعات والمؤسسات هي جزء من هذه الحال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.